ينبغي لنا أن نحذر من ميل نفسي يقودنا بشكل منهجي إلى المبالغة في تقدير قدرتنا على حل المشكلات الضخمة التي تحدد اتجاه جيل بالكامل بالاستعانة بالتكنولوجيا. لقد جعلت الحداثة من السهل والمثير أن نتخيل حلولا تكنولوجية تظهر من العدم. ورغم أننا نعلم أننا لا ينبغي لنا أن نراهن...
بقلم: نيكولاس أجار، ستيوارت واتلي
هاملتون- "في واقع الأمر، سيكون من السهل علاج الشيخوخة والسرطان"، يصر ديفيد سنكلير، الباحث في مجال الشيخوخة في جامعة هارفارد على هذا التصريح. على نحو مماثل، يواصل إيلون ماسك الزعم بأنه سيهبط قريبا بالبشر على المريخ وينشر سيارات الأجرة الآلية بأعداد كبيرة. وقد حددت الشركات الكبرى أهداف الحياد الكربوني بناء على توقعات شديدة التفاؤل بشأن إمكانات تكنولوجيات إزالة الكربون. وبطبيعة الحال، يصر عدد كبير من المعلقين الآن على أن "الذكاء الاصطناعي يغير كل شيء".
وسط هذا الخليط المحير من الضجيج الدعائي والعجائب التكنولوجية الحقيقية، هل يبالغ رواد الأعمال والعلماء وغيرهم من الخبراء في تقدير إمكانياتهم واستباق الأحداث؟ الواقع أن تصريحاتهم تَـنُـم في أقل تقدير عن تفضيل قوي للحلول التكنولوجية للمشاكل المعقدة، فضلا عن اعتقاد راسخ بأن التقدم التكنولوجي سيجعلنا أكثر صحة وثراء وحكمة. في "بيان المتفائل بالتكنولوجيا"، يكتب عميد وادي السليكون مارك أندريسن: "أعطونا أي مشكلة عالمية حقيقية، وسوف نتمكن من اختراع تكنولوجيا قادرة على حلها".
ولكن كما نلاحظ في كتابنا "كيف نفكر في التقدم"، فإن هذا الموقف متأثر بشدة بما نسميه "انحياز الأفق": الميل إلى الاعتقاد بأن أي شيء يستطيع الخبراء أن يتصوروا إنجازه بالاستعانة بالتكنولوجيا فهو في متناول اليد عن قريب. نحن مدينون بهذا التفاؤل لنجاحات التكنولوجيا السابقة: القضاء على الجدري، وإنزال إنسان على سطح القمر، وخلق آلات قادرة على التفوق على أساتذة الشطرنج والمتخصصين في الأشعة.
في حين تمكث هذه الأحداث البارزة في ذاكرتنا الجمعية بشكل دائم، وتقدم أدلة استقرائية قوية تؤكد على قوة الإبداع البشري، فإننا ننسى (أو نتناسى) كل الأوقات التي وعدت فيها التكنولوجيا بحل مشكلة ما لكنها لم تفعل. وكما يُـكـتَب التاريخ بواسطة المنتصرين، فإن قصة التقدم التكنولوجي تُـبـرِز في الأساس الاختراقات التي تحققت بنجاح، على النحو الذي يخلق الانطباع بأن الإنسان التكنولوجي ينجز على الدوام كل ما يسعى إلى تحقيقه.
يؤثر انحياز الأفق علينا جميعا، لكنه يخلف أعظم الأثر بين أولئك الذين يتمتعون بالخبرة الكافية التي تمكنهم من تقديم حلول علمية وتكنولوجية لتحديات كبرى في المقام الأول ــ وخاصة إذا كانوا يحاولون الترويج بيننا لشيء ما. يكمن الخطر هنا في إقناع نفسك بأنك قادر على توقع كل خطوة متفردة مطلوبة للوصول إلى هدف طموح مثل "علاج" السرطان أو استعمار المريخ. تغرس مثل هذه "الدراية" الثقة في المتحدث بقدر ما تلهم المستمع غير الخبير الأمل.
فضلا عن ذلك، فإن الوعد برحلات سياحية إلى المريخ يختلف تمام الاختلاف عن الزعم بأنك ستخترع آلة للسفر عبر الزمن. إذ يبدو الطموح الأول قابلا للتنفيذ على الأقل، وهذا أكثر من كاف لأي متفائل. إن مجرد الاحتمال قد يعمل كقوة عاتية في التنبؤ واتخاذ القرار، لأننا نفشل عادة في إدراك حقيقة مفادها أن استشعارنا بإمكانية تحقق شيء ما يتوسع مع الجهل. فكلما قل ما تعرفه عن علم الأحياء أو السفر إلى الفضاء، كلما اتسع نطاق تصديقك لما يمكن تحقيقه من إنجازات في مثل هذه المجالات. كل ما نعرفه هو أن أبحاث مكافحة الشيخوخة سوف تسمح حقا للأشخاص الذين ما زالوا على قيد الحياة اليوم بالعيش لمئات السنين.
