مع انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بين الأوساط المجتمعية شاعت سلوكيات معينة، من بينها مشاركة اليوميات على الحساب الشخصي بتلك المواقع، والحديث بموضوعات لا تستحق النشر ووضعها امام العامة، وأخيرا نشر صور الأطفال بصورة يومية وهم يلعبون او يؤدون بعض الأشياء المنزلية...
مع انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بين الأوساط المجتمعية شاعت سلوكيات معينة، من بينها مشاركة اليوميات على الحساب الشخصي بتلك المواقع، والحديث بموضوعات لا تستحق النشر ووضعها امام العامة، وأخيرا نشر صور الأطفال بصورة يومية وهم يلعبون او يؤدون بعض الأشياء المنزلية.
تُعرف هذه الظاهرة اصطلاحاً في الأدبيات الإنجليزية باسم Sharenting، وهي تتألف من كلمتي Share وParenting، أي مشاركة الآباء تفاصيل حياة أطفالهم، من خلال الصور ومقاطع الفيديو، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة.
للأسف لا يعرف الآباء او الاهل بصورة عامة مخاطر هذا النشر على المستوى الاجتماعي والتقني.
فالمخاطر على المستوى الاجتماعي، تتمثل بعدم صحة استعراض مجريات حياتك اليومية امام الآخرين، وغير ملزمين بمعرفة او التفاعل مع خروجك مع اسرتك، فالكل منشغل ويذهب الى حيث يريد دون الحاجة او الضرورة الفعلية لهذا النشر، الذي لا يهم الآخرين.
كما أن هذا النشر، خصوصاً المستمر، يُسهم في تكوين بصمة رقمية للطفل في الفضاء الافتراضي، وهو ما قد يحمل تداعيات على حياته في المستقبل وعلاقاته الاجتماعية، فضلاً عن إمكانية استغلال الصور بشكل غير اخلاقي من قبل بعض المرضى عبر برامج الذكاء الاصطناعي الكثيرة وسهلة الاستخدام.
اخرج وافعل ما تشاء، امزح وامرح ومارس ما تحب، لكن ليس بالضرورة ان توضح ذلك للآخرين، وان اصابك مكروه ولو بعد حين تعزي ذلك الى الحسد وعيون الناس التي لا ترحم!
من وضع تفاصيل سفرتك امام الناس؟ من اشعرهم بجميع تحركاتك؟، لا أحد سواك إذا عليك ان تتحمل النتائج القادمة ولا تلوم الا نفسك، وتريد ان تكمل العملية بنشر صور اطفالك بشكل يومي.
النشر بهذه الصورة يعد انتهاكا صارخا لخصوصية الأطفال، وربما لو كانوا بعمر أكبر لرفضوا نشرهم بهذه الهيئة او الحالة، والدليل على ذلك ان صور النشر تقتصر على شريحة الأطفال ولا تتعدى لمن هم أكبر سنا، نتيجة رفضهم لمثل هذه التصرفات التي يرونها لا تتلاءم مع الوضع الاجتماعي.
أسباب هذه الظاهرة تعود إلى عدة عوامل تدفع الآباء والأمهات للقيام بذلك، من أبرزها الضغط الاجتماعي ومتطلباته المعروفة، ورغبة الوالدين في التباهي والتفاخر بالأطفال، فضلاً عن الولع غير المنطقي بنشر تفاصيل الحياة الشخصية للأطفال أو الأسرة في مواقع التواصل.
بالرغم من شيوع هذه الظاهرة وانتشارها على نطاق واسع، إلا أنها تنطوي على تأثيرات ومخاطر كبيرة قد تترتب على الطفل والعائلة على المدى البعيد، إذ أن التصرف في الأساس يشكل خرقاً وانتهاكاً واضحاً لشخصية الطفل، حتى وإن كان ذلك بصورة غير مقصودة، حيث إن الطفل لا يمتلك الوعي الكافي أو القرار للموافقة أو رفض هذا التصرف الذي قد لا يرغب فيه حالياً أو في المستقبل.
وقد أجريت دراسة في هذا المجال قام بها الأستاذ أيتن دوغان كسكين وزملاؤه، بعنوان "متلازمة مشاركة الأطفال: هل هي استخدام مناسب لوسائل التواصل الاجتماعي؟" تمت دراسة ظاهرة Sharenting في تركيا.
وجدت الدراسة أن 86.9 بالمئة من المشاركين يعتبرون أن Sharenting قد يشكل نوعاً من الإهمال أو الإساءة للأطفال، خاصة عند نشر صورهم دون موافقتهم أو إدراكهم للمخاطر المحتملة.
كما ركزت الدراسة على الأضرار النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تنجم عن هذه الممارسة، مثل تعرض الأطفال لانتهاكات تتعلق بالخصوصية واستغلال صورهم على الإنترنت، مؤكداً أن الأمهات يمارسن هذه الظاهرة أكثر من الآباء.
البحث يدعو إلى اتخاذ إجراءات حقيقية لزيادة الوعي حول مخاطر هذه الظاهرة وتداعياتها، ويؤكد على الجهات المسؤولة ان تضع قوانين أو لوائح لحماية الأطفال من هذه المخاطر والتحديات.
هذه الظاهرة تطرح عدة إشكاليات أخلاقية ونفسية معقدة، خصوصاً مع ظهور تقنيات متقدمة للذكاء الاصطناعي قادرة على تزييف الصور واستخدامها بطرق غير مشروعة أو بأساليب غير قانونية، لذلك ظهرت تشريعات في بعض الدول تتعلق بحماية حقوق الأطفال في الفضاء الرقمي، إلا أن تطبيق هذه القوانين يواجه تحديات كبيرة.
بعد ما تقدم ولتجنب الوقوع في المحظورات، يُنصح الآباء الذين يصرون على نشر صور أطفالهم باتخاذ خطوات حذرة تضمن حماية خصوصية أبنائهم، وذلك من خلال الاستفادة من إعدادات الخصوصية المتاحة، وتحديد ما يُنشر بعناية وحذر، والابتعاد عن النشر المتكرر والتفصيلي.
على الاسر ان تكون أكثر وعياً بالجوانب المظلمة للعالم الرقمي، وما قد يترتب عليها من تداعيات خطيرة على مستقبل الطفل، من أجل اتخاذ قرارات تعكس احترامهم لحقوق أطفالهم وخصوصيتهم في عالم افتراضي لا حدود له، مع فوضى عارمة في سياسات الاستخدام والخصوصية.
اضف تعليق