مايكل نايتس
يتكرر الحديث عن لامركزية السلطات الأمنية والإدارية وصلاحيات الإنفاق في العراق كوسيلةٍ للحد من التوترات التي قد تشهدها البلاد في مرحلة ما بعد تنظيم «الدولة الإسلامية». إنه منطقٌ يستحق الثناء: فإذا أتيحت للسُّنة والأكراد حرية أكبر لإدارة شؤونهم الخاصة، سيكون لهم نصيب أكبر من التعاون مع حكومة بغداد وستكون قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») محدودة على خط الانشقاقات الحادة بين وسط العراق والأطراف الشمالية والغربية.
إلا أن القول أسهل من الفعل. فاللامركزية تنطوي على تفاصيل دقيقة قد تؤدي إلى مشاكل كبيرة. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: إلى أي مدى يجدر ببغداد التدخل في تجنيد قوى الأمن المحلية مقارنةً بدور الجهات الفاعلة المحلية؟ ما هي المصاريف التي يجب أن تخضع لإشراف الوزارات مقارنةً بمجالس المحافظات؟ ما مقدار الأموال التي ستُرسل إلى الجهات المحلية؟ وأي جهة ستسيطر على النفط؟
وتجري حالياً مناقشة هذه القضايا بشكل فعال في جميع أنحاء العراق، حيث تشكل موضوعاً يستثير المشاعر القوية. ففي محافظة كركوك المُتنازع عليها بين الأكراد والتركمان والعرب، رحّب المحافظ الحيوي نجم الدين كريم بالنقاش المفتوح حول كيفية إدارة المحافظة في المستقبل.
ثلاثة خيارات
هناك ثلاثة خيارات. اعتماداً على نتائج استفتاء ذي صلة، بإمكان كركوك الانضمام إلى «إقليم كردستان» في شمال العراق الذي يتألف من عدة محافظات، أو اختيار البقاء كواحدة من المحافظات الخمس عشرة التي تدار مباشرة من قبل بغداد. أما الخيار الثالث - الذي نادى به المحافظ كريم كخطوة انتقالية - فيتمثل في اتخاذ كركوك الخطوات القانونية اللازمة لتصبح إقليماً مماثلاً لـ «إقليم كردستان» لبضع سنوات.
لكن ما الذي يمكن أن يتغيّر إذا ما أصبحت كركوك إقليماً؟ قد يتم إرجاء اتخاذ قرار "الوضع النهائي" المثير للجدل بشأن علاقة كركوك الطويلة الأمد مع بغداد أو مع «إقليم كردستان» بينما تحقق كركوك في غضون ذلك بعض المكاسب. وقد تحظى بإدارة مُعززة للعائدات مع احتمال تصدير نفطها الخام أسوةً بـ «إقليم كردستان»، ويمكنها أيضاً أن تشكل قانونياً كتائب حرس إقليمي خاصة بها تتلقى التدريب والدعم الدوليين أسوةً بقوات البيشمركة في «إقليم كردستان».
وقد تتمتع كركوك بالمزيد من السيطرة الإدارية على الخدمات المقدّمة على أراضيها. كما قد يكون بإمكان المناطق النائية فيها، مثل الحويجة التي يسكنها العرب، أن تقدم التماساً لتصبح محافظة بنفسها، بقدر ما يضم «إقليم كردستان» أربع محافظات تابعة له (أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة). بيد، إن العديد من الفصائل العراقية تخشى أيضاً مثل هذه النتيجة. وربما لن تستحسن بغداد خسارة المزيد من سيطرتها على نفط كركوك الخام وانخفاض عام لدورها في كركوك.
ويبدو أن الفصائل الكردية تخشى أن يؤدي تشكيل إقليم في كركوك إلى انفصال هذه المنطقة بشكل دائم عن «إقليم كردستان» أو تقوية زعماء كركوك المحليين فيما يتعلق بالأحزاب السياسية في «إقليم كردستان». ونتيجة لذلك، وجد المحافظ كريم نفسه يتعرض لهجوم من جميع الجهات. والآن، حيث تقترب معركة الموصل، وربما يتم تحرير المدينة قبل نهاية العام الحالي، يدور نقاش مفتوح حول ما إذا كان يجب أن تصبح محافظة نينوى الواقعة في قلب الموصل إقليماً مشابهاً لـ«إقليم كردستان» يضم عدة محافظات جديدة.
