عرض لنظرية أخلاقية عملية للعدالة من خلال رفع مستوى تجريد نظرية العقد التقليدية، كما عرضها فلاسفة العقد الاجتماعي في أفق تطوير نظرية العدالة من مستوى المذهب المنفعي السائدة في التقليد الفلسفي، إلى رفع الاحتجاجات التي أصبحت قدرا لها دون تطبيق على أرض الواقع. المقارنة بين...
ما نحاول فعله من خلال هذا المقال، هو عرض لنظرية أخلاقية عملية للعدالة من خلال رفع مستوى تجريد نظرية العقد التقليدية، كما عرضها فلاسفة العقد الاجتماعي في أفق تطوير نظرية العدالة من مستوى المذهب المنفعي السائدة في التقليد الفلسفي، إلى رفع الاحتجاجات التي أصبحت قدرا لها دون تطبيق على أرض الواقع.
إن الغرض من ذلك هو المقارنة بين التصور النفعي الكلاسيكي والتصور الحدسي للعدالة مع بيان الفروق بين هاتين الرؤيتين، طموحا في تأسيس عدالة إنصافية قابلة للتطبيق وبديلة عن العقائد التي سادت التقليد الفلسفي.
اقترن التنظير الفلسفي الأخلاقي للنظرية السائدة من المذهب النفعي بأسماء مفكرين كبار أمثال "دافيد هيوم"، وآدم سميت"، ببناء بنية فكرية مؤثرة في مجالها، حيث كانوا منظرين اجتماعيين واقتصاديين من الدرجة الأولى والعقيدة الأخلاقية التي أسسوا لها تمّت صياغتها لتلبية احتياجات المصالح الأوسع وجعلها متناسقة في مخطط واحد، غير أنهم أخفقوا في بناء تصور أخلاقي للعدالة قابل للتطبيق، مما يجعلنا نضطر أحيانا إلى الاختيار، للمذهب النفعي لنظرية العدالة، لكننا مقيدين بواسطة قيود حدسية وأخلاقية.[1]
غالبا ما تبدو هذه النظرية التي تجمع بين الحدس الأخلاقي والمنفعة النظرية للعدالة غير العقلانية، لكن ذلك لا يوجد ما يضمن في تقديم أفضل، وإعادة المحاولة دائما وعلى هذا الأساس يدعونا هذا الطرح ألا نفكر بالعقد الأصلي على أنه عقد لدخول مجتمع معين أو إعادة شكل معين للحكومة كما جاءت في النظرية الأخلاقية السياسية في التقليد السائد وبدلا من ذلك إن الفكرة الموجهة هي أن عدالة البنية الأساسية للمجتمع ما هي هدف أو موضوع الاتفاقية الأصلية.[2]
إن هدف رولز، هو تقديم تصور للعدالة، تمكن من رفع وتعميم مستوى التجريد لنظرية العقد الاجتماعي، كما وجدت في أعمال لوك، وروسو..[3]
إن نظرية العدالة في بعدها الأخلاقي هي التي لا تسمح بالتضحيات المفروضة على الأفراد بالقوة مقابل مجموع أكبر من المنافع التي يتمتع بها الأكثرية.[4]
فالحاجة هنا لنظرية ذات حدس أخلاقي، تدعونا إلى رفض كل نظرية غير صادقة مهما بلغ تطور رقيها ونفس الأمر بالنسبة للقوانين والمؤسسات فمهما كان تطبيقها حسنا، فلا بد من إبطالها إذا كانت غير واقعية ولن تحقق نوع من العدل.[5] بمعنى أن نظرية العدالة يجب أن تبقى الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية كما هي في الحقيقة للأنظمة الفكرية.
لذلك فالمجتمعات العادلة، تعد عدالة حرية المواطنين وتساويهم راسخة، فالحقوق المصانة بواسطة العدالة ليست خاضعة للمقايضات السياسية أو الحسابات التفاضلية للمصالح الاجتماعية. وما يجعلنا نضطر إلى القبول بنظرية خاطئة وظالمة هو عدم وجود بديل أفضل.[6]
فأولوية العدالة، هو شيء راسخ في المعتقد الحدسي الأخلاقي، ومن أجل هذه الغاية من الأهم التوصل إلى نظرية في العدالة يتم من خلال إراحة الجميع من خلال التأكيد على تساوي الجميع وضمان حريتهم وهي من أهم المبادئ الأساسية التي نادى بها رولز.
بداية يجب أن نشير إلى أنه في العدالة، كنظرية أساسية للفيلسوف جون رولز تقابل الوضع الأصلي للمساواة دولة للطبيعة في نظرية العقد الاجتماعي التقليدية وكظرف بدائي من الثقافة مادام يجب فهمه على أنه وضع افتراضي صرف، له هذه المواصفات حتى يقودنا إلى تصور معين للعدالة.[7] ومن بين هذه المواصفات الأساسية لهذا الوضع، على أنه لا أحد يعرف موقعه في المجتمع، طبقته أو وضعه الاجتماعي ولا أحد يعرف خطه في توزيع الموجودات الطبيعية والامكانات والذكاء والقوة وغير ذلك، بل أكثر من ذلك، إنه وضع يفترض أن الأطراف لا يعرفون حتى تصوراتهم للخير أو نزعاتهم السيكولوجية الخاصة. فمبادئ العدالة يثم اختيارها خلف حجاب الجهل، وهذا يضمن عدم انتفاع أو تضرر أي فرد في اختياره للمبادئ من خلال حصيلة الفرصة الطبيعية أو ظرفية الشروط الاجتماعية وهو ما يصطلح عليه بحجاب الجهل.
بمعنى لا أحد يعرف مكانه في المجتمع، طبقته الاجتماعية أو وضعه الاجتماعي ولا يعرف نصيبه من التوزيع المتعلق بالإمكانات الموجودة في الطبيعة، ذكائه وقوته وما شابه، ولا أحد يعرف أيضا تصوره للخير، خصوصياته، خطته العقلانية، بل أكثر من هذا يفترض أن الأطراف لا يعرفون ظروف مجتمعهم الذاتي الخاصة، بمعنى أنهم لا يعرفون وضعه الاقتصادي والسياسي، أو المستوى الخاص بالمدنية وبالثقافة الذي يمكن تحقيقه وهذه الوضعية هي مرتبطة بالوضعية الأصلية "original position" الذي يعني بها، "حالة من الجمود الأولي التي تضمن عدالة التوافقات الأساسية التي يمكن التوصل إليها لاحقا ويمكن تقويم مدى عقلانية وملائمة نظرية ما للