العبد عندما يسأل من ربه ان يهديه إلى الصراط المستقيم فانه لا يحدد في طلبه طريق الهداية بل يطلب ذات الهداية منه تعالى، اما الطريق فان االله قد يرشد عبده إلى سبل محبته وشرائع دينه ومراتب رضاه عبر أية واحدة من الطرق السابقة مما قد لا يدخل في أي تصنيف...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)(1)
من البصائر: الواجب طلب الهداية، اما الطريق فمختلِف باختلاف الشاكلة
إن الهداية إلى الصراط المستقيم تارة تستند إلى البرهان العقلي وأخرى إلى الحجة العقلائية وثالثة إلى الدليل العلمي والرياضي ورابعة إلى الطريق التجريبي، وهناك مصادر أخرى للهداية وموصلات ومداخل وطرق فصلنا الحديث عنها في كتاب (مدخل إلى علم العقائد)، والحديث ههنا يدور حول الطريق الثاني من الطرق الأربعة الأولى، إضافة إلى بعض الطرق الأخرى غير المعهودة في العلوم المتداولة.
والعبد عندما يسأل من ربه وبارئه ان يهديه إلى الصراط المستقيم فانه لا يحدد في طلبه طريق الهداية بل يطلب ذات الهداية منه تعالى، اما الطريق فان الله تعالى قد يرشد عبده إلى سبل محبته وشرائع دينه ومراتب رضاه وقربه، عبر أية واحدة من الطرق السابقة أو غيرها مما قد لا يدخل في أي تصنيف منطقي أو فلسفي.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان على المكلف ان يسلك الطرق التي تتناغم مع شاكلته النفسية وتركيبته العقلية فقد لا يجديه إلا برهان العقل وقد لا تنفعه إلا حجة العلم وقد لا يوصله إلا سلوك طريق العقلاء.
أنواع الأدلة إلى الله تعالى(2): الدليل العقلي
والدليل العقلي يراد به: الأدلة العقلية المحضة التي يدركها العقل بنفسه من غير توقف على علم أو تجربة أو غير ذلك، وذلك نظير الاستدلال بمثل بطلان الدور والتسلسل على ان سلسلة عالم الإمكان وكافة الحوادث والمخلوقات تستند في وجودها إلى الصانع الواجب الوجود جل اسمه استناداً إلى ان ترجّح أحد طرفي الممكن المتساوي النسبة للطرفين، بدون مرجّح محال، وان المرجّح إن كان ممكناً احتاج إلى آخر وهكذا فإن وصلت السلسلة إلى واجب الوجود بالذات فهو المطلوب وإلا للزم ان لا يوجد مخلوق أصلاً وذلك لأن حكم الكل هو حكم الآحاد وكما ان كل حلقة من حلقات سلسلة الممكنات الطولية تحتاج إلى علة وانه لولاها لما وجدت فكذلك كل السلسلة المتكونة من حلقات ممكنة فانها جميعها ممكنة (إذ لا يمكن ان يتركب الواجب من ممكنات) فإن لم يكن لها صانع واجب الوجود بالذات، لزم عدمها بأكملها ولزم ان لا يكون أي منها ومما نراه أو لا نراه موجوداً، والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله.
ولكنّ البرهان العقلي عادةً دقيق وعميق، ولعل أكثر الناس لا يدركونه أو إنهم إن ادركوه فانهم لا يستطيعون الإجابة على أية شبهة تورد عليه، لذلك فتح الله تعالى الأبواب لأنماط أخرى من الاستدلال ومنها الدليل العقلائي – مورد البحث.
الدليل العقلائي
والدليل العقلائي يراد به: ما رأى العقلاء بما هم عقلاء طريقيته إلى الواقع نوعاً، بمعنى انهم ارتأوا ان كاشفيته الظنية النوعية عن الواقع تكفي دليلاً عليه من غير حاجة إلى الاستناد في ذلك إلى دليل عقلي قطعي، والأمثلة على ذلك كثيرة:
ومنها: حجية الظواهر كظاهر الأوامر وظاهر العمومات والمطلقات وغيرها، فان حياة العقلاء تبتني عليها في كافة شؤون معاشهم ومعادهم، مع انها ليست طرقاً قطعية نظراً لاحتمال الخلاف فيها، لكن العقلاء يعتمدون عليها باعتبارها ظنوناً غالبة المطابقة لواقع مرادات المتكلمين.
