تحول جذري في الشرق الأوسط

كيف يستطيع ترامب البناء على نجاح اسرائيل ويبقي إيران خارج التوازن

وينبغي للولايات المتحدة أن تنظر دائما الى مثل هذه المفاوضات باعتبارها تكتيكا في النضال الطويل من أجل شرق أوسط سلمي ــ وهو الهدف الذي لا يمكن تحقيقه حتى يتم استبدال الجمهورية الإسلامية بحكومة شرعية في نظر الشعب الإيراني وتتخلى عن وكلائها الإرهابيين وكراهيتها للولايات المتحدة وإسرائيل ورغبتها في الهيمنة...
بقلم: ايلوت ابرامس، نقلا عن مجلة (Foreign Affairs) / واشنطن
ترجمة: د. حسين احمد السرحان/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

ان الشرق الأوسط الذي يواجهه الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم يتسم بالمخاطر والفرص التي لم تكن موجودة عندما تولى منصبه لأول مرة قبل ثماني سنوات. وتتمثل أعظم المخاطر في تقدم إيران نحو امتلاك الأسلحة النووية والعلاقات الوثيقة التي أقامتها الجمهورية الإسلامية مع روسيا والصين. وقد نشأت أفضل الفرص من خلال إبادة إسرائيل لحزب الله وحماس، وهجماتها الناجحة على إيران، وانهيار نظام بشار الأسد في سوريا. ولا شك أن المخاطر جسيمة، ولكن في المحصلة النهائية فإن المزايا المحتملة تفوق السلبيات المحتملة. والواقع أن الشرق الأوسط لم يوفر بيئة مواتية للمصالح الأميركية الى هذا الحد منذ مدة طويلة.

قبل عام ونصف العام، ربما كان من الممكن اعتبار السياسة الخارجية الإيرانية ناجحة للغاية. كان برنامج الأسلحة النووية في البلاد ينتج اليورانيوم المخصب بشكل مطرد؛ وبحلول عام 2024، كان لديه ما يكفي لصنع عدة قنابل. ولم تكن واشنطن تطبق عقوباتها على إيران إلى حد كبير. وكانت الصين تشتري حوالي 90٪ من نفط إيران، مما أدى الى تحسين مالية النظام بشكل كبير. وكانت العلاقات السياسية والعسكرية مع الصين وروسيا تتزايد؛ فقد ضمنت إيران حمايتها ضد الإجراءات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكسبت المال والامتنان من شحنات الأسلحة الى موسكو. وبدا أن "حلقة النار" التي تتألف من وكلاء إيران وحلفائها - حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، والحوثيين في اليمن - تشكل مشكلة لا تستطيع إسرائيل حلها.

ولكن منذ ذلك الحين، قلبت إسرائيل الطاولة. فقد نجت حماس من غزو غزة الذي نفذته إسرائيل بعد تشرين الأول 2023، ولا تزال حماس مهيمنة هناك. لكنها لن تشكل تهديدا عسكريا خطيرا لإسرائيل مرة أخرى. وقضت إسرائيل على قيادة حزب الله وأعطت لبنان فرصة لاستعادة سيادته. ورحل نظام الأسد، ويبدو أن الطريق السريع للأسلحة الذي كان يمتد منذ مدة طويلة من إيران عبر سوريا الى لبنان ــ والى الجماعات الإرهابية وأنصارها في غزة والأردن والضفة الغربية ــ قد أغلق.

الواقع، ترامب يستطيع أن يستغل هذا الوضع، ولكن فقط إذا كانت إدارته على استعداد للتخلي عن هدف واشنطن المعتاد في الشرق الأوسط ــ "الاستقرار" ــ والضغط بدلا من ذلك من أجل إحداث تغييرات دراماتيكية من شأنها أن تعود بالنفع على أمن الولايات المتحدة وحلفائها. فعلى مدى عقدين من الزمان، كان ما أطلق عليه صناع السياسات الأميركيون "الاستقرار" يعني الحفاظ على الوضع الذي كانت فيه غزة تحت سيطرة حماس بالكامل، وحزب الله يهيمن على لبنان، والبرنامج النووي الإيراني يتقدم. وكان المصطلح الأفضل لهذا الوضع هو "التآكل"، مع تراجع النفوذ الأميركي بشكل مطرد وتراجع أمن حلفاء واشنطن. والآن، أصبح لدى الولايات المتحدة فرصة لوقف هذه العملية والتوجه بدلا من ذلك الى "التعزيز": تعزيز مصالحها ومصالح حلفائها وإضعاف خصومها بقوة. والنتيجة ستكون منطقة تتضاءل فيها التهديدات وتكون فيها التحالفات الأميركية أكثر قوة.

