ينبغي على القوى الخارجية الضالعة في تسوية الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني أن تفرض عقوبات على المستوطنين الذين يمارسون العنف، كما بدأت بعض الدول الغربية بفعله، وأيضاً على المسؤولين الذين يمكِّنون من حدوث العنف. وينبغي عليها وقف بيع الأسلحة المستخدمة في انتهاك القانون الدولي ورفع الكلفة التي تدفعها الحكومة...

تصاعدت هجمات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية، فبلغت ذروتين: الأولى عندما وصلت الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى السلطة والثانية بعد تشرين الأول/أكتوبر 2023. ينبغي على الدول الغربية أن تستعمل نفوذها على إسرائيل - علاقاتها العسكرية والاقتصادية - للمساعدة في وقف هذا الخطر المتنامي.

ما الجديد؟ لقد حوَّلت حرب إسرائيل المدمرة على حماس في قطاع غزة الاهتمام بعيداً عن العنف المنهجي والمتنامي الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. ينشط المستوطنون على نحو متزايد بالتنسيق مع الجيش أو يرتدون لباسه الرسمي، ويتمتعون بدعم فعّال من وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية.

ما أهمية ذلك؟ يُعدُّ عنف المستوطنين، المستمر دون هوادة منذ سنوات، تجلياً للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وأحد قواه الدافعة. يعيش الآن نحو 730,000 إسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية (بما في ذلك في القدس الشرقية)، الأمر الذي يجعل تسوية الصراع أبعد منالاً من أي وقت مضى.

ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي على القوى الخارجية الضالعة في تسوية الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني أن تفرض عقوبات على المستوطنين الذين يمارسون العنف، كما بدأت بعض الدول الغربية بفعله، وأيضاً على المسؤولين الذين يمكِّنون من حدوث العنف. وينبغي عليها وقف بيع الأسلحة المستخدمة في انتهاك القانون الدولي ورفع الكلفة التي تدفعها الحكومة الإسرائيلية بسبب عنف المستوطنين والمشروع الاستيطاني.

الملخص التنفيذي

لقد ارتفعت حدَّة عنف المستوطنين الإسرائيليين – وهي عبارة تشير إلى الطرق التي يروِّع الإسرائيليون الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة الفلسطينيين ويؤذونهم، وفي بعض الأحيان يقتلونهم ويدمرون ممتلكاتهم – إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وقد أخفقت الحكومات الإسرائيلية، على مدى عقود، في وقف مثل هذا العنف، وفي كثير من الأحيان تساهلت حياله، لكنه تصاعد على نحو كبير منذ أواخر عام 2022، عندما وصلت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى السلطة. وارتفعت حدَّته أكثر بعد الهجوم الذي قادته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على المجتمعات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة. لقد عززت الحكومة الإسرائيلية المشروع الاستيطاني، في الوقت الذي يشجع فيه وزراؤها المقربون من الحركة الاستيطانية علناً الهجمات على الفلسطينيين. تشكل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على بعض المستوطنين العنيفين بداية، لكنها تتجاهل حقيقة أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق الدولة الإسرائيلية. ينبغي على الدول الغربية استعمال مساعداتها العسكرية لإسرائيل وعلاقاتها الاقتصادية معها لفرض تكاليف أعلى عليها بسبب التوسع الاستيطاني وعنف المستوطنين الذي يتناقض مباشرة مع سياساتها المعلنة، وتجعل أجزاء كثيرة من الضفة الغربية غير قابلة للعيش على نحو متزايد بالنسبة للفلسطينيين.

منذ حرب عام 1967، التي استولت فيها إسرائيل على الضفة الغربية، مارست حكماً عسكرياً على السكان الفلسطينيين وصادرت أجزاء أكبر وأكبر من الأراضي الفلسطينية. اليوم، يعيش 230,000 إسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة ونحو 500,000 في باقي أنحاء الضفة الغربية، وكلتاهما معترف بهما دولياً على أنهما أراضٍ محتلة. لقد أصدرت المؤسسات الإسرائيلية، ولا سيما المحكمة العليا، والحكومات الإسرائيلية، ولا سيما حكومة إسحاق رابين في منتصف تسعينيات القرن العشرين، أحياناً أحكاماً أو تبنّت سياسات تحدُّ من النشاط الاستيطاني. 

