التأخير عن المواعيد هو سلوك شائع يمكن أن يترك انطباعًا سلبيًا ويؤدي إلى عواقب غير مرغوبة على الصعيد الشخصي والمهني. اذ تعد قيمة الوقت من أثمن الموارد التي يمتلكها الإنسان، ومن هذا المنطلق، فإن الالتزام بالمواعيد يعكس احترام الفرد لذاته وللآخرين، وتمثل تلك القيمة جزءًا أساسيًا من ثقافة الاحترام والتعاملات اليومية...
التأخير عن المواعيد هو سلوك شائع يمكن أن يترك انطباعًا سلبيًا ويؤدي إلى عواقب غير مرغوبة على الصعيد الشخصي والمهني. اذ تعد قيمة الوقت من أثمن الموارد التي يمتلكها الإنسان، ومن هذا المنطلق، فإن الالتزام بالمواعيد يعكس احترام الفرد لذاته وللآخرين، وتمثل تلك القيمة جزءًا أساسيًا من ثقافة الاحترام والتعاملات اليومية.
يمثل الوقت في العصر الحديث عنصرًا حاسمًا في إدارة الحياة اليومية، حيث تعتبر المواعيد أداة لتنظيم العلاقات بين الأفراد ولإرساء النظام في المجتمع، وعندما يتأخر الشخص عن موعد، فإنه يتسبب في اضطراب الخطط المحددة مسبقًا، مما يؤثر سلبًا على الإنتاجية ويربك الجدول الزمني للآخرين، يتجاوز تأثير التأخير الأثر المباشر، وينعكس على الثقة بين الأطراف ويعطي صورة عن عدم الجدية واللامبالاة، وهو ما قد يؤثر على فرص الأفراد في حياتهم الشخصية والمهنية.
الأسباب التي تؤدي إلى التأخير عن المواعيد متعددة ومتنوعة، فمنها ما يعود إلى سوء تنظيم الوقت، ومنها ما يعتبر نتيجة لضغوطات الحياة والتوترات اليومية. قد يكون أيضًا التأخير ناتجًا عن عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث غير المتوقعة، مثل ازدحام المرور أو تعطل الوسائل المستخدمة للوصول إلى المكان المحدد. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن بعض حالات التأخير قد تكون مرتبطة بعوامل نفسية مثل التسويف أو القلق الاجتماعي، حيث يجد البعض صعوبة في التزامهم بمواعيدهم بسبب شعورهم بالقلق أو ضغوط الأداء.
لمسألة التأخير عن المواعيد آثار اجتماعية ملحوظة، حيث يتسبب في إحباط الآخرين ويعطل سير الأعمال ويؤدي إلى تأخير تنفيذ الأنشطة المخططة. تحمل بعض الحالات أعذاراً مقبولة، إلا أن التكرار المستمر لهذا السلوك يعكس نمطًا غير صحي قد يحتاج إلى معالجة جدية من خلال تطوير مهارات إدارة الوقت وتحديد الأولويات بشكل فعال، بالإضافة إلى تحسين التنظيم الشخصي وتعزيز الالتزام والانضباط لدى الفرد.
يظهر الالتزام بالمواعيد كصفة تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد وعلى صورتهم الاجتماعية والمهنية. ومن الأهمية بمكان تطوير استراتيجيات كفيلة بالحد من التأخير، مثل التخطيط المسبق، واستخدام التقنيات الحديثة لإدارة الوقت، وتعلم التعامل مع الضغوطات الحياتية بشكل أفضل. بذلك، يمكن للإنسان أن يحسن من مستوى كفاءته وثقته بنفسه، ليبني علاقات أكثر ثقة ومصداقية في كافة جوانب حياته.
لماذا نتأخر عن مواعيدنا؟
لا أحد يحمل ضغينة لزميل أو صديق تأخر عن موعده خمس دقائق، لكن كثيرين يشعرون بالغضب إذا أدركوا أن التأخر عن المواعيد ينم عن عدم الاحترام.
لذلك يشعر كثيرون بالغضب إذا جرى التأخر عنهم إذا لم يكن هناك عذر جيد؛ مثل شيء خارج إرادتك، كالطريق والمواصلات؛ لأن الغضب الذي ينشأ عن التأخر في المواعيد معناه أن الشخص المتأخر يقول للآخر: «أنا أكثر أهمية منك»، أو حتى «أنا أقدم لك معروفاً من خلال حضوري».
