أهم طرق مكافحة الهموم والغموم والكآبة والعادات السلبية

وتأثير الأدعية حسب القانون الثاني لنيوتن (4)

الدعاء هو تلك القوة التي تؤثر على كتلة المرض أو على إزاحة العدو (وتليين قلبه) أو على التوفيق في التجارة أو غيرها.. وهو يُكسب الحاجة تسارعاً في تحققها (زمنياً) متناسباً طردياً مع درجة قوة الدعاء وعمق الإيمان بمفعوله وتأثيره وبالله تعالى، ومتناسباً عكسياً مع نوع الحاجة وكتلتها أي صعوبة...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

قال الله العظيم في كتابه الكريم: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[1].

بصائر قرآنية وفي الآية الكريمة بصائر كثيرة نختار منها:

معنى فضل الله

البصيرة الأولى: ان الفضل، تارة يراد بها الزائد عن الحاجة، وأخرى به الزائد عن الاستحقاق، وثالثة يراد بها كلا المعنيين والظاهر ان المقصود بالآية الأعم، فإنه تعالى منحنا فوق استحقاقنا وفوق حاجتنا، بل اننا لا نستحق عليه شيئاً أبداً فإنّ كل ما لدينا منه: أصل وجودنا وشتى النعم التي أغدق بها علينا من عقل وسمع وبصر وقدرة على أخذ وبسط وقبض وحركة وسكون بل (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها)[2]، والحديث عن زيادة ما منحه لنا عن حاجتنا، وعما نتوهمه استحقاقا لنا يستدعي مجالاً آخر.

هل الفرح مطلوب شرعاً؟

البصيرة الثانية: ان الفرح أمر مطلوب شرعاً، عكس ما يتوهمه بعض الناس من أن الدين جاء بالأحزان وان الله تعالى يحب الحزين فقط.. بل المطلوب هو أيضاً[3] (الفرح بفضل الله ورحمته) وقد ورد «وَيَفْرَحُونَ‏ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا»[4]، فالمطلوب أن نفرح بكل نعمة أنعمها الله تعالى علينا.. بل وكما سبق من المستحب أن يستعرض الإنسان نِعَم تعالى عليه على كثرتها الكاثرة واحدةً واحدةً.. ويشكر الله عليها.. ويفرح بها.. وذلك يشكل مفتاحاً من أهم مفاتيح كشف الهموم والغموم وجلاء الأحزان ومكافحة الكآبة والإحباط.. فإن المتشائم هو الذي يرى الجانب السلبي من الأشياء فيصاب بالإحباط أو اليأس.. عكس المتفائل الذي يرى الجوانب الإيجابية من كل شيء ويفرح بكل نعمه فيحظى بالسعادة والسرور والحبور.

والواقع الخارجي يشهد بأن الذين يستطلعون النعم المحيطة بهم فيشكرونها ويفرحون بها، سعداء، عكس الذين يتتبعون السلبيات وما حرموا منه والنواقص: نواقص زوجاتهم مثلاً، (وكذا التي تتبع أخطاء زوجها)، أو شركائهم أو حتى منافسيهم فيحصونها عليهم فإنهم هم تعساء وإن بدوا منتصرين، إذ تجد بعضهم مهما فعلت زوجته له ومهما قدمت له إلا انه لا يرى إلا تلك الهفوة أو العثرة أو ذلك الخطأ في إعداد الطعام أو في تنظيم المنزل أو في إدارة الأولاد أو شبه ذلك.. ومن هنا تتحول حياته إلى جحيم كما يحوّل حياتها إلى جحيم، عكس الذي يستذكر ثم يفرح بالنعم الكثيرة التي أفاضها الله عليه إذ منحه زوجة / أو منحها زوجاً يقدم لها الكثير (أو تقدم له) وإن عجز أو كسل أحياناً (أو عجزت أو تكاسلت) عن بعض الخدمات، ولو وضع كل منهم ا جدولاً موضوعياً بإيجابيات الآخر وسلبياته لرأي إيجابياته تفوق سلبياته بكثير، إلا اللهم القليل القليل.. ويكفي انها تحفظه في نفسها وإن تقاعست مثلاً عن الطبخ له، والذي ليس واجباً عليها من أصله..