ومنها: حجية خبر الثقة، مع ان الثقات قد يخطئون بل قد يكذبون.
ومنها: حجية قول أهل الخبرة، كالطبيب والمحامي، مع انه ما أكثر خطأهم وزللهم.
ومنها: حجية اليد فان العقلاء يرونها عادة امارة الملك.. إلى غير ذلك.
بل ان العقلاء يقتحمون في المخاطر والمهالك ولا يتحرزون عنها؛ وذلك استناداً إلى مجرد طرق ظنية قد تخطأ فتوقعهم في أشد المهالك والمفاسد؛ ألا ترى مثلاً ان التجار يقتحمون لجج البحار ويقطعون الفيافي والقفار ويركبون شتى المخاطر، لأجل الفوز بأرباح غير قطعية بل انها حتى مع قطيتها لا يمكن ان تكافئ مخاطر إزهاق الأرواح والنفوس وربما بأبشع الطرق: في أعماق البحار أو بين أنياب الضواري والمفترسات؟
ان معتمدهم في ذلك كله على ظنون نوعية بسلامة الطريق، ولا غير.
الدليل العلمي والدليل التجريبي
واما الدليل العلمي فيراد به: الدليل الرياضي الذي تبتني عليه العلوم القطعية كالهندسة والحساب وشبه ذلك.
واما الدليل التجريبي فهو: المعتمد على التجربة والتي لا تشكل في أحسن الفروض إلا استقراءً ناقصاً، وذلك كعلم الطب وشبهه، ومن الواضح ان التجارب وإن تكاثرت فانهما مما لا يمكن اصطياد قاعدة كلية عامة منها إلا إذا أُرجعت إلى الاستقراء المعلَّل، والاستقراء المعلَّل قسمان: ظني وقطعي، وكلاهما يرجع، في واقعه، إلى حكم العقل(3)، فيخرج عن دائرة التجربة المحضة.
وصفوة القول: ان (الهداية) لا تتوقف على الدليل العقلي فقط، بل ان الكثير من الناس يصلون إلى الحقائق وإلى الصراط المستقيم عبر الطرق العقلائية.
حجية الأدلة العقلائية في أصول الدين
وقد اختلف الأعلام في ذلك فقد ذهب المشهور، وادعي عليه الإجماع، إلى ان أصول الدين لا يصح فيها إلا التمسك بالبراهين اليقينية وان الظنون المعتبرة ليست بحجة في دائرة أصول الدين، ولكن المختار هو الاكتفاء بها، كما ذهب إليه بعض الفقهاء، وقد نقل الشيخ الانصاري ستة أقوال في المسألة فراجع.
الفيلسوف المعاصر پلانتينگا في طريقه إلى الله تعالى
وقد كان الدليل العقلائي هو الذي قاد الكثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين إلى الله تعالى، بعد موجات التشكيك الكبرى التي عصفت بهم أو بالمجتمع، وكان من أولئك الفيلسوف المعاصر (ألوين پلانتينگا) الذي ألّف كتاباً باسم (الله والأذهان الأخرى): (God and Other Minds) حيث استدل على عدم الحاجة في إثبات وجود الله تعالى، إلى الدليل البرهاني القطعي، بدليل مبتكر عقلائي، ودليله المبتكر يعتمد على فرع من فروع الفلسفة التخصصية التي تبحث عن العلاقة بين فلسفة الدين والحاسوب (الكمبيوتر)، وهذا الفرع هو المسمى بـ(الأذهان الأخرى).
فلسفة الذهن والحاسوب والذكاء الصناعي، طريق آخر إلى الله
وتوضيح كلامه واستدلاله بإيجاز: ان الفلسفة على قسمين: الفلسفة العامة أو المطلقة والفلسفة المضافة، والفلسفة العامة هي الفلسفة المعهودة منذ مئات السنين(4) والفلسفة المضافة هي أنواع عديدة تفرعت من الفلسفة ثم استقلت بالبحث حتى صار كل منها علماً قائماً بنفسه، وذلك مثل: فلسفة الدين، فلسفة العلم، فلسفة الفن، فلسفة التاريخ، فلسفة السياسة، فلسفة الاجتماع ، فلسفة الحقوق، فلسفة المنطق، فلسفة الرياضيات وحتى فلسفة الفلسفة.