وعدَّ تقرير لموقع «سيكولوجي توداي» أن «التأخر يُهين الآخرين، لكنه أيضاً يقوّض شخصية الشخص المتأخر؛ لأنه قد ينم عن نقص في الذكاء أو في معرفة الذات أو في قوة الإرادة أو التعاطف. على سبيل المثال، قد يكون الشخص المتأخر وضع أهدافاً غير واقعية، وأفرط في جدولة يومه، أو قلّل الوقت الذي يستغرقه السفر من مكان إلى آخر».
لكن هناك أيضاً بعض الأسباب الأكثر سوءاً للتأخر، عن مجرد الأداء المتوسط، بعضها ينطوي على الغضب والعدوان، والبعض الآخر خداع الذات.
سلوك عدواني
وبالنسبة للغضب والعدوان، فإن الأشخاص الغاضبين الذين يتصرفون بهدوء ولطف مُبالغ فيه تقريباً، قد يعبرون مع ذلك عن غضبهم، من خلال وسائل سلبية، مثل التأخر في الوقت.
وعدَّ التقرير أن التأخر، في كثير من الأحيان، على أساس متكرر وغير متوقع، يكون سلوكاً عدوانياً، إذ إن السلوك العدواني السلبي هو وسيلة للتعبير عن العدوان سراً، وذلك دون تكبد التكاليف العاطفية والاجتماعية الكاملة للعدوان العلني. ومع ذلك فهو يمنع تحديد المشكلة أو المشكلات الأساسية وحلّها، ويمكن أن يؤدي إلى قدر كبير من الانزعاج والاستياء لدى الشخص أو الأشخاص على الطرف المتلقي.
خداعاً للذات
ويُعد التأخر أيضاً شكلاً من أشكال خداع الذات، إذ إن الشخص المتأخر يشعر بأنه أكثر أهمية. ووفقاً للتقرير، فإن الشخص قد يتأخر لأنه يشعر بالنقص أو عدم الأهمية، ويكون التأخر وسيلة له لفرض نفسه على موقف ما، وجذب أقصى قدر من الاهتمام.
وسيلة للرفض
ويُعد التأخر عن المواعيد أيضاً وسيلة لإظهار عدم موافقتك على غرض الاجتماع، أو الاستياء من نتائجه المحتملة. ويكون التأخر عن المواعيد أيضاً شكلاً من أشكال الخوف من عواقب الاجتماع أو الموعد.
وليس بالضرورة أن يكون التأخير ذا مدلول نفسي، لكنه يمكن أن يكون تصرفاً من العقل اللاواعي، أو ما يسمى الحدس، لرفض المشاركة، فمثلاً يمكن أن يكون هناك اجتماع (أو حتى موعد لوظيفة) ليس هو الأفضل لوقتك، أو أنه سيعمل حتماً ضد مصلحتك الشخصية. بحسب ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط”.
لماذا يأتي البعض إلى مواعيدهم متأخرين على الدوام؟
بما لا ينجم ذلك دائما عن سلوك طائش أو وقح، بل قد ينتج عن عوامل أخرى، حسبما تقول لورا كلارك، الصحفية في "بي بي سي".
أعترف أنني أتأخر عن مواعيدي، أو على الأقل أتعافى حاليا من هذا الداء. بل إنني في الحقيقة فَوَّتُ أكثر من موعد نهائي حُدد لي لتسليم هذا المقال، بشكل متكرر، وعلى نحو محرج بطبيعة الحال.
ومع أنه قد يحلو لي التظاهر بأنني أتعمد تبني هذا الأسلوب في التعامل مع الكتابة الصحفية، على غرار "المدرسة الأسلوبية" في التمثيل، لكن الأمر ليس كذلك في الواقع.
أعلم أنني لست الوحيدة من نوعي. فكل منّا يلتقى بمثل هذه النوعية من الشخصيات، في صورة جليسة أطفال تأتي دوما متأخرة، أو زميل عمل يفوّت كل مواعيد التسليم النهائية التي تُحدد له، حتى وإن كانت بضع ساعات، أو صديقة لابد أن تُبلغها بأن تَقْدِم مبكرة عن موعد وجبة الغذاء المحجوزة لكما في أحد المطاعم 30 دقيقة كاملة، حتى تضمن أن تأتيك في الموعد.
ومع أن التأخر على شخص ما ينتظرك يُعد من بين أكثر العادات الكفيلة بإثارة الغيظ والغضب، فربما يتعين عليك - وأنت تنتظر صديقا أو زميلا تأخر عليك - أن تبعد عنك تلك الأفكار التي قد تجول في ذهنك حول أسباب تأخره.
