النص القرآني الشدة مع الملحدين في حواره كان منهجه يحث على التفكر والتعقل عن طريق الأدلة والبراهين التي ذكرها لهم. الآيات التي حاور بها النص القرآني الملحدين تتخذ طابعاً استمرارياً في الزمان، خاطب المشركين بالدلائل العقلية التي تبين لهم بأن الله واحد لا شريك له ولا يمكن أن...
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فإنَّ القرآن الكريم قد بيّن لكل أمر منهجاً، وأعطى لكل شيء مثلاً، عبر آياته التي بها يتجلّى العمى، ويتعقلها أهل الحجى، فهو منهج واسع يشمل جميع العلوم بمختلف مجلاتها وهو دستور الدين الإسلامي لذا يتضمن كافة مجلات الحياة التي جاء بها الدين الإسلامي؛ ومن ذلك ما جاء منهجاً قويماً حاور مع الملحدين والمشركين والكافرين من أجل اثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى وصدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به الدين الإسلامي لهدايتهم إلى طريق الحق والسراط المستقيم وعبادة الله سبحانه وتعالى وحده ونبذ الكفر والشرك وعبادة الأصنام التي كانوا عاكفين عليها في زمن الجاهلية وما وجدوا عليه أباءهم التي لا تضرهم ولا تنفعهم في شيء، ولكن رغم ذلك استكبروا وعاندوا واتبعوا غرورهم وأهوائهم وضلوا عن طريق الصواب وتكبروا عن عبادة الله وحده ومنهم من أنكر وجود الله ولا يعتقدون بوجود إله لهذا الكون وهم فئة الملحدين، ومنهم من جعلوا لله شركاء يعبدوهم مع الله جل وعلا وهم فئة المشركين، أما فئة الكافرين الذين أنكروا وجود الله الخالق وأنكروا صفاته وانكروا نعمه سبحانه وتعالى.
وهذا ما تناولته في هذا البحث بشكل مختصر مما يتناسب مع متطلبات البحث
وقد قسمت البحث إلى التمهيد وندرس به "مفهوم الإلحاد لغةً واصطلاحاً"، "ومفهوم الشرك لغةً واصطلاحاً"، "ومفهوم الكفر لغة واصطلاحاً"، وعلى ثلاثة مباحث، فكان المبحث الأول بعنوان: "الحوار المباشر مع الملحدين" ويتكون من ثلاثة مطالب؛ تناولت في المطلب الأول فكرة الإلحاد، والمطلب الثاني كيفية مواجهة القرآن لها، وفي المطلب الثالث عدد الآيات التي وردت فيها لفظة الإلحاد.
وفي المبحث الثاني بينا "حوار القرآن الكريم مع المشركين" بثلاثة مطالب؛ المطلب الأول" الفرق بين الشرك والكفر" وفي المطلب الثاني" الآيات المتعلقة بالمشركين دراسة تفسيرية" أما المطلب الثالث تناولت فيه" رأي المحدثين في الإشراك محمد شحرور إنموذجاً ".
وأما في المبحث الثالث بعنوان" مفهوم الكفر وكيفية مواجهته" أيضا بثلاث مطالب ففي الأول درسنا " فكرة الكفر قبل الإسلام وبعده"، وفي المطلب الثاني" مواجهة القرآن الكريم للكافرين "أما المطلب الثالث تناولت فيه "الآيات المتعلقة بالكافرين دراسة تفسيرية بين العقل والنقل".
وكانت المصادر والمراجع التي استقى منها البحث مادته العلمية عبارة عن مجموعة من كتب التفسير، والمعاجم اللغوية، وكتب النحو، والصرف، والتاريخ، وغيرها من المصادر والمراجع الحديثة.
التمهيد
مفهوم الألحاد:
يجب أنْ نتعرف على المفهوم اللغوي للمُلْحِد، وذلك من خلال معرفة المادة اللغوية التي اشتُق منها هذا الاسم (مُلْحِد)، قال ابن فارس: (لَحَدَ: اللام والحاء أصلٌ يدل على ميل عن استقامة. يُقال: ألْحَدَ الرَّجل، إذا مال عن طريقة الحق والإيمان. وسُميَّ اللّحدُ؛ لأنَّه مائلٌ في أحد جانبي الجدَث. يُقال: لحدتُ الميتَ وألحدتُ، والمُلتَحَدُ: الملجأ، سُميَّ بذلك لأنَّ اللاجئ يميل إليه)[1].
وتبين من قول ابن فارس أن مادة (لحد) تعطي معنى الميل وان اختلفت هيئتها وبنائها ولحد إذ مال عن طريق الايمان والحق ولجأ الى الكفر وقد وافقه الرازي بقوله: (لحَدَ: في دين الله أي حادَ عنه وعدل. و(لحَدَ) من باب قطع لغة فيه. وقرئ (لِسانُ الذي يَلْحَدُون إليهِ)[2])[3].
أما الإلحاد في الاصطلاح هو: (ترك الاعتقاد بوجود إله لهذا الكون)[4]، وهذا التعريف (يُستعمل أيضاً في بيان ماهية المُلْحِد، والصفة التي يكون عليها، والعقيدة التي يلتزم بها، فيُمكن أنْ يُقال إنَّ المُلْحِد هو من تَرَكَ الاعتقاد بوجود إله لهذا الكون، فالقول في ذلك ينحل إلى (مُلْحِد+مَلْحُود فيه= إلحاد)، مثلما نقول: (مسند+ مسند إليه=إسناد)[5].
وهناك تسمية اخرى للملحدين هم الدهرية والدهر أي طول الزمن حيث كانوا يضيفون كل حادثة تهتك بهم إلى الدهر[6]. أن القرآن الكريم أطلق على المنكرين لوجود الله عز وجل أسم "الدهرية" وقال فيهم: ﴿ وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾[7]
وأن (الدهرية مذهب كل ما أعتقد في قدم الزمان والمادة والكون وأنكر الألوهية والخلق وكما يرون إن الموجب للحياة والموت هي طبائع الأشياء وحركات الأفلاك..... وهؤلاء الدهرية المنكرون للألوهية هم أقرب الكافرين من الملاحدة المعاصرين)[8].
مفهوم الشرك:
نتعرف على المفهوم اللغوي في مادة شركَ (الشين والراء والكاف أصلانِ، أحدهما يدل على مقارنة وخلاف وانفراد، والآخر يدل على امتداد واستقامة)[9]. وقال ابن منظور: (وأشَرَكَ باللهِ: جعل لهُ شريكاً في ملكهِ قال تعالى: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[10]، والشرك: أن يجعل لله شريكاً في رُبوبيتهِ، تعالى الله عن الشركاء والأنداد)[11].
أما الشرك في الاصطلاح:
فهو (ان يجعل لله نداً يدعوه كما يدعوا الله، أو يخافه أو يرجوه أو يحبه كحب الله أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة، فهذا الشرك لا يبقى مع صاحبه من التوحيد شيء، وهذا المشرك الذي حرم الله عليه الجنة ومأواه النار)[12].
كما في قوله تعالى: (...فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[13]أي فلا تجعلوا لله شركاء من الأوثان والأصنام تعبدونها من دون الله وهي لا تضر ولا تنفع، والند: هو المثل والعدل.[14]
وقالوا الشرك بأن (يثبت لغير الله تعالى شيئاً من الصفات المختصة به تعالى، كالتصرف في العالم بالإرادة الذي يعبر عنه بقوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[15]، أو العلم الذاتي غير المكتسب بالحواس، ودليل العقل، والمنام، والإلهام، وغير ذلك)[16]، والحاصل إن هذه الصفات المذكورة هي لله سبحانه وتعالى فمن أثبت شيئاً منها لغيره تعالى فقد أشرك.
مفهوم الكفر:
والكفر في مفهومها اللغوي (الكاف والفاء والراء أصلٌ صحيحُ يدلُ على معنى واحد، وهو السَّتر والتغطية. يقال لمن غطى دِرعَه بثوبٍ: قد كفَرَ دِرعَه. والمكفرَّ: الرجل المتغطى بسلاحهِ. والنهر العظيم كافر، تشبيه بالبحر. ويقال المزارع كافر، لأنهُ يغطي الحبَّ بتراب الأرض. قال الله تعالى: (يُعْجِبُ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ)[17]. ورمادٌ مكفور: سَفَت الرِّيحُ الترابَ عليهِ حتى غَطَّتهُ والكُفْر: ضد الإيمان، سمي لأنه تغطية الحق. وكذلك كفران النعمة: جحودها وسترها. والكافور كِمُّ العنب قبل أن يُنوِّر[18].
أما الكفر اصطلاحا:
الكفر بالله هو الجهل بوجوده ولما كان (إنكار الخالق أو إنكار كمالهِ أو إنكار ما جاءت بهِ رسلهِ ضرباً من كفران نعمته على جاحدها، أطلق عليهِ اسم الكفر وغلب استعماله في هذا المعنى، وهو في الشرع إنكار ما دلت عليه الأدلة القاطعة وتناقلته جميع الشرائع الصحيحة الماضية حتى علمهُ البشر وتوجهت عقولهم إلى البحث عنه ونصبت عليه الأدلة كوحدانية الله تعالى ووجوده)[19].
والكفر على أربعة أنحاء كما ذكرها السهروردي في نغبة البيان: كفر إنكار، وكفر معاندة، وكفر نفاق، وكفر جحود. أما كفر الإنكار: فهو أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد. وكفر الجحود: أن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس. وكفر المعاندة: هو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه. وأما كفر النفاق: فإنه يقر بلسانه ويكفر بقلبه[20].وهذهِ الأصناف الأربعة من الكافرين جميعهم يشتركون بصفة واحدة هي إنكار وجود الله سبحانه وتعالى وعدم الإيمان به والإقرار بوجوده كما في قولهِ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[21].
المبحث الأول: الحوار المباشر مع الملحدين
المطلب الأول: فكرة الألحاد
إنَّ الفكرة الأصلية (التي ينطلق منها هذا الفكر هي إنكار الإله، وهذا يستلزم منه ضرورةً إنكار خلقه للكون، وإنَّما الكون وجد مصادفةً في معتقدهم، ثم يتفرع من ذلك إنكار الحياة الأخرى (عالم الآخرة)[22]، وإن (الوجود فلسفة ميتافيزيقية*، وضعتها عقول بشرية فيكون من التعسف الجلي أن تحجب عقول الأخرين عن التفكير فيما وراء الطبيعة، لينضووا تحت تفسير وضعهُ مجموعة من البشر قبلهم)[23].
ومن المعروف بالفكر الإلحادي إنه (ينكر أصل وجود الخالق، ويزعم إن المادة أزلية وقد ادت تقلباتها إلى وجود هذا الكون وهذه الحياة بكائناتها كلها في فترة زمنية طويلة، كما ورد عن بعض الكفار في القرآن الكريم: (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)[24])[25].
إن الشك يعيش دائماً مع فكرة الإيمان ويعاصره بناء على ذلك (يرجح أن يكون إنكار الإله والعوالم الخلفية يقتسم روح أول إنسان آمن بالله وفي ذلك عبارة عن تمرد وعصيان، ورفض للبداهة، وتصلب أمام أحكام القدر والحتمية ويبدو تاريخ أصول النزعة الإلحادية بنفس قدر بساطة تاريخ أصول الإيمان... أي نزعة الإقرار بالألوهية ونزعة نفي الألوهية -الإلحاد-)[26].
وأما المدة الزمنية التي ظهر فيها هذا الاتجاه الفكري يُمكن (أنْ تُحدّ بمعيار مركب، وذلك يعني أنَّ الفكر الالحادي قد وِجِد بظهور الاعتقاد الديني الذي قضى أنَّ للكون إله خالق، فوُجِد الالحاد فكراً رافضاً لهذا الاعتقاد؛ لأنَّه لا يرى دليلاً حسياً واضحاً يُبرهن على وجود إله، لذا نجد أنَّ النصوص القرآنية -موضع البحث-جاءت لتركزَ على هذه الجزئية المهمة في الحوار مع الملحدين، فإنَّ وجود الله تعالى[27]) (أعظم وجود والدلائل عليه أظهر الأدلة)[28].
ولقد عاب الملحدين على الموحدين إيمانهم بالخالق وقالوا: (لقد آمن بالله من آمن دون أنْ يراه بحس، ويتناوله بتجربة، وإنَّما فرض وجوده ليُفسر به الكون ونظامه الحكيم الدقيق بعد العجز عن تفسيره بالعلم ومنطق الحس، زاعماً أنَّ مثل هذا النظام الكوني لا يُمكن أنْ يصنعه شيء إلا قوة خارقة فوق المادة والطبيعة، ثم قال الجاحدون: وهذا مردود أولاً: لأنّه إيمانٌ بالغيب، ثانياً: إنَّ النظام الكوني تولّد من نفس الكون لا من قوة خارجة عنه، وقد أودعت فيه النظام والانسجام-كما يدعي المؤمنون-ويُعرف هذا التعليل بالتولد الذاتي والتفسير الميكانيكي)[29].
ومعنى هذا إن من لا يؤمن بوجود الله لا لشيء إلا لأنه لم يرهُ بالذات – فلا عقل له؛ لأن مهمة العقل يرشدنا إلى ما يمكن إدراكه إلا بالحس والتجربة والذكي الألمعي هو من يفهم من الإشارة ويدرك المغيبات من القرائن التي يمكن ادراكها بالحس والتي تدل على وجود صانع وخالق لها[30].
وبعد فإن (فكرة الإلحاد ليست بالمشكلة التي ترتفع إلى مستوى النقاش الحاد والإسهاب في الجدال بين العارفين المنصفين، لأنها لا تقوم على أساس من الواقع، ولا الشواهد على وجود الله عزيزة المنال وفوق العقول والأفهام، كيف وهي كل شيء له آية؟ وإنما الإلحاد عقدة نفسية لدى بعض المتفلسفين والمتحذلقين، نشأت من كلمة الدين بالذات التي توحي بنوع من الفرضية القبلية، كما يتوهمون، ففروا منها إلى "موديل" الإنكار والتحرر من كل قيد وقيمة! ويمثلهم جميعا ما قاله واحدٌ منهم: "من المستحيل أن يوجد نظام بمحض الاتفاق والصدفة، بل لابد إنه وجد نتيجة لإرادة مدبرة، ولكن ذهني لم يكن على استعداد لتقبل هذهِ الفكرة)[31]، وللإمام جعفر الصادق "عليه السلام" قول في ذلك حينما سأله ملحد، ما لدليل على صانع العالم؟ فقال أبو عبد الله" عليه السلام": (وجود الأفاعيل التي دلّت على أنَّ صانعها صنعها، ألا ترى أنَّك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني، علِمتَ أنَّ له بانياً وإنْ كنتَ لا ترى الباني، ولم تشاهده)[32].