ومن تلك العلوم والمباحث: (فلسفة الذهن) والتي تشكل الوسيط بين الفلسفة والحاسوب (الكمبيوتر) ومن أهم مسائل هذا العلم مسألة (الذكاء الصناعي) ومن أهم مباحثه مسألة (الأذهان الأخرى)، وفي (الحاسوب) يبحث عن نوعين من الذكاء: الذكاء القوي والذكاء الضعيف، والذكاء الضعيف للحاسوب يعني انه يمكن ان يستعمل كأداة متطورة لمطالعة أذهان الناس والتعرف على ميكانزمات حركة الذهن البشري ولكن الذكاء الضعيف ليس ذهناً في حد ذاته، اما الذكاء القوي للحاسوب فيعني انه، إذا تمّت برمجته بشكل متكامل، قد تحول إلى ذهن حقيقي كأذهان البشر.. والذكاء الضعيف يعني ان الكمبيوتر يجري معادلات علمية دقيقة بطريقة ميكانيكية لكنه لا يدرك ولا يعقل ولا يشعر ولا يحس ولا يفهم، وإن كان يمكن ان يجري التعبير عن ذلك كله بلغة الأرقام في الحاسوب المتطور، اما الذكاء الصناعي القوي فانه يعني ان الحاسوب يصل إلى درجة من التطور بحيث يدرك ويفهم ويشعر!
بل بلغ التطور في أمر صناعة الروبوتات ذات الذكاء الصناعي الفائق إلى درجة ان الاتحاد الأوروبي شكل لجنة خاصة لسنّ قوانين ووضع تشريعات تنظم وتضبط حياة الروبوتات وعلاقتها بالناس والحد المسموح به من تطوير ذكائها، بل انهم تخوفوا من بلوغها درجة هائلة من الذكاء بحيث انها يمكن ان تتآمر على البشر لكي تستعبدهم مثلاً! أو ان تقرر القضاء على الحياة البشرية في الكرة الأرضية تماماً! لذلك كان من القوانين: انّ من الإلزامي صنع (زر التدمير) في كل روبوت حتى إذا أحس صاحبه بالخطر منه فانه يمكنه بضغطة زر ان يفجره ذاتياً! ولكن ومع ذلك لا تزال مخاوفهم قائمة من ان تطور الروبوتات أنفسها (أي البرامج) لتستكشف طرق إبطال مفعول تلك الأزرار فتسيطر من ثمّ على الأرض كلها!!
وقد اختلف فلاسفة الذهن وفلاسفة الحاسوب في إمكانية الوصول إلى هذه المرحلة المتطورة، لكنه، عند البعض على الأقل، من المحتملات.. وقد اعتقد (جان سِرل) – الفيلسوف المعاصر المتخصص في فلسفة الذهن واللغة – انه لا يمكن للحاسوب مهما تطورت إمكاناته ان يصل إلى مرحلة الذهن العاقل والفاهم والمدرك والشاعر.
كما تدرك قطعاً ان للغير ذهناً، فكذلك تدرك قطعاً ان لك خالقاً!
وموطن الشاهد: ان كل واحد منا يدرك ان له ذهناً وله أحاسيس ومشاعر وفهماً والتفاتاً وحالات ذهنية، واننا موجود حيّ ولسنا بجهاز حاسوب يجري عمليات ذهنية مجردة دون فهم أو شعور كما يجريها الحاسوب ذو الفهم الضعيف! فذلك واضح وبديهي لدى كل واحد منا، ولكن ماذا عن أذهان الآخرين؟ هل هم مثلنا تماماً؟ أم هم مجرد أجهزة حاسوب متطور وروبوتات تحاكي صنع البشر لكنهم ليسوا ببشر؟ من قال بان الناس الذين يمشون في الشارع هم مثلنا تماماً؟ فلعلهم مجرد حاسوب مبرمج وروبوت متطور؟
اننا لا نستطيع إقامة الدليل البرهاني أو الرياضي على ذلك! ولو أقمنا الدليل لأمكن ان يعترض عليه باعتراضات دقيقة حسب معادلات حساب الاحتمالات! ولكننا مع ذلك مقتنعون بان هذا الصديق وذاك المعلم وهذه المرأة – الزوجة مثلاً وهذا الطفل و... هم بشر لهم ذهنٌ واعٍ فاهمٌ وشاعرٌ وليسوا رجلاً آلياً أو امرأة روبوتية ذات ذكاء صناعي متطور يشبه الذهن البشري لكنه ليس بذهن بشري أبداً!.
