لا تملك الولايات المتحدة ولا الصين ـناهيك عن بقية العالَـم ترف التوصل إلى نتيجة تافهة مماثلة هذا العام في سان فرانسيسكو. لقد أصبحت نافذة الفرصة المتاحة للعمل الجماعي ضيقة على نحو متزايد. ولا يجوز لنا أبدا إهدار أي فرصة للتوصل إلى اتفاق بين بايدن وشي جين بينج...
بقلم: ستيفن روتش
نيوهافين ــ تتوجه كل الأنظار الآن صوب الاجتماع المقبل بين قادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، الذي تستضيفه سان فرانسيسكو في الفترة من الحادي عشر إلى السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني. والسبب وجيه: حيث يتجلى احتمال لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينج على هامش هذا التجمع الإقليمي، بعد مرور عام كامل على آخر قمة جمعت بينهما في بالي عشية قمة مجموعة العشرين السنوية.
شهد اجتماع بالي قدرا ضئيلا من الإنجاز. ورغم أن بايدن وشي اتفقا على وضع "أرضية" لتثبيت العلاقات الصينية الأميركية المتدهورة، فإن النتيجة لم تكن مستقرة على الإطلاق. فبعد أقل من ثلاثة أشهر من قمة بالي، تسبب إسقاط الولايات المتحدة منطاد مراقبة صيني في تجميد العلاقات الدبلوماسية بشكل مؤقت، وأعقب ذلك فرض عقوبات إضافية على التكنولوجيا الصينية، فضلا عن وقوع صدامات وشيكة عديدة بين أقوى جيشين في العالم. من ناحية أخرى، عمل الكونجرس الأميركي على تأجيج الخلاف بشأن تايوان، واتهم شي الولايات المتحدة بتنفيذ سياسة "الاحتواء الـمُـحـكَـم".
ربما تكون قمة أخرى تجمع بين بايدن وشي فرصة ثانية مطلوبة بشدة. ويبدو أن كلا الجانبين يجتهدان في التحضير لها. خلافاً لاجتماع بالي، يجب أن يكون سيناريو قِـمة سان فرانسيسكو مكتوبا على النحو الذي يضمن لها النجاح. في ظل المتاعب الخطيرة التي تمر بها العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ومع الحاجة الماسة إلى الزعامة في عالم تمزقه الحروب، ينبغي للقمة المقبلة أن تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية.
الأول يتمثل في التركيز على الأهداف القابلة للتحقق. على الرغم من نفور أميركا من التعامل مع الصين لأسباب تحريفية ــ في واقع الأمر، إلقاء اللوم عن الصراع الحالي على عقود من "الاسترضاء" بدأت عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 ــ فمن الأهمية بمكان أن نعمل على إيجاد أرضية مشتركة يُـعـاد عليها تأسيس الحوار البناء.
يجب أن يكون التركيز أقل على الشعارات ــ "أرضية" العام الماضي أو "إزالة المخاطر" هذا العام ــ وأن يركز بشكل أكبر على أهداف واضحة وقابلة للتحقق. وقد يشمل هذا إعادة فتح القنصليات المغلقة (على سبيل المثال، القنصلية الأمريكية في تشنجدو والقنصلية الصينية في هيوستن)، وتخفيف متطلبات الحصول على التأشيرات، وزيادة الرحلات الجوية المباشرة (24 رحلة أسبوعيا الآن، مقارنة بأكثر من 150 قبل كوفيد)، واستئناف التبادلات الطلابية الشعبية (مثل برنامج فولبرايت).
الواقع إن تحسين العلاقات بين الشعبين ــ وهو ما يستطيع الرئيسان معالجته بسهولة إذا كانا جادين بشأن العودة إلى المشاركة ــ يُـفـضي غالبا إلى تخفيف العداوة السياسية. ومن خلال اقتطاف الثمار الدانية، يصبح بوسع بايدن وشي أن يفتحا الباب للمحادثات حول مواضيع أكثر إثارة للجدال، مثل تخفيف القيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية، وهي الغراء الذي يربط بين المجتمعات، أو التصدي لأزمة الفنتانيل، التي يضطلع فيها البلدان بدور حيوي.
