q
الغضب من الفساد لعب دورا حاسما في الصعود الحالي للمستبدين الشعبويين. ومن أجل الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية، يجب علينا مكافحة الفساد. بالإضافة إلى إعادة توزيع الأصول المسروقة من اللصوص السياسيين والشركات، وأعوانهم القانونيين والماليين، فإن حملات مكافحة الفساد لا تخضع المسؤولين للمسائلة فحسب، بل يمكنها...
جيمس غولدستون

 

نيويورك – لقد دفعت الانتصارات الانتخابية الشعبوية في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة الكثيرين إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية الليبرالية تتعرض للهجوم. لكن اعتقال رئيس الوزراء السابق في ماليزيا هذا الأسبوع بتهمة الفساد هو أحد الإشارات العديدة على أن التنبؤات الواسعة النطاق حول التراجع العالمي للديمقراطية الليبرالية سابقة لأوانها.

إن المعنى الضمني لهذا التشاؤم هو أن المدافعين عن الديمقراطية الليبرالية لا يمكنهم استعادة الأرضية الأخلاقية العالية إلى أن يعيدوا فحص افتراضاتهم السياسية والاقتصادية الخاصة بهم. ومع ذلك، من الخطأ الاعتقاد بأن صعود الحكام المستبدين هو ظاهرة إيديولوجية بحتة أو تعبير عن الرفض الواسع النطاق للديمقراطية أو الليبرالية أو حقوق الإنسان والحقوق المدنية. إن الديماغوجيين المنتخبين اليوم لا يسترشدون بالمبدأ بل بالقوة والطمع - فهم يفعلون ذلك من أجل أنفسهم وأسرهم وأصدقائهم. يتطلب إعادة التوازن إلى عالمنا غير المنتظم الكشف عن الفساد في قلب التوجهات الجديدة المعادية لليبرالية.

في هنغاريا، أضحى أصدقاء رئيس الوزراء فيكتور أوربان وأفراد أسرته أغنياء من خلال القروض الحكومية والعقود العامة. وفي فلكشت مدينة أوربان، أشرف أحد أتباعه على بناء ملعب لكرة القدم يستوعب 4000 شخص، على الرغم من أن إجمالي عدد سكان البلدة يبلغ 1600 فقط. في حين أن "الفساد قبل عام 2010 كان مجرد عطل في النظام"، وفقا لمجموعة مراقبة الشفافية الدولية، "أصبح جزءا من النظام اليوم".

وفي تركيا عام 2014، تورط أشخاص مقربون من الرئيس رجب طيب أردوغان، والعديد من كبار أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، في عمليات غسيل الأموال لتجاوز العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على إيران. أدت هذه الفضيحة إلى استقالة أربعة وزراء، وإلى نشر تسجيلات صوتية لأردوغان يطلب فيها من ابنه التخلص من ملايين الدولارات التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة. لكن أردوغان نفى هذه الادعاءات باعتبارها مؤامرة، وقام المدعون الأتراك بإغلاق القضية في نهاية المطاف.

وفي ماليزيا، اتهم رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق وشركاؤه الآن بنهب أكثر من 4.5 مليار دولار، من صندوق الاستثمار الحكومي. ووفقًا لوزارة العدل الأمريكية، استخدمت الأموال المسروقة لشراء عقارات راقية في مانهاتن، وقصور في لوس أنجلوس، ولوحات للفنان مونيه وفان جوخ، وطائرة شركات ويخت ومنتجات فخمة أخرى.

وفي الولايات المتحدة، لا تزال الأسئلة تدور حول المصالح الخاصة للرئيس دونالد ترامب وأسرته، وكيف يمكن أن تؤثر هذه المصالح على سلوكه في المنصب.

والمثير للسخرية أن الغضب من الفساد لعب دورا حاسما في الصعود الحالي للمستبدين الشعبويين. ومن أجل الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية، يجب علينا مكافحة الفساد. بالإضافة إلى إعادة توزيع الأصول المسروقة من اللصوص السياسيين والشركات، وأعوانهم القانونيين والماليين، فإن حملات مكافحة الفساد لا تخضع المسؤولين للمسائلة فحسب، بل يمكنها أيضا معالجة عدم المساواة - إلى جانب الإحباط الذي يستغله الشعبويون لمصلحتهم.