الإيمان بالله أمر عقلائي، وإن لم تتسلح بدليل فلسفي
ونقطة الانتقال من بحث الذهن الصناعي والذكاء المتطور إلى المبحث الفلسفي عن وجود الله تعالى، تبدأ – لدى پلانتينگا، من هنا بالضبط؛ إذ يقول: ان المؤمن لا يحتاج في إيمانه بالله تعالى إلى أن يقيم براهين فلسفية قطعية على ذلك أو ان يستطيع ان يجيب على مختلف الإشكالات على هذه الأدلة وعلى ان ان يكون قادراً على ان ينفي الاحتمالات العقلية المعارضة حسب حساب الاحتمالات، بل ان ايمانه بالله تعالى هو أمر معقول وعقلائي ومطمئن إليه وإن كان غير مسلح بدليل عقلي فلسفي قطعي، ويكفي ان المؤمنين يطمئنون في قرارة أنفسهم بان لهم خالقاً متعالياً كما انهم يطمئنون في قرارة أنفسهم بان الناس الآخرين هم بشر وليسوا مجرد روبوتات صناعية وان أذهان الآخرين هي أذهان بشرية وليست ذكاء صناعياً! ولا يحتاجون في إيمانهم هذا إلى إقامة أي دليل، ومع ذلك فهو بالمقدار الكافي عقلائي ومورث للاطمئنان...
ويقول: كما ان اعتقاد الناس بوجود الأذهان الأخرى، غير أذهانهم، ليس أمراً لا معقولاً ولا منطقياً، كذلك اعتقادهم بوجود الله تعالى ليس أمراً لا معقولاً على الرغم من عدم امتلاك بعضهم الدليل على ذلك أو عدم امتلاكهم دليلاً قطعياً لا تمكن الخدشة فيه.
ويقول: بعبارة أخرى: ان استدلالنا المنطقي هو هكذا: لو كان اعتقادي بوجود سائر الأذهان معقولاً لكان اعتقادي بوجود الله معقولاً، لكنّ اعتقادي بوجود سائر الأذهان معقول، فاعتقادي بوجود الله تعالى أيضاً معقول.
والحاصل: اننا نعتقد بان لأصدقائنا وسائر الناس أذهان ونعتقد في الوقت نفسه بان الحاسوب لا ذهن له، مع اننا لا نستطيع ان نجيب بشكل استدلالي رياضي علمي على الشبهة التي يطرحها القائلون بان الذكاء الصناعي قد يرتقي إلى ان يصل إلى مستوى الفهم والشعور والإدراك، والشبهة هي: إذا لم نستطع ان نذعن من التشابه الظاهري بين تحركات الإنسان وتصرفاته وبين تحركات الروبوت المتطور وتصرفاته، بان الروبوت ذو ذهن وشعور وإدراك، فاننا لا نستطيع ان نذعن من التشابه الظاهري بين حركاتنا وتصرفاتنا وبين حركات سائر الناس وتصرفاتهم، ان لهم ذهناً وشعوراً وإدراكاً! ولكننا مع ذلك نعتقد بان تشابهنا مع الكمبيوتر والروبوت صوري وهو هيكل بلا روح، ولكن تشابهنا مع سائر الناس واقعي وهو هيكل معه الروح!
وكما ترى فان هذا الدليل ونظائره عقلائي مبني على التنظير وتنقيح المناط وشبه ذلك، كما انه يتطرق إليه الاحتمال من حيث هو هو، لكنه مع ذلك يبني الناس كل حياتهم عليه بل لا يجدون أدنى مجال للترديد فيه!
مرجع كافة الأدلة إلى الفطريات والأوليات فكيف تحتاج هي إلى دليل؟
ويمكننا ان نعبر عن ذلك بمصطلحات المنطق فنقول: ان ذلك نوع من أنواع الحدسيات وهي من أصناف اليقينيات، ولكنك لا يمكنك إقامة الدليل عليها إذ كيف تقيم الدليل على حدسك! ولكن ذلك رغم ذلك هو حجة لك وإن لم تستطع ان تحتج به على الغير.