ما هي أفضل أنواع فضل الله ورحمته؟

البصيرة الثالثة: ان أهم أنواع فضل الله تعالى علينا ورحمته لنا نعمتان علينا أن نستحضرهما دوماً ونفرح بهما من أعمق أعماق وجودنا وهما فضل الله وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورحمته وهو وصيه الإمام المرتضى (عليه السلام) ولو استحضرنا عظيم امتنان الله تعالى علينا بهاتين النعمتين لامتلأنا حينئذٍ سعادة وفرحاً وحبوراً وسوف لا تجد أنفسنا بعدها مجالاً للكآبة والغموم والهموم إن استحضرنا هذه النعمة جيداً ففي البرهان (علي بن إبراهيم: «في قوله تعالى: ثم قال: (قُلْ) لهم يا محمد (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ) قال: الفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورَحمَتُه أميرُ المؤمنين (عليه السلام) (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)، قال: فليفرح شيعتنا (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا) أُعطوا أعداؤنا من الذَّهَب‏ والفِضَّة»[5]،[6].

أجر محبة علي (عليه السلام)، يعدل ثلث ثواب أعمال الأمة الإسلامية!

وسنزداد فرحاً وسروراً أكثر فأكثر إذا قرأنا بتبصر الرواية التالية: (عنه صلى الله عليه وآله: «مَن أَحَبَّ عَلِيًّا بِقَلْبِهِ آتَاهُ اللّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلَ ثُلُثِ ثَوَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ. وَمَنْ أَحَبَّهُ بِقَلْبِهِ وَأَظْهَرَ ذَٰلِكَ بِلِسَانِهِ وَأَعَانَهُ بِيدِهِ أَعْطَاهُ اللّهُ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلَ ثَوَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ كَامِلًا»[7]

وهو أجر عظيم لا يمكن تخيله.. إذ لنتصور مليارات من المسلمين منذ زمن النبي (صلى الله عليه وآله) حتى ظهور الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بل حتى يوم القيامة، وهم يقومون بما لا يحصى من الأعمال الصالحة والخيرات والمبرات والحسنات من بناء المساجد والمياتم والمدارس والمكتبات والحسينيات وإطعام الفقراء والأيتام والمساكين وغير ذلك.. ثم ان لك بمجرد حبك للإمام علي (عليه السلام) حباً صادقاً ثلث أجورهم جميعاً! ولو أحببته بقلبك وأظهرته بلسانك (بأن تذكر فضائله كقوله (عليه السلام) «ذِكْرُ عَلِيٍ‏ عِبَادَةٌ»[8]، و«حُبُ‏ عَلِيٍ‏ عِبَادَةٌ»[9]، وأعنته بيدك (بأن كتبت عن فضائله أو دفعت بعض شبهات الأعداء في ولايته) فلك مثل أجر هذه الأمة على امتداد التاريخ، كاملاً.

بل لمحبّه (عليه السلام) ثلث ثواب أعمال جميع عباد الله!

والرواية التالية تكمل المشهد بتثليث الأقسام وبإعطائنا مَثلاً من (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) كي لا يستبعد أحد هذا الأجر العظيم على محبته (عليه السلام).

فـ (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «مَثَلُكَ مَثَلُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَإِنَّهُ مَنْ قَرَأَهَا مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَحَبَّكَ بِقَلْبِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ ثُلُثِ ثَوَابِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَمَنْ أَحَبَّكَ بِقَلْبِهِ وَنَصَرَكَ بِلِسَانِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ ثُلُثَيْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَمَنْ أَحَبَّكَ بِقَلْبِهِ وَنَصَرَكَ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ كَانَ مِثْلَ ثَوَابِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ»[10]

وهي تزيد على الرواية الأولى بأنها تذكر أعمال (العباد) بدل (الأمة)، والعباد أعم وأشمل من (الأمة الإسلامية) إذ تشمل سائر الأمم المؤمنة السابقة علينا بل والأمم المعاصرة إذا لم تُسلِم عن قصورٍ (وأعيد امتحانهم يوم الحشر فنجحوا فيه)؛ بل قد يشمل (العباد) إضافة إلى الإنس، الجنَّ ومخلوقات أخرى كثيرة لا نعلمها.