لكن الصورة الكبرى واضحة. فعلى مدى عقود، مكَّنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أو شجعت، احتلالاً متجذراً في الضفة الغربية شهد انتقال أعداد أكبر فأكبر من المستوطنين للعيش فيها. لقد تذرَّع القادة عادة بالأمن كسبب لبناء المستوطنات، لكن في بعض الأحيان، كانوا يشاطرون المستوطنين دوافعهم الأيديولوجية لضم المنطقة. في ظل حكومة نتنياهو، زادت عملية الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية على نحو جذري حتى قبل الهجوم الذي قادته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

كما ارتفعت حدة العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين، والذي صاحب على مدى عقود التوسع الاستيطاني، على نحو كبير في السنوات الأخيرة. وتتراوح الأعمال العدائية، التي تنفذها في كثير من الأحيان عصابات من شباب مسلحين، من الترهيب والمضايقة اللفظيين، إلى سرقة المواشي، إلى هجمات على الفلسطينيين، يقتلع فيها المستوطنون أشجار زيتون المزارعين ويحرمونهم من الوصول إلى الأرض والمياه.

 وفي بعض الأحيان، يكون العنف مدفوعاً بالانتقام؛ فعندما يصاب مستوطنون إسرائيليون في هجوم فلسطيني في الضفة الغربية، على سبيل المثال، يقوم المستوطنون بأعمال انتقامية. في حادثتين حظيتا بتغطية إعلامية كبيرة في عام 2023، بعد أن أطلق فلسطينيون النار فقتلوا إسرائيليين، قام المستوطنون بأعمال شغب في قريتي حوارة وترمسعيا في الضفة الغربية، فدمروا الممتلكات، وروعوا السكان واصطدموا بالفلسطينيين، رغم أنه ليس لأي من القريتين أي علاقة بعمليات إطلاق النار التي يُفترض أنها سببت الهجوم. لكن إذا كان بعض العنف انتقامياً، فإن جزءاً كبيراً منه يهدف إلى سلب الفلسطينيين أملاكهم، وتوسيع المستوطنات والقضاء على أي أمل بقيام دولة فلسطينية.

لقد فاقم هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب في قطاع غزة الوضع كثيراً. فبمساعدة من حملة تجنيد قام بها الجيش وفَّرت للمستوطنين الأسلحة والألبسة الرسمية لحماية مجتمعاتهم كجنود احتياط، وبتشجيع من حكومة تنتمي إلى اليمين المتطرف ملتزمة بتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، استولى مستوطنون على آلاف الهكتارات من أراضي الضفة الغربية من الفلسطينيين على مدى السنة الماضية وحدها. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقع أكثر من ألف حادث لعنف المستوطنين، هُجِّر فيها أكثر من 1,300 فلسطيني من بيوتهم. 

لقد أخفقت المؤسسات الإسرائيلية إلى حد كبير في كبح جماح المستوطنين. وقد وجهت المؤسسة الأمنية التقليدية انتقادات متزايدة للعنف، وحذرت من أنه، إضافة إلى نفوذ اليمين المتطرف، يزعزعان الاستقرار في الضفة الغربية ويعرِّضان علاقات إسرائيل بواشنطن للتوتر. يقف الجنود في بعض الأحيان بين المستوطنين والفلسطينيين، ويمكن أن يواجهوا هم أنفسهم هجمات من المستوطنين المتشددين.

 لكن بشكل عام، فإن أفراد الجيش، حالهم كحال أفراد الشرطة الذين يحققون في جرائم المستوطنين، يرون أن التزامهم الأول يتمثل في حماية مصالح الإسرائيليين اليهود وما يُعرِّفونه على أنه أمن إسرائيل، وهو واجب تُقِرُّه المحاكم في معظم الأحيان. فنادراً ما تحكم المحاكم على المستوطنين المتهمين بأعمال عنف. كما أن عنف المستوطنين ليس فعل عدد قليل من “الأشخاص السيئين،” كما ينزع السياسيون الوسطيون إلى تصويره. 