كما يمكن التعبير عن ذلك بلغة قرآنية وكلامية وهي: ان ذلك هو مقتضى (الفطرة) الإلهية أو فقل هو ما يدركه الوجدان بنفسه.
فهذه القضية هي من سلسلة القضايا الفطرية التي قياساتها معها وهي من العلوم الضرورية التي لا يمكن إقامة البرهان عليها وذلك لأن كل البراهين تعود إليها ولا تعود هي إلى برهان؛ وإلا للزم التسلسل في براهين العلم والمعرفة وللزم من ثَمّ الجهل المطلق – كما حُقق في علم المنطق.
والحاصل: ان أمثال هذه القضايا هي اما هي حدسية قطعية أو هي ظنية، وفي كلتا الصورتين فانه لا يمكن الاستدلال بها على الغير ولا الدفاع عنها ببراهين استدلالية كما ان الصورة الثانية هي محتملة للخلاف، ومع ذلك نجد كافة العقلاء يستندون إليها ويعتمدون عليها ويعتبرونها حجة بلا كلام.
فهذه هي كبرى بنائهم في عامة قضاياهم وليست الأمور العقائدية إلا من مفردات هذه القضايا العقلائية المسلّمة. فهذا إذاً بعض الحديث عن الحجج العقلائية.
طرق أخرى غير معهودة، توصل إلى الله تعالى
ولكن، ومن جهة أخرى، فان الأدلة إلى الله تعالى وإلى كافة الشؤون العقدية، لا تنحصر في تلك الأربعة بل ولا العشرة، بل هي طرق كثيرة جداً لا يندرج أكثرها تحت أي إطار منطقي معروف ولا يقع ضمن أي تصنيف معهود، ولكنه مع ذلك طريق موصل إلى الله تعالى أو إلى الرسول المصطفى صلى الله عليه واله وسلم أو إلى الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين أو إلى سائر حقائق أصول الدين.
ولنذكر شواهد حية وأمثلة حقيقية لأشخاص من أديان مختلفة ومن بلاد مختلفة اهتدوا إلى الحق ولكن بطرق غير متوقعة.
اليهودي الأمريكي الذي أسلم إذ واجهته آيات القرآن ضد اليهود!
أولاً: (إستيفز اسكلر)، وهو يهودي من أمريكا حاصل على شهادة البكالوريوس في الآداب، وقد نشأ في أسرة يهودية عريقة ولكنه أسلم وتشيع عبر طريقة غير معهودة بالمرّة، وبسببٍ كان ينبغي ان ينتج العكس (أي ان يكره الإسلام أكثر) لكنه أسلم بنفس السبب الذي قد يصدّ الكثير من أبناء جلدته عن الإسلام!
والسبب في إسلامه هو انه فتح ذات يوم القرآن الكريم ففوجئ بآية قاسية ضد اليهود إذ يقول تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ)(5) وبآية أخرى أعنف (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)(6) ومع ان الإنسان بطبعه ينفر ممن يهاجمه بعنف ويحطّ من شأنه ويؤكد على شدة عداوته له، إلا انه، على العكس، كان ذلك هو البوابة إلى هدايته وهو النور الذي أضاء له طريق الهدى والفلاح! فقد استوقفته الآية الأولى وتساءل مع نفسه حقاً لماذا نعادي المؤمنين؟ وهل نحن على حق في ذلك أو باطل؟ كما استوقفته الآية الثانية وانه كيف يقول القرآن الكريم (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) مع ان اليهود الآن أقوياء ومن سادة العالم؟ وقاده ذلك في رحلة تاريخية طويلة ليجد ان اليهود بالفعل كانوا على مرّ التاريخ أذلاء قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وأنهم كانوا يقتلون أنبيائهم، وأنهم عادوا الرسول صلى الله عليه واله وسلم والمؤمنين أشد العداء وتآمروا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بوجوه كثيرة، وانهم تحالفوا حتى مع المشركين ضد الرسول مع أن المفروض انهم مع الرسول صلى الله عليه واله وسلم في صف واحد لأنهم جميعاً يوحدون الله تعالى. فذلك كان منطلق بحثه ليصل إلى جوهر الحقيقة حتى كان أن أعلن إسلامه.
