ألغى وفد إسرائيلي رحلته إلى مؤتمر أعمال في البحرين بعد أسابيع من الاحتجاج العربي ضد مشاركته المقررة. ولا يجب أن تكون هذه النتيجة مفاجئة بالنظر إلى المقاومة الشعبية القائمة منذ فترة طويلة لمثل هذه المشاركة وغياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين إسرائيل ودول المنطقة. ومع ذلك...
سايمون هندرسون
في 14 نيسان/أبريل، ألغى وفد إسرائيلي رحلته إلى مؤتمر أعمال في البحرين بعد أسابيع من الاحتجاج العربي ضد مشاركته المقررة. ولا يجب أن تكون هذه النتيجة مفاجئة بالنظر إلى المقاومة الشعبية القائمة منذ فترة طويلة لمثل هذه المشاركة وغياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين إسرائيل ودول المنطقة. ومع ذلك، فإن التعزيز الأخير للعلاقات بين دول الخليج وإسرائيل قد دفع بعض الأشخاص على الأرجح إلى الاعتقاد بأنه قد تمّ تسريع وتيرة التطبيع. فبعد سنوات من توسيع الروابط الأمنية وغيرها من أواصر التعاون مع الحكومات الخليجية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة سلطنة عُمان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبعد بضعة أيام، حضرت وزيرة إسرائيلية مسابقة في لعبة الجودو في الإمارات العربية المتحدة، حيث تمّ رفع العلم الإسرائيلي وغناء النشيد الوطني للبلاد عندما فاز الفريق الإسرائيلي بميدالية ذهبية.
وفي هذا السياق، سيبدو إرسال وفد يضمّ حوالي 30 رؤساء أعمال تنفيذيين ومسؤولين حكوميين إسرائيليين للمشاركة في "المؤتمر العالمي لريادة الأعمال" في المنامة أمراً معتاداً إلى حدّ ما - فقد كان حضورهم المخطط معروفاً على نطاق واسع لعدة أسابيع، ولم يكونوا أول مجموعة إسرائيلية تقوم بزيارة البحرين. ومع ذلك، كان مستوى البعثات السابقة أقل بروزاً في حين نمت الاحتجاجات ضد الزيارة الأخيرة إلى تنافر خلال الأسابيع الأخيرة. ففي أواخر آذار/مارس، على سبيل المثال، أعلن وزير كويتي أنه لن يحضر المؤتمر بسبب مشاركة إسرائيل.
وجلّ ما يفعله السياق المحلي الفريد للبحرين هو تعقيد الصورة بصورة أكثر. فمن ناحية، تضمّ البلاد الجالية اليهودية الأصلية الوحيدة في جنوب الخليج إضافةً إلى كنيس قديم لا يزال قائماً في أعماق الجزء القديم من العاصمة. ورغم أن المجتمع اليهودي الصغير يمارس شعائره الدينية الآن في المنازل بدلاً من الكنيس، إلا أنه يحظى بحماية الملك حمد الذي يفخر بسمعة الجزيرة الحسنة في مجال الحرية الدينية.
ومن ناحية أخرى، تزخر البحرين بالتوترات بين سكانها ذوي الأغلبية الشيعية المسلمة والأقلية السنّية الحاكمة، وهو ما يعكس المواجهة الإقليمية الأوسع نطاقاً بين إيران الشيعية والحكام السنة في الخليج. يُذكر أنه لم يعد يُسمح للجمعية السياسية للمجتمع الشيعي في البحرين، "الوفاق"، بالمشاركة في الانتخابات؛ وخلال زيارة وزير الداخلية البحريني راشد بن عبد الله آل خليفة إلى واشنطن الأسبوع الماضي اتهم الوزير جمعية "الوفاق" بأنها "الوكالة البحرينية لـ «حزب الله»". وفي غضون ذلك، أعلنت المنامة للتو أنها حكمت على 139 شخصاً بالسجن بتهم دعم الإرهاب والتواصل مع «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. من جهته، وصف الموقع الإلكتروني للسفارة الأمريكية [في المنامة] الوضع المحلي العام بعبارات شديدة اللهجة حيث قال: "قد تحصل الاضطرابات في أي جزء من البلاد من دون سابق إنذار... وقد تصبح بعض الاحتجاجات عنيفة".
تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر الأعمال المزمع عقده هذا الأسبوع سيكون قريباً من بلدة السنابس التي كانت معقلاً للاحتجاجات الشيعية في الماضي. أما الفنادق الخاصة بالمؤتمر، فتقع في وسط البلدة، مما يجعلها أكثر تأثراً من الفنادق البارزة على غرار "ريتز- كارلتون" و"فور سيزونز"، الموجودة فعلياً على جزر. وكانت جمعية "الوفاق" قد دعت الحكومة إلى إلغاء المؤتمر برمته، غير أن الاحتجاج الأكبر أتى على نحو مثير للجدل من جانب الأعضاء السنّة في "المجلس الوطني" الذين نظموا مؤخراً احتجاجاً داخل القاعة حاملين شعارات "لا للتطبيع" ومرتدين الكوفيات الفلسطينية.
وعلى الصعيد الرسمي، انسحبت البعثة الإسرائيلية من المؤتمر بسبب "المخاوف الأمنية"، ومن شأن هذه الطريقة أن تحفظ بعض ماء الوجه للسلطات البحرينية، التي لطالما ادعت أن منظمي المؤتمر هم من قاموا بدعوة المجموعة الإسرائيلية وليس الحكومة. ومع ذلك، تشير النتيجة أيضاً إلى أن العاهل البحريني ربما يكون قد خضع بسهولة كبيرة للضغوط المحلية، الأمر الذي لا يبشر بالخير لمستقبل دولة لا تزال تتعافى من تداعيات الانتفاضة الكبرى والحملة القمعية التي وقعت عام 2011.
ويذكّرنا الوضع الراهن بكانون الأول/ديسمبر 2017، حين قامت مجموعة بحرينية صغيرة متعددة الطوائف بزيارة إسرائيل. وعلى الفور، أثارت الرحلة الجدل، ويعزى ذلك جزئياً إلى تزامنها مع اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، مما اضطر الملك حمد في النهاية إلى طمأنة أعضاء المجموعة بأنه يمكنهم العودة إلى البلاد آمنين.
وعند بروز أي خلاف مع البحرين، يكون مبعث قلق واشنطن على الفور هو مقر قاعدة الأسطول الأمريكي الخامس ومنشآتها والأفراد المرافقين في البر البالغ عددهم 10 آلاف شخص. ولحسن الحظ، لا يُعتبر هذا الوجود الكبير مثيراً للجدل من الناحية السياسية بالنسبة لمعظم البحرينيين، الأمر الذي يمكّن الطاقم الأمريكي من التركيز على دوره المتمثل في حماية صادرات الطاقة العالمية في المنطقة.
لقد دعمت واشنطن أيضاً انخراط إسرائيل المستمر مع البحرين وغيرها من دول الخليج، لكن هذا الجهد لا يزال قيد العمل. فالكويت تعارض التطبيع بصورة علنية؛ والسعودية قد تكون على أعتاب تغيير موقفها من هذه القضية؛ أما الإمارات، فقد أرسلت مؤخراً قواتها الجوية للمشاركة في مناورات مع إسرائيل ودول أخرى في اليونان؛ وتقدم قطر المساعدات إلى غزة عبر إسرائيل وترحب بمشاركة الإسرائيليين في المؤتمرات وغيرها من الفعاليات التي تُعقد في الدوحة.
وأخيراً، ربما يدعم الإطلاق المرتقب لـ"صفقة القرن" للرئيس ترامب بشأن السلام بين إسرائيل وفلسطين مساعي الولايات المتحدة لتعزيز التطبيع أو ربما لا يدعمها. وفي الوقت الراهن، تبدو أفضل السبل للمضي قدماً دون تغيير: إبقاء التواصل الثقافي والتجاري بين الإسرائيليين ودول الخليج عند أدنى مستوياته مع الاستمرار في الوقت نفسه بتوسيع التعاون الدبلوماسي والأمني والعسكري.
* سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن
...........................
اضف تعليق