فمن المحتمل ألا يكون السبب أن ذاك الشخص المتأخر مجرد إنسان أناني. فمن شأن نظرة متعمقة في الأسباب النفسية المتعلقة باعتياد البعض التأخير، إلقاء الضوء على طبيعة عقلٍ ربما يعاني من خلل ما في هذا الصدد. ولكن الخبر السار هنا هو أن هناك أكثر من حل متاح لتلك المشكلة.
المتأخرون ليسوا كسالى
ينظر الناس طوال الوقت تقريبا بشكل سلبي إلى من لا يلتزمون بمواعيدهم. وتقول هارييت ميلوت، خبيرة العلاج المعرفي السلوكي والطبيبة النفسية تحت التدريب في لندن: "من السهل أن نعتبر هؤلاء أناسا مشوشين، وفوضويين، ووقحين، ولا يراعون الآخرين".
اللافت أن ميلوت تقر بأنه بعيدا عن تعاملها في عيادتها مع أشخاص مثل هؤلاء، فإن احتكاكها في حياتها العادية مع أُناس يتأخرون عن مواعيدهم يشكل أمرا "يمكن أن يؤدي، وبشكل خاص، إلى إثارة غضبي."
لكن كثيرا من هؤلاء "المتأخرين عن مواعيدهم" منظمون بشكل ما على الأقل، ويرغبون في إسعاد أصدقائهم وأقاربهم ورؤسائهم في العمل.
كما أن هؤلاء غالبا ما يكونون على علمٍ كافٍ بالضرر الذي قد يسببه لهم تأخرهم عن مواعيدهم فيما يتصل بعلاقاتهم مع الآخرين، وسمعتهم، ومسيرتهم المهنية، ومواردهم المالية. بل يشعرون على الأغلب بالخزي إزاء ذلك الأمر أيضا.
وتقول ديانا ديلونزور، في كتابها "لن أتأخر ثانية على الإطلاق"، إنه رغم وجود من يستمتعون بإبقاء الآخرين منتظرين "فإنك لن تحب أن تكون متأخرا" عن مواعيدك إذا ما كنت إنسانا سويا وطبيعيا. ومع ذلك "سيظل التأخير عدوا لك"، على حد قول الكاتبة.
حججٌ وأعذار
بينما تحظى بعض الأعذار التي تُقدم لتفسير التأخير عن الموعد - خاصة إذا ما كان لوقت طويل - بتقبل الجميع؛ كأن يكون هذا الأمر ناجما عن حادث، أو بسبب الإصابة بوعكة صحية على سبيل المثال، ليس من اليسير أن تلقى أعذارٌ أخرى تفهما مماثلا.
ويتظاهر بعض المتأخرين بأن ما فعلوه ناتجٌ عن انشغالهم بأمورٍ أهم وأسمى من الالتزام بالمواعيد، مثل الهوس بالنزوات، والميول الغريبة، أو لأنهم لا يؤدون العمل سوى تحت ضغوط، أو لأن ساعتهم البيولوجية تشبه ساعة البومة، التي تصحو ليلا وتنام نهارا، وليس ساعة "كروان" يستيقظ مبكرا مع صياح الديك.
وجوانا هي أحد المتأخرين عن مواعيدهم بشكل مزمن، وهي مدرسة تعمل في لندن وتفضل عدم ذكر اسمها الكامل. وتقول إن ما عُرفت به من تأخر عن المواعيد يرتبط أحيانا باختلاف في الآراء ليس إلا.
فبحسب قولها: "قد يطلب مني صديقٌ أن آتي في أي وقت اعتبارا من الساعة السابعة، لكنه يتضايق إذا ما أتيت في الثامنة أو بعد ذلك".
ومن جهة أخرى، قد يتضح أن كونك دائم التأخير غير ناجمٍ عن خطأ ما من جانبك، بقدر ما هو ناتجٌ عن طبيعة شخصيتك. وبحسب خبراء، غالبا ما تشيع - بين من يعتادون هذا الأمر - صفاتٌ مثل التفاؤل، وتدني القدرة على التحكم في النفس، والقلق أو الولع بالسعي للإثارة. كما أن الإحساس بمرور الوقت قد يختلف باختلاف نمط شخصية كل منّا عن الآخر.
