مايكل يونغ
جنيفر كافاريلا هي مخططة استخبارات أولى في معهد دراسة الحرب في واشنطن، حيث عملت سابقاً محلّلة للشؤون السورية. في موقعها هذا، هي مسؤولة عن بلورة ومراقبة تطوّر خطط المعهد المفصّلة وتوصياته حول كيفية تحقيق أهداف الولايات المتحدة ضد الأعداء، والخصوم، وفي مناطق النزاع. كتبت كافاريلا وأجرت بحوثاً حول مختلف الجماعات المعارضة في سورية، مركّزة على وجه الخصوص على جبهة فتح الشام التابعة لتنظيم القاعدة، والمعروفة سابقاً بجبهة النصرة، وقدراتها العسكرية، وأساليب الحكم، ورؤيتها الاستراتيجية طويلة الأمد.
أجرت مدوّنة "ديوان" مقابلة معها في 11 كانون الثاني/يناير للاطلاع على آخر تطوّرات الوضع في سورية، وسط هجمات النظام في الغوطة الشرقية ومحافظة إدلب.
مايكل يونغ: مَنْ تظنّين أنّه كان وراء قصف الطائرات بدون طيّار الغامض الأخير لـ"قاعدة حميميم" الروسية في سورية؟
جنيفر كافاريلا: إنّها "القاعدة" في أغلب الظن. لقد جرّبت المجموعات المرتبطة بالقاعدة تكنولوجيا الطائرات بدون طيّار ضد القوّات الموالية للنظام في محافظة حماة، ومن المحتمل أن تكون لديها القدرة الهندسية على تطوير هذه الأجهزة. كما يمتلك التنظيم مواقع عسكرية عدّة في شمال شرق وشرق القاعدة الجوية الروسية، والتي من الممكن أن يكون قد شنّ الهجمات منها. وروسيا نفسها قالت إنّ الطائرات بدون طيار جاءت من قرية الموزرة في جنوب محافظة إدلب، حيث تهيمن الجماعات المرتبطة بالقاعدة عسكرياً.
يونغ: هناك معركتان أساسيّتان، إما اندلعتا أو على وشك الاندلاع، إحداهما في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، والثانية في محافظة إدلب. كيف تتوقّعين أن تتجسّد الديناميكيات العسكرية في كلّ من هاتَيْن المنطقتَيْن؟ ألم يكن من المفترض أن تكونا منطقتا تخفيف التصعيد؟
كافاريلا: بالفعل، تنتهك القوّات الموالية للنظام منطقتي تخفيف التصعيد. وعلى الولايات المتحدة أن تأخذ العِبَر المناسبة وتعدّل توقّعاتنا في جنوب سورية وفقاً لذلك: فالقوّات الموالية للنظام ستصعّد هناك أيضاً، حالما يناسبها ذلك. لقد أعلنت القوّات الموالية للنظام الاستيلاء على قاعدة أبو الظهور الجوية في شرقي محافظة إدلب، التي تزوّدها بخط أمامي أكثر قابلية للدفاع في الضواحي الشرقية لإدلب. وربما تكون لديها النيّة في البقاء هناك حتى موعد المحادثات الدبلوماسية في سوتشي في روسيا، في 29 كانون الثاني/يناير الحالي.
يحاول الأتراك الضغط عسكرياً ودبلوماسياً لصدّ المزيد من العمليات الموالية للنظام في محافظة إدلب. وفيما لانعرف إذا ما كانت تركيا دعمت مهاجمة القاعدة الجوية الروسية، تستغل أنقرة النتائج والمخاطر الناتجة عنها بالنسبة إلى القوّات الروسية للمطالبة بوقف العمليات في إدلب. كما أنّها تستغل المخاوف الأوروبية من موجة تدفّق لاجئين جديدة لحشد الدعم الأوروبي لإجبار روسيا على وقف العمليات.
من غير المحتمل تخفيف حدّة النزاع حول دمشق. فمنذ سنوات، تسحق القوّات الموالية للنظام المقاومة المتمرّدة في جيوب معزولة حول العاصمة. تمثّل الظروف المروّعة للمجاعة في الغوطة الشرقية استراتيجية النظام في الاستفادة من غطاء اتفاقات تخفيف التصعيد لتنفيذ برنامج "حصار الجوع". وتواجه القوّات الموالية للنظام ضغوطاً دولية أقل بالقرب من دمشق، حيث لاتؤدي حملتها فوراً إلى تدفّق اللاجئين نحو تركيا أو الأردن.