مع انتقال الجيش، حاله كحال المجتمع، نحو اليمين سياسياً، فإن حالات عمل الجنود والمستوطنين معاً تصبح أكثر شيوعاً. هذا، إضافة إلى أن المستوطنين المتشددين، الذين كانوا ذات يوم على هامش الحياة السياسية الإسرائيلية، باتوا يشغلون مواقع تمنحهم السلطة على شؤون الضفة الغربية. ويوافق هؤلاء على عنف المستوطنين بتصويره على أنه دفاع عن النفس في معركة على أرض يقولون إنها من حق إسرائيل.

لقد دفع هذا التصعيد في عنف المستوطنين الحكومات الغربية إلى فرض عقوبات على مستوطنين أفراداً. ففي أمر تنفيذي صدر في 1 شباط/فبراير، وضعت إدارة بايدن إطاراً لتحديد الأفراد والكيانات التي تخضع للعقوبات. وقد أدرجت في تلك القائمة حتى الآن أربعة وعشرين شخصاً وكياناً. وقد حذت العواصم الأوروبية والاتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة. لقد مضت العواصم الغربية، باتخاذها مثل هذه الخطوات، أبعد مما كانت مستعدة للذهاب سابقاً، فبعثت بذلك إشارة إلى المسؤولين الإسرائيليين أنها تعدُّ عنف المستوطنين مشكلة خطيرة تتطلب معالجة عاجلة.

لكن معاقبة الأفراد تحجب جوهر المشكلة وتعزز رواية وجود قلة من منتهكي القانون يعملون خارج سيطرة الدولة وتنزع المسؤولية عن الحكومة. ينبغي على العواصم الغربية، التي تتفق غالباً على أن المستوطنات تنتهك القانون الدولي، أن تذهب أبعد من ذلك. يمكن للولايات المتحدة أن تنفذ أحكاماً قانونية سارية المفعول أصلاً، على سبيل المثال، بقطع المساعدة عن الوحدات العسكرية التي تعرف الولايات المتحدة أنها ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

 كما يمكن للحكومات الأوروبية أن تطبق قواعد التجارة مع إسرائيل فيما يتعلق بالسلع المصنعة في مستوطنات الضفة الغربية بشكل أفضل، أو تحظر التجارة بتلك المنتجات حظراً تاماً. يمكن للولايات المتحدة وأوروبا أن تنظرا معاً في معاقبة أعضاء الحكومة الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف ويشجعون عنف المستوطنين – وهو تحرك صعب سياسياً، لكنه تحرك من شأنه أن يشير إلى الأطراف المسؤولة.

 لن تُحدث مثل تلك الخطوات بالضرورة تغيراً جذرياً في سياسات إسرائيل. لكنها سترفع كلفة عدم قيامها بكبح جماح عنف المستوطنين، وقد تُحدث خرقاً في حالة النجاة من العقاب التي ساعدت في تمكين اليمين الإسرائيلي المتطرف على مدى عقود.

منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تراجع موقع الضفة الغربية في دائرة الاهتمام، مقارنة بالحرب والكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وتبادل إطلاق النار على الحدود الإسرائيلية–اللبنانية والمخاوف من اندلاع حرب شرق أوسطية أوسع. لكن التوسع الاستيطاني وزيادة حدة عنف المستوطنين في الضفة الغربية يغذي التشدد الفلسطيني ويزيد احتمال حدوث اندلاع أكبر للعنف هناك. 

تبدو القوى الغربية غير راغبة في اتخاذ إجراءات أقوى؛ ففي الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، سيتعين على أي تغيير في السياسات أن ينتظر إلى ما بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر. ومن شبه المؤكد أن ما سيكون من الممكن فعله حينها يعتمد على نتائج تلك الانتخابات. العواصم الأوروبية، من جهتها، منقسمة بشأن كيفية الرد. لكن الدعوات المتكررة التي يطلقها القادة الأوروبيون لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني على أساس الدولتين باتت جوفاء في غياب إجراءات أكثر حزماً لكبح جماح المستوطنين الذين يقتلون الأمل بقيام دولة فلسطينية.

https://www.crisisgroup.org/

اضف تعليق