وفي عام 2001، أجرى جيف كونتي، الأستاذ في علم النفس بجامعة سان دييغو الأمريكية، دراسةً قسّم الأشخاص الخاضعين لها إلى مجموعتين؛ تضم أولاهما أشخاصا طموحين وينزعون للتنافس والتباري مع غيرهم، بينما تشتمل الثانية على أشخاص مبدعين، ومولعين بالتأمل والاستكشاف.
وطلب كونتي من المجموعتين أن يُقَدِروا بأذهانهم ودون استخدام ساعة، كم من الوقت تستغرقه الدقيقة الواحدة لتنقضي. وبينما كان تقدير أفراد المجموعة الأولى قريبا من الصحة إلى حدٍ كبير، إذ قالوا إن الدقيقة مرت بعدما انقضت 58 ثانيةً تقريبا منها، شعر أقرانهم في المجموعة الثانية بمرورها بعد 77 ثانية؛ أي عقب انقضائها بـ 17 ثانية كاملة.
أنت ألد أعداء نفسك
في عام 2015، كتب تيم أوربان، وهو متحدثٌ في ما يُعرف بسلسلة مؤتمرات "تيد"، والذي يصف نفسه كذلك بأنه شخصٌ يتأخر على الدوام، أن لدى أقرانه من المتأخرين "دافعا قهريا غريبا من نوعه لإلحاق الفشل بأنفسهم". بل وأطلق على أصحاب هذه الأرواح التعسة وصف "المهووسين بالتأخر على نحو مزمن".
ومن هذا المنظور، هناك الكثير من أسباب التأخر عن المواعيد تنبع من داخل الشخص المتأخر نفسه، رغم أن ثمة أسبابا ذات طبيعة أخرى. وبالنسبة لحديثي العهد بهذه المشكلة، ربما تكون ناجمة عن توقعهم أو تخوفهم من تأخرهم على موعدهم، أو اهتمامهم المبالغ فيه بالتفاصيل.
وبالنسبة للمعلمة جوانا، يشكل إعداد التقارير الخاصة بأداء طلابها في المدرسة النموذج الأكثر إيلاما لها فيما يتعلق بالتخلف عن المواعيد.
وتقول في هذا الصدد: "لم التزم قط بالموعد المحدد، وهو ما يجعل الأمر يبدو وكأنني غير مكترثة" بالمسألة برمتها. وتستطرد جوانا بالقول إنها تنشغل بالتفكير بشأن هذه التقارير لأسابيع، وتكرس اهتماما كبيرا حقا بتقييم كل طفل، "لكن تقديمها متأخرا يقوض كل ذلك".
ونعود لـ" هارييت ميلوت" التي تقول إن التأخر عن المواعيد قد يرجع بالنسبة للبعض لمعاناتهم من مشكلات عصبية أو ذهنية شائعة "ومثيرة للقلق العميق".
وتضرب على ذلك مثالا بأن من تُشخص إصابتهم بالقلق "يتجنبون غالبا مواقف بعينها". وتستطرد قائلة إنه من المحتمل أن ينظر من يعانون من قلة الثقة والاعتداد بالنفس، بشك في قدراتهم، وهو ما قد يفضي بهم إلى استغراق وقت أطول للتحقق من أنهم أنجزوا أعمالهم على الوجه الأكمل.
أما من يصابون بالاكتئاب، فغالبا ما يعانون من تراجع للنشاط والطاقة، وهو ما يجعل من العسير عليهم بشدة حشد دوافع في نفوسهم للقيام بأي خطوة إلى الأمام.
هل يكفي العلاج الذهني فقط؟
هنا يمكن الاستعانة برأي ليندا سبادين، وهي طبيبة نفسية تعمل في عيادة خاصة بمدينة نيويورك الأمريكية، ومؤلفة كتاب "كيف تقهر التسويف والمماطلة في العصر الرقمي". وترى سبادين أن بعض حالات التأخر المزمن تنبع مما وصفته بـ"مشكلة التفكير الاستحواذي".
وأضافت الطبيبة باختصار أن من يؤجل أو يسوف في إنجاز شيء ما، يركز على مبعثٍ للخوف يرتبط بالمناسبة أو موعد التسليم النهائي المحدد له، ويتأخر بسببه عن الحضور أو الانتهاء من تسليم العمل.
