قتل ودمار في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان تلك هي الحياة المعاشية الصعبة التي تعيشها سوريا خلال ستة أعوام بسبب اثار الحرب التي اندلعت في اذار/مارس 2011 جراء قمع تظاهرات كانت تنادي بالديموقراطية، دارت في البداية بين النظام ومعارضيه، ثم ازدادت تعقيدا مع الوقت. واجتذبت منذ ذلك الحين قوى إقليمية وعالمية وسمحت لتنظيم داعش الارهابي بالسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية وتسببت في أكبر أزمة لاجئين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
فقد أسفر هذا النزاع الدامي الى مقتل أكثر من 321 ألفا بحسب تقارير المرصد السوري وتم الإبلاغ عن فقد 145 ألفا آخرين. وأضاف المرصد أن من بين القتلى أكثر من 96 ألف مدني. وبحسب التقارير ان تنظيم داعش الإرهابي يحاصر حوالي 110 آلاف شخص في دير الزور (شرق) و20 الفا محاصرون من "جبهة النصرة" ومجموعات اخرى في ادلب. وهناك عشرة آلاف محاصرون من مجموعات مسلحة والجيش السوري في مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق. في كل نزاع او حروب في البلدان تكون أكثر الضحايا والاكثر تأثيرا بها هم الأطفال وفي الحرب السورية الأطفال دفعوا ثمنا باهض حيث تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ان عام 2016 يعتبر الاسوأ بالنسبة لأطفال سوريا ويقدر عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها بسبب الحصار والحرب بحوالي 2.8 مليون طفل سوري.
ثلث الأطفال السوريين يعانون من اضطرابات نفسية هذا ماجاء ضمن تقارير هيئة إنقاذ الطفولة الخيرية الدولية والسبب الحرب القائمة في سوريا حيث اغلب هؤلاء الأطفال شاهدوا امام اعينهم أصدقاءهم وعائلاتهم يموتون أو يدفنون تحت أنقاض بيوتهم. شاهدوا بيوتهم وهي عبارة عن أنقاض مدينتهم مدمرة مدارسهم محطمة وكتبهم ممزقة.
عاشوا أجواء صعبة وحوادث مريعة فتكون نتائج هذه الحوادث سلبية على مشاعر ونفسيات الأطفال فتظهر عليهم أعراض اضطرابات شديدة في المشاعر ويفتقرون إلى الدعم النفسي فيما "يكافح الآباء أنفسهم للتكيف." وتراوحت الآثار من اضطرابات النوم والانطواء إلى إيذاء الذات والشروع في الانتحار. وبعضهم فقد القدرة على التكلم.
من جانب اخر أظهر تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية، أن سوريا هي البلد الأكثر خطورة في العالم بالنسبة للعاملين في القطاع الصحي، متقدمة بفارق كبير على الأراضي الفلسطينية وباكستان واليمن فقد قتل اكثر من 700 طبيب وعامل في المجال الطبي في سوريا منذ بدء الحرب.
أيضا نتيجة النزاع الدامي في سوريا منذ سنوات والذي ادى بدمار هائل في البنى التحتية وهجرة المئات من الرجال بشكل يومي، وقتل من يتبقى داخل البلاد بشكل وحشي فضلا عن اعتقال وسجن الاخرين أدى هذا كله الى انتشار اعداد النساء الارامل والمطلقات بشكل كبير الامر الذي جعل من تعدد الزيجات في سوريا امر شائع بعد ان كانت نادرة قبل الحرب السورية وبلغت نسبة تعدد الزوجات في العام 2015 وبحسب الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية التابعة لمدينة دمشق، نحو 30 في المئة مقابل خمسة في المئة فقط في العام 2010.
حصيلة القتلى
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه وثق مقتل أكثر من 321 ألفا منذ بدء الحرب كما تم الإبلاغ عن فقد 145 ألفا آخرين. وأضاف المرصد أن من بين القتلى أكثر من 96 ألف مدني. وقال إن القوات الحكومية وحلفاءها قتلوا أكثر من 83500 مدني من بينهم أكثر من 27500 في غارات جوية و14600 بسبب التعذيب في السجون فيما قتل قصف من جماعات المعارضة المسلحة سبعة آلاف مدني. بحسب رويترز.