لكن الهدف القابل للتحقق الأكثر إلحاحا يتمثل في استئناف الاتصالات المنتظمة بين المؤسستين العسكريتين، والتي علقها الصينيون بعد الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس/آب 2022. كان الخطر الذي فرضه انهيار الاتصالات العسكرية على هذا النحو واضحا بشكل صارخ أثناء الفشل الذريع في إدارة أزمة المنطاد في أوائل فبراير/شباط، وكذا الحوادث الوشيكة الوقوع مؤخرا بين سفن حربية تابعة للقوتين العظميين في مضيق تايوان وحادثة الطائرة فوق بحر الصين الجنوبي. مع تصاعد التوترات بين مؤسستين عسكريتين لا تتواصلان، تصبح مخاطر اندلاع صراع عرضي مرتفعة ومتصاعدة.
ثانياً، من الأهمية بمكان أيضا توضيح أهداف طموحة. ويجب أن يؤكد بيان مشترك من بايدن وشي على اعترافهما المشترك بخطرين وجوديين يهددان البلدين: تغير المناخ والصحة العالمية. على الرغم من اللقاء الذي جمع بين المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري ومسؤولين صينيين كِـبار عدة مرات هذا العام، فقد توقف التعاون في مجال الطاقة النظيفة، بسبب مخاوف مزعومة تتعلق بالأمن الوطني على الجانبين. علاوة على ذلك، لا يزال التقدم على مسار الصحة العالمية يواجه عقبات بسبب المسرح السياسي الذي تدور عليه مجادلة محتدمة حول منشأ مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19).
بطبيعة الحال، من الصعب أن نتوقع من قمة بايدن وشي أن تحل هذه المشكلات الوجودية. لكن ذِكر هذه المشكلات بالاسم وتحديدها بادرة رمزية مهمة، ودليل على الالتزام المشترك بالإدارة الجماعية لعالم محفوف بالمخاطر على نحو متزايد. هذه هي الحال بشكل خاص مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي تهدد بالامتداد لتتحول إلى صراع إقليمي كبير في ذات الوقت حيث تمر حرب أوكرانيا بلحظة محورية. بوسع الولايات المتحدة والصين إحداث فارق حقيقي من خلال التوسط في اتفاقيات سلام تنهي الحربين.
ثالثا، تحتاج العلاقات الصينية الأميركية إلى بنية جديدة للتبادل والمشاركة. من المؤكد أن اجتماع بايدن وشي في سان فرانسيسكو الشهر المقبل يُـعَـد تطورا إيجابيا. لكن مؤتمرات القمة السنوية ليست كافية لحل صراعات عميقة الجذور بين قوتين عظميين.
كنت لفترة طويلة أفضل التحول من الدبلوماسية الشخصية التي تحدث خلال اجتماعات نادرة بين قائدين إلى نموذج مشاركة مؤسسي يوفر إطارا دائما قويا لاستكشاف الأخطاء وإصلاحها على نحو مستمر.
يحقق اقتراحي بإنشاء أمانة عامة مشتركة بين الولايات المتحدة والصين مثل هذا الاحتمال. ولكن على الرغم من استقبال هذه الفكرة بشكل إيجابي في الصين، فلم يُـظـهِـر صناع السياسات في أميركا أي اهتمام بها. الواقع أن النائب الأميركي مايك جالاجر، الذي يتولى منصب رئيس اللجنة المعينة الجديدة بشأن الصين، يقرع طبول "خِـطبة الميت الحي"، محذرا من أن جهود إعادة التواصل مع الصينيين قد تؤدي إلى زوال أميركا.
من ناحية أخرى، أشعر بالتفاؤل بعد إنشاء أربع مجموعات عمل أميركية صينية جديدة ــ نتيجة للجهود الدبلوماسية التي شهدها هذا الصيف. لكن هذا ليس كافيا بأي حال من الأحوال، وخاصة عندما نقارنه بمجموعات العمل الست عشرة العاملة التي أنشئت تحت مظلة اللجنة المشتركة المعنية بالتجارة والتبادل، التي حلتها إدارة ترمب في عام 2017.
غالبا ما تُـعَـد مؤتمرات القمة بين القادة الوطنيين مجرد أحداث إعلامية. من المؤسف أن هذه كانت الحال العام الماضي في بالي. ولا تملك الولايات المتحدة ولا الصين ــ ناهيك عن بقية العالَـم ــ ترف التوصل إلى نتيجة تافهة مماثلة هذا العام في سان فرانسيسكو. لقد أصبحت نافذة الفرصة المتاحة للعمل الجماعي ضيقة على نحو متزايد. ولا يجوز لنا أبدا إهدار أي فرصة للتوصل إلى اتفاق بين بايدن وشي جين بينج على أهداف واقعية قابلة للتحقق، والتأكيد على أهداف طموحة، وإرساء الأساس لبنية جديدة للمشاركة.
اضف تعليق