وبدلا من اكتشاف طريقة من شأنها تجاوز هذه المخاوف، تصبح ذريعةً للتأخير بالنسبة للمرء، حسبما تقول سبادين؛ التي تضيف أن الإنسان عادةً ما يعبر عن ذلك بعباراتٍ تدخل فيها مفردة "لكن"، كأن يقول لنفسه: "أردت أن أصل في الموعد، لكنني عجزت عن اتخاذ قرارٍ بشأن ما الذي يتعين عليّ ارتداؤه"، أو يقول: "بدأت كتابة المقال، لكن شعرت بالخوف من ألا يجده زملائي على المستوى المطلوب".
وتقول سبادين إن ما يأتي بعد "لكن" هو ما يحظى بالأهمية في أعين من يتأخرون عن مواعيدهم. وتنصح من يطلبون مشورتها باستخدام حرف العطف "و"، الذي يشير إلى وجود تواصل وتصميم، بدلا من كلمة "لكن" التي تفيد بوجود تناقض ومنع وعرقلة، وهو ما سيجعل "المهمة أقل تثبيطا للهمم، ويؤدي إلى ألا يصبح الخوف عقبة".
بالعودة إلى ديلونزور، سنجد أنها بدأت طريقها صوب الالتزام بالمواعيد بالتعرف على العامل الذي بدا أنه يجعلها دائما متأخرة، ومن ثم التعامل معه على نحو يلغي أثره.
ولم يحدث ذلك - كما تقول - سوى بعدما فشلت مرة تلو الأخرى في تحسين سجلها فيما يتعلق بالالتزام بالوقت. فقد أدركت وقتذاك أن شغفها بالإحساس بأن الوقت يلاحقها لإنجاز شيء ما هو ما يجعلها تتأخر. لذا، تمثل السبيل الوحيد لمعالجة هذا الأمر في تغيير طبيعة ما تتوق إليه.
وتقول ديلونزور في هذا الصدد: " خلال عملي على تحقيق الهدف المتمثل في أن أصبح أكثر انضباطا، بدأتُ أدرك أهمية أن يكون المرء شخصا موثوقا به، وسرعان ما أصبح تطوير هذا الجانب من (شخصيتي) أولوية لدى".
ولا ينبغي أن نغفل هنا إمكانية أن يكتشف الشخص المتأخر دوما عن مواعيده أن أصدقاءه وأحباءه باتوا ببساطة غير قادرين على التسامح أكثر من ذلك مع تصرفاته. وقد جاء مرضى إلى الطبيبة "سبادين"، تكبد أحباؤهم، ممن أصيبوا بخيبة أمل جراء تأخرهم الدائم، تكاليف خضوعهم لجلسة أو برنامج علاجي ما لديها.
ولكن ثمة أمل بالنسبة لأولئك الذين يُغضبهم الانتظار، فبوسعهم تحديد القدر الذي يمكنهم احتماله في هذا الصدد.
ووفقا لـ"سبادين"، بمقدور هؤلاء "اتخاذ موقف ووضع حدود" بدلا من الاكتفاء بالشعور بالغضب والانزعاج. وتضيف أنه يمكنك أن "تتحدث عما ستفعله إذا ما تأخر الشخص الآخر عن موعده".
فمثلا، يمكنك إخبار صديقك معتاد التأخير أنك ستدلف إلى دار السينما لمشاهدة الفيلم وحدك دون انتظاره إذا تأخر عليك أكثر من عشر دقائق. كما أن بوسعك إبلاغ زميلك - الذي لم يُنجز من قبل أبدا الجزء الخاص به من مشروعٍ ما في موعده - أن اسمه لن يُدرج في قائمة المشاركين في المشروع التالي، وأن مديركما سيعلم بأدائه المتراخي في هذا الصدد.
إذا تحدثت عن نفسي، سأقول إن نقطة التحول بالنسبة لي جاءت عندما أعلنت صديقة حميمة أن الكيل قد فاض بها، وأنه ليس بمقدورها أن تحتمل أكثر من ذلك. فبعد أن وصلت متأخرة بواقع ساعة كاملة على موعد لقائنا للركض معا في متنزه قريب؛ قالت لي الصديقة إن الأمر قد بلغ منتهاه وإنها لن تتفق معي على أي خطط أو ترتيبات أخرى في المستقبل.
وهكذا أدى أسلوبها هذا إلى تفعيل أفضل عامل يمكن أن يساعدني على حل هذه المشكلة، ألا وهو وضعي موضع المساءلة، وتحديد المشكلات الحقيقية التي تُسبب تأخري بشكل مستمر، ومعالجة هذه المشكلات أيضا.
ولكن كما يقول المثل الدارج "العادات المتأصلة لا تزول بسهولة"؛ لذا تشكل معاناتي مع هذا المقال مثالا توضيحيا دقيقا على صحة هذا الأمر. مع ذلك، ففي المرة المقبلة التي أجد فيها نفسي وقد أبقيتُ شخصا ما منتظرا، سأتأمل بعمق طريقة تفكيري في الأمور، وتعاملي معها، وسأحاول تغييرها ولو قليلا. بحسب ما نشره موقع “بي بي سي عربي”.
هل تجد نفسك تتأخر باستمرار؟ تعرف على الأسباب القهرية للتأخير
لا ينبغي أخذ التأخر في المواعيد من الآخرين بشكل شخصي.. فقد يكون السبب خارج عن سيطرتهم عكس ما يعتقده البعض، لا يتعمّد الشخص المُعتاد على أن يكون متأخراً في مواعيده، مضايقة مَن حوله.
وبحسب المؤلفة الأمريكية ديانا ديلونزور، صاحبة كتاب "لا تتأخر أبداً"، يجب على الناس ألا يأخذوا تأخُّر زميلهم أو صديقهم عن المواعيد المُتفق عليها على محمل شخصي؛ فالأمر لا يتعلق عادة بتقديره لهؤلاء الأشخاص ولقيمة وقتهم، كما لا يكون بسبب رغبته في الحصول على دخول درامي للمكان بعدهم. الأمر هو أن الشخص كثير التأخُّر عن مواعيده يعاني بالفعل لكي يتمكن من تخطيط وقته بشكل سليم.
وبعد عدد من الأبحاث حول التأخير وأسبابه القهرية في سيكولوجيات الإنسان، اتضح أن مشكلة التأخُّر في المواعيد قد تكون نابعة كلياً من تركيبتهم الشخصية.
أدرينالين اللحظات الأخيرة!
ووفقاً للكتاب الذي تناولته صحيفة نيويورك تايمز، يمكن تقسيم العديد من الأشخاص المتأخرين إلى فئتين. أولاً: هناك الشخصية التي تنجذب دون وعي إلى فورة الأدرينالين عند ترك المهام إلى اللحظات الأخيرة. وهناك الشخصية التي تبالغ في تقدير قدراتها، وتحاول إنجاز أكبر قدر ممكن من المهام في أقل وقت ممكن.
مقاومة التغيير وعدم الواقعية
ويميل الشخص المُتأخر إلى أن يكون متفائلاً وغير واقعي على الأغلب، وهذا يؤثر في تصوُّره وتقديره للوقت؛ إذ يعتقد فعلاً أنه يمكنه اللحاق بمواعيده، وإنجاز عدة مهام في غضون ساعة ضيقة من الوقت، دون تقدير واقعي لقدراته أو للظروف الخارجة عن سيطرته والتي قد تعطّله.
يحدث التأخير أيضاً عندما تكون لدى الشخص مقاومة تجاه التغيير، وقدرة متواضعة من المرونة النفسية في أداء المهمات؛ إذ يميل المتأخِّر على الدوام إلى الانخراط في نشاط واحد بشكل عميق، ويعاني في اتخاذ قرار تأجيله إذا لم يقم بإنهائه، للبدء في نشاط آخر له وقت وساعة محددان.
نمط الشخصية قد يكون عاملاً مؤثراً
وتوضح المُعالجة النفسية فيليبا بيري لصحيفة الغارديان، أن إيقاف شيء نشعُر بالانغماس فيه للقيام بشيء آخر، قد يكون أمراً مزعجاً للغاية فعلاً؛ فهو يتطلب قدراً من قوة الإرادة لتنفيذه. ولكن إذا لم نتخذ القرار في الوقت المناسب، فقد نفقد موعد دخول امتحان أو لحاق بالطائرة، أو على أقل تقدير قد نخسر احترام الآخرين.
ولطالما عرَّف علماء النفس "الدقّة في المواعيد" على أنها سمة من سمات الأشخاص الذين لديهم نمط الشخصية (أ)، وهي الشخصية التي تميل إلى تحمُّل المسؤولية والحصول على السيطرة والرغبة في الكمالية وإنهاء المهام للشعور بالإنجاز الذاتي.
وبالتالي تعتبر رغبتهم في الالتزام بالدقة في المواعيد نابعة من شعورهم بـ"إلحاح مستمر" لملائمة كثير من الأمور في وقت قصير، وهو ما تشير الأبحاث إلى أنه يجعل الشخص أقل احتمالية أن يتأخر عن مواعيده.