لماذا كان اليهود منبوذين وأذلة على مرّ التاريخ؟
أقول: اليهود منبوذون وأذلة الآن أيضاً رغم كل ما لهم من القوة الظاهرية الضاربة، ولذا تراهم يعتمدون على المكر والحيلة والتدليس في تمرير مخططاتهم، كما انهم يعتمدون أكبر الاعتماد على الجنس في إفساد الناس من جهة وعلى الإيقاع بالمفاتيح الاجتماعية من جهة أخرى وذلك عبر اصطياد فضائحهم الأخلاقية لتمرير أهدافهم السياسية: فأما من لا يخضع لهم فانهم يحطمونه أشد التحطيم متذرعين بانه فاسد أخلاقياً، وأما من يخضع لهم فان المجال مفتوح له ليفعل ما يشاء من قبائح الأعمال بل يكونون هم الذين يمهدون له الطريق لذلك بل يهيئون له ما يحتاج من أنواع المفاسد، وهذه صفة الأذلاء الحقراء من الناس.
والمتوقع ان تزداد كراهية الشعوب والأمم لهم بمرور السنين أكثر فأكثر نتيجة سوء استخدامهم للسلطة ومحاولات السيطرة على العالم بالربا والقهر والمكر، ومن الأدلة على ذلك اعتمادهم على حق النقض (الفيتو) لمنع التصويت على أي قرار إنساني في الأمم المتحدة يتعلق بفلسطين أو ما أشبه، بل الذي نتوقعه هو ان تنقلب عليهم أكبر قوة داعمة لهم وهي الولايات المتحدة كما انقلبت عليهم أكبر قوة داعمة لهم سابقاً وهي بريطانيا، والسبب أيضاً مؤامراتهم المستمرة حتى ضد أسيادهم والتي كان من أبرز مظاهرها تجسسهم على أمريكا لسرقة بعض أسرارها العسكرية الخطيرة رغم ان أميركا تفانت في الدفاع عن إسرائيل واليهود تفانياً مذهلاً وإلى أقصى الحدود، وقد بلغت خطورة جواسيسهم إلى درجة اضطرت السلطات الأمريكية لاعتقالهم، ولا يزال بعض جواسيسهم الآن في السجون الأمريكية!
البوذي الياباني الذي اسلم إذ استنكر إهمال بوذا لإله الكون!
ثانياً: (كاتسومي سوددو)، وهو بوذي ياباني، وقد أسلم بطريق غير معهود آخر، وهو انه استوقفته هذه الفكرة المؤرقة يوماً ما وهي ان من الغريب ان بوذا، فيما لديهم من الكتب والتعاليم، لم يهتمّ بالحديث عن إله الكون بل انه نهى أتباعه عن الخوض في ذلك! وهنا فكّر كاتسومي مع نفسه: كيف يمكن ان يهمل بوذا الحديث عن الإله؟ بل كيف يصح له ان ينهى عن الخوض في الكلام عنه وعن تعاليمه؟ مع ان الإله هو الخالق الرازق المنعم علينا بألوان النعم؟ أفليس من الواجب ان نتعرف عليه وان نعرف لماذا خلقنا وماذا أراد منا؟
وكانت هذه الومضة الفكرية هي التي قادته في رحلة مضنية أوصلته إلى اعتناق الإسلام الذي وجده أكثر الأديان عقلانية وتفصيلاً في الحديث عن خالق الكون جل اسمه.
المسيحي الفرنسي الذي أسلم إذ شرب كأس الشاي في المجلس!
ثالثاً: (وارتون كرباسي)، وهو مسيحي من فرنسا من قرية (فونتنبلو) على مقربة خمسين ألف كيلو مترا من باريس وكان متخصصاً في هندسة الراديو والكهرباء، وقد سافر إلى طهران وعمل في مطار مهرآباد سنة كاملة ثم أمضى ثلاث سنين متعاقداً كمترجم في عدد من المعاهد التجارية.
وكان المدخل إلى هدايته أمراً من نمط آخر تماماً إذ كان هو كأس شاي واحد فقط!! لكنه كان كأس شاي في مأتم الإمام الحسين عليه السلام ذلك انه أصيب بمرض عضال وقد أشتدّ مرضه وازدادت آلامه رغم العلاج المكثف الذي كان يتلقاه حتى انهم اضطروا لإجراء عملية جراحية له، لكنه رغم ذلك ازداد وضعه سوءاً على سوء.