المطلب الثاني: كيفية مواجهة القرآن لها
نجد إن الإيمان بوجود خالق للكون أو عدم الإيمان بذلك لم يكن إجبارياً للمنهج القرآني في حواره مع الملحدين، بل نجد الأمر فيه متروكاً للإنسان نفسه، قال تعالى: (إِنَّا هدينه ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرا وَإِمَّا كَفُورًا)[33]، فإنَّ الله تعالى وإنْ (فطر العباد على عبادته والاعتراف بوحدانيته إلا أنَّ الحكمة الإلهية اقتضت الاختيار والإرادة للإنسان في ملازمة الفطرة أو النكران والعصيان)[34]، وهذا ما يتسالم عليه الفكران الإيماني، والإلحادي بلا خلاف، ولكنَّ الخلاف بينهما في فلسفة هذا الاختيار، إذ يرى الفكر الديني أنَّ هذا الاختيار هو اختيار تشريعي خصَّ الخالق تعالى به الناس، أما الفكر الإلحادي فيرى أنَّ الإنسان حقيقة كبرى، وحريته فوق أي اعتبار آخر، وينماز عن غيره من الكائنات بالاختيار، وهذا يؤكد ذات الإنسان ووجوده عبر المواقف التي يختارها وينخرط فيها، ولاوجود لأية قوة، أو مبدأ، أو شريعة تفرض نفسها عليه[35].
ان القرآن الكريم واجه الملحدين الذين يلحدون بأسماء الله سبحانه وتعالى بقولهِ): وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[36] أي اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم وقيل: معنى الاحاد بأسمائه تعالى أي يسمون اوثانهم اللات نضراً الى اسم الله تعالى، والعزى نظراً إلى العزيز وقال ابن عباس: معنى يلحدون يكذبون وقال الخطابي: الغلط في اسمائه والزيغ بها إلحاد.[37] (وهنا الألحاد بأسماء الله سبحانه وتعالى أما بجحدها وإنكار معانيها وأما بتحريفها وتعطيلها عن الحق الثابت فيها بالتأويلات الباطلة، وإما بتسمية الأصنام المصنوعة بأسمائه تعالى، وقد استعمل للفظ الإلحاد هنا بمعنى الميل والعدول في أسماء الله تعالى من الحق الثابت فيها)[38].
والنوع الثاني من الملحدين الذين واجههم القرآن الكريم هم الذين يلحدون بآيات القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[39] لما بين تعالى أن الدعاء إلى دين الله أعظم
القربات وإنه يحصل ذلك بذكر دلائل التوحيد، والعدل، والبعث، عادة إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات، ويجادل، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا) وتقدم الكلام على الإلحاد في قوله: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ)[40] وذكر تعالى إنهم لا يخفون عليه، وفي ذلك تهديد لهم. وقال قتادة هنا:" الإلحاد التكذيب". ومجاهد:" المكاء والصفير واللغو"، وقال ابن عباس: "وضع الكلام غير موضعه"، وقال أبو مالك: "يميلون عن آياتنا"، وقال السدي: "يعاندون رسلنا فيما جاؤوا فيه من البينات والآيات". ثم أستفهم تقريراً (فمن يلقي في النار) بإلحاده في آياتنا (خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) ولا اشتراك بين الألقاء في النار والإتيان آمنا، لكنه كما قلنا استفهام تقرير كما يقرر المناظر خصمهِ على وجهين، أحدهما: فاسد. يرجو أن يقع في الفاسد فيتضح جهلهُ ونبه بقولهِ: (يلقى في النار) على مستقر الأمر وهو الجنة وبقوله: (آمنا) على خوف الكافر وطول وجلهِ. وهذهِ الآية قال ابن بحر: عامة في كل كافر ومؤمن)"[41].
ومن المعلوم أن "آيات الله" تنقسم إلى قسمين:
- آيات كونية، وهي ما يتعلق بالخلق والتكوين، مثل قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ)[42].
- آيات شرعية، وهي كل ما يتعلق بالوحي والتنزيل.
فبالتالي؛ الإلحاد في الآيات يكون على وجهين:
- الإلحاد في الآيات الكونية، وذلك بأن يَنسب الخلق والتدبير لهذا الكون إلى غير الله....
- الإلحاد في الآيات الشرعية، وذلك بالطعن في صحتها، أو إنكارها وردها وعدم التصديق بها، أو تحريفها...
والظاهر بعد استعراض كلام المفسرين "في هذه الآية: أن لفظ الإلحاد هنا استعمل في الإلحاد في الآيات الشرعية، فيدخل في ذلك: الشرك بالله، وفعل المعاصي والمنكرات المخالفة للشرع، لأنها خروج عن طاعة الله عز وجل)[43]. ومن الملحدين الذين واجههم القرآن الكريم الذين يقولون بأن القرآن الكريم يتعلمه النبي محمد" صلى الله عليه وآله وسلم" من بشر من بني آدم وليس كما يدعي بأنه وحي منزل من الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)[44]يقول تعالى ذكرهُ: ولقد نعلم إن الملحدين يقولون جهلاً:إنما يعلم محمد هذا الذي يتلوه بشر من بني آدم، وما هو من عند الله ويرد عليهم سبحانه وتعالى مكذبهم في قيلهم إن لسان الذي تلحدون إليه أي تميلون إليه هو لسان أعجمي وهذا القرآن الكريم لسان عربي مبين.[45]
حرم الله الإلحاد (والميل عن طريق الحق والصواب، ومن أعظم الإلحاد: الإلحاد في الحرم؛ لما يترتب عليه من تعظيم الحسنات والسيئات. قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[46] ذكر المفسرون في تفسير الإلحاد المراد في هذه الآية عدت وجوه متباينة، بين: الشرك وعبادة غير الله، وانتهاك حرمات الحرم، والخروج عن الصراط المستقيم.
وقد قرن الله تعالى الإلحاد في هذه الآية بمكان معين -وهو حرم مكة-، ويتسم بصفة وصفها به وهي " الظلم" أي: الميل بظلم، وهي: مخالفة الأوامر التي أوجبها الله وارتكاب المعاصي، وهذا ظلم للنفس، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[47]. وقد استعمل لفظ الإلحاد هنا بمعنى: الميل من أمر الشرع إلى أمر مخالف للشرع)[48].
وفي قوله تعالى: (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)[49]، وفي موضع آخر قوله تعالى: (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)[50]؛والمراد بقوله: "الملتحد" هنا في الموضعين هو الذي يعدل ويميل من جانب إلى آخر و"ملتحدا": هنا هو الملجأ الذي يميلون إليه[51].
المطلب الثالث: عدد الآيات التي وردت فيها لفظة الإلحاد:
ذكر القرآن الكريم لفظة الإلحاد في ستة مواضع وبمعانٍ متباينة:
1. قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[52].
2. قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)[53].
3. قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[54].
4. قوله تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)[55].
5. قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[56].
6. قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)[57].
المبحث الثاني
حوار القرآن الكريم مع المشركين
المطلب الأول: الفرق بين الشرك والكفر:
اختلف أهل العلم في (الشرك) و(الكفر)؛ هل بينهما فروق أو لا؟
فذهب جمع "من أهل العلم إلى أن بين (الشرك)و (الكفر) فرقاً، وذلك:
أن بينهما عموماً وخصوصاً؛ فالشرك: دعوة غير الله معه، فهو كفر مخصوص، والكفر يشمل ذلك وغيره، فهو أعم من الشرك ومن ثم؛ فكل شرك كفر وليس كل كفر شركاً.
وممن ذهب إلى هذا من أهل العلم:
1- سعيد بن جبير رحمه الله، فقد روي عنه أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن الكفر، فقال:" الكفر على وجوه: فكفر هو شرك يتخذ مع الله إلهاً آخر، وكفر بكتاب الله ورسوله، وكفر بادعاء ولد لله، وكفر مدعي الإسلام، وهو ان يعمل أعملاً بغير ما أنزل الله، ويسعى في الرضى فساداً، ويقتل نفساً محرمة بغير حق"[58]. فجعل رحمه الله الكفر على وجوه عديدة، وجعل من وجوهه: الشرك بالله، فدل على أن الكفر أعم من الشرك"[59].
2- الراغب الأصفهاني، قال: "وشرك الإنسان في الدين ضربان: أحدهما: الشرك العظيم، وهو: إثبات شريك لله تعالى...، وذلك أعظم كفر..."[60]؛ وبذلك عنده الشرك أعظم أنواع الكفر.
3- أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري، قال:" الكفر اسم يقع على ضروب من الذنوب، فمنها: الشرك بالله، ومنها الجحد للنبوة، ومنها استحلال ما حرم الله، وهو راجع إلى جحد النبوة، وغير ذلك مما يطول الكلام فيه"[61]
إنَّ الكفر له خصال كثيرة وكل" خصلة منها تضاد خصلة من الايمان لان العبد اذا فعل خصلة من الكفر فقد ضيع خصلة من الايمان، والشرك خصلة واحده وهو ايجاد الهية مع الله او دون الله واشتقاقه ينبئ عن هذا المعنى ثم كثر حتى قيل لكل كفر شرك على وجه التعظيم له والمبالغة في صفته وأصله كفر النعمة ونقيضه الشكر ونقيض الكفر بالله الايمان، وانما قيل لمضيع الايمان كافر لتضييعه حقوق الله تعالى وما يجب عليه من شكر نعمه فهو بمنزلة الكافر لها ونقيض الشرك في الحقيقة الاخلاص ثم لما استعمل في كل كفر صار نقيضه الايمان ولا يجوز ان يطلق اسم الكفر الا لمن كان بمنزله الجاحد لنعم الله وذلك لعظم ما معه من المعصية وهو اسم شرعي كما شرعي ان الايمان اسم شرعي"[62].
وعلق الشيخ مبارك الميلي على كلام العسكري هذا بقوله: "ومحصل كلام أبي هلال: أن الشرك والكفر مختلفان في الأصل، متحدان في استعمال الشرع، فهما كالإسلام والإيمان... ولم يحضرني الآن مقابلة القرآن للشرك بالإخلاص، ولكن في مقابلة النفاق- الذي هو من شُعب الشرك- بأشياء منها الإخلاص[63]، وذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ)[64]،
وبقول مجلة الدراسات العقدية: أن تشبيه "(الشرك والكفر) في استعمال الشرع بـ الاسلام والايمان ليس على اطلاقه، فإن الاسلام والايمان اذا افترقا اجتمعا، وكذلك (الشرك والكفر)، ولكن اذا اجتمع (الاسلام والايمان) اريد بأحدهما غير الاخر؛ فـ (الإسلام) هو الاعمال الظاهرة، و (الايمان) هو الاعمال الباطنة، واما اذا اجتمع (الكفر والشرك) فإن الشرك يكون نوعا من انواع الكفر، لامعنى مغاير له"[65].
مما يدل من القران الكريم على ان الشرك ضد الاخلاص قوله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[66].
قال ابن كثير: "أي: فاعبد الله وحده لا شريك له، وداع الخلق الى ذلك، وأعلمهم انه لا تصلح العبادة الا له وحده، وانه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد، ولهذا قال: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[67]، أي:لا يقبل من العمل الا ما أخلص فيه العامل لله، وحده لا شريك له..."[68].
ونقل ابو عمر الصلاح ما ذكره الامام مسلم في صحيحه من حديث جابر: ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: " (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، كذا وقع في كتاب مسلم: بالواو العاطفة للكفر على الشرك، وهو في مخرج ابي نعيم الحافظ على كتاب مسلم بحرف (أو)، وبين الشرك والكفر فرق ما بين الاخص والاعم، فكل شرك كفر، وليس كل كفر شركاً من حيث الحقيقة "[69].
وبين الحديث النووي بقوله: إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى فإن الشرك أعم من الكفر لأنه يخص عبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم بالله تعالى، ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك[70].
الشرك والكفر بقول الشيخ عبد الرحمن: "قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله، واسم لمن لا إيمان له، وقد يفرق بينهما؛ فيخص الشرك بقصد الأوثان وغيرها من المخلوقات مع الاعتراف بالله، فيكون الكفر أعم"[71].
وأعظم الكفر: جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة... والكافر على الإطلاق متعارف فيه يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها، وقد فرق القرآن الكريم بين الكافرين عموماً وبين أهل الكتاب من جهة، وبين المشركين من جهة اخرى، وقد يطلق الكفر على من كفر بالنعمة، وعلى من ترك ركناً من أركان الدين، وإطلاق الكفر على من كفر بالله وجحد ألوهيته مطلقاً فكثير في القرآن، وقد يطلق على المشركين، وقد يطلق على أهل الكتاب خاصة دون المشركين.
وهنا يتبين لنا أن الكفر بمعنى الجحد والستر؛ يشمل كل من أنكر الرب أو الخالق سبحانه وتعالى، أو أنكر يوم البعث، أو نبيا من الانبياء، أو كتاباً من الكتب السماوية، وكذا من أحل محرماً، أو أنكر ركناً من أركان الإسلام، وبهذا يشمل الكفر كفر أهل الكتاب واليهود والنصارى، ويشمل كفر الصابئة والمجوس، والدهريين وهم الذين ينكرون وجود الخالق.
أما الشرك فهو أن يصرف العبد شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وهو الذي بيده الرزق والإحياء والإماتة وتدبير الأمور، والشرك أعظم أنواع الكفر وأشدها؛ لأنه يتنافى مع كل عقل ومنطق، ومن هنا يتبين لنا أن كل مشرك كافر، وليس كل كافر مشركاً[72].