وبمحبته كمال الإيمان

ولننتقل إلى الرواية التالية التي تزيد على ما سبق بمراتب إذ تتحدث عن اكتمال الإيمان بحب الإمام علي (عليه السلام) وهي مرتبة أعلى من مرتبة الحصول على ثواب الثقلين، فإنها في مرتبة الذات والجوانح، والثواب أمر لاحق في مرتبة الآثار المتمخضة عن المراتب الجوانحية فقد ورد («يَا أَبَا الْحَسَنِ... فَمَنْ أَحَبَّكَ بِلِسَانِهِ فَقَدْ كَمَلَ لَهُ ثُلُثُ الْإِيمَانِ، وَمَنْ أَحَبَّكَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ فَقَدْ كَمَلَ لَهُ ثُلُثَا الْإِيمَانِ، وَمَنْ أَحَبَّكَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَنَصَرَكَ بِيَدِهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ. وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ يَا عَلِيُّ لَوْ أَحَبَّكَ أَهْلُ الْأَرْضِ كَمَحَبَّةِ أَهْلِ السَّمَاءِ لَكَ لَمَا عُذِّبَ أَحَدٌ بِالنَّارِ...»[11].

بركات أخرى لمحبة الإمام علي (عليه السلام)

إضافة إلى ذلك فقد ورد: (أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً لَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَشْرَبَ مِنَ الْكَوْثَرِ، وَيَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ طُوبَى، وَيَرَى مَكَانَهُ مِنَ الْجَنَّةِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ بِعَدَدِ كُلِّ عِرْقٍ فِي بَدَنِهِ حُوراً، وَيُشَفَّعُ فِي ثَمَانِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ فِي بَدَنِهِ مَدِينَةٌ فِي الْجَنَّةِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ بِرِفْقٍ وَدَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ هَوْلَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَنَوَّرَ قَلْبَهُ وَبَيَّضَ وَجْهَهُ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً نَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً أَثْبَتَ اللَّهُ الْحُكْمَ فِي قَلْبِهِ وَأَجْرَى عَلَى لِسَانِهِ الصَّوَابَ وَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً سُمِّيَ فِي السَّمَاوَاتِ أَسِيرَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً نَادَاهُ مَلَكٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ أَنْ يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً وَضَعَ اللَّهُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجَ الْكَرَامَةِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ،

أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً وَتَوَلَّاهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَجَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ وَأَمَاناً مِنَ الْعَذَابِ»[12].

وهي ناطقة في مطلعها بأن محب علي (عليه السلام) يشرب من ماء الكوثر في الدنيا في لحظات الاحتضار، وليس في المحشر فقط، كما انه يأكل من شجرة طوبى ههنا.. إلخ.

ما الذي يراه المؤمن عند الاحتضار؟

وذلك مما يفسر أيضاً سبب رضا المؤمن بأن يقبض عزرائيل روحه.. إذ ان كل إنسان يكره بطبعه الموت كما انه شديد التعلق بأهله وأسرته وإنجازاته ومشاريعه.. إلخ فلا يرضى بمفارقة ذلك كله، وقد ورد في الروايات أن الله تعالى لا يقبض روح عبده المؤمن حتى يرضى هو بذلك.. وهو إنما يرضى عندما يرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر المعصومين (عليهم السلام) ويسمع نداء المنادي من قبل الرب سبحانه فيستشعر بسعادة لا توصف ويشتاق إلى الآخرة بدون حدود وينسى الدنيا وما فيها.. وحينئذٍ يقبض عزرائيل روحه.

ونص الرواية: عن سدير الصيرفي قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ يُكْرَهُ الْمُؤْمِنُ عَلَى قَبْضِ رُوحِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ إِذَا أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِ رُوحِهِ جَزِعَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: يَا وَلِيَّ اللَّهِ لَا تَجْزَعْ فَوَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) لَأَنَا أَبَرُّ بِكَ وَأَشْفَقُ عَلَيْكَ مِنْ وَالِدٍ رَحِيمٍ لَوْ حَضَرَكَ، افْتَحْ عَيْنَكَ فَانْظُرْ:

قَالَ: وَيُمَثَّلُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) ‏وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ (عليهم السلام) فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْأَئِمَّةُ (عليهم السلام) رُفَقَاؤُكَ، قَالَ: فَيَفْتَحُ عَيْنَهُ فَيَنْظُرُ،

فَيُنَادِي رُوحَهُ مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْعِزَّةِ فَيَقُولُ: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً بِالْوَلَايَةِ مَرْضِيَّةً بِالثَّوَابِ فَادْخُلِي فِي عِبادِي يَعْنِي مُحَمَّداً وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَادْخُلِي جَنَّتِي، فَمَا شَيْ‏ءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنِ اسْتِلَالِ رُوحِهِ وَاللُّحُوقِ بِالْمُنَادِي»[13]

والشاهد: ان من يقرا مثل هذه الروايات.. يستشعر السعادة البالغة، إذ تشكل هذه الروايات أكبر جرعات السعادة، وتنجلي همومه وغمومه وتهون عليه متاعبه؛ نظراً لإحساسه حينئذٍ بعظيم منزلته لدى رب الأرباب بحبه للرسول ولباب مدينة علمه والزهراء البتول والأئمة الميامين صلوات الله عليهم أجمعين.. إلا أن الإنسان لكونه نسّاءً يحتاج إلى أن يستحضر جسيم هذه النعمة، كي لا تستحوذ عليه الهموم حتى إذا حاصرته من كل جانب وكي لا يكون غافلاً عن هذه الثروة العظمى التي يمتلكها.. فإننا والولاية كمن يعيش قرب النهر فإنه لا يكاد يستشعر عظمة هذه النعمة إلا لو فقدها لا سمح الله تعالى.

فهذا هو الذي يشكل الحل الأول لمعضلة الكآبة والإحباط واليأس ولمكافحة أعاصير الهموم والغموم التي قد تهاجم الإنسان بضراوة من كل جانب.. والحل هو الذي أوجزته الآية الشريفة (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، وأما الحل الثاني فهو:

بعض الأذكار والأدعية

وقد وردت أدعية متنوعة تتكفل بمكافحة الهموم والغموم ومنها ما عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «قُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ بَلَابِلَ[14] فِي صَدْرِي، وَوَسَاوِسَ فِي فُؤَادِي حَتَّى لَرُبَّمَا قَطَعَ صَلَاتِي، وَشَوَّشَ عَلَيَّ قِرَاءَتِي قَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ عُوذَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)؟ قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَلِّمْنِي، قَالَ: إِذَا أَحْسَسْتَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ ذَلِكَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ، وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ اللَّهُمَّ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِالْإِيمَانِ، وَأَوْدَعْتَنِي الْقُرْآنَ، وَرَزَقْتَنِي صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَالرَّأْفَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَتَمَامِ مَا أَوْلَيْتَنِي مِنَ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانِ، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، يَا دَائِمُ يَا رَحْمَانُ، سُبْحَانَكَ وَلَيْسَ لِي أَحَدٌ سِوَاكَ، سُبْحَانَكَ أَعُوذُ بِكَ بَعْدَ هَذِهِ الْكَرَامَاتِ مِنَ الْهَوَانِ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُجْلِيَ عَنْ قَلْبِي الْأَحْزَانَ، تَقُولُهَا ثَلَاثاً فَإِنَّكَ تُعَافَى مِنْهَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ تُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه»‏[15].

وهناك دعاء آخر وهو أن تقرأ ما ورد: «فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَدُبُرِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ سَبْعَ مَرَّاتٍ‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سَبْعِينَ‏ نَوْعاً مِنْ‏ أَنْوَاعِ‏ الْبَلَاءِ أَهْوَنُهَا الرِّيحُ وَالْبَرَصُ وَالْجُنُونُ وَإِنْ كَانَ شَقِيّاً مُحِيَ مِنَ الشَّقَاءِ وَكُتِبَ فِي السُّعَدَاءِ»[16] وفي بعض الروايات، في ذلك أو ما يناظره، انه يقرأ عشر مرات أو سبعين مرة أو مائة مرة، وقد وردت بهذه الأعداد روايات عديدة، كما ورد في بعض الأدعية انه يدفع الله عنه سبعين نوعاً من البلاء أقله الهم والغم، والغم والهم هما اللذان يقفان وراء الجلطة في المخ والقلب، كما يقفان وراء توتر الأعصاب وسوء الخلق والقلق والوسواس القهري وغير ذلك.

وقد جربت هذا الدعاء مراراً كثيرة فاستشعرت الهدوء والطمأنينة التامة حتى قبل أن أبلغ المرة السابعة! وكان ذلك في فترات عصيبة مختلفة منها فترة السجن حيث كان المستقبل مجهولاً أمامنا وكان التعذيب.. وكان التهديد الجاد بالإعدام.. ولم أكن أخشى الإعدام أبداً إذ كنت معتقداً بل موقناً بانني إن قتلت فسأكون، بلطف الله وعناية الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) من أهل الجنة، إذ لم يكن الحكم بإعدامي إلا جزاءً منهم على أمري بالمعروف ونهيي إياهم عن المنكر، ودفاعي عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وإيضاح منهجهم (عليهم السلام) في العفو والرحمة والصفح والعدل والإحسان وعلى كتابة كتاب (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية).

سؤال: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟

ولكن قد يتساءل الكثيرون: ما بالنا نقرأ الأدعية، وأحياناً مراراً كثيرة، ولا نجد الأثر الذي وعدنا به في الآيات والروايات.. فأين قوله تعالى (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني‏ أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[17]، وأين روايات استجابة الدعاء تحت قبته؟

الجواب بحسب قانون نيوتن الثاني

وقد أجبنا عن هذا السؤال بإجابات عديدة في كتاب (لماذا لا تستجاب أدعية بعض الناس؟) وكان منها: انّ لاستجابة الدعاء خمسةً وعشرين شرطاً ومنها أنه مشروط بالوفاء بالعهد مع الله تعالى إذ يقول: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)[18]، ومنها غير ذلك فراجع، إلا اننا نريد أن نضيف جواباً آخر دقيقاً لطيفاً على ضوء القانون الفيزياوي الثاني من قوانين نيوتن وهو الذي يؤكد على انه (إذا أثّرت قوةٌ مّا على جسم من الأجسام فإنها تُكسِبه تسارعاً يتناسب طردياً مع درجة قوته وعكسياً مع كتلته).

وتوضيحه بمثال بسيط، انه إذا كانت أمامك درّاجة خفيفة واقفة، وسيارة صغيرة، وشاحنة كبيرة، وقطار أي قاطرة تجر ثلاثين مقطورة مثلاً، فإنك تحتاج إلى قوة أقل لتحريك الدراجة وإلى قوة أكثر لتحريك السيارة وهكذا.. كما ان قوة تحريكك كلما ارتفعت ازدادت سرعة حركة الجسم (الدراجة، أو السيارة أو القطار) بنفس النسبة ولكن ذلك يتناسب عكسياً مع حجم كتلته إذ كلما كانت كتلته أكبر كانت استجابته للتحريك وسرعته أقل.. وكذلك لو فرضت أمامك صخرة صغيرة وأخرى متوسطة وثالثة كبيرة.. وهكذا