فخ طهران

ان العقبة الرئيسة أمام ظهور شرق أوسط أفضل تتمثل في سعي إيران الى امتلاك سلاح نووي. وقد أكد ترامب الآن بشكل قاطع بأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي. ومع ان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يبلغ عمره 85 عاما، فأنه يتأمل في السنوات الأربع المقبلة، بالحصول على القنبلة النووية باعتبارها السبيل الوحيد لضمان بقاء نظامه بعد رحيله. وقد أوضح ترامب أن مثل هذه الخطوة، على وجه التحديد، من شأنها ان تهدد النظام بشكل خطير، لأنه لن يؤدي الى المزيد من العزلة فحسب، بل وأيضا، إذا لزم الأمر، الى هجوم عسكري أمريكي. ولجعل هذا التهديد أكثر مصداقية مما كان عليه مؤخرا، يتعين على واشنطن أن تبدأ في التخطيط والإعداد لمثل هذا الهجوم بشكل واضح، والتدرب عليه بالتنسيق مع إسرائيل.

لطالما فضل ترامب حلاً تفاوضيًا للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران وما زال كذلك؛ لم يكن هدف حملة "الضغوط القصوى" في 2019-2020 تغيير النظام، بل صفقة جديدة وشاملة لتحل محل الصفقة المُعيبة التي أبرمها الرئيس باراك أوباما عام 2015. في بداية شباط 2025، كتب ترامب على حسابه على موقع Truth Social أنه بدلاً من هجوم أمريكي إسرائيلي لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، فأنه "يفضل كثيرًا اتفاقية سلام نووي موثوقة تسمح لإيران بالنمو والازدهار سلميًا".

من الواضح أن ترامب لا يزال منفتحا على احتمال (مهما كان صغيرا) أن خامنئي المتقدم في السن، بعد أن شهد انهيار استراتيجية "حلقة النار"، وتأمل في إمكانية فرض عقوبات اقتصادية وحشية، وإدراكه التام لاضطرابات شعبه، ان يقبل اتفاقا يوقف برنامج الأسلحة النووية ويوقف المدفوعات وشحنات الأسلحة الى وكلاء إيران. لكن ترامب يجب أن يكون على دراية بالفخ الذي قد ينصبه خامنئي له: مفاوضات زائفة جديدة تهدف الى إيقاع واشنطن في محادثات لسنوات، مع قيام المفاوضين الإيرانيين بإرشاد ترامب الى سراب صفقة ناجحة وجائزة نوبل للسلام في نهاية الطريق بينما ينمو برنامج الأسلحة النووية الإيراني في الظل.

ولتجنب هذا الفخ، أعاد ترامب بشكل صحيح فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية الشديدة التي ستحرم إيران من الموارد. ويجب عليه أيضا أن يدفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى المطالبة بعمليات تفتيش صارمة للمنشآت الإيرانية. وينبغي لترامب أن يصر على أن تتخذ إيران خطوات فورية وملموسة لإظهار أنها تخلت عن هدفها النووي: على سبيل المثال، من خلال البدء في تصدير اليورانيوم المخصب الى 60٪ (أو "تخفيضه" الى مستويات تخصيب أقل) والموافقة على السماح بعمليات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المواقع العسكرية التي رفضت إيران حتى الآن فتحها للوكالة. وإذا رفضت طهران اتخاذ هذه الخطوات بحلول هذا الصيف، فيجب على ترامب حث فرنسا والمملكة المتحدة على استدعاء آلية "العودة السريعة" التابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي تعيد فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة التي واجهتها إيران قبل دخولها في الاتفاق النووي لعام 2015، وهي الآلية التي أنشأها هذا الاتفاق، والتي لا تزال بريطانيا وفرنسا طرفين فيها.