المطلب الثاني: الآيات المتعلقة بالمشركين دراسة تفسيرية
ذكر القرآن الكريم لفظة المشركين في مواضع عديدة وبمقاصد تفسيرية مختلفة ومنها ما بينه للمسلمين في آياتهِ عن ما يخفيه المشركين لهم من حقد وان اظهروا عكس ذلك كما في قوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[73]، فتأويل الكلام: ما يحب أهل الكافرون ولا المشركين بالله ان ينزل عليكم من الخير الذي كان عند الله فنزله عليكم، فتمنى المشركون وكفرة أهل الكتاب أن لا ينزل الله عليكم الفرقان، وما أوحاه إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من حكمهِ وآياتهِ، وفي هذهِ الآية دلالة بينة على ان الله تبارك وتعالى نهى المؤمنين عن الركوع إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين[74].
إنَّ الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاها الا الشرك بالله كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[75]، ففي هذه الآية دليل على إن جميع الذنوب والمعاصي قابلة للمغفرة والعفو، "إلا الشرك فإنه لا يُغفر أبداً إلا ان يتوب المشرك عن شركهِ ويصبح موحداً، كما أن ليس هناك أي ذنب قادر لوحده على إزالة الإيمان، كذلك ليس هناك أي عمل صالح قادر على خلاص الإنسان اذا كان مقروناً بالشرك".[76]
والشرك في هذه الآية يشمل الشرك في الذات والفعل والعبادة "بل يشمل الكفر أيضاً باعتبار الحكم الوارد في الآية المباركة، أي ان الكافر لا يغفر له حتى يرجع عنه ويدخل في الإيمان، وان لم يصدق عليه المشرك بالعنوان الأولي، لكن يمكن أن يقال إن كل كافر مشرك، لأن الذي يشاقق الحق والرسول ومن أنزله الله تعالى عليه مشرك، لأنه جعل ما في يده أو ما عنده شريكاً مع الله تعالى... ولذلك ورد التعبير: (أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) دون المشرك أو المشركين، وقوله تعالى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) أي: يغفر ما دون الشرك من المعاصي وإن عظمت، فإنها مهما عظمت فلا تصل إلى حد عظمة الشرك، فإن له درجة بعيدة في القبح، وما سواه دونه في الدرجة ولعله ولهذا أشار له بذلك وتدل عليه كلمة-دون-"[77].
قوله تعالى: (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)[78]. إن الله سبحانه وتعالى أقام الأدلة والبراهين الواضحة التي تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى "ومنح كل عاقل الاستعداد لتفهمها بيسر، ولم يبقى عذراً لمعتذر بأنه جحد أو أشرك تقليداً لغيره من المبطلين، ولا فرق أبدا في نظر العقل بين من يعمل بغير علمه متعمداً وبين من يتبع الباطل جهلاً به ومن غير قصد مع قدرته على معرفته وتميزه عن غيره".[79]
وفي تفسير الأمثل ذكر إن جميع أبناء البشر يحملون روح التوحيد والتكوين والخلق، "فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الأمهات، وهم نطف لا تعدو الذرات الصغار، وهبهم الله الاستعداد لتقبل الحقيقة التوحيدية، وأودع ذلك السر الإلهي في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي... كما أودعه في عقولهم وأفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها... وما أخذه الله من عهد منهم أو سؤاله إياهم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)[80]؟ كان بلسان التكوين والخلق، وما أجابوه كان باللسان ذاته"[81].
قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[82] وهذا دليل آخر بأنهم لا يؤمنون بالله بل إنهم يؤمنون بما يقول رجال دينهم وعقيدتهم إذا يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحله الله[83]، وهذا "مطرد في جميع أهل الدينين، ولذلك أفحم النبي به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عُدياً بن حاتم لما وفد عليه قُبيل إسلامه لما سمع قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)؛ وقال عدي لسنا نعبدهم فقال: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه- فقلت: بلى- قال: فتلك عبادتهم) فحصل من مجموع أقوال اليهود والنصارى إنهم جعلوا لبعض أحبارهم ورهبانهم مرتبة الربوبية في اعتقادهم فكانت الشناعة لازمة للأمتين ولو كان من بينهم من لم يقل بمقالهم كما زعم عدي بن حاتم فإن الأمة تؤاخذ بما يصدر من أفراده إذا أقرته ولم تنكره، ومعنى اتخاذهم أرباباً من دون الله إنهم اتخذوهم أرباباً دون أن يفردوا الله بالوحدانية، تخصيص المسيح بالذكر لأن تأليه النصارى إياه أشنع وأشهر، وجملة (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا) وهي محط زيادة التشنيع عليهم وإنكار صنيعهم بأنهم لا عذر لهم فيما زعموا، لأن وصايا كتب الملتين طافحة بالتحذير من عبادة المخلوقات ومن إشراكها في خصائص الإلهية، وجملة (سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) لقصد التنزيه و التبرىء مما افتروا على الله تعالى، ولذلك سمي ذلك إشراكاً"[84].
قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[85] قريش كانوا "يعبدون الأصنام ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فإنا لا نقدر على عبادة الله فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد (أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ) أي ليس فوضع حرفاً مكان حرف أي ليس له شريك يعبد"[86].
وكانوا إذا أنذرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعذاب الله "قالوا: تشفع لنا آلهتنا عند الله ويعبدون من دون الله ما لا يضر ولا ينفع وهم يعلمون بأن المتصرف هو الله سبحانه وتعالى بقوله: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) وتعالى الله سبحانه وتعالى عما يشركون"[87].
وان الله سبحانه وتعالى واعد المشركين بأن عذابهم قادم لا محال بقوله تعالى): أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[88]، "وهذا وعيد من الله سبحانه وتعالى لمن كفر به وبرسوله، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك"[89]، وكان النبي ينذر المشركين ويخوفهم من عذاب أليم، وكانوا يجيبونه بالسخرية ويستعجلونه العذاب ويقولون له: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[90]، فأجابهم سبحانه وتعالى بأن عذاب الله آتٍ، وكل آتٍ قريب".[91]
أن الله تعالى "لا يغفر الشرك بجميع مظاهرهُ؛ لأن الحكمة اقتضت خُلق الأنسان على أساس الرحمة والعبودية، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[92]، والله تعالى شرع الدين الحق لتزكية النفوس وتطهير الأرواح عما ينافي تلك الحكمة، وإن الشرك على خلاف ذلك".[93]
المطلب الثالث: رأي المحدثين في الإشراك
وللمحدثين رأي خاص في الإشراك وسنقتصر على رأي المحدث محمد شحرور في ذلك بقوله: "تردني أسئلة حول الكفر والشرك، وأود هنا توضيح مفهوم الشرك.
في اللسان العربي للشرك أصل واحد هو جعل شيء نداً لشيء ومكافئاً له، ومنه جاءت الشركة والشراكة، وفي الكون لا شيء ثابت غير الله تعالى، وكل شيء متغير ما عداه، وعندما نعطي لشيء ما صفة الثبات أو الدوام نكون قد أشركنا، سواء كان هذا الثبات لحجارة أو لظواهر طبيعية أو لأشخاص، وهنا يجب التمييز بين نوعين من الشرك:
- الأول هو الشرك الظاهر (الألوهية) كعبادة الأصنام ومظاهر الطبيعة وعبادة الهوى أو عبادة الفرد، وتثبيت التشريع والاعتقاد أن للأموات القدرة على المساعدة والعطاء، وفي هذا النوع قال تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)[94]
- الثاني هو الشرك الخفي (الربوبية) وهو تثبيت حركة التاريخ عند مرحلة معينة وجعل الطبيعة والظواهر الاجتماعية ثابتة، أي متكافئة مع الله في البقاء، ويظهر هذا واضحاً في الحوار الدائر بين الرجلين في الآيات التالية (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً* كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً* وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً* قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً* لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً)[95] فالأول غطى وتجاهل قانون التطور وتغير الصيرورة، فاتهمه صاحبه بالشرك، وهذا ما قال عنه الله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)[96]؛ وشرك الألوهية يتولد عنه طاعة، أما شرك الربوبية فيتولد عنه قناعة ونظرة إلى الكون، فإعطاء الموروث صفة المطلق هو من أكبر مظاهر الشرك، والتخلف شرك، والتقدم توحيد، وأي ظاهرة أو قانون يعيق التقدم على المسلم أن يحنف عنه، ولا طاعة مطلقة إلا لله الواحد.
والثابتان اللذان أتيا من الله تعالى هما فقط الشعائر والمحرمات، لا غير، لذا لا يحق ﻷي انسان أو هيئة تغيير الشعائر والمحرمات، لا زيادة ولا نقصان، فزيادة محرم واحد على المحرمات المذكورة في التنزيل الحكيم هو شرك في اﻷلوهية.
والخبائث المذكورة في التنزيل الحكيم هي المحرمات، أما اذا رأى الناس ان ظاهرة ما هي من الخبائث فيحق لهم النهي والمنع، أي يحق للطبيب أن ينهى عن التدخين، و يحق للدولة أن تمنعه، فالنهي والمنع هما مجال التشريع الإنساني، وهو قابل للتغيير وفق الزمان والمكان.[97]"
المبحث الثالث: مفهوم الكفر وكيفية مواجهته
المطلب الأول: فكرة الكفر قبل الإسلام وبعده
توطئة..
فكرة الكفر قبل الإسلام هي الجاهلية أي في زمن الجاهلية ولم يكن يعرف بما معانها بعد الإسلام هو الكفر وعدم الإيمان بالله سبحانه وتعالى وعدم وحدانيته، وليس هناك وثائق تُطلعنا على حال العرب قبل الإسلام اطلاعا وافياً وجل اعتمادنا على روايات الرواة الإسلاميين وما ورد من أشعار الجاهليين وفي التوراة والقرآن الكريم وان هذه الحقبة من الزمن التي تمتد في تاريخ العرب منذ ظهورهم إلى الهجرة النبوية سنة 622 تسمى جاهلية وتوهم الكثيرون ان بلاد العرب قبل الإسلام كانت بلاد بداوة وجهالة وليس الأمر كذلك فالعرب الجاهلية حضارة ليست دون حضارة الأشوريين والبابليين وعراقةً وشأناً[98].
وينبغي أن نعرف ان كلمة الجاهلية التي أطلقت على هذا العصر "ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه، إنما هي مشتقة من الجهل معنى السفه والغضب والنزق، في تقابل كلمة الإسلام التي تدل على الخضوع والطاعة لله جل وعز وما يطوى فيها من سلوك خُلقي كريم ودارت الكلمة في الذكر الحكيم والحديث النبوي والشعر الجاهلي بهذا المعنى من الحميَّة والطيش والغضب، ففي سورة البقرة: (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[99]، وفي سورة الأعراف: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[100]، وفي سورة الفرقان: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[101]"[102] وواضح في هذه النصوص القرآنية جميعاً ان الكلمة استخدمت للدلالة على السفه والطيش والحمق وقد اطلقت على العصر القريب من الإسلام بعبارة أدق على العصر السابق له مباشرةً وكل ما كان فيه من وثنية وأخلاق قوامها الحميَّة والأخذ بالثأر واقتراف ما حرمه الدين الحنيف من موبقات[103].
وأما الكفر بعد الإسلام هو الكفر والعدم الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى فإن أهم أصل من أصول الإسلام الاعتقاد بالله، والاعتقاد بالله يكاد يكون عاماً بين الشعوب، "فلا تكاد تخلو أُمة متبديّة أو متحضرة من اعتقاد بإله. ولكن فكرة الألوهية وأوصاف الإله تختلف اختلافا كبيراً بين الأمم والإسلام يصف الله بأوصاف يلخصها مما ورد في القرآن، فهو ليس إله قبيلة ولا إله أمة العرب وحدهم، ولا إله الناس وحدهم، بل هو إله كل شيء (رب العالمين) وكل شيء في الوجود مخلوق له، خاضعٌ لأمره. وكل شيء من مظاهر الكون فعنه صدر. قد أحاطَ علمه كل شيء، وأحاطت قدرته كل شيء. وهو إله واحد، فليس هناك إله للخير وإله للشر، وليس هناك إله للجمال وإله للرياح، وليس هناك من يشاركه في ألوهيتهِ. قد اختار أفراداً من خلقهِ وأتصل بهم بما يسمى (الوحي) ومن هؤلاء إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم. والغرض من هذا الوحي تعليم الرسول الناس ما يعلمهُ الله لهُ لهدايتهم إلى الخير. وهناك وراء هذه الحياة حياة أخرى، ويومها يوم القيامة، واليوم الآخر"[104].
والكفر في الإسلام هو مصطلح شامل لكل البشر أيا كانت معتقداتهم وتوجهاتهم وذلك لأن المؤمن بالله كافر بما سواه والمؤمن بغير الله كافر بالله، وقد يعثر على الكفر في سياق آخَر مثل الجحود بالنعمة، أو نكران الفضل، وبما أنه مصطلح شامل الا أنه شائع الاستخدام لمن يكفر بالله سبحانه وتعالى ويشرك به "والكفر في الشرع عبارة عن جحد ما أوجب الله تعالى معرفته من توحيده وعدله ومعرفة نبيه وما جاء به من أركان الشرع فمن جحد شيئاً من ذلك كان كافراً "[105].
وفي قول الشافعي: لله أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته، لا يسع أحداً قامت عليه الحجة ردها لأن القرآن نزل بها... فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يُدرك بالعقل ولا بالفكر، ولا نُكفِّر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه كما نفاه عن نفسه فقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[106]... وأسماء الله الواجبة التي تقوم بها ربوبية وألوهية الله بها فمن أنكرها أو جهلها فهو كافر لأنه أنكر ربوبية وألوهية الله على خلقه وهي كما يلي: صفة الأزل والقِدم، صفة الوحدانية الألوهية والربوبية، صفة الوجود الأول، صفة القيام بنفسه القيوم، صفة مخالفته للحوادث.
القدوس ليس كمثله شيء، صفة الحياة الحي، صفة القدرة القدير، صفة الإرادة المريد، صفة العلم العليم، صفة السمع والسميع، صفة البصر والبصير، صفة الكلام، صفة القوة القوي، صفة البقاء الأخر، صفة الرزق الرزاق، وهذه الصفات قامت ربوبية وألوهية الله على خلقه فمن أنكرها فأنه أنكر وجود الله وأنكر أن هناك رب خالق يُعبد"[107].
وإن الفكر الإسلامي والتعاليم الإسلامية رفعت المستوى العقلي للعرب إلى درجة كبرى فهذه الصفات وصف الإسلام بها نقلتهم من عبادة أصنام وأوثان إلى عبادة إله وراء المادة لا تدركه الأبصار وكان الإله عند أكثرهم إله قبيله وإن اتسع سلطانه فأبانه الإسلام إله العالمين ومدبر الكون وبيدهُ كل شيء وعالما بكل شيء وقد للإسلام أثر كبير في تغيير قيمة الأشياء والأخلاق في نظر العرب فارتفعت قيمة أشياء، وانخفضت قيمة أخرى، ولكن كانت النزعات الجاهلية تظهر من حين إلى حين وتحارب نزعات الإسلام، وظلَّ الشأن كذلك أمداً بعيداً.[108]
المطلب الثاني: مواجهة القرآن الكريم للكافرين
توطئة..
إنَّ القرآن الكريم والدين الإسلامي يسعى دائماً إلى مواجهة الكفر والإلحاد بالحجة والبرهان والقرآن الكريم لديه البراهين والأدلة القاطعة مما يجعله قادراً على أن يوجه أي مجتمع كافر وأن الكفار في لجوئهم إلى القوة والعنف والقتل في محاربة القرآن والدين الإسلامي إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يستطيعون مواجهة هذا الدين بالحوار والإقناع ولأنهم ليسوا بمعجزين في الأرض ولا يساوون عند الله شيئا، وإن تركهم في غيهم لأنه كتب على نفسه أن يترك الإنسان يختار في أن يؤمن أو يكفر ليس لقيمتهم أو علوا شأنهم أو لأنهم يساوون شيئاً على الإطلاق، ان الدين الإسلامي لابد أن يستمر وعليه واجب مواجهة الكافرين والدعوة إلى دين الله[109].
كما واجه القرآن الكريم الكافرين وتحداهم بقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[110] فالتحدي "متواتر وعجز المتحدين ايضاً متواتر بشهادة التاريخ إذ طالت مدتهم في الكفر ولم يقيموا الدليل على إنهم غير عاجزين، وما استطاعوا الإتيان بسورة مثله ثم عدلوا إلى المقاومة بالقوة، وقوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[111] وقوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ)[112] فعجز جميع المتحدين عن الإتيان بمثل القرآن أمر متواتر بتواتر هذهِ الآيات بينهم وسكوتهم عن المعارضة مع توفر دواعيهم عليها" [113]. وجعل عجزهم عن ذلك دلالة على صدق الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وما جاء به من القرآن الكريم ومواجهة القرآن لهم.
وفي قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)[114] وبعد أن تحداهم القرآن الكريم وثبت عجزهم عن الإتيان بمثله وصدق دعوى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) فإذا تمت عليهم الحجة "لابد لهم من التصديق والاعتقاد بهما، وحينئذٍ الريب والشك الحاصل باختيارهم مخالفةٌ توجب استحقاق العقاب، وفي ذلك ذكر الله تعالى إعداد النار او العذاب للكافرين "[115]. أي معناها خُلقت وهُيئت للكافرين لأنهم الذين هم يخلدون فيها ولأنهم أثر أهل النهار فأُضيفت لهم وان كانت معدة الفاسقين ولأنه بذلك يريد ناراً مخصوصة لهم[116].
وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[117] والذين كفروا أي جحدوا وكذبوا بدلالاتنا وما أنزلناه على الأنبياء "ف (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ) أي الملازمون للنار (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أي دائمون وفي هذه الآية دلالة على إن من مات مصراً على كفرهِ غير تائب منه وكذب بآيات ربه فهو مخلد في نار جهنم وآيات الله دلائلهُ وكتبهُ المنزلة على رُسلهِ والآية مثل الحجة والدلالة وإن كان بينهما فرق في الأصل يقال دلالة هذا الكلام كذا ولا يقال آيتهِ ومن استدل بهذهِ الآية على إن عمل الجوارح قد يكون من الكفر بقولهِ (وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) فقوله يُفسد بأن التكذيب نفسه وإن لم يكن كُفراً فهو دلالة على الكفر لأنه لا يقع إلا من كافر كالسجود للشمس وغيره"[118].
وبذلك فأن أن الله سبحانه وتعالى توعد الكافرين بعد ان أثبت لهم الدلائل والحجج القاطعة على وحدانيته وإعجاز القرآن الكريم وصدق نبوة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعذاب الأليم ونار جهنم خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب في دار الآخرة ولا تشملهم سعة رحمته في الدنيا مازالوا في كفرهم وغيهم وعنادهم بما جاء به القرآن الكريم.
المطلب الثالث: الآيات المتعلقة بالكافرين دراسة تفسيرية بين العقل والنقل
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الكافرين في مواضع عديدة لأن أهم ما جاء به الدين الإسلامي هو عبادة الله سبحانه وتعالى وحده وترك الكفر والعصيان الذي كانوا عليه الناس وسنقتصر بذكر ثلاث مواضع في هذا المطلب ولأن أول من كفر بالله سبحانه وتعالى وعصى أمره وخرج عن طاعة الله إبليس عندما أمره الله سبحانه بالسجود إلى آدم (عليه السلام) في قولهِ تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[119] فإن إبليس أبى أن يسجد لأدم لتكبره وتمردهُ وطغيانهِ، ولهذا أنزل من مقامه الرفيع إلى صفوف الكافرين.
نعم فالتكبر والغرور من أقبح الأمور التي يبتلي بها الإنسان، إذ إنهما "يسدلان الستار على عينهِ وبصيرتهِ، ويحرماه من إدراك الحقائق وفهمها، ويؤديان بهِ إلى التمرد والعصيان، ويخرجانه أيضاً من صفوف المؤمنين المطيعين لله إلى صف الكافرين الباغين والطاغين، ذلك الصف الذي يترأسه إبليس ويقف في مقدمته... وعلل إبليس عدم سجودهُ لآدم وعصيانه امر الله بالمقدمات التالية:
أولاً: إنني خُلقتُ من نار، اما هو فقد خُلقَ من طين، وهذه حقيقة صرح بها القرآن المجيد في الآيتين (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)[120].
ثانياً: إن الشيء المخلوق من النار أفضل من الشيء المخلوق من التراب لأن النار أشرف من التراب.
ثالثاً: لا يحق لأحد أن يأمر مخلوقاً بالسجود لمخلوق آخر أدنى منه.
وخطأ إبليس يكمن في المقدمتين الأخيرتين وذلك من عدة وجوه:
أولاً: لن آدم لم يكن تراباً فقط وإنما نُفِخت فيه الروح الإلهية وهذا هو سبب عظمته.
ثانياً: التراب ليس بأدنى من النار، وإنما هو أفضل منها بكثير لأن كل الحياة أصلها من التراب...
ثالثاً: المسألة هي مسألة إطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها لأنه خالقنا"[121].
ولو أمعنا النظر في أدلة إبليس لرأينا فيها كفراً عجيباً، لأنه بكلامهِ أراد نفي حكمة الله، والتقليل من شأن اوامره، وهذا الموقف لإبليس دليل على جهله التام، لأنه لو أعترف بعدم سجوده إنما كان لهوى النفس وغروره وتكبره حالا بينه وبين السجود لأدم وطاعة أمر الله وإن بكلامهِ هذا لتبرير عصيانه عمد إلى نفي حكمة الباري وعلمهِ ومعرفته وهذا يوضح سقوطهُ إلى أدنى درجات الكفر والانحطاط وهنا أخرجه الله سبحانه من صفوف الملأ الأعلى وملائكة العالم العلوي وخاطبه الباري بقوله: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) ([122]) الضمير منها في عبارة فأخرج منها أما إنه إشارة إلى صفوف الملائكة، أو إلى العوالم العلوية، أو إلى الجنة أو إلى رحمة الله ([123]).
والدليل الثاني من أدلة تعقل الكافرين إذ إنهم يعرفون إن كل ما لديهم من نِعم هو من عند الله وحده ويقرون إن الله خلقهم وخلق السماوات والأرض وهو الذي يرزقهم، ثم ينكرون ذلك بتكذيبهم ولا يشكرون المنعم على ذلك كما في قوله تعالى: (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)[124]
ومما بينه ابن عاشور في تفسيره "وهم يعلمون نعمة الله المعدودة عليهم فأنهم منتفعون بها، ومع تحققهم أنها نعمة من الله ينكرونها، أي ينكرون شكرها فإن النعمة تقتضي أن يشكر المنعم عليه بها من أنعم عليه، فلما عبدوا ما لا ينعم عليهم فكأنهم أنكروها، فقد أطلق فعل "ينكرون" بمعنى إنكار حق النعمة. أن الذين وصفوا بأنهم الكافرون هم غالب المشركين لا جميعهم، فيحمل المراد بالغالب على دهماء المشركين، فأن معظمهم بسطاء العقول بعداء عن النظر فهم لا يشعرون بنعمة الله، فأن نعمة الله تقتضي إفراده بالعبادة فكان إشراكهم راسخاً بخلاف عقلائهم واهل النظر تردداً في نفوسهم ولكن يحملهم على الكفر حب السيادة في قومهم، وقد تقدم قوله تعالى فيهم: (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)[125] في سورة العقود"[126]، وهم الذين قال الله تعالى فيهم في الآية الاخرى)فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [127].
وفي تأويل قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[128]، قل يا محمد" للمنكرين للبعث بعد الممات، الجاحدين الثواب والعقاب: (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ (الله الأشياء وكيف أنشأها وأحدثها؛ وكما أوجدها وأحدثها ابتداء - فلم يتعذر عليه إحداثها مبدئا - فكذلك لا يتعذر عليه إنشاؤها معيدا) ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ) ثم الله يبدئ تلك البدأة الآخرة بعد الفناء.[129]"
ومما بينه ابن عاشور في تفسيره: "اعتراض انتقالي من الإنكار عليهم ترك الاستدلال بما هو بمرأى منهم إلى إرشادهم للاستدلال بما هو بعيد عنهم من أحوال إيجاد المخلوقات، وتعاقب الأمم وخلف بعضها عن بعض، فإن تعود الناس بما بين أيديهم يصرف عقولهم عن التأمل فيما وراء ذلك من دلائل دقائقها على ما تدل عليه؛ فلذلك أمر الله رسوله أن يدعوهم إلى السير في الأرض ليشاهدوا آثار خلق الله الأشياء من عدم، فيوقنوا أن إعادتها بعد زوالها ليس بأعجب من ابتداء صنعها
وإنما أمر بالسير في الأرض لأن السير يدني إلى الرائي مشاهدات جمة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحتوياتها، ويمر به على منازل الأمم حاضرها وبادئها، فيرى كثيرا من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جولانا لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه؛ لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها، حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائبا عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال، فالسير في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل؛ فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة. وجيء في جانب بدء الخلق بالفعل الماضي؛ لأن السائر ليس له من قرار في طريقه، فندر أن يشهد حدوث بدء مخلوقات، ولكنه يشهد مخلوقات مبدوءة من قبل، فيفطن إلى أن الذي أوجدها إنما أوجدها بعد أن لم تكن، وأنه قادر على إيجاد أمثالها، فهو بالأحرى قادر على إعادتها بعد عدمها.[130]"
والاستدلال بالأفعال التي مضت أمكن؛ "لأن للشيء المتقرر تحققا محسوسا، وجيء في هذا الاستدلال بفعل النظر؛ لأن إدراك ما خلقه الله حاصل بطريق البصر، وهو بفعل النظر أولى وأشهر لينتقل منه إلى إدراك أنه ينشئ النشأة الآخرة"[131].
وبهذا القدر نكتفي بالآيات التي تخص الكافرين بما يسعه هذا البحث ومما استنتجنا بأن الله سبحانه وتعالى خاطب الكافرين بعقولهم وما يناسب تفكيرهم ووضع لهم أدلة عقلية ونقلية في القرآن الكريم ليستدلوا بها إلى عبادة الله وحده وطريق الحق وترك كفرهم وغرورهم وعنادهم بالباطل الذي حذرهم منه تعالى مما يؤدي بهم إلى نار جهنم ولا تشملهم رحمة الله ومغفرته في الدنيا والاخرة مالم يعودا إلى عبادة الله ووحدانيته وطاعة رسولهِ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به الدين الإسلامي.
الخاتمة
أفضى بنا البحث أخيراً إلى جملة من الملاحظات والنتائج نذكرها فيما يأتي:
1- لم يستعمل النص القرآني الشدة مع الملحدين في حواره، بل كان منهجه يحث على التفكر والتعقل عن طريق الأدلة والبراهين التي ذكرها لهم.
2- كانت الآيات التي حاور بها النص القرآني الملحدين تتخذ طابعاً استمرارياً في الزمان، وذلك بدلالة الصيغ النحوية التي استعملها النص القرآني في حواره، وذلك يعني أنَّ هذا المنهج في الحوار لا يبلى مع تقادم الزمان.
3- لقد ظهر لنا أن القرآن الكريم خاطب المشركين بالدلائل العقلية التي تبين لهم بأن الله واحد لا شريك له ولا يمكن أن يعبدوا معه أحد تقرباً لله سبحانه وتعالى.
4- كان حوار القرآن الكريم مع الكافرين يدعوهم إلى التعقل والتفكر والتنقل من أجل معرفة حقيقة خلق الله وكيف رزقهم بكل هذه النعم ووجب عليهم شُكر المنعم على ذلك.
5- توعد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم الملحدين والمشركين والكافرين إذا لم يتبعوا الدين الإسلامي وطريق الهداية الذي جاء به القرآن الكريم نار جهنم التي خلقها لهم خالدين فيها.
هذا وقد حاولنا إخراج هذا البحث كاملاً قدر المستطاع، إلا أن الكمال صفة لا تُدرك، فإن كان قد اعترى هذا البحث نقص أو خطأ، فهو عن هفوة وعدم إطلاع، وإن لم يكن كذلك فهو ثمرة جهدنا وكذا وقوف الأستاذ خالد الأسدي إلى جانبنا وجهدهُ على تقويم هذا البحث حتى يخرج على أحسن هيئة.
فاللهمَّ أرزقنا بهذا العمل الحسنات ويسر لنا أمرنا وزدنا علماً، وأجعلنا من الباحثين الساهرين على خدمة القرآن الكريم، وأجعل عملنا خالصاً لوجهك الكريم.
اضف تعليق