والشاهد: ان هذا القانون الذي اكتشفه نيوتن في حقل الفيزياء، وقد قال تعالى: (سَنُريهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفي‏ أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)[19]، هو قانون إلهي عام سيّال يجري في جميع الحقول حتى في الأبعاد السيكولوجية بل والميتافيزيقية أيضاً.. وعلى سبيل المثال فإن مرض الوسواس ثنائي القطب كلما كان أعمق وأكثر تجذراً فإن اقتلاعه بحاجة إلى قوة طاردة أقوى.. وكذلك الإدمان على المخدرات أو على المسكرات أو على النوم وقت العمل أو الدراسة! أو على التدخين أو على إيذاء الآخرين أو على اغتيابهم.. فإنه كلما كانت العادة راسخة أكثر (ورسوخها وعمقها وطول تاريخها يشكل المعادل لكتلة الجسم) احتاجت إلى قوة أكبر لاقتلاعه، عكس ما لو كان الإدمان بسيطاً والوسواس عادياً قد بدأ منذ فترة وجيزة فإن مقاومته تكون أقل ولذلك فإن القوة الطاردة (المعالِجة – المكافِحة) تتناسب تناسباً عكسياً مع عمقه ورسوخه.

بحسب قوة الدعاء طردياً وكتلة المشكلة والمعاصي عكسياً

ومن هنا نكتشف ان علاج الكآبة والهموم والغموم وإدمان العادات السيئة، بالأحراز والأدعية والختومات والعوذات تتبع، بشكل عام، نفس هذا القانون الإلهي العام.. حيث ان كتلة الكآبة والأمراض النفسية أو العادات السيئة، كعادة اغتياب الآخرين أو إيذائهم أو الارتشاء والإرشاء أو تملق الأقوياء أو الخمول والتكاسل، كلما كانت أكبر (والمقصود معادِلها كما سبق، أي درجة عمقه ورسوخه ومدة الإدمان عليه) فإنه بحاجة إلى تكرار الدعاء.. مرتين.. وعشراً.. ومائة مرة.. وألف مرة، حتى تتم معالجته... هذا من الناحية الكمية وكذلك الأمر من الناحية الكيفية إذ قد يكفي الدعاء بشكل عادي لاقتلاع المرض وقد لا تكفي إلا درجات عالية من حضور القلب وقد نحتاج إلى منتهى الدرجات التي لا يصل إليها إلا الأولياء الكمّلون.

وذلك يفسر لنا السبب في أن بعض الروايات اشترطت قراءة هذا الذكر أو ذاك عشر مرات، وأخرى اشترطت قراءته سبعين مرة، وثالثة اشترطت قراءته مائة مرة.. إذ ان ذلك على حسب حجم الحاجة والمشكلة والمعضلة وكتلتها من جهة.. وعلى حسب درجة حضور القلب والتوجه والانقطاع إلى الله تعالى من جهة.. وعلى حسب الموانع والمزاحمات من جهة ثالثة.. كما قد يكون لتكرار الدعاء الموضوعية إذ المقصود بالأساس أن ينال العبد درجات من القرب إلى الرب..

والحاصل: إن الدعاء هو تلك القوة التي تؤثر على كتلة المرض أو على إزاحة العدو (وتليين قلبه) أو على التوفيق في التجارة أو غيرها.. وهو يُكسب الحاجة تسارعاً في تحققها (زمنياً) متناسباً طردياً مع درجة قوة الدعاء وعمق الإيمان بمفعوله وتأثيره وبالله تعالى، ومتناسباً عكسياً مع نوع الحاجة وكتلتها أي صعوبة اختراقها أو لنقل مدى مخالفة تحقيقها للقوانين الطبيعية الحاكمة بأمر الله تعالى في الكون.

وبذلك يظهر لنا وجه علمي جديد للإجابة على إشكال فلسفي قد يثيره بعض الناس على الوعد الإلهي باستجابة الأدعية إذ ورد (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني‏ أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، ووردت روايات كثيرة باستجابة الدعاء تحت قبة الإمام الحسين (عليه السلام).. فما بال كثير منّا يدعو ولا يستجاب له؟ وقد أجبنا في كتاب (لماذا لا تستجاب أدعية بعض الناس؟) بأجوبة عديدة كما سبق، منها ان الله تعالى قد اشترط علينا الوفاء بعهده كي يفي بعهده (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) فهو عقد طرفيني فكيف تتوقع أن يعطيك الثمن وأنت غير مستعد لدفع الثمن؟

إضافة إلى ذلك نكتشف جواباً آخر علمياً على ضوء هذه القاعدة الفيزياوية بعد تكييفها ميتافيزيقيا، بما ذكرناه من التناسب الطردي والعكسي: بين نوع الدعاء ودرجة حضور القلب وعمق الإيمان وبين نوع الحاجة ومدى ثقلها أو صعوبتها تكوينياً ومدى تكرر الدعاء.. إلخ.