وسوف تزعم إيران أن إعادة فرض العقوبات من شأنها أن تنهي إمكانية المفاوضات، ولكن لا ينبغي لترامب أن يتراجع امام هذه الحيلة. فما زال من الممكن رفع العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة والولايات المتحدة في وقت لاحق إذا ابتعد النظام حقا عن تطوير الأسلحة النووية. والحقيقة أن أي دولة لم تخصب اليورانيوم الى 60%، كما فعلت إيران، دون بناء أسلحة نووية، تذكرنا بأن حمل إيران على التخلي عن هذا المسار سيكون صعبا. وسوف يتطلب الأمر التهديد الموثوق والمقرون بالعمل العسكري ــ وقد يتطلب في النهاية من واشنطن أن تتصرف بناء على هذا التهديد.

ولكن الولايات المتحدة ليست وحدها في مواجهتها مع إيران ــ وإسرائيل ليست شريكتها الوحيدة في هذه المعركة. فجميع حلفاء أميركا في المنطقة يعانون من التخريب والعدوان الإيراني. وقد تباينت استعدادات أصدقاء واشنطن العرب لمقاومة إيران، وتعتمد على تقديرهم لموثوقية الولايات المتحدة. 

على سبيل المثال، لم تعكس المفاوضات السعودية مع إيران التي رعتها الصين في آذار 2023 إعادة توجيه أساسية للسياسة الخارجية السعودية، بل آلية دفاع معقولة في لحظة ضعف أميركي واضح. ولم تعكس الخطوة السعودية الشكوك حول سياسة إدارة بايدن تجاه إيران فحسب، بل وأيضاً فشل إدارة ترامب في الرد عندما هاجمت إيران منشأة نفطية رئيسية في المملكة العربية السعودية في بقيق في أيلول 2019. وإذا حكمت المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى بأن الولايات المتحدة قررت الآن وقف برنامج الأسلحة النووية الإيراني ومواصلة إلحاق الضرر بوكلاء إيران وإضعافهم، فسوف تُعدل سياساتها وفقاً لذلك. وسوف يصبح من السهل على واشنطن تكرار نوع التعاون الذي حدث عندما أطلقت إيران مئات الصواريخ على إسرائيل في نيسان 2024 ــ وهو الهجوم الذي فشل جزئيا لأن عددا من الدول العربية ساعدت إسرائيل والولايات المتحدة في صده.

حان الوقت لإعادة التفكير

هناك حدود لما يمكن أن يتوقعه ترامب من السعوديين والدول العربية الأخرى. فما زال من غير الواضح، على سبيل المثال، ما إذا كان من الممكن إشراك المملكة العربية السعودية بشكل كامل في اتفاقيات إبراهيم، التي توسط فيها ترامب في ولايته الأولى، لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وخلال حرب غزة، انتقلت الحكومة السعودية (ولي العهد محمد بن سلمان نفسه) من الإدلاء بتصريحات غامضة حول الحكم الذاتي الفلسطيني الى تقديم مطالب واضحة بإقامة دولة فلسطينية.

ولكن تسليم الضفة الغربية للحكم الفلسطيني السيادي هو اقتراح خاسر في نظر معظم الإسرائيليين، الذين يعتقدون أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة في عام 2005 خلق الظروف التي سمحت لحماس بأن تصبح أقوى، وتمكنت في نهاية المطاف من ان تنفذ هجومها الضخم في 7 تشرين الاول 2023. وعندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، سيكون من الصعب للغاية سد الفجوة بين ما يقول السعوديون إنهم يحتاجون إليه وبين ما يمكن للساسة الإسرائيليين الاستعداد لتقديمه.