وأضاف المرصد أن داعش الارهابي قتلت أكثر من 3700 مدني فيما قتلت الضربات الجوية التي شنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة 920 مدنيا فيما قتلت تركيا التي تدعم جماعات في المعارضة المسلحة في شمال سوريا أكثر من 500 مدني. واوضح ان من بين القتلى المدنيين 15099 طفلا و10018 امرأة. كما احصى المرصد مقتل 52359 مقاتلا من الفصائل المقاتلة والإسلامية وقوات سوريا الديموقراطية التي تشكل الوحدات الكردية المكون الابرز فيها، بالاضافة الى 52031 جهاديا بينهم اجانب. في المقابل، قتل 107054 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتحالفين معها، بينهم 59006 جنديا و1321 عنصرا من حزب الله اللبناني. ووثق المرصد ايضا مقتل 3645 شخصا مجهولي الهوية.
وتنفي الحكومة السورية وروسيا استهداف مدنيين أو استخدام التعذيب أو عمليات القتل خارج الإطار القانوني. كما تنفي أغلب جماعات المعارضة المسلحة وتركيا استهداف المدنيين أيضا. ويقول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إنه يحاول تجنب سقوط قتلى من المدنيين ويحقق دائما في تقارير عن وقوعها.
عدد السوريين المحاصرين
قال مسؤول العمليات الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبريان ان عدد المدنيين السوريين المحاصرين من قبل مجموعات مسلحة او قوات النظام السوري ارتفع ب 75 الفا ليبلغ 592الفا و700 شخص. واوضح المسؤول ان الرقم السابق كان 517 الفا و700 مدني لكن مدنيين آخرين باتوا محاصرين منذ آذار/مارس 2016 في حي الواعر بحمص الذي تحاول القوات الحكومية استعادته.
وبحسب المصدر ذاته فان 452 الفا و700 محاصرون من القوات الحكومية خصوصا في ريف دمشق. وهناك 110 آلاف شخص محاصرون من "تنظيم داعش الارهابي" في دير الزور (شرق) و20 الفا محاصرون من "جبهة النصرة" ومجموعات اخرى في ادلب. وهناك عشرة آلاف محاصرون من مجموعات مسلحة والجيش السوري في مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق. وعلق المسؤول الدولي قائلا "هذه الارقام صادمة لانها تظهر تدهورا واضحا لوضع المدنيين في الوقت الذي تسري فيه هدنة وقف الاعمال القتالية" في سوريا منذ نهاية شباط/فبراير 2016. وقال ان الحكومة السورية لم تسمح للامم المتحدة بنجدة سوى 14 بلدة وعرة المنافذ في حين طلبت الامم المتحدة الوصول الى 35 بلدة ضمنها حلب والواعر. بحسب فرانس برس.
لكن السفير السوري في الامم المتحدة بشار الجعفري رفض هذه الارقام مؤكدا ان بلاده سمحت بوصول 19 قافلة انسانية من 26 طلبتها الامم المتحدة في ايار/مايو، لكن ثلاثة قوافل فقط ارسلت فعليا. وقال ان الارقام التي تقدمها الامم المتحدة "بعيدة عن الواقع وتقوم على مصادر غير موثوقة". وتعد مسالة تحسين وصول المساعدات الانسانية من الملفات التي تعوق استئناف المفاوضات السورية في جنيف.
معاناة الاطفال
بلغت معاناة أطفال سوريا "الحضيض" نتيجة تصاعد أعمال العنف في 2016 ما جعل من هذا العام "الأسوأ" بالنسبة لهم مع اقتراب النزاع من دخول عامه السابع، وفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وقال التقرير "لقد دفع الأطفال ثمنا باهظا في حرب الست سنوات هذه، ووصلت معاناتهم الحضيض السنة الماضية نتيجة العنف الذي تصاعد بحدة".
وارتفع، بحسب اليونيسف "بشكل حاد خلال العام الماضي عدد حالات القتل والتشويه وتجنيد الأطفال"، حيث قتل "652 طفلا على الأقل، أي بارتفاع نسبته 20 بالمئة مقارنة مع العام 2015، مما يجعل من العام 2016 أسوأ عام لأطفال سوريا". وأفادت المنظمة بأن 225 طفلا قتلوا إما داخل المدارس أو قربها، كما تم تجنيد 850 طفلا "أي أكثر من الضعف مقارنة مع العام 2015".
ويتم تجنيد الأطفال، وفق اليونيسف "لكي يقاتلوا على الخطوط الأمامية مباشرة". وقد تشمل الأعمال التي يقومون بها "الإعدامات والأعمال الانتحارية بالأحزمة الناسفة" أو حراسة السجون. وشدد المدير الإقليمي لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خيرت كابالاري في بيان صحافي حول التقرير على "عمق هذه المعاناة غير مسبوق"، مضيفا "يتعرض ملايين الأطفال في سوريا للهجمات يوميا وتنقلب حياتهم رأسا على عقب".
وتابع كابلاري "يصاب كل طفل دون استثناء بجروح تلازمه مدى الحياة وتترك عواقب وخيمة على صحة الأطفال ورفاههم ومستقبلهم". بالإضافة إلى ضحايا القتال والقصف، "يموت الكثير من الأطفال بصمت غالبا نتيجة الأمراض التي كان من الممكن تجنبها بسهولة" بحسب اليونيسف. بحسب فرانس برس.
وأشارت المنظمة إلى أن الأطفال الأكثر ضعفا هم 2,8 مليون طفل يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها وبينهم 280 ألفا في مناطق محاصرة و"في حالة انقطاع شبه كامل عن تلقي المساعدات الإنسانية". ونتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة، تلجأ العائلات إن كان داخل سوريا أو في الدول التي تستضيف لاجئين إلى الزواج المبكر أو عمالة الأطفال.
أزمة الصحة العقلية
قالت هيئة إنقاذ الطفولة الخيرية الدولية إن ستة أعوام من العنف وإراقة الدماء أدت إلى أزمة في الصحة العقلية بين أطفال سوريا سيستمر تأثيرها لعشرات السنين. وخلصت الهيئة في تقرير وصفته بأنه أكبر مسح للصحة العقلية داخل سوريا أثناء الحرب إن الأطفال هناك يعانون على نحو متزايد من الخوف أو الغضب.
واعتمد البحث على مقابلات في سبع محافظات وشمل أكثر من 450 من الأطفال والآباء والمدرسين والأخصائيين النفسيين معظمهم في المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في محافظتي إدلب وحلب ومحافظة الحسكة التي يسيطر عليها الأكراد. وقال التقرير إنه إذا لم تتم معالجة هذه الحالات فإن الصدمات اليومية قد تؤدي إلى عواقب أخرى وتؤثر على تطور المخ في سنوات التكوين ومن المرجح أن تزيد من المشكلات الصحية في مرحلة البلوغ ومنها الاكتئاب وأمراض القلب.
وكشفت المقابلات أن معظم الأطفال أصبحوا أكثر عدوانية أو بدت عليهم أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة. ونقل التقرير عن فراس والد صبي عمره ثلاث سنوات قوله "ابني يستيقظ خائفا في أنصاف الليالي. يستيقظ وهو يصرخ." وأدى نقص المدارس إلى تفاقم الأزمة. وقالت هيئة إنقاذ الطفولة إن ثلث المدارس تحولت إلى أنقاض أو استخدمت لإيواء النازحين أو تحولت إلى قواعد عسكرية أو غرف تعذيب. بحسب رويترز.
وأشار التقرير كذلك إلى تزايد العنف الأسري وتزويج فتيات في سن صغيرة ربما تصل إلى الثانية عشرة. ودعت الهيئة إلى مزيد من برامج الصحة العقلية في أنحاء سوريا وإلى توفير تمويل كاف للموارد النفسية وإلى تدريب المدرسين. لكنها أضافت "في النهاية.. الأطفال في حاجة إلى القضاء على السبب الرئيسي للضغوط القوية التي يعانون منها ألا وهو العنف الذي لا يزال ينهمر على القرى والمدن السورية دون رادع."
القطاع الصحي
شكلت سوريا العام الماضي البلد الأكثر خطورة للعاملين في القطاع الصحي الذين يقدمون خدماتهم في ظل الصراعات أو في حالات الطوارئ، متقدمة بفارق كبير على الأراضي الفلسطينية وباكستان واليمن، وفقا لإحصاءات أصدرتها منظمة الصحة العالمية. وهذه المرة الأولى التي تنشر فيها الوكالة مثل هذه البيانات بشكل شامل، حسبما أوضح رئيس إدارة حالات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية ريك برينان لوسائل الإعلام.