هناك بعض القيمة لهذه الفكرة. فمحافظة الموصل الحضرية ومحافظة نينوى العربية الريفية مُدارتان ومأهولتان من قبل فئات اجتماعية وقبلية مختلفة للغاية، على التوالي. فقضاء سنجار في الغرب يتألف بغالبيته من اليزيديين، وقضاء تلعفر المجاور يهيمن عليه التركمان ومن بينهم العديد من التركمان الشيعة، في حين أن سكان سهل نينوى الواقع شرق الموصل مختلطون ما بين مسيحيين وشبك ويزيديين.
حالة من الذهول
قد ينبثق هذا الواقع يوماً ما، ولكن يمكن القول إن من السابق لأوانه -وفي غاية الخطورة- مناقشة هذه المسألة بجدية في الوقت الراهن. فأهالي الموصل سيكونون في حالة من الذهول عندما يتم تحريرهم، وسيتابعون باهتمام لمعرفة ما إذا كانت عودة قوات خارجية ستصب في مصلحتهم أم لا. وهذا هو الوقت المناسب لاتخاذ خطوات صغيرة مُطمْئنة في الاتجاه الصحيح، وليس لاتخاذ خطوة مذهلة تتمثل بإعادة رسم الخريطة.
وعلى الرغم من أن كل فئة قد تستفيد في النهاية من قيام حكومة إقليمية جديدة في نينوى، إلا أن جميع هذه الفئات تخشى على المدى القصير مما تعنيه هذه التغييرات وكيف سيتم تنفيذها. ويمكن القول أن نينوى والموصل غير قادرتين على تحمّل هذا النوع من عدم اليقين في الأشهر التي تلي التحرير. كما أن رد فعل فصائل بغداد قد لا يكون جيداً: ففي عام 2011، بدأت محافظتا صلاح الدين وديالى باتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لإقامة إقليم خاص بكل منهما، وردّت الحكومة الاتحادية بفرض الحكم العسكري في هاتين المحافظتين.
وكما يقول مناصرو عملية انتقال السلطة: ربما ليس هناك أبداً "وقتاً مناسباً" لبدء هذه العملية الحساسة. ولكن الفترة الراهنة قد تكون من أقل الأوقات الواعدة نظراً للهشاشة غير العادية التي تعاني منها البلاد والخلاف السياسي في بغداد و «إقليم كردستان».
ومن غير المرجح أن يؤيد معظم الشركاء الدوليين الجهود لتشكيل إقليم في الموصل أو كركوك في الوقت الحاضر، وذلك بسبب إمكانية عرقلتهما التعاون بين بغداد و «إقليم كردستان» أو مفاقمتهما التوترات على المستوى المحلي في المناطق المحررة. وبدلاً من ذلك، فإن أفضل نموذج في ظل الظروف الراهنة هي إقدام عدة محافظات على المطالبة بقوة بتوسيع نطاق تطبيق التدابير الهامة بشأن اللامركزية الواردة في "قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم" الصادر في العراق عام 2008 والمعروف أيضاً بـ "قانون صلاحيات المحافظات".
إن ساسة بغداد يفضلون هذه الخطة لأنها لا تهدد بقيام أقاليم جديدة دائمة مثل «إقليم كردستان»، تتمتع بدساتيرها وقوانينها وقواتها المسلحة وسياساتها المتعلقة بالطاقة. كما أن تطوير الأقاليم القائمة على غرار «إقليم كردستان» والتي تضم برلماناتها ووزاراتها الخاصة، يتطلب الكثير من الجهود من أجل تطويرها. [فعلى سبيل المثال]، عمل الأكراد على بناء هذه المؤسسات طيلة عقد من الزمن حين جرى فصلهم عن الحكومة العراقية في عهد صدام حسين. لذلك فإن إنشاء مثل هذه الهياكل في كركوك التي تعاني من نقص الموارد أو في الموصل في أعقاب تحريرها قد يكون غير عملي في الوقت الحاضر. ومع اقتراب معركة الموصل، قد يكون من المجدي إرجاء النقاش المثير للجدل حول مبادرات قيام الأقاليم إلى وقتٍ لاحق.
اضف تعليق