ولكن الجائزة التي يسعى السعوديون حقا الى الحصول عليها من تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا علاقة لها بالفلسطينيين: فما تريده الرياض أكثر من أي شيء آخر هو اتفاقيات دفاعية مع الولايات المتحدة من شأنها أن تعزز الأمن السعودي حقا. ولأن التسوية الإسرائيلية السعودية من شأنها أن تغير ليس فقط الشرق الأوسط، بل وعلاقات إسرائيل مع العالم الإسلامي بأسره، فيتعين على إدارة ترامب أن ترى الى أي مدى يمكنها أن تصل. ويتعين عليها أن تعمل مع أعضاء الحزبين السياسيين الأميركيين لاستكشاف أشكال الترتيبات الدفاعية الأميركية السعودية التي قد تحظى بموافقة الكونجرس. ومن بين الاحتمالات إبرام معاهدة شبيهة بمعاهدة حلف شمال الأطلسي. ومن بين الخيارات الأخرى ضمان أقل للمساعدة الدفاعية، بما في ذلك جعل المملكة حليفا رئيسيا من خارج حلف شمال الأطلسي وضمان أهليتها للحصول على أنظمة أسلحة متقدمة.

وفي الوقت نفسه، ودون تبني مطلب الدولة الفلسطينية كهدف محدد زمنياً ولا مفر منه، يتعين على واشنطن أن تجد السبل الكفيلة بجعل فكرة الحكم الذاتي الفلسطيني أقل تهديداً لإسرائيل ـ على الأقل في الضفة الغربية. ذلك أن الفساد وعدم الكفاءة وعدم الشعبية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية ونفوذ حماس وشعبيتها تجعل الإسرائيليين ينظرون الى أي زيادة في الحكم الذاتي الفلسطيني باعتبارها خطراً. ولكن في أي سيناريو آخر غير الضم الإسرائيلي الكامل للضفة الغربية في إطار "حل الدولة الواحدة"، الذي يعارضه أغلب الإسرائيليين، لابد وأن يكون هناك كيان فلسطيني شرعي وكفء، وإن لم يكن بالضرورة السلطة الفلسطينية التي أنشئت بموجب اتفاقات أوسلو.

ان مشاركة حماس في الحكم الذاتي الفلسطيني أمر غير مقبول بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة. لقد تحدثت إدارة بايدن في كثير من الأحيان عن "السلطة الفلسطينية الإصلاحية" باعتبارها الخيار الأفضل لكنها لم تفعل شيئًا لتحقق هذا الشيء على ارض الواقع. قبل عشرين عامًا، طالبت إدارة جورج دبليو بوش السلطة الفلسطينية بإصلاحات حقيقية. دفعت الولايات المتحدة بقوة من أجل تعيين مسؤولين يتمتعون بالنزاهة والكفاءة (بما في ذلك سلام فياض، الذي شغل منصب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية من عام 2007 الى عام 2013)، وتبني معايير الإدارة المالية، وإقالة عدد من أكثر المسؤولين فسادًا من فصيل فتح المهيمن في السلطة الفلسطينية. اليوم، يجب على الولايات المتحدة والدول العربية المهمة أن تطالب بتغييرات مماثلة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. يمكن لمثل هذا الضغط أن ينتج مرة أخرى سلطة فلسطينية أفضل. ويجب على إدارة ترامب أن تصر على أن يستخدم حلفاء واشنطن من العرب نفوذهم على السلطة الفلسطينية وأن تستجيب السلطة لمطالبهم كشرط مسبق لاستمرار الدعم الأمريكي.

سواء كان المرء يفضل التحرك نحو إقامة دولة فلسطينية في السنوات المقبلة أو يعتقد أن الدولة الفلسطينية الكاملة من شأنها أن تشكل مخاطر لا يمكن التغلب عليها للأردن وإسرائيل والفلسطينيين على حد سواء، فيتعين على جميع الأطراف دعم هدف الحكم الأفضل للفلسطينيين. ولكن أي زيادة في الحكم الذاتي الفلسطيني سوف تتطلب تغييرات فورية في الوضع الراهن. فقد تعرضت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي قدمت المساعدات الدولية للفلسطينيين، للخطر بشكل يائس بسبب علاقاتها مع حماس، وتعريف الوكالة لـ "اللاجئين الفلسطينيين" باعتبارهم سكانا ينمون بلا نهاية مع كل جيل متعاقب يتعارض جوهريا مع قبول وضع إسرائيل كدولة يهودية. وينبغي لإدارة ترامب، التي أنهت التمويل الأمريكي للأونروا، أن تصر على استبدالها بالجهود التعاونية للوكالات الأممية الفعالة مثل برنامج الغذاء العالمي، واليونيسيف، والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

إن مساهمة إسرائيل في هذا الجهد لابد وأن تتلخص في إنفاذ قوانينها ضد المستوطنين الذين ينخرطون في أنشطة إجرامية ضد الفلسطينيين، سواء كانت تدمير المحاصيل أو أعمال العنف ضد الأفراد. ولابد وأن تمنع جماعات المستوطنين من إعلان الأراضي في الضفة الغربية أراضٍ إسرائيلية دون أي دعم قانوني أو قرارات حكومية رسمية.

لقد أضاف اقتراح ترامب بأن "تتولى" الولايات المتحدة "إدارة" غزة وإعادة بنائها بينما يعيش سكانها في أماكن أخرى تعقيداً جديدًا الى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. باعتباره اقتراحًا ملموسًا، فهو غير قابل للتطبيق. ولكن قد يكون من الأفضل النظر إليه باعتباره انعكاسًا لحقيقة مفادها أنه لا توجد خطة واقعية لغزة. منذ عام 2005، عندما انسحب الإسرائيليون من المستوطنات والقوات العسكرية من غزة، حاولت إسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة شراء حماس في حين عملت مع مسؤولين فاسدين في السلطة الفلسطينية. لم ينتج هذا النهج أي تقدم - بل بلغ ذروته في هجمات السابع من تشرين 2023. وعلى الرغم من غرابة فكرة ترامب، فأن تحطيمها الصريح للأيقونات قد يؤدي الى إعادة التفكير بشكل صحي في الاستراتيجية الأمريكية وربما السياسات العربية والإسرائيلية أيضًا.

بلاد الشام الجديدة

في شمال إسرائيل، لا ينبغي النظر الى إضعاف حزب الله باعتباره إنجازاً كاملاً، بل باعتباره خطوة أولى نحو بلاد شام مختلفة تماماً. والخطوة التالية ينبغي أن تكون قيام ترامب بإدراج لبنان في اتفاقيات إبراهيم. فعلى مدى عقود من الزمان، تقبلت السياسة الأميركية المؤسسات اللبنانية الضعيفة والفاسدة باعتبارها أمراً طبيعياً لا مفر منه. كما قبلت واشنطن شكلاً ملتوياً من القومية اللبنانية التي تصور إسرائيل باعتبارها العدو ولكنها احتفلت بإخضاع إيران وسوريا وسيطرتهما على لبنان. ويتعين على ترامب أن يطالب القوات المسلحة اللبنانية بمنع وجود حزب الله المسلح في الجنوب وحراسة حدود لبنان لمنع إمدادات الأسلحة الإيرانية من الدخول. وإذا فشلت في الانتشار الكامل في جنوب لبنان ولم تبدأ عملية نزع سلاح حزب الله، فيتعين على واشنطن تعليق مساعداتها الكبيرة للجيش اللبناني.

ويزعم المنتقدون أن قطع الدعم عن القوات المسلحة اللبنانية من شأنه أن يضعف موقفها. ولكن كما لم ينجح تمويل السلطة الفلسطينية، فأن الدعم غير المشروط للجيش اللبناني التعيس، الذي أهدر ثروة بينما ازداد حزب الله قوة، لم ينجح أيضاً. ويتعين على ترامب أيضا أن يصر على أن يتفاوض لبنان مع إسرائيل لمعالجة النزاعات الحدودية البرية والبحرية. وببساطة، ينبغي للدعم الدبلوماسي والسياسي والمالي الأميركي للبنان أن يعتمد على جهود هذا البلد لاستعادة سيادته. وكلما زادت الضغوط التي يمكن ممارستها، بما في ذلك من خلال التعاون الأميركي مع دول الخليج وفرنسا، كلما زادت احتمالات نجاح القادة اللبنانيين الذين يريدون بناء حكومة وطنية مستجيبة وذات سيادة.