وتشمل الأرقام التي قدمتها المنظمة هجمات وأعمال عنف أخرى سجلها العاملون في مجال الصحة على مدى العامين الماضيين في 19 بلدا. مشيرا الى ان "اكثر من 700 طبيب وعامل في المجال الطبي قتلوا في غارات على مستشفيات منذ بداية الحرب". وقال برينان إن "إحدى أكثر الأمور المثيرة للقلق هي أن ثلثي الهجمات كانت متعمدة". وأضاف "هذه الهجمات تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي".
وقد سجلت منظمة الصحة العالمية 135 هجوما العام الماضي، فضلا عن أعمال عنف أخرى ضد العاملين في المجال الطبي أو سواه من المرافق الطبية، ما أدى إلى مقتل 173 شخصا. أما في العام 2014 فكانت الهجمات أقل (93)، لكنها قتلت 179 شخصا. بحسب فرانس برس.
وكثيرا ما تستهدف الغارات الجوية مستشفيات حكومية وخاصة وميدانية، كما حدث في الغارة الجوية على مستشفى القدس الميداني في حي السكري في حلب، ما أسفر بحسب الدفاع المدني عن مقتل 30 مدنيا على الأقل، بينهم طبيب الأطفال الوحيد في الأحياء الشرقية. أو عندما تكون المستشفيات هدفا لقصف فصائل من المعارضة.
حالات الطلاق وتعدد الزوجات
نتيجة النزاع الدامي في سوريا المتواصل منذ أكثر من خمس سنوات، وما أسفر عنه من مقتل وهجرة المئات من الرجال بشكل يومي، ارتفعت نسبة تعدد الزوجات كما نسبة الطلاق، وفق أرقام رسمية. وتعدد الزوجات مسموح في سوريا، ولكنه كان نادرا في الماضي. أما اليوم فقد تغير الوضع، وبلغت نسبة تعدد الزوجات في العام 2015 وبحسب الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية التابعة لمدينة دمشق، نحو 30 في المئة مقابل خمسة في المئة فقط في العام 2010.
ويقول القاضي الشرعي الاول محمود المعراوي لفرانس برس "خلال الازمة استشهد الكثير من الشباب او فقدوا وهاجروا واصبح عدد النساء اكثر من الرجال، فحل القانون والشرع المشكلة بتعدد الزوجات". ويوضح المعراوي ان "المحكمة الشرعية تجاوزت عددا من الضوابط التي وضعها القانون للسماح بالزواج من امرأة ثانية من اجل مواجهة هذه الازمة"، في اشارة الى قيود قانونية كانت تفرض مثلا ألا يكون فارق السن كبيرا بين الرجل والزوجة الثانية، أو أن يكون لكل زوجة منزل مستقل.
وقانون الاحوال الشخصية للمسلمين في سوريا الذي يحكم الطلاق والزواج والتفريق والحضانة، مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية. أما الطوائف الاخرى فلها محاكمها الخاصة. وتقول الاختصاصية بعلم النفس الاجتماعي ليلى الشريف لفرانس برس "باتت المرأة اليوم تقبل بأي زوج يكفيها ماليا ويشعرها بالحماية وكانت لا تقبل به في الحالة العادية" قبل النزاع.
وبالتوازي مع ارتفاع نسبة تعدد الزوجات، زادت نسبة الطلاق ايضا. وقد سجلت المحكمة الشرعية في دمشق 7028 حالة طلاق في العام 2015 مقابل 5318 في العام 2010، أي بزيادة قدرها 25 في المئة. ويعود ارتفاع نسبة الطلاق، بحسب المعراوي، الى "أسباب اقتصادية وعدم امكانية تأمين مسكن مستقل، إذ تضطر العائلة لتقاسم المسكن او الانتقال للسكن مع الاهل، فضلا عن عدم قدرة الزوج على إعالة زوجته" بعد الأزمة التي أفقدت الكثيرين أعمالهم.
وبحسب الامم المتحدة، دفع النزاع بـ4,9 ملايين شخص للجوء الى خارج البلاد، فيما نزح اكثر من 6,6 ملايين آخرين داخلها. ويشرح المحامي جميل كردي لوكالة فرانس برس ان "المادة 109 من قانون الاحوال الشخصية تجيز التفريق للغيبة". وبموجب ذلك، وفق قوله، "يحق للزوجة ان تحصل على طلاقها بعد ان تثبت غياب زوجها لمدة تزيد عن السنة بشكل قانوني".
اضف تعليق