الاحتكار هو استغلال الشيء من شخصٍ أو جهةٍ وبالتالي السيطرة الكلية عليه من دون السماح للآخر بالتغلغل فيه أو استثماره. إن الاحتكارية الإعلامية أي احتكار وسائل الإعلام وأدواته تلخص المقولة: ( من يمتلك الإعلام يمتلك الحقيقة)(1).
لأنَّ الحقيقة موجودة لدى هذا المالك وهو الوحيد الذي يعرف جوهرها وبالتالي يستطيع توجيهها على النحو الذي يخدم مصالحه. إن الأخبار العالمية تغطي فقط بالقدر الذي يتلاءم مع تلك المصالح(2). على أن التطور العام قد أدى إلى تبلور وسائل جديدة للسيطرة على صعيد عالمي أطلق عليها اسم " الاحتكارات الخمسة الجديدة "(): وأبرزها احتكار وسائل الإعلام على صعيد عالمي، وهو وسيلة فعالة من أجل التأثير في تكوين الرأي العام عالمياً ومحلياً(3).
وبرغم أن طابع الاحتكار يميز الأنشطة الاقتصادية الأمريكية والغربية عموماً في مجال بيع التكنولوجيا وأن طابع الاحتكارات لا يضاعف الأرباح بل يشدد إجراءات سياسة التمييز العالمي ضد الدول النامية على وجه الخصوص (4)؛ فقد بذلت كل من رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية كل جهد بالرغم من فقدان مواقفهما الاحتكارية وبالرغم من المشكلات والمنافسات التي واجهتهما بعد الحرب العالمية الثانية للمحافظة على أدوارها القيادية في توزيع الأخبار لوسائل الإعلام العربية ونجحتا لأنهما استطاعتا أعطاء المحرر العربي ما يحتاجه مما كان يعني أحياناً تصميم الخدمة لتوافق الحاجات العربية مما لم تتجه الخدمات الأمريكية إلى تحقيقه(5).
وبذلك تمكنت الدول الصناعية من الانفراد بالسيطرة على حركة الإعلام الدولي وإيصال ما تريد إلى بقية دول العالم من دون توافر الفرص المتكافئة والمتوازنة بينها وبين البلدان النامية. وعند الانتقال إلى النظام الإعلامي في الدول النامية فأنهم يرون أن النظم الحاكمة في هذه الدول تواصل الدور نفسه بمساندة الشركات متعددة الجنسية في احتكار وسائل الإعلام وتسخيرها لخدمة مصالحها وحرمان القطاعات الشعبية من حقوقها الإعلامية(6).
إن تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال يتعلق أيضاً برهان سياسي كبير حيث المسألة لم تعد تقنية بل قضية سلطة(7). وقد تمكنت الدول المتقدمة ـ بفضل سبقها التكنولوجي ونظام رسوم المواصلات الدولية الذي أرسته ـ من أن تفيد من أوضاع وامتيازات احتكارية سواء عند تحديد فئات نقل المطبوعات السلكية واللاسلكية أم في استعمال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات (8). وهناك نوع من السيطرة يتمثل في التأثير الذي تمارسه المؤسسات الدعائية وتعوق به التطور الاجتماعي(9).
لقد اهتم المسؤولون الأمريكيون كثيراً بالهيمنة الأمريكية على العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر المقولة المشهورة للرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت: ( قدرنا هو أمركة العالم ) التي أكدها ريتشارد نيكسون بقوله نستطيع أن نقود العالم إلى مكان أفضل.. نحن لسنا ركاباً في قطار التاريخ.. نحن قادته ولدينا الفرصة لنصنع قرناً أمريكياً ثانياً، في حين يذهب جورج بوش إلى: (إن القرن القادم ينبغي أن يكون أمريكياً) (10). ومع السعي الأمريكي فقد سعت العديد من الدول المتقدمة إلى تحقيق هيمنتها على العالم أيضاً، كانت هذه الدول قد ذهبت إلى استغلال تفوقها في هذا المجال وعملت على ترسيخ تبعية البلدان النامية لها ويؤيد ذلك ما ذهب إليه الكاتب الأمريكي المعروف هربرت شيللر حين يقول: لقد انشغل صنّاع القرار السياسي والمفكرون الغربيون بالبحث عن بدائل تضمن استمرار السيطرة الغربية وعلى وجه التحديد الأمريكية على الأوضاع الثقافية والاقتصادية الدولية فاستقر رأيهم على التكنولوجيا كبديل، وتتضمن هذه التكنولوجيا شبكات الحاسوب ونظم الأقمار الصناعية، وتقوم هذه الشبكات ببث كميات هائلة من الأخبار والمعلومات عبر دوائر عابرة للحدود القومية (11).
ومع التطورات التكنولوجية برزت أخطر المشكلات وهي مسألة مسح السيادة الوطنية للبلدان النامية التي تعتمد اعتماداً كاملاً على الدول المتقدمة التي تحتكر الابتكارات التكنولوجية المتقدمة، فأصبح كماً هائلاً من المعلومات تفتقر الدول النامية إلى إمكانية تقييم هذا الكم ومعالجته واستعماله (12).
إن الهيمنة الاتصالية تعني تحكم نظم اتصالية من حيث المضمون كماً وكيفاً وتقنية لدول معينة في المسار الاتصالي لدول أخرى، هذا التحكم في مجال الاتصال يقود إلى أنواع أخرى من الهيمنة الاقتصادية والثقافية وبالتالي الهيمنة بمفهومها الشامل، والتي تفرز بدورها وضعاً دولياً يصنف فيه النظام الدولي إلى قوى مهيمنة وأخرى تابعة(13).
ومما يؤكد احتكارية الإعلام الأمريكي ما قاله (جون روس) بأن الإعلام الأمريكي: يشهد التاريخ أنه كلما تمضي الولايات المتحدة إلى الحرب تكون ترسانة الإعلام الرأسمالي طليعة المجهود الحربي(14).
التبعية التكنولوجية ويقصد بها في مجال الاتصال كل ما يتعلق بالبنى الأساسية للاتصال، أي المعدات والمرافق وتسهيلات الإنتاج والتوزيع التي يحتاج إليها النشاط الاتصالي في مختلف مراحله سواء جمع المعلومات أم بإعدادها ونشرها وتوزيعها، إذ تتضمن مرحلة جمع البيانات وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية ووكالات الأنباء وشبكات التلكس وشبكات الكوابل ثم تأتي بعدها مرحلة إعداد المعلومات التي تتطلب توفير بنوك معلومات والآلات تصوير وغيرها(15).
اضف تعليق