وعلى الجانب الآخر من الحدود في سوريا، من المبكر للغاية أن نعرف أي شكل من أشكال الحكومة سوف ينشأ في أعقاب انهيار نظام الأسد. ولكن ليس من المبكر للغاية أن نعرف ما ينبغي أن يكون الهدف الأميركي هناك: تطور حكومة شرعية قائمة على الموافقة الشعبية التي توقف التدخل السوري في لبنان وتسعى إلى السلام مع جميع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل. وينبغي أن يعتمد دعم الولايات المتحدة لأي حكومة سورية جديدة على تصرفات الحكومة، وليس على خطابات الرئيس أحمد الشرع أو ملابسه الجديدة ذات الطراز الغربي. فهل تضع سوريا حداً أو تحد بشدة من حجم وطبيعة الوجود الروسي في قاعدتين رئيسيتين لموسكو في سوريا، قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في طرطوس؟ وكيف تتعامل حكومة الشرع مع الأقليات، وخاصة الأكراد وميليشيا قوات سوريا الديمقراطية التي دعمتها الولايات المتحدة منذ مدة طويلة؟ وهل تحاول منع إيران من توريد الأموال والأسلحة الى حزب الله عبر سوريا؟ ينبغي أن يستنير نهج ترامب بالإجابات على هذه الأسئلة.

في غضون ذلك، سيكون من الحماقة الشديدة أن يسحب ترامب ما يقرب من 2000 جندي أمريكي متمركزين في سوريا لأنهم هناك لمحاربة جماعة الدولة الإسلامية الإرهابية (داعش) وإبقاء عشرات الآلاف من مقاتلي داعش السابقين وعائلاتهم في الاحتجاز. يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة أيضًا الحفاظ على شراكة واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد حتى يتم تأمين وضع الميليشيا (سواء كقوة مستقلة أو كجزء شبه مستقل من الجيش السوري) وسلامتها في المستقبل.

نجحت إسرائيل في إبادة حماس وحزب الله (وإن لم تتمكن من القضاء عليهما). لكن الحوثيين، وهم وكيل إيراني آخر، لا يزالون يهددون الشحن الدولي وسفن البحرية الأمريكية في البحر الأحمر - بأسلحة إيرانية. ادعى الحوثيون أنهم يتصرفون لدعم الفلسطينيين، لكن من غير الواضح ما إذا كان قرارهم الأخير بتعليق معظم هجماتهم يعكس وقف إطلاق النار في غزة وحده أو أيضًا خوفهم من رد فعل أمريكي أقوى في عهد ترامب. وفي كل الأحوال، يتعين على ترامب أن يوضح لإيران أنه إذا تضررت أي سفينة تابعة للبحرية الأميركية أو أصيب أو قُتل أي أميركي بهذه الأسلحة، فسوف يكون هناك رد عسكري أميركي فوري ضد إيران. وينبغي له أن يخبر الحوثيين أنه إذا استأنفوا هجماتهم على الشحن الدولي، فإن القوات الأميركية ستهاجم منشآتهم وتعترض كل شحنات الأسلحة الموجهة إليهم.

الوعد الكاذب بالاستقرار:

لقد شهدت العلاقات الأمريكية مع إسرائيل مستويات كبيرة خلال سنوات بايدن ولكنها شهدت أيضا بعض التراجع. فبينما دعم الرئيس جو بايدن حرب إسرائيل على حماس، سعى أيضا الى استرضاء منتقدي إسرائيل على اليسار (وحتى داخل وزارة خارجيته والبيت الأبيض) من خلال الشكوى المستمرة من الطريقة التي تدير بها إسرائيل الحرب، وتأخير توريد بعض المساعدات العسكرية الأمريكية (بما في ذلك الجرافات المدرعة وبعض الذخائر)، وفرض عقوبات على العشرات من الجماعات والأفراد المستوطنين الإسرائيليين. وسرعان ما أطلق ترامب الشحنات المحتجزة ورفع العقوبات، مما يشير الى أن إدارة ترامب من غير المرجح أن تحجب أو تبطئ عمداً المساعدات العسكرية لإسرائيل. فالقوة العسكرية الإسرائيلية، بعد كل شيء، هي مضاعفة للقوة الأمريكية وتعزز المصالح الأمريكية.

