إن إطلاق تعبير التوازن في الاتصال يفرض وجود مشكلات واختلال في واقع الاتصال الراهن يمكن تشخيص أسبابه وفقاً لما يأتي:
1ـ الفجوة الاقتصادية:
وهي القائمة بين ما اصطلح على تسميته بدول الشمال ودول الجنوب، وهذا مصطلح آخر أطلقه مفكرو الغرب على الدول النامية وهي (دول الجنوب) بينما سموا الدول المتقدمة بدول الشمال، فيما ظلت الفجوة لما أشرنا إليه في ما تقدم، إذ إن الانقسام بين الدول الثرية والدول الفقيرة أعمق منه في الدول الغنية لأن البلدان النامية معاقة بالاتصالات البعيدة المحدودة وعالية الكلفة والرديئة. وهذه الفجوة تُعُّد طبيعية بالنسبة إلى لمعادلة التي تلخص العلاقة الجدلية بين البلدان التي تمثل ثنائية أزلية، غنية، فقيرة، متقدمة، متخلفة … الخ، إذ إن الدول المتقدمة ما تزال تضع الحواجز أمام صادرات الدول النامية من السلع المصنعة، ولم تقدم تخفيضات في التعريفات الجمركية على المنتجات التي تعمل فيها الدول النامية بقدرة تنافسية، هذا فضلاً عن القيود الفنية التي عرقلت دخول منتجات الدول النامية إلى أسواق عالم الشمال الصناعي. وكل هذه الممارسات تمارسها الدول المتقدمة لتبقي على تفوقها وأسراره التي تلهث الدول النامية لمعرفتها ومحاولة السير وراءها من أجل تحقيق موطئ قدمٍ ما في ركب التطور، ولكن الدول المتقدمة تضع عراقيل في طريقها ومن العراقيل المعروفة والمؤثرة موضوع رؤوس الأموال ـ إذ وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية لا تعاني من مشكلة ندرة رؤوس الأموال كالدول النفطية في الوطن العربي ـ بل أنها تصدر رأس المال إلى العالم الصناعي، غير أن ثمة دولاً تعاني من العجز الدائم في تدبير رؤوس الأموال لتحقيق خطط التنمية. كما أن التفاوت في السلطة والثراء بين شمال العالم وجنوبه كان له انعكاساته السلبية المباشرة على البنى الإعلامية والتدفق الإعلامي مما أدى إلى خلق أنواع متباينة من عدم المساواة والاختلال والتفاوت وفقدت أكثر الدول النفطية استقلالها ضمناً، وبدأت تتكون في المنطقة صيغ اقتصادية وعلاقات بين دولها اعتماداً على وجود هذه الثروة. وطبيعة هذه العلاقات غير متكافئة على صعيد التفاعل الإعلامي والاقتصادي لأنها درجت ضمن إطار العلاقات المبنية على أسس القدرة المالية والقدرة العلمية وبالتالي سيكون حتماً صاحب المال مستهلكاً لمنتوجات صاحب القدرات العلمية المتقدمة، إذ إن السيطرة الإعلامية التي تمارسها الدول المتقدمة ليست ناشئة عن نظام أو مترتبة على قانون يعطيها مثل هذا الحق، وإنما تستند إلى ما تمتلكه هذه الدول من أسباب القوة سواء في المجال الإعلامي أم في غيره من المجالات ، وقد كان ضعف مشاركة العرب في عملية الاتصال عاملاً من عوامل سعة الهوة بينهم وبين الغرب. وهذا الضعف أدّى إلى عدم التوازن في التدفق الإعلامي بين الشمال والجنوب، إذ أدى هذا التوازن إلى أن يتجه الاتصال من الشمال من دون أن يوازيه تدفق من الطرف الآخر. ولذا فأن الدول النامية في موقف الشاكي الذي يطالب بإيجاد نظام إعلامي يوافر قدراً من التدفق الإخباري العادل والمتوازن. وقد أشرت دلالات هذه الأرقام ونسبها إلى طبيعة الاختلال وعدم التوازن فقد ارتفعت التدفقات الرأسمالية الخاصة من (5.0%) من الناتج المحلي الأجمالي للدول النامية في المدة (1983 ـ 1989) من (2 ـ 4%) من هذا الناتج في سنوات الأعوام ( 1994ـ1996) وهذا الأمر يدلُّ على تزايد الأزمة وتفاقهما بل تطورها وتصاعدها عاماً بعد عام، كما تؤكد الدول النامية أن هناك مصدر خلل آخر يشير إلى أن الدول المتقدمة تستعمل (90%) من الطيف اللاسلكي ومن المدار الذي تطلق إليه الأقمار الصناعية اللذين يفترض أن يكونا مفتوحين لكل بني البشر على الرغم من أن مساحات الدول النامية تفوق بكثير مساحات الدول المتقدمة، إذ إن الرابح الأكبر من اتفاقيات (غات)هي الدول الصناعية، فأوروبا الغربية مجتمعة تحصل على نحو نصف ما تحصل عليه الدول الصناعية من أرباح، والولايات المتحدة تحصل على الربع،واليابان تحصل على الخُمس أما الدول النامية فأنها تحصل على نحو ( 17 في المائة) ( نحو السدس) من الزيادة المقدرة في الدخل العالمي. ومن المؤسف حقاً أن الدول العربية تأتي في أدنى السلم في استهلاك المواد الإعلامية، وتبلغ حصة العرب من سكان العالم ( 4.5%)، كذلك حصتهم من مجموع سكان العالم في حين تزيد حصة الأوروبيين من الصحف اليومية عن نسبتهم من مجموع سكان العالم أكثر من ستة أضعاف، ولا يتقدم العرب على الآسيويين سوى بحيازتهم على نسبة أكبر من أجهزة الراديو.
والدول العربية تقع في هذا الموقع الإعلامي المتدني فهي لا تمثل إلا مستهلكاً سلبياً للمادة الإعلامية والتلقي غير المتفاعل لأنه ـ كما أشرنا ـ غير متوازن، إذ إن تقرير ماكبرايد في اللجنة عام 1980 حفز منظمة اليونسكو على الدعوة إلى إعادة هيكلة وسائل الإعلام الكوكبية من منطلقات توافقية أكثر، إلا أن التقرير تبنى أيضاً موقفاً أنتقادياً من القيود المفروضة على حرية الصحافة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية في العديد من البلدان المطالبة بوضع حد للإمبريالية الثقافية بالذات.
وبقي هذا التقرير ارشيفياً لا يؤدي فعلاً عملياً لأنه لم يضع الحلول المناسبة والحقيقية اللازمة.
إن تحرير التجارة العالمية في السلع والخدمات وتوسيع التجارة العالمية أتاحا للدول النامية ذات السوق المحدودة فرصة التغلب على عقبة ضيق السوق المحلية لديها، وذلك بتوجيه التنمية إلى الخارج، أي باتباع سياسات التنمية مرتكزة على التصدير، ومن هنا جاءت المطالبة بالاندماج الفوري في الاقتصاد العالمي والكف عن إجراءات الحماية وما إلى ذلك. وبالرغم من وجود اتفاق على تحرير التجارة إلا أن الدول الصناعية بدقة لا تطبقه، وهذا ما يدفعنا إلى التفكير بما أعلنه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون بشن حرب تجارية على اليابان، ثم التوصل معها إلى اتفاق جزئي بشأن فتح الأسواق اليابانية أمام المنتجات الأمريكية في تشرين الأول 1994.
وقد استجابت الدول النامية بصفة عامة لدعوة التجارة الحرة ( الغات) وانضمت إلى منظمة التجارة العالمية، ففي شباط 1999 ليكون عدد أعضاء المنظمة (134) عضواً في حين لا تزال 34 دولة مرحلة التفاوض للانضمام إلى عضوية المنظمة، إذ في نهاية آيار 1997 أنضمت ثلاثون دولة من الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية بالفعل إلى منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن ثماني دول أعضاء كانت تقوم بإجراء المفاوضات بشأن الانضمام، في حين كانت تفكر 13 دولة من الدول الأعضاء الأخرى بجدية في أمر انضمامها إلى المنظمة. وهذا المخاض السريع في رحلة انضمام الدول النامية إلى التجارة العالمية رافقته فورة إعلامية تتأجج للتأثير في المجتمع والرأي العام، إذ إن الإعلام سلطة رابعة، وهذه السلطة هي سلطة تقنية وسياسية في آن واحد، ولذلك فأن نزع الطابع الاستعماري عن الإعلام لا يكون إلا عن طريق إعادة توازن الإعلام الدولي وقيام الدول النامية بالتعاون بينها من أجل تأسيس أجهزتها الإعلامية وإقامتها لكي تستطيع كسر طوق هذا الاستعمار الإعلامي ذي الاتجاه الوحيد وتحقيق الاكتفاء الذاتي ولنتأمل أن ( 34) مليون كلمة يومياً : ثمانية معلومات من العشرة التي توزع في العالم تأتي من واحدة من وكالات الأنباء الدولية( اسيوشيتدبرس، ورويترز،والفرنسية AFP) ليست من بينها أية وكالة أنباء من البلدان النامية برغم أن عدد سكانه هم ثلاثة أرباع البشرية، لكنه لا يحصل إلا على ( 20 ـ 30%) من أخبار هذه الوكالات، النتيجة : حجم المعلومات الآتية من الدول الصناعية يتجاوز مائة مرة المعلومات الذاهبة إليها.
2 ـ الفجوة التقنية:
وهي التي تكون بين مَنْ يملك التقنية وبين مَنْ لا يملكها، والتقنيات في البلدان المتقدمة وهي تتسابق في التطور السريع جداً، الأمر الذي جعلنا ـ نحن الدول النامية وبخاصة العربية ـ أو دول الجنوب ـ لا نستطيع الإمساك بالتقنيات الحديثة لأنها سرعان ما تصبح قديمة وهناك سبب آخر تخشاه الدول المتقدمة في موضوع استعمال التقنيات الحديثة وهو خوف هذه الدول من عدم إمكانية أو استعمال هذه التقنيات أو صعوبته من قبل الدول النامية وبالتالي سوف لا تتمكن من تطوير هذه التقنيات والاستعمال عامة في بث أخبارها للدول النامية، فإذن عملية تطوير استعمال هذه التقنيات من الدول النامية أمر مطروح للنقاش للسبب أعلاه. ونحن نواجه أذن تطوراً دائرياً : المزيد من التنوع والتغيير = المزيد من المعلومات، المزيد من التقنية لمعالجة المعلومات، وهذا التطور سيؤدي ـ أيضاً ـ إلى زيادة في التنوع والتغيير( ). إذ إن الدول الصناعية هي التي تسيطر على توفير الأجهزة المستخدمة في وسائل الاتصال وبيعها، وهي التي تحدد أسعارها،وتوافر قطع غيارها، والتدريب عليها، ولما كانت هذه الدول تحكمها مصالح الشركات الصانعة لديها، والأوضاع السياسية التي تحيط بها، لذا فأن ذلك يحدد لهذه الدول سياستها العامة في مدى ما تعرض للبيع مما لديها من هذه الأجهزة لدولة ما،والزمن الذي توافر في غضونه قطع الغيار لهذه الأجهزة، السعر الذي تبيع به، مما يجعل الدول النامية في وضع لا تملك معه إلا أن تقبل بما يقدم لها، وبالسعر المفروض،وهذا يفسر شراء بعض الدول الأجهزة المتخلفة جداً لدى الدول الصانعة، كما يوضح اختلاف السعر للجهاز الواحد بين دولة نامية وأخرى. ووفقاً لهذا يتم توريد أجهزة قديمة للدول النامية ومنها العربية مع فرض أسعار عالية عليها وقلة تجهيز قطع الغيار لها وتأخيرها، ومن هذا نستنتج بأن وجود أجهزة قديمة في الدول النامية يجعلها عاجزة عن الرد السريع لما يطرح من أخبار عنها بسبب الفارق التقني بين أجهزتها.
وبسبب تنامي السمة الشاملة للتقانة أصبحت سياسة الإعلام في بلد ما تتعلق أيضاً بكل البلدان الأخرى، فجدول أعمال الإعلام صار عالمياً. وتجد الحكومات ذات التقانية العالية نفسها في مواجهة مستقبل مليء بالرسائل الكثيرة والمتناقضة والمفصلة بقدر الاستعمالات التجارية والتقاليد الثقافية أو السياسية التي تقصف مواطنيها. وهناك كابوس مفترس يحاصر حكومات البلدان ذات التقنية المتقدمة، وهو الاختلاف الكلي بين إعلام الأغنياء وإعلام الفقراء، كل حكومة لا تتخذ إجراءات مشخصة لكي تتجنب هذا التمييز سوف تعرض نفسها لبلبلة سياسة خطيرة في المستقبل، بيد أن هذا الاستقطاب الخطير ليس أمراً حتمياً.
ثالثاً : الفجوة الإعلامية :
وهي الناجمة عن احتكار الدول المتقدمة لوسائل الاتصال الكبيرة التي تتحكم في نوع المادة الإعلامية المتداولة في العالم الراهن ومسارها، والهوة الاتصالية تشتمل على مجمل أوجه الإنتاج والإبداع لاتصالي ومجمل وسائل الاتصال وحدود إتاحة الوسائل والرسائل للجمهور.
إن نتائج الأبحاث أشارت إلى تعمق تلك الفجوة واتساعها بين الدول المتقدمة والدول النامية من جهة، وبين أفراد المجتمع النامي الواحد نفسه وفئاته من جهة ثانية. وعليه فأن النظام الإعلامي جعل الدول النامية مجرد مستهلك للإعلام الذي تقدمه الدول المتقدمة، لا شريكاً في عملية تبادل المعلومات. ولعل الأنموذج الصارخ اليوم للفجوة الهائلة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية، يوجد في قارة آسيا، فحين لا يزيد عدد سكان اليابان عن (5%) من سكان القارة، إلا أنها تحصل على (6%) من توزيع الصحف في القارة، و ( 46%) من محطات الإذاعة و(63%) من أجهزة التلفاز و (89%) من أجهزة الهاتف، ومن المتوقع أن تزيد نسبة التفاوت التكنولوجي بين اليابان وبقية دول القارة الآسيوية إلى النصف كل عشر سنوات . وفي ضوء التشخيصات السابقة يمكن تلخيص توزيع وسائل الاتصال الجماهيري في الدول النامية كما يأتي:
1ـ تُعدَّ أمريكا اللاتينية متقدمة على كل من أفريقيا وآسيا في وسائل الإعلام الجماهيري، باستثناء صناعة الأفلام والسينما، ويصدق ذلك بالنسبة لمحطات الإذاعة والتلفاز بالذات، وكذلك الصحافة.
2ـ تسير المناطق المتخلفة سيراً حثيثاً نحو تحقيق أدنى المعدلات التي وضعتها بالنسبة لمحطات الإذاعة.
3ـ تنمو الصحافة في المناطق المتخلفة ببطء، ولعل ذلك مرتبط بالنمو في مجال التعليم ومحو الأمية.
4ـ إن هذه الاختلافات يطمسها الفارق الكلي بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة أو النامية، أي حين يوجد معدل نمو اقتصادي عال في الدول المتقدمة، ومعدل اقتصادي منخفض في الدول النامية، إن هذا المعدل يظهر في متوسط العمر والإنتاج، والتصنيع وفي الدخل وغير ذلك من الجوانب.
رابعاً : الفجوة المعلوماتية :
وهي التي تحصل بين من لديهم كل المعلومات وبين من يفتقرون إليها، وبين من يبثون المعلومات وبين من يتلقونها. فحين نجد أن الثورة الصناعية فرقت بين المنتج والمستهلك، نلاحظ أن الثورة المعلوماتية عادت فجمعت بينهما. تلك هي دينامية ثورة المعلومات التي ليست هي ذاتها إلا عنصراً من موجة أكثر أتساعاً من التغيير التي تتأهب لإطلاق رصاصة الرحمة على المجتمع الصناعي القديم. وعلى الصعيد السياسي تكتسب المسائل التي تثيرها السيطرة على المعلومات وحماية الحياة ولا سيما وإدارة المد الإعلامي تكتسب أهمية متزايدة بل أنها تتخذ بعداً كوكبياً. إن جميع المجتمعات تمتلك بنية للاتصال مهما تكن بدائية وهذا ما يسمى بـ ( فلك المعلومات) وفلك المعلومات مرتبط بدوره على نحوٍ لا ينفصم بالفلك التقني والفلك الاجتماعي. كما أن ما وراء المعلومات Lameta – Information هي في الطريق لكي تصبح مفتاح السيطرة في كل الميادين.
ويمكن القول: إن بعض البلدان العربية وقعت تحت وطأة الاندفاع نحو ( مجتمع المعلومات) الذي سعى وليم مارتن إلى رسم صفاته وملامحه على وفق معايير منها:
أ ـ المعيار التقني : المتمثل في سيادة تقنية المعلومات وانتشار تطبيقها في المكتب والمنزل والمصنع والمدرسة.
ب ـ المعيار الاقتصادي : إذ أصبحت المعلومات الآن العنصر الاقتصادي الغالب كمورد وسلعة وخدمة.
ج ـ المعيار الاجتماعي : ويتمثل في استغلال مورد المعلومات للارتقاء في معيشة الأفراد وزيادة الوعي لديهم وتمكينهم من الحصول على معلومات ذات درجة عالية من الجودة من حيث المضمون ومعدل التجدد وسرعة التحديث.
د ـ المعيار الثقافي : الذي يركز على إدراك القيمة الثقافية للمعلومات والمعرفة عن طريق ترويج قيم مجتمع المعلومات لمصلحة الأعم والإفراد،ومن ثم احترام القرارات الإبداعية والأمانة العلمية منها.
هـ ـ المعيار السياسي : القائم على حرية تبادل المعلومات مما يؤدي إلى زيادة مشاركة الأفراد في اتخاذ القرار.
خامساً : الفجوة المعرفية :
إذ إن القوة في القرن الحادي والعشرين لن تكون في المعايير الاقتصادية أو العسكرية، ولكنها تكمن في عنصر المعرفة ( Knowledge). وتختلف المعرفة بصفتها وسيلة عن كل الوسائل الأخرى لكونها لا تنضب ويمكن استعمالها على نحو أفضل لتعطي الأفضلية بإستراتيجية وتكتيك هادئ، وأن خطورة المد المعلوماتي الجديد تنبع من قدرته على استحواذ القنوات والأدوات التي تصنع ثقافة الفرد، وتستحوذ على بنيته المعرفية وتتحكم في سلوكه وتوجهاته، ومراميه، وبعبارة موجزة فأنها تسترقه في القطيع الإلكتروني الذي تقوده قلة ونخبة تستحوذ على معظم موارد العالم. أما نسبة الفجوة المعرفية فأنها أشد خطورة، ذلك أن عشر شركات كبرى فقط من شركات الاتصال تسيطر على (86%) من السوق، وأن عشر دول فقط تقدم (95%) من براءات الاختراع والاكتشاف في العالم، ذلك أن المعرفة تقود إلى المزيد من المعرفة، وبالتالي إلى المزيد من الغنى والثروة والعكس صحيح. ويعد الجمع بين الغنى والمعرفة من جهة أولى والجمع بين الفقر واللامعرفة من جهة ثانية يكون حالة انشطارية في المجتمع الإنساني تحمل في طياتها مضامين أشد خطورة من الانقسام القائم منذ عقود بين الشمال الغني والجنوب الفقير، فنسبة الفجوة في الثروة بين أثرياء العالم وفقرائه كانت ( 30 إلى واحد) في الستينيات، ولكن بعد عشر سنوات تضاعفت هذه النسبة و أصبحت بنسبة (60 إلى واحد) وفي أقل من عقد من الزمن أصبحت النسبة في عام 1997 هي (74 إلى واحد).. فعلى صعيد الملكية فأن (200) بلونير فقط يملكون أكثر مما يملكه جميع سكان العالم، وعلى صعيد الإنتاج فأن ( 600) مليون إنسان في الدول الفقيرة ينتجون أقل من ثلاثة من أصحاب المليارات، وفي العالم (40) شركة كبرى متعددة الجنسية تملك كل واحدة منها أكثر مما تملكه مائة دولة من الدول الفقيرة.
سادساً : لاتزال الفجوة بين المؤسسات والمجتمعات العلمية والتكنولوجية وبين التنفيذ الفعلي اليومي للمخططات الحكومية في اتساع مستمر، ومن البديهي أن هناك عائقاً أساسياً يحول دون تحويل المدخلات الوطنية إلى مخرجات تكنولوجية.
اضف تعليق