ونضيف: ان ذلك ليرتبط أيضاً بالقدرة المعاكسة التي يوجهها الداعي إلى دعواته والتي تحاول إجهاض مفعولها وهي في المهد، والقوة المعاكسة هي الذنوب فإنها عامل مضاد معاكس، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إِنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ الْحَاجَةَ مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ قَضَاؤُهَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ وَقْتٍ بَطِي‏ءٍ، فَيُذْنِبُ الْعَبْدُ عِنْدَ ذَلِكَ ذَنْباً، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ‏ بِحَاجَتِهِ: لَا تُنْجِزْ حَاجَتَهُ وَاحْرِمْهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَاسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ مِنِّي»[20]، بل ورد انه قد يدعو العبد فتستجاب دعوته وتنزل من السماء إلا أنه يذنب ذنباً فيصعد ذنبه إلى السماء ويرتطم بالدعوة المستجابة فيرجعها معه إلى السماء.. ومَثَل ذلك كمثل مَن يدفع الدراجة أو السيارة الواقفة بيده اليمنى بقوة لكنه يمسكها بيده اليسرى بقوة!!

والذنوب وكذا الرذائل الخلقية، هي كذلك.. فقد يدعو المرء في المسجد او الحرم الشريف بعمق وبكاء وآنين وتوجع وتفجع، ولكنه يدعو بقلب مليء بالحسد أو الحقد أو بروح ملوثة بالرياء أو السمعة أو العجب أو الكبرياء والغرور.. فيشلّ بذلك قوة دعائه أي يجهضها بنفسه وهي في المهد، أو قد يدعو ثم يبعث بمضادات الاستجابة وأعدائها لكي تقارعها.. فينظر إلى امرأة أجنبية.. أو يغتاب.. أو يظلم زوجته وأولاده أو شريكه أو جاره.. أو يرابي أو يمتنع عن دفع الخمس والزكاة.. فيكون بذلك، بسوء أفعاله، قد أجهض مفعول دعائه (وتحريكه الغيبي للاستجابة) بنفسه بقوة مضادة...

عوامل خارجية مُساعِدة لاستجابة الدعاء

ويبقى مع ذلك أن هنالك عوامل مساعدة خارجية قد تسعف المرء وذلك كدعاء والديه له، أو صلته للرحم أو إحسانه إلى الفقراء.. إذ قد يستجاب له دعاؤه رغم ضعف قوته (وعدم خلوص نيته وحضور قلبه) ورغم جسامة المشكلة، لا لقوة دعائه بل لقوة دعاء أمه أو أبيه أو أحد أرحامه أو الفقير الذي أحسن إليه أو بدعاء صديقه المؤمن بظهر الغيب.

بل ان هذا العامل المساعد قد يسبب قضاء حوائجك التي لم تكن لتنالها بدعواتك أصلاً، ومن ذلك ما ورد في زيارة الأخ المؤمن في الله ولله. فعن أبي جميلة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «إِنَّ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَرَّ بِرَجُلٍ قَائِمٍ عَلَى بَابِ دَارٍ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا وُقُوفُكَ عَلَى بَابِ هَذِهِ الدَّارِ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ: أَخٌ لِي فِيهَا أَرَدْتُ أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: هَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَحِمٌ مَاسَّةٌ؟ أَوْ هَلْ تُرَغِّبُكَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا، [مَا] بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، وَلَا يُرَغِّبُنِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ إِلَّا أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَحُرْمَتُهُ، فَإِنَّمَا أَتَعَهَّدُهُ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ فِي اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ وَهُوَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا إِيَّايَ أَرَدْتَ وَتَعَاهَدْتَ، وَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكَ الْجَنَّةَ، وَأَعْفَيْتُكَ مِنْ غَضَبِي، وَأَجَرْتُكَ مِنَ النَّارِ»[21].