ولكن يجب على ترامب أن يتجاوز الإعلان عن الدعم الكامل لإسرائيل ومعارضة السلاح النووي الإيراني. لعقود من الزمان، كانت الحكمة التقليدية ترى أن التقارب العربي الإسرائيلي مستحيل حتى يتم حل القضية الفلسطينية، لكن اتفاقيات أبراهام التي أبرمها ترامب أثبتت خطأ ذلك. لم يكن ينبغي على أوباما أن يسعى إلى الاستقرار الزائف الذي يفرضه الجمود الذي لا نهاية له مع إيران، بل ينبغي له أن يسعى الى تحويل المنطقة ـ وتعزيز التغييرات التي حققتها إسرائيل بالفعل من خلال إضعاف حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وإظهار الضعف العسكري الإيراني، وتهيئة المسرح للإطاحة بنظام الأسد.

إن الولايات المتحدة لديها الآن فرصة لإبقاء إيران وحلفائها خارج التوازن. ولأن الحل الحقيقي الوحيد لمشكلة الجمهورية الإسلامية هو زوالها، فإن الولايات المتحدة وحلفائها لابد وأن يشنوا حملة ضغط نيابة عن الشعب الإيراني ـ الذي يتمنى نهاية النظام بحماسة أكبر من أي أجنبي. ولابد وأن تشمل هذه الجهود فضح القمع الذي يمارسه النظام وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وشن حرب سياسية على النظام: الانتقاد المستمر لإخفاقاته الاقتصادية ووحشيته، ودعم جيران إيران إذا هددتهم إيران، وتقديم المساعدة (العلنية والسرية) للجهود التي يبذلها الإيرانيون للاحتجاج على نظام يكرهه أغلبهم بوضوح.

إن العلاقات التي أقامها الرئيس الأميركي رونالد ريغان مع الاتحاد السوفييتي تذكرنا بإمكانية الدخول في مفاوضات عملية مع دولة معادية دون فقدان الحدة الحادة في القتال الإيديولوجي. ويمكن للرئيس الأميركي أن يتحدث الى خصم استبدادي دون التضحية بالوضوح الأخلاقي ودون التخلي عن دعم الناس الذين يتوقون الى التحرر من نظام قمعي وغالبا ما يتظاهرون في الشوارع، على الرغم من المخاطر.

وينبغي للولايات المتحدة أن تنظر دائما الى مثل هذه المفاوضات باعتبارها تكتيكا في النضال الطويل من أجل شرق أوسط سلمي ــ وهو الهدف الذي لا يمكن تحقيقه حتى يتم استبدال الجمهورية الإسلامية بحكومة شرعية في نظر الشعب الإيراني وتتخلى عن وكلائها الإرهابيين وكراهيتها للولايات المتحدة وإسرائيل ورغبتها في الهيمنة على بلدان أخرى في المنطقة. وحتى ذلك اليوم، لا ينبغي للوجود العسكري للولايات المتحدة أن يتضاءل.

 وللتعجيل بوصول مثل هذا اليوم، ينبغي لترامب أن يستغل الى أقصى حد مزايا واشنطن، التي تم إنشاؤها جزئيا من خلال العمل الإسرائيلي. في غضون أربع سنوات، قد يترك ترامب خلفه الشرق الأوسط حيث أصبح أصدقاء واشنطن أقوى بكثير وأعداؤها أضعف بكثير من أي وقت مضى.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2025

www.fcdrs.com

......................................................

رابط المقال الأصلي باللغة الانكليزية: 

https://www.foreignaffairs.com/united-states/paradigm-shift-middle-east-trump-israel-iran?s=EDZZZ005ZX&utm_medium=newsletters&utm_source=fatoday&utm_campaign=A%20Paradigm%20Shift%20for%20the%20Middle%20East&utm_content=20250207&utm_term=EDZZZ005ZX

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق