هل تذكر كذبتك الأولى؟ وهل كررت الكذب بعدها؟ كيف تتعامل مع كذب طفلك؟ وماذا لو تكرر؟ الغش، والكذب والاحتيال كلها أوصاف متقاربة نطلقها على شخص اعتاد تكرار سلوك غير أمين، ولمعرفة الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها؛ تجيب دراسة عن قياس كيفية تفاعُل المخ مع الكذب، لتقدير مستوى الشعور بالذنب في بداية الكذب وعند تكراره...
بقلم: شريف سليمان
هل تذكر كذبتك الأولى؟ وهل كررت الكذب بعدها؟ كيف تتعامل مع كذب طفلك؟ وماذا لو تكرر؟ الغش، والكذب والاحتيال كلها أوصاف متقاربة نطلقها على شخص اعتاد تكرار سلوك غير أمين، ولمعرفة الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها؛ أجرى فريق من الباحثين اختبارًا على عينة من 80 فردًا، مع قياس كيفية تفاعُل المخ مع الكذب، لتقدير مستوى الشعور بالذنب في بداية الكذب وعند تكراره.
من خلال الاختبارات، توصل الفريق البحثي -بقيادة تالي شاروت، عالِمة الأعصاب بالجامعة- إلى أن الكذب يتعاظم مع تكراره، بل ويبدأ الشعور بالذنب في الانحسار كلما استمر الشخص في الكذب.
اعتمد البحث المنشور في مجلة Nature neuroscience على تقسيم المشاركين إلى مجموعات تضم كلٌّ منها فردين، يجلس كلٌّ منهما في غرفة منفصلة، وتُعرض على كلٍّ من المشترك وشريكه صور لوعاء مملوء بعملات معدنية، ليقوم أحدهما بتقدير قيمة المبلغ الموجود في الوعاء، والآخر –الذي يملك قدرًا أكبر من المعلومات- بتقديم النصح لزميله، مقابل الحصول على مبلغ مالي كحافز لكل منهما.
وعمد الباحثون إلى تغيير تعليمات اللعب للمشترك والشريك من وقت لآخر، فتارة تكون المصالح بين الشريكين متوافقة، وتارة أخرى تكون متضاربة، وتارة ثالثة لا تكون متوافقة ولا متضاربة.
فكلما ارتبط تقديم معلومات دقيقة للشريك بتقليل المبلغ الذي سيحصل عليه الشخص، سعى الأخير إلى أن تكون المعلومات بعيدة من الدقة.
ولقياس استجابة المخ للكذب، جرى عمل قياسات الرنين المغناطسي للقشرة الأمامية الجبهية في الدماغ (lateral prefrontal cortex) أو ما يُعرَف بلوزة الدماغ، الذي يُعتقد أنه الجزء المسؤول عن عدد من السلوكيات عند الإنسان ومنها الكذب.
وجد الباحثون أنه بتكرار الكذب ومع وجود منفعة ذاتية من ورائه؛ يقل شعور المشترك بتأنيب الضمير، على حد تعبير شاروت: "عندما نكذب لتحقيق نفع ذاتي تقوم لوزة الدماغ بتفعيل شعور سلبي، مقدار هذا الشعور يحدّد لنا إلى أي مدى نحن مستعدون للكذب".
وأوضحت شاروت لـ"للعلم" أن الانحراف السلوكي دائمًا ما يبدأ صغيرًا ثم يزداد، فكلما لجأ الإنسان إلى الغش أصبح ذلك أسهل عليه مع مرور الوقت، "التجربة هنا توضح أن الإنسان يُحجِم عن الغش في البداية، لكن هذا الإحجام يقل تدريجيًّا وفق المصلحة والاحتياج".
الدوافع والعلامات
علاء مرسي -مستشار العلاقات الإنسانية والمعالج النفسي- يتفق مع الدراسة، ويرى أنها ترسم ملامح لكيفية تحوُّل الإنسان من حالة الشرف إلى الغش، وهو ما يشرح أكثر الصراع داخل الفرد بين رغبته في الظهور أمام المجتمع بمظهر النزيه من جهة، ورغبته في الحصول على منفعة شخصية.
ويرى مرسي أن الكذب مهارة يتقنها الفرد مع مرور الوقت وليس صفة موروثة، ويتابع: "إذا مُنح الإنسان فرصة لانتهاج سلوك غير قويم لتحقيق مصلحة ما دون أن يكون لكذبه آثار مباشرة عليه؛ فإنه يتمادى في سلوكه".
وللغش دوافع عديدة، منها: الرغبة في الحصول على متعة ما، والخوف من فقدان بعض المكتسبات، ورغبة الإنسان في الوصول إلى القمة والتفوق على منافسيه، كما يمكن أن يتسبب عدم قبول المجتمع للفرد في اعتياده الكذب، كما يوضح مرسي.
ويتابع: "الغش أحد السلوكيات غير الأمينة والتي أحيانًا ما تكون معدية، مثلاً بمجرد كسر شخص للإشارة الحمراء نجد في كثير من الأوقات ميل آخرين إلى الاحتذاء به وكسر الإشارة بدورهم".
فيما يلفت أحمد عبد الله -أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق- النظر إلى أن المنافسة تؤدي دورًا كبيرًا في تحفيز الفرد على الكذب. "الوصول إلى القمة لا يتسع للجميع، لذلك يلجأ الإنسان إلى الغش".
ويتابع: "المشكلة أن الغش قد يتحول مع الوقت إلى أسلوب حياة، فالطالب عندما يلاحظ أن جميع زملائه يحصلون على درجات عالية في الامتحان دون بذل مجهود لأنهم يحصلون على الامتحانات المسربة، يتحول إلى غشاش هو الآخر".
علِّم ابنك الكذب.. إن شئت!
في بحث أجراه فريق من قسم علم النفس التربوي والإرشادي بجامعة ماكجيلز بكندا، أكد الباحثون من خلال اختبار 371 طفلًا أن الأطفال يميلون للكذب أكثر إذا عوقبوا.
الدراسة اعتمدت على اختبار عملي، فيها تُرِك الطفل وحيدًا في غرفة بوجود كاميرا مخبأة، بصحبة لعبة مغطاة، وطلب الباحثون منه عدم اختلاس النظر إلى اللعبة.
ووجد الباحثون أن ثلثي الأطفال اختلسوا النظر إلى اللعبة، وأن ثلثي الأطفال كذبوا عند سؤالهم عما إذا كانوا قد قاموا بذلك؟ كما أبدى الأكبر سنًّا مهارة أعلى في الكذب.
والأهم كان ما لحظه الباحثون من أن الأطفال المتخوفين من العقاب كانوا الأكثر كذبًا، كما كان المحفز لقول الحقيقة عند الأصغر سنًّا هو "الحصول على رضا الكبار"، أما عند الأطفال الأكبر فالهدف من وراء قول الحقيقة هو "فعل الصواب".
"لا يمكننا القضاء كليًّا على الكذب" كما يعقب مرسي، "نستطيع أن نعالج بعض دوافع هذا السلوك، فلو كان الطفل يكذب خوفًا من العقاب لا بد أن نحاول مكافأته على قول الصدق، حتى لو أخطأ، وأن نكرر على مسامعه أهمية بذل الجهد للوصول للهدف".
فيما ترى شارلوت أن مثل هذه الدراسة التي تحاول أن تكشف النقاب عن دوافع الكذب، والنمط السلوكي للكاذب تساعد أكثر في علاج المشكلة بشكل مبكر، وتوضح أن الزيادة في حالات الغش والكذب تختلف من شخص إلى آخر. فبعض الأشخاص أكثر ميلًا للكذب من غيرهم، ولكن العوامل التي تتحكم في هذا الاختلاف غير واضحة حتى الآن، وتحتاج للمزيد من الدراسات.
اضف تعليق