وفي يوم من أيام محرم، يقول وارتون، انه تشوّق للمشاركة في مجلس عزاء للإمام الحسين عليه السلام يقام على مقربة من داره، ليرى ماذا يقولون وكيف هي مجالس العزاء عند الشيعة.. ودفعه الشوق والفضول لكي يشارك في المجلس وعندما جلس قدّم له أحد خدام الإمام الحسين عليه السلام - وما أعظم منزلة خدامه - كأسَ شاي.. أخذ وارتوى الشاي، وفجأة لمعت في ذهنه فكرة اضاءت له درب الهداية، وهي ان يطلب من الله تعالى ان يشفيه بحرمة الإمام الحسين عليه السلام لديه، وان يريه معجزة جلية واضحة بشفائه العاجل من هذا المرض المؤلم.. وهكذا شرب الشاي بهذه النيّة المباركة وذهب منزلة ونام وعندما استيقظ من منامه وجد العجب العجاب إذ انه كان قد شفي تماماً!!
وهكذا أسلم وتشيع ببركة وميض فكرة لمعت عند رشفةٍ من كأسٍ شاي في مجلس أبي الأحرار!
لماذا كانت بوابة الإمام الحسين للهداية هي الأوسع؟
وهنا نقول: ان الغريب – وليس بالغريب – ان بوابة الإمام الحسين عليه السلام هي أكبر بوابات الهداية للناس على مرّ التاريخ، وهي البوابة الموطرة بإطار (العاطفة) والمتموجة بـ(الاحساس بالمشاطرة الوجدانية) و(التألم لعظيم ما جرى عليهم صلوات الله عليه من المصائب والرزايا والخطوب)، وعلى الرغم من ان بوابة الإمام الصادق عليه السلام هي بوابة العلم والمعرفة إلا ان أكثر من يهتدي فإنما يهتدي عبر بوابة العاطفة الحسينية المتأججة الجياشة، ولذا اشتهر (كلنا سفن النجاة ولكن سفينة الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع) ولذا ورد ((عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ قَالَ لِي يَا أَبَا عُمَارَةَ أَنْشِدْنِي فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ فَأَنْشَدْتُهُ فَبَكَى ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ فَبَكَى قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا زِلْتُ أُنْشِدُهُ وَيَبْكِي حَتَّى سَمِعْتُ الْبُكَاءَ مِنَ الدَّارِ
قَالَ فَقَالَ: يَا بَا عُمَارَةَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ شِعْراً فَأَبْكَى خَمْسِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى ثَلَاثِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عِشْرِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى عَشَرَةً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى وَاحِداً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَبَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَتَبَاكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ))(7)
بل ان الذي يحافظ على إيمان أكثر الناس هو الإمام الحسين عليه السلام بشعائره ومجالسه وحسينياته ومنابره، بل لقد اهتدى الملايين في الهند واندونيسيا والباكستان وغيرها ببركة الشعائر الحسينية ومنها المشي على الجمر والتطبير..
وذلك كله على الرغم من انه لا توجد جهة دلالة فلسفية في العاطفة تبرهن على الحقّانية، ولا انه يمكن تشكيل قياس منطقي من الشعائر أو من المصائب للوصول إلى ان الإسلام هو الدين القويم وان الرسول وأهل بيته هم الصراط المستقيم.. ولكنها (الهداية الربانية) التي لا تنحصر في الأطر المنطقية والاستدلالات الفلسفية قال تعالى: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(8) وقال الإمام الصادق عليه السلام: ((سِتَّةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ الْمَعْرِفَةُ وَالْجَهْلُ وَالرِّضَا وَالْغَضَبُ وَالنَّوْمُ وَالْيَقَظَةُ))(9) وسيأتي تفصيل الكلام عن هذا الحديث والوجه فيه بإذن الله تعالى.
كما ورد ((عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِنِّي نَاظَرْتُ قَوْماً فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ أَجَلُّ وَأَعَزُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ بَلِ الْعِبَادُ يُعْرَفُونَ بِاللَّهِ؟ فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ))(10).
الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق
وقد اشتهر ان (الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق) والمراد: ان كل نَفَس يتنفسه مخلوق فهو دليل على الله تعالى فانه حادث يدل على محدثه الأزلي، ومحتاج يدل على الغني بالذات، وممكن يدل على الواجب، ومعلول يدل على العِلّة، كما ان المراد: ان كل مخلوق قد يجد طريقه إلى الله تعالى بنحوٍ يختلف عن الطريق الذي وصل عبره سائر المخلوقات إلى الرب الكبير المتعال.