وهذه الرواية ونظائرها تحرضنا أكبر التحريض على التزاور في الله ولله.. لا لطمع في ردّ الزيارة ولا لأخذ شيء.. بل لله وفي الله بأن يزور الغني الفقير.. والعالم الجاهل.. والوزير والمسؤول بيوت الفقراء والمساكين والعاطلين عن العمل وعامة الناس ويستمع إليهم وإلى همومهم وإلى نقدهم أيضاً وإشكالاتهم.. ويسعى أكبر السعي لتلبية طلباتهم، والأجر على ذلك أعظم من العظيم..

إبنِ بالعطاء شبكةً اجتماعيةً داعمةً

بل ان هذا بنفسه يشكل بلسماً من بلاسم الشفاء من الأمراض النفسية والكآبة والهموم والأحزان.. إذ يبني الإنسان بذلك شبكة داعمة اجتماعية – نفسية،.. بل ثبتت علمياً ان المنزوي والمنعزل يسرع إليه مرض الزهايمر.. وأن أفضل ما يمنع حدوثه هو أن تكون اجتماعياً وأن تكون مِعطاءً، فإن العطاء يشكل جرعة من أهم جرعات السعادة.. وبذلك يتماسك نسيج المجتمع من جهة.. ويتعاون الكل على البر والتقوى من جهة.. ويربح الشخص السعادة ويقضي على الأمراض النفسية والكآبة والهموم والغموم من جهة أخرى، وأي ربح أعظم من ذلك؟

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم

http://m-alshirazi.com

......................................................

[1] سورة يونس: الآية 58.

[2] سورة النحل: الآية 18.

[3] إضافة إلى الحزن في محله.

[4] الخصال: ج2 ص635.

[5] تفسير القمي: ج1 ص313.

[6] وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قُلْتُ: (قُلْ بِفَضْلِ اللّٰهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ)؟ قَالَ: الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلاَمُ) وَالاِئْتِمَامُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ هَؤُلاَءِ فِي دُنْيَاهُمْ»(1).

وعن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، قال: «قُلْتُ: (قُلْ بِفَضْلِ اللّٰهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ)؟ قَالَ: بِوَلاَيَةِ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ هَؤُلاَءِ مِنْ دُنْيَاهُمْ»(2).

الشيخ في أماليه: عن ابن عبّاس، قال: « (بِفَضْلِ اللّٰهِ) النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) (وَبِرَحْمَتِهِ) علي (عليه السلام)»(3).

ابن الفارسي: قال ابن عباس: « (قُلْ بِفَضْلِ اللّٰهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ) فالفضل من اللّه النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله)، (وبرحمته) علي (عليه السلام) »(4)،(5).

(1) تفسير العياشي: ج2 ص132 ح29.

(2) الكافي: ج1 ص350 ح55.

(3) الأمالي: ج1 ص260.

(4) روضة الواعظين: ص119.

(5) البرهان في تفسير القرآن: ج4 ص33.

[7] شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار (عليهم السلام): ج3 ص445.

[8] الاختصاص: ص224.

[9] بشارة المصطفى لشيعة المرتضى (ط – القديمة) ج2 ص86.

[10] المحاسن: ج1 ص153.

[11] معاني الأخبار: ص235.

[12] بحار الأنوار: ج39 ص277.

[13] الكافي: ج3 ص127.

[14] والبلابل جمع بلبلة وتعني الاضطراب والقلق والهم والوسواس.

[15] طب الأئمة (عليهم السلام): ص27. وعنه بحار الأنوار: ج92 ص137.

[16] الكافي: ج2 ص531.

[17] سورة غافر: الآية 60.

[18] سورة البقرة: الآية 40.

[19] سورة فصلت: الآية 53.

[20] الاختصاص: ص31.

[21] ثواب الأعمال: ص171.

اضف تعليق