هذه هي النقطة العمياء التي يعشق فنانو الضجيج الدعائي في وادي السليكون استغلالها، وخاصة بعد لحظات الاختراق مثل إطلاق ChatGPT أو نجاح لقاحات mRNA ضد كوفيد-19. وفي مثل هذه المناسبات ننظر إلى الأفق ونحتضن أو نراجع طموحاتنا. ربما يقدم العلم وراء اللقاحات أيضا "العلاج" للسرطان. عندما يقول حتى الخبراء إن "كل ما نعرفه هو أن هذا التقدم الأخير قد يؤدي بسرعة إلى X، وY، وZ، فهذا سبب مشروع لجعل عامة الناس يشعرون بالإثارة والحماس.
لكن هذا أسلوب تفكير بسيط: لأننا لا نملك إلا التكهن بالمراحل اللاحقة من التسلسل اللازم للوصول إلى الوجهة المرجوة، فإننا نحمل الرخصة لتجاهل الطوارئ الفوضوية التي لا مفر منها في سياق البحث والتطوير. وباستسلامنا لانحياز الأفق، يمكننا أن نقول أشياء مثل، "كل ما نحتاج إليه لمعالجة تغير المناخ هو تكثيف البحث والتطوير في تكنولوجيات احتجاز الكربون إلى أن نجد طريقة لجعلها ميسورة التكلفة وقابلة للتطبيق على نطاق واسع". ولأننا على وجه التحديد لا نعرف بعد ما قد يلزم من تقدم تكنولوجي وعلمي لتحقيق هذه الغاية، فبوسعنا أن نتخيلها في حكم الممكن عن قريب.
هذا أفضل من الإقرار بأن المشكلة قد تظل خارج نطاق سيطرتنا، أو على الأقل لفترة أطول مما نتوقع. ولكن ينبغي لنا أن نقاوم الإغراء. إن استمرار انحياز الأفق يعني أن الأمر ينطوي على حجة عقلانية وأخلاقية تدفعنا للإبقاء على شك واقعي بشأن التكنولوجيا. والثقة المفرطة قد تخلق خطرا أخلاقيا. فلماذا نشغل بالنا بالانبعاثات الكربونية ما دام بوسعنا أن نتوقع أن تُـنـشَـر في نهاية المطاف تكنولوجيا تلتقط الكربون من الهواء مباشرة أو نوع من الروبوتات النانوية التي تلتهم الكربون لعكس اتجاه تغير المناخ؟
علاوة على ذلك، ينبغي لنا أن نحذر من ميل نفسي يقودنا بشكل منهجي إلى المبالغة في تقدير قدرتنا على حل المشكلات الضخمة التي تحدد اتجاه جيل بالكامل بالاستعانة بالتكنولوجيا. على حد تعبير خبير ببليوجرافيا كتب الخيال العلمي إيان كلارك قبل ما يقرب من خمسين عاما، فإننا نُـضـمِر "رغبة أبدية في أن تكون قدرة الإنسان على قهر وتسخير الطبيعة فورية ومطلقة بقدر ما يشاء". لقد جعلت الحداثة من السهل والمثير أن نتخيل حلولا تكنولوجية تظهر من العدم. ورغم أننا نعلم أننا لا ينبغي لنا أن نراهن بكل شيء على مثل هذه التوقعات، فمن المغري للغاية أن نتخيل حلولا من شأنها أن تجعل مشكلات مثل تغير المناخ، والجوائح الـمَـرَضية، والسرطان تختفي ببساطة.
قد يعوق هذا الاتجاه قدرتنا على الاستعداد لمستقبل غير مؤكد بطبيعته. ويتطلب الاستعداد اللائق ألا نعتمد على عينة متحيزة بشدة من التجارب السابقة. وبينما نواجه مشكلات عالمية ضخمة، يتعين علينا أن نتجنب التصرف مثل مقامرين لا يتذكرون سوى تلك المناسبات النادرة عندما حققوا نجاحا كبيرا، وليس المناسبات الأكثر عددا عندما ابتلع نادي القمار أموالهم.
من المؤكد أن انحياز الأفق لا يعني ضمنا أن الحلول التكنولوجية لمشكلات حضارية لن تظهر قريبا. فقد يتمكن عبقري منفرد من حل مشكلة السرطان أو تغير المناخ غدا، وهذا كفيل بتكذيب الادعاءات المتشائمة بشأن المستقبل. ومع ذلك، ستظل الادعاءات حول ما يجب أن تكون عليه توقعاتنا العقلانية صالحة. إذا أعلنت أنك اشتريت للتو تذكرة يانصيب، وفي ذات الوقت قدمت عرضا لشراء قصر لا يمكنك تحمل تكاليفه، فلن يثني عليك أحد لرجاحة حكمك المالي، حتى لو فزت باليانصيب.
اضف تعليق