وفي بحث لجامعة واشنطن نشرته مجلة APA PsycNet العلمية عام 2016، حول ما يجعل بعض الأشخاص أفضل في تقدير الوقت الذي تستغرقه المهام وإدارة الوقت، تم التوصُّل إلى شيء واحد يشترك فيه الأشخاص الدقيقون في المواعيد، وهو أنهم يميلون إلى التحقُّق من الساعة أكثر من أولئك الذين يميلون إلى التأخُّر.
التأخير "نفسي وعقلي" أيضاً
قد تكون مشكلة التأخير عن المواعيد باستمرارٍ نابعةً من "عُطل ميكانيكي" في طريقة عمل عقلك وأفكارك، وأن مهارات الشخص في إدارة الوقت "ليست فعّالة".
وتوضح جولي مورجنسترن، مستشارة إدارة الوقت والإنتاجية ومؤلفة كتاب "إدارة الوقت من الداخل إلى الخارج" لـNBCnews: "إذا كنت كثير التأخير فأنت ببساطة لست جيداً في تقدير المدة الزمنية التي تستغرقها الأشياء لكي تنتهي، أو قد تميل إلى الانغماس المُبالغ في مهماتك التي تنخرط فيها، فتفقد الإحساس بالزمن".
وتابعت مورجنسترن أنه إذا كان الشخص يميل إلى التأخُّر بالقدر نفسه من الوقت، في عدة مناسبات وبشكل دوري، فمن المرجح أن يكون لديه نوع من الخوف أو القلق الوسواسي المتعلق بالمهمة التي من المفترض أن يقوم بها.
العامل الثقافي للتأخير
أما عن العامل الثقافي والنفسي للتأخير، فيشرح روبرت ليفين، أستاذ علم النفس وعلم النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب "جغرافيا الزمن"، لـNBCnews، أن ثقافة الوقت قد تختلف وفقاً للمتعارف عليه في المجتمعات.
على سبيل المثال، إذا تم الإعلان عن اجتماع في الساعة الثانية مساءً بالولايات المتحدة، فهذا يعني أنه من المفترض أن يبدأ في تمام الساعة الثانية مساءً، ولا يعني أن يبدأ الناس الحضور في هذا التوقيت وإلا تم اعتبارهم "متأخرين". في حين تتبع الثقافات الأخرى ما يُعرف باسم "وقت الحدث"؛ إذ تبدأ الفعاليات وتنتهي عادة عندما يظهر الجميع، ويكون هناك إجماع متبادل على أن الشيء يجب أن يبدأ أو ينتهي في مواقيت معينة في حينها.
ما الذي يجب علينا فعله إذن؟
التأخير عادة يصعب التغلب عليها، على الرغم من أنها تضر بشكل كبير بحياة الشخص المُصاب بها. وتوصي المؤلفة ديانا ديلونزور، صاحبة كتاب "لا تتأخر أبداً"، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، بعدد من التوصيات التي من شأنها تسهيل اكتساب عادة الدقة في المواعيد:
1- ضع استراتيجية لحل معضلة المواعيد: التزم بالعمل على حل مشكلة الالتزام بالمواعيد كل يوم لمدة شهر على الأقل، وبالاستمرار يتم تدريب دقة المواعيد لديك مثل العضلات.
2- أعِد تعلُّم الوقت من جديد: إذ يميل الأشخاص المتأخرون بشكل متكرر إلى الاستهانة بالمدة الزمنية التي من المفترض أن تستهلكها المهمات والأنشطة المختلفة، ويقدّرونها بشكل أقل بنسبة ما بين 25% و30%، على حد قول الكاتبة. ومن الممكن علاج تلك النقطة من خلال كتابة الأنشطة كافة خلال اليوم، وتحديد الوقت الذي استغرقه كل منها للانتهاء.
3- لا تخطِّط أبداً للوصول على الوقت المحدد: بدلاً من ذلك، خطِّط لأن تكون مبكراً عن موعدك؛ إذ يخصص الأشخاص الذين يتسمون بالمواعيد الدقيقة وقتاً إضافياً لمهامهم، لأنهم يعلمون أنه يمكن حدوث تأخيرات وتعطيلات غير متوقعة.
4- استمتع بالانتظار أفضل من أن تأتي متأخراً: أحضِر مجلة أو كتاباً أو قم بتحميل بعض الحلقات التثقيفية أو الترفيهية على هاتفك، واستغل وقت الانتظار في ممارسة ما يمكنك الاستمتاع به أو الاستفادة منه. وفي نهاية المطاف ستكون من الأشخاص الذي يحرصون على توفير وقت انتظار طويل خصوصاً للاستمتاع بتلك النشاطات. بحسب ما نشره موقع “عربي بوست”.
هل تتأخر باستمرار عن مواعيدك؟ قد تتفاجأ بأن لهذه العادة بعض الفوائد الكبيرة
يرى البعض أن التأخر الدائم عن المواعيد، بما يشمل الالتزامات الأكثر أهمية، علامة على عدم النضج أو حتى مشكلة خطيرة. علاوة على أن التأخير المزمن يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة. ولكن بحسب ما نشره موقع "Your Tango"، توصلت دراسة حديثة إلى أن التأخر في العمل قد يكون في الواقع سمة إيجابية.
توتر أقل وعمر أطول
وفقًا لبحث أجراه علماء بجامعة هارفارد، فإن الأشخاص الذين يفتقرون إلى الالتزام بالمواعيد يشعرون أيضًا بتوتر أقل. يعمل هؤلاء الأشخاص بطريقة أكثر هدوءً وتماسكًا من أولئك الذين يصلون مبكرًا. وبدوره يؤدي الشعور بالسلام الداخلي والهدوء إلى زيادة متوسط العمر المتوقع.
نظرة متفائلة وصحة جيدة
ذكر باحثون في جامعة هارفارد أن "النظرة المتفائلة في وقت مبكر من الحياة يمكن أن تتنبأ بصحة أفضل ومعدل وفاة أقل خلال فترات المتابعة التي تتراوح بين 15 و40 عامًا".
كما أن هؤلاء الأشخاص الهادئين (وإن كان ذلك في وقت متأخر بشكل مزمن) تظهر عليهم علامات أقل للإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب: "يبدو أن التفاؤل يحمي القلب والدورة الدموية - ومن المشجع أن يعرف المرء أنه يمكن أن يكون له فوائد مماثلة للصحة العامة".
إن الإنسان الذي لا يتحمل فكرة الوصول متأخرًا، لا يستطيع أن يفهم كيف يظل أي شخص هادئًا بينما هو يركض خلفه. إنه يكون عادة فخورا بالتزامه بالمواعيد، ويزدهر عندما يشعر بالاستعداد والتنظيم الجيد. إن الفوضى تجعله يشعر بالذعر، والتأخر يجعل دمه يغلي. لكن لا تزعج هذه المشكلات الأشخاص المتأخرين بشكل مزمن لأنها حرفيًا لا يمكن أن تعمل بأي طريقة أخرى.
التخطيط غير الدقيق
وفقاً لصحيفة "Wall Street Journal"، فإن الأشخاص الذين يعانون من التأخر المزمن يفتقرون إلى القدرة على التخطيط الدقيق لوقتهم. إنها السمة الشخصية، المعروفة باسم مغالطة التخطيط، تعني أن الأشخاص ببساطة لا يستطيعون الحكم بدقة على المدة التي ستستغرقها مهام محددة أو السفر. يعاني نحو 40% من الأشخاص في الواقع من هذه السمة، على الرغم من العواقب الواضحة التي تأتي من التأخير المزمن.
تعددية المهام
كما أن العديد من الأشخاص يتأخرون لأنهم يحاولون القيام بمهام متعددة إلى حد أنهم لا يستطيعون إدارة وقتهم بشكل كامل. يؤثر تعدد المهام على القدرة على التعامل بدقة، مما يعني أن هؤلاء لا يستطيعون التركيز بشكل كامل على عملية تفكيرهم أو التحكم في أذهانهم.
لذلك، يمكن أن يتشتت انتباه هؤلاء الأشخاص بسهولة وينتهي بهم الأمر بفقدان التركيز على المهام التي يحاولون إكمالها، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى استغراق المزيد من الوقت لإكمال المهمة.
اختلاف الشعور بالوقت
يبدو الأشخاص الملتزمون بمواعيدهم دائمًا، والذين تقدر نسبتهم بحوالي 60%، متوترين وقلقين ومرهقين، في حين يبدو النوع الثاني، الذي يتأخر باستمرار لمدة 30 دقيقة على الأقل في كل مكان، مرتاحًا وغير متأثر بتأخره المزمن. تظهر نتائج البحث أن كل شخص يشعر بمرور الوقت بشكل مختلف، ولهذا السبب يؤثر التأخير على كل فرد بطرق مختلفة جدًا. بحسب ما نشره موقع “العربية”.
اضف تعليق