والعبرة من ذلك كله: ان علينا ان لا نسجن أنفسنا في سجن الأدلة المنطقية والفلسفية فقط بل علينا ان نكلم الناس على قدر عقولهم وان نقوم بعملية ترشيد لكافة الطرق العقلية والعقلائية والعلمية والتجريبية وغيرها مما لا يحصى من الطرق التي قد لا تكون مألوفة لدى أرباب صناعة المنطق والكلام والفلسفة.
ومنها: ما أشرنا إليه من استثمار طريق العاطفة الحسينية، وبأروع الطرق، لهداية الناس، وفي هذا الصراط علينا ان لا نستخف بقراءة قارئ، أو مدائح شاعر، أو مراثي رادود، أو شعيرة من الشعائر، فان لله في خلقه شؤوناً وقد قدّر للهداية طرقاً كثيرة متوقعة وغير متوقعة، فليس من الصحيح أبداً ان نضيّق وسيعاً مهّده الله، أو ان نغلق باباً فتحه الله، أو ان نحرم الدعوة والدعاة من طرق إلى الصراط المستقيم جعلها الله مفتاح بصيرة للكثير من الجاهلين وإن لم يكن يبدو لنا أي ربط جوهري بينها وبين الهداية، منطقياً، أبداً.
وقد ورد في الحديث ((إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً طَيَّبَ رُوحَهُ فَلَا يَسْمَعُ مَعْرُوفاً إِلَّا عَرَفَهُ وَ لَا مُنْكَراً إِلَّا أَنْكَرَهُ ثُمَّ يَقْذِفُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أَمْرَهُ))(11)
وورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً مِنْ نُورٍ وَ فَتَحَ مَسَامِعَ قَلْبِهِ وَ وَكَّلَ بِهِ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءاً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ وَ سَدَّ مَسَامِعَ قَلْبِهِ وَ وَكَّلَ بِهِ شَيْطَاناً يُضِلُّهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ)(12)(13) وسيأتي شرح الحديث وبيان وجهه بإذن الله تعالى.
المسيحي الفيلسوف الذي أسلم إذ رأى نهج البلاغة!
رابعاً: (الدكتور محمد لكنهاوسن) – المولود عام 1953م والذي نشأ في أسرة كاثوليكية وحصل على شهادة البكالوريس في الفلسفة من جامعة ولاية نيويورك، وعلى الماجستير والدكتوراة في الفلسفة أيضاً من جامعة (واتيس) في (تكساس) يقول الدكتور: انه عندما ذهب للجامعة ارتد عن المسيحية وأصبح ملحداً.. لكنه اعتنق الإسلام بعد ذلك.. وكان الوميض الذي دفعه للبحث عن الحقيقة ومن ثم إعلان إسلامه، أمران:
الأول: يقول (اعجبتني في الإسلام شموليته)! ومع ان الشمولية لا تصلح دليلاً بحسب علم المنطق إذ هي أعم من المدعي، بل ان الكثير من الناس يراها نقطة ضعف ويدعي ان الأديان لا شأن لها بشؤون المعاش وأمور العباد والسياسة والاقتصاد والحقوق وأشباهها(14)، إلا ان هذه القضية بالذات كانت المدخل إلى هدايته!
الثاني: المدخل الثاني لتشيعه وإسلامه هو (نهج البلاغة) للإمام علي عليه الصلاة والسلام إذ يقول: (اعجبتني في الإمام علي شخصيته السياسية والاجتماعية والعرفانية) والتي تجلت في صحائف نهج البلاغة وغيره.
وهكذا نرى ان الطرق إلى الله تعالى هي بعدد أنفاس الخلائق.. بل ان كلمة واحدة قد تكفي لهداية رجل قد يتحول إلى عَلَمٍ في أمة كما حدث للسارق الذي سمع وهو يتسلق الجدار في قلب الليل البهيم ليسرق، قولَه تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)(15) فهزّته الآية وهو على الجدار وقال: بلى قد آن لي أن يخشع قلبي لذكر الله.. فرجع وتاب وصار من الصالحين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
اضف تعليق