يونغ: يبدو أنّ نظام الأسد يريد إنجازاً عسكرياً لتفادي تقديم تنازلات سياسية لخصومه، في حين أنّ هناك مؤشّرات على أنّ الروس يريدون أن يترافق التقدّم العسكري مع حلّ سياسي. كيف سيتمظهر هذا الاختلاف في نهاية المطاف؟
كافاريلا: الروس معنيّون أكثر من الرئيس السوري، بشّار الأسد، بالتوصّل إلى تسوية دبلوماسية رسمية للحرب، تمكنّهم من ادّعاء النصر، وتنال الرضى الدولي. لاتنوي لا روسيا ولا الأسد تقديم تنازلات جوهرية للمعارضة السورية، من شأنها إضعاف النظام السوري. ويسعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى إبرام صفقة دبلوماسية يستطيع استخدامها للادّعاء بأنّه صانع السلام في سورية. قد يقبل الأسد بصفقة تحفظ نظامه، وبالتالي فهو مستعدّ لدعم العملية طالما أنّها تواصل حمايته. يضع الأسد قيوداً على المدى الذي يمكن فيه للروس الذهاب في سبيل إبرام صفقة دبلوماسية يمكن لبوتين تسويقها. فقد رفض الجهود الروسية للبحث في تنازلات كالإفراج عن معتقلين، على سبيل المثال. التوتّر الجوهري الوحيد بينهما لايعدو كونه هامشياً. إذ يسعى كل من روسيا والأسد إلى تحسين الوضع العسكري للنظام السوري من أجل زيادة قدرة الأسد إلى أقصى حد لإعادة بناء نظامه. وستستمر عملياتهما العسكرية تحت ستار مكافحة الإرهاب (التي كانت دائماً تمثيلية الأسد)، بغض النظر عن نتيجة العملية الدبلوماسية.
يونغ: هناك نقطة توتّر أخرى هي المنطقة القريبة من مرتفعات الجولان، حيث حذّرت إسرائيل من أنّ إيران تحاول تعزيز وجودها. إلى أين يمكن أن يؤدي ذلك على الأرجح؟
كافاريلا: ستواصل إسرائيل على الأرجح إدارة هذا التصعيد على المدى المنظور. وستواصل الغارات الإسرائيلية استهداف حزب الله وغيره من وكلاء إيران في سورية، بهدف تعطيل خطوط الإمداد، ومنع نقل الأسلحة المتطوّرة، وردع إيران عن توسيع وجودها على طول مرتفعات الجولان بما يتجاوز المستوى الذي تعتبره إسرائيل مقبولاً. من المرجّح أن تنجح الحملة الإسرائيلية على المدى المنظور، لأنّه من المستبعد أن تقوم إيران بتصعيد مباشر معها في ظل الظروف الراهنة. تحتاج إسرائيل إلى الولايات المتحدة للحدّ من قوّة إيران في سورية. لكن، لاتتبع الولايات المتحدة حالياً استراتيجية لاحتواء، أو تقليص، القوّة الإجمالية لشبكة وكلاء إيران في سورية، ولتسلّلها إلى هياكل النظام. لا يمكن للإسرائيليين أن يتوقعوا من الولايات المتحدة أن تحلّ مشكلتهم مع إيران في سورية في وقت قريب. إذ ستواصل واشنطن تحمّل سياسة منح طهران فرصة استراتيجية لادماج وكلائها في سورية، ورعاية القواطع السورية التي يمكنها البقاء حتى لو اضطرت إيران في نهاية المطاف إلى سحب وكلائها الأجانب.
يونغ: هل هناك نهاية واقعية للنزاع السوري؟
كافاريلا: ليس في الوقت الحالي. فالجماعات الجهادية، بما فيها القاعدة وبقايا الدولة الإسلامية، لديها النيّة والقدرة على إبقاء هذه الحرب مُحتدمة لسنوات. ولايزال الأسد غير قادر على فرض سيطرته على البلاد، لأنّه يعتمد اعتماداً كلياً على الدعم العسكري الكبير من إيران وروسيا. وبالتالي، فهو لايمتلك السيادة في الواقع، وقدرته على السيطرة والحفاظ على الأرض تعتمد على حجم النفقات العسكرية التي تبدو إيران وروسيا مُستعدتين لتكبّدها، وتقدران على ذلك. سيحاول الجهاديون توسيع تكلفة القتال في سورية من أجل استغلال نقطة الضعف هذه، لا بل يمكنهم أيضاً استعادة أراضٍ. يسير الصراع السوري على طريق مواصلة التوسّع خلال العام 2018.
اضف تعليق