ومع ذلك، فإن مكافحة الفساد تعني أيضاً تركيز وتجريم أولئك الذين يهددون أو يقتلون أو يعيقون الصحفيين الذين يعملون على كشف سوء استخدام السلطة. إن حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية ليست من الكماليات النخبوية كما يدعي المستبدون. فهي ضرورية لحماية المجتمعات الحرة.

وعلاوة على ذلك، يمكن للحملة المنسقة لمكافحة الفساد في البلدان ذات الانقسامات السياسية العميقة أن تعمل كقوة موحدة. إن حكومة الأغلبية لا تولي أي اعتبار لمصالح الأقليات، ولذلك فإن الأنظمة الفاسدة تسرق الجميع. ولهذا السبب أثار الفساد احتجاجات جماعية من بوخارست إلى برازيليا في العام الماضي.

بطبيعة الحال، يمكن للحكام تحويل حملات مكافحة الفساد إلى أداة سياسية. في الصين، استخدم الرئيس شي جين بينغ ببراعة تدابير مكافحة الفساد للقضاء على المعارضين السياسيين واكتساب قوة مطلقة. ولكن هذا هو أحد الأسباب الأخرى التي تدعو المدافعين عن الديمقراطية الليبرالية إلى تكثيف جهودهم الخاصة لمكافحة انتهاكات الثقة العامة.

لحسن الحظ، هذه الجهود لديها بالفعل سجل حافل. وفي الولايات المتحدة، تمكنت أربعة عقود من الملاحقات القضائية الحاسمة بموجب قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، من الحد من سوء الإدارة في جميع أنحاء العالم واستردت مليارات الدولارات من الأصول المسروقة. وعلى الرغم من أن ترامب انتقد قانون الفساد هذا منذ فترة طويلة، إلا أن آليات الإنفاذ قد نجت حتى الآن (رغم أن ذلك قد يتغير).

وعلى نحو مماثل، اتهم المدعون العامون في فرنسا مؤخراً رئيسًا سابقًا ورجل أعمال بارز بقضية الفساد المستشري في إفريقيا. وفي المملكة المتحدة، اعتمدت الحكومة مؤخرا قوانين تطالب جميع الأقاليم البريطانية ما وراء البحار - الملاذات سيئة السمعة مقابل المال غير القانوني - بتحديد بشكل علني أصحاب العقارات الحقيقيين للشركات المسجلة بحلول نهاية عام 2020. وفي إسبانيا، خسر الحزب الشعبي الحاكم منذ فترة طويلة مؤخرا تصويتا بعدم الثقة بعد أن انتهى تحقيق جنائي في الجرائم المالية مع الحكم بالسجن على المسؤول المالي الرئيسي للحزب.

لكن على الرغم من علامات التقدم هذه، هناك حاجة لاتخاذ مزيد من الإجراءات. لا يزال إنفاذ مكافحة الفساد غير متساوٍ عبر سلطات قضائية مختلفة. ولمعالجة المعاملات المالية عبر الحدود، نحتاج إلى بناء شبكات دولية أقوى من المدعين العامين والمحققين.

وفي الوقت نفسه، ينبغي على المزيد من الحكومات أن تحذو حذو بريطانيا، وتضع حدا لممارسة "الملكية المفيدة" من قبل أطراف ثالثة سرية. لقد بذل أصحاب بعض أغلى الشقق في مدينة نيويورك جهودًا كبيرة - معظمها قانونية - من أجل إخفاء هوياتهم، وذلك عن طريق التسجيل في شركات الائتمان أو الشركات ذات المسؤولية المحدودة أو الكيانات الأخرى.

وبشكل أوسع، يجب على المانحين من القطاعين العام والخاص زيادة دعمهم لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة. تستطيع هذه المؤسسات إتباع وكشف الفساد، وتوضيح توريط الممثلين السياسيين الأقوياء، وحث الجهات الحكومية إلى فرض عقوبات على المسؤولين عنها.

لن يكون الحد من الفساد سهلاً نظرا إلى أن العديد من الاقتصادات تعتمد على تدفقات الاستثمار المرتبطة بالنشاط الإجرامي. لكن عواقب التساهل واضحة للغاية. إن الفساد هو المحرك الرئيسي للشعبوية والتراجع عن القيم الليبرالية. لذلك في المرة القادمة إذا سألك شخص ما الذي حدث للديمقراطية الليبرالية، أخبره أن يتبع التدفقات المالية.

* جيمس غولدستون، المدير التنفيذي لمبادرة العدالة للمجتمع المفتوح. من 2007-2008، شغل منصب منسق الملاحقات القضائية في المحكمة الجنائية الدولية
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق