دراسة أُجريت على مجموعة من فئران التجارب تؤكد أن منطقة المهاد الأمامي تقوم بدور الوسيط من أجل تحويل الذكريات قصيرة المدى إلى ذكريات دائمة، تتشكل الذكريات قصيرة المدى في الحُصين، أما الذكريات طويلة المدى فتستقر في القشرة المخية، لكن ما يحدث على طول المسار بين الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى يظل لغزًا...
بقلم دينا درويش
تتشكل الذكريات قصيرة المدى في الحُصين، أما الذكريات طويلة المدى فتستقر في القشرة المخية، لكن ما يحدث على طول المسار بين الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى يظل لغزًا.
من هنا تأتي أهمية الدراسة التي نشرتها دورية "سيل" (Cell) اليوم "الخميس"، 30 مارس، والتي كشفت عن المكان الذي تحدث فيه هذه العملية، مشيرةً إلى أن "منطقة المهاد الأمامي -وهي المنطقة الدماغية التي تربط الحُصين والقشرة المخية- هي المسؤولة عن عملية توطيد الذاكرة".
تقول بريا راجاسثوباثي، عالِمة الأعصاب والأستاذ المساعد في علم الأعصاب والسلوك بجامعة روكفلر، والمشاركة في الدراسة: توفر هذه النتائج نظرةً ثاقبة حول كيفية إعادة تنظيم الذكريات العابرة في الدماغ لـتأخذ تدريجيًّا أشكالًا أكثر ديمومة.
تضيف "راجاسثوباثي" في تصريحات لـ"للعلم": حاول العلماء كثيرًا أن يتعرفوا على الطريقة التي يتم بها تحويل الذكريات قصيرة المدى التي تُختزن في الحصين إلى ذكريات طويلة المدى تُختزن فى القشرة المخية، لكنهم كثيرًا ما اصطدموا بقصور التقنيات التكنولوجية لسبر أغوار المناطق الدماغية الغامضة.
لفهم ما يحدث بين العمل قصير المدى للحصين والمهمات طويلة المدى للقشرة المخية، احتاج العلماء إلى تسجيل الأجزاء المتداخلة من دماغ في حالة تفكير نشط لعدة أسابيع، وفق البيان الصحفي الذي اطلعت مجلة "للعلم" على نسخة منه.
من جهته، يقول أندرو تودر -طالب الدكتوراة في كلية طب وايل كورنيل، والمشارك في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": يمكن لدراسات الفيزيولوجيا الكهربية قياس النشاط الكهربائي للخلايا العصبية، ومراقبة عدة مناطق من الدماغ في وقت واحد، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك مدةَ أسابيع، وعلى الرغم من أن المجاهر التقليدية يمكنها تسجيل نشاط الدماغ مدةَ أسابيع، إلا أنها عادةً ما تركز فقط على منطقة ضيقة من الدماغ.
يضيف "تودر": أجرينا تجاربنا على مجموعة من فئران التجارب، وأردنا ملاحظة كيف تطورت الذاكرة في الفأر نفسه، وفي الخلايا العصبية نفسها، بمرور الوقت، لذلك كان علينا أن نجد تقنيةً لمراقبة الخلايا العصبية في المناطق الوسيطة بين الحُصين والقشرة المخية مدةَ أسابيع، ونتابعها ونرى كيفية تطوُّرها، فابتكرنا تقنيةً جديدةً لرصد ما يحدث خلال هذا المسار وكيف تتشكل الذكريات طويلة المدى لدى الفئران.
ويتابع: كان على الفئران أن تظل ثابتةً نسبيًّا خلال الأسابيع التي يتم فيها تصوير أدمغتها، لذا تركناها تعمل في مكانها على كرة مصنوعة من البوليسترين بحيث تدور محوريًّا مثل جهاز الجري، بينما تتخيل أنها تدور في متاهات في الواقع الافتراضي.
تلقت الفئران مكافآتٍ عاليةً جدًّا عندما قامت ببعض المنعطفات في المتاهة، بينما أدت قراراتها الملاحية الأخرى إلى ردود فعل إيجابية أو سلبية طفيفة، وبعد شهر واصلت الفئران التحرك فقط إلى مناطق المتاهة التي نتج عنها مكافآت عالية، مما يشير بوضوح إلى أنها لا تتذكر سوى القرارات التي نتج عنها مكافآت عالية؛ لأنها الأكثر تأثيرًا عليها.
يقول "تودر": بهذه الطريقة تمكنَّا من قياس الاختلافات في الدوائر العصبية عند تسجيل الذكريات التي سيتم الاحتفاظ بها، لقد وجدنا أن المهاد الأمامي للدماغ يبدو أنه يتوسط في تفاعلات تقوية الذاكرة بين الحُصين والقشرة، كان لهذا الاكتشاف تعليلات منطقية من الناحية العلمية، خاصةً أن الأشخاص المصابين بـ"متلازمة كورساكوف" يعانون من أضرار في منطقة المهاد الأمامي.
وفي تجربتين لاحقتين، وجد الباحثون أن تثبيط المهاد يعطل تكوين الذكريات طويلة المدى لدى الفئران، وعلى العكس من ذلك، فإن تحفيز المهاد يساعد في الاحتفاظ بالذكريات على المدى الطويل.
تقول "راجاسثوباثي": من الإنجازات الكبيرة التي أظهرتها الورقة البحثية أن التلاعب بالمهاد الأمامي هو وسيلة لزيادة أهمية الذكرى وجعل الفئران تخزنها على المدى الطويل، كما أن هناك طرقًا عديدة لتجنُّب الذكريات السيئة وكأنها لم تحدث.
ويعتقد الباحثون أن المهاد يرسل بشكل دوري تذكيرات إلى القشرة المخية حتى تنتقل الذاكرة من المدى القصير إلى المدى الطويل؛ إذ يبدو الأمر وكأن المهاد في حوار مستمر مع القشرة المخية لأسابيع؛ إذ يعطيها إشارات بصدد الذكريات طويلة المدى وكأنه يقول لها احفظي هذه بشكل مستقر، بينما تختفي الذكريات الأقل بروزًا لأن القشرة المخية لا تتلقى إشارة ثابتة من المهاد للاحتفاظ بتلك الذكريات.
تقول "راجاسثوباثي": حتى ذلك الحين، ربما يكون المهاد جزءًا فقط من قصة تطور الذاكرة طويلة المدى، لكن لا نعتقد أن المهاد هو المنطقة الوحيدة اللازمة لتدعيم الذاكرة، ونأمل أن يتم دمج نتائجنا مع نماذج أخرى تصف هذه المنطقة الوسيطة.
وتتابع: النتائج التي توصلنا إليها تزيح الستار عن منطقة دماغية وسيطة في عملية تقوية الذاكرة لدى الفئران ويرتبط القصور بها بظهور ضعف في الذاكرة قد يعاني منه مرضى من البشر، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لمزيد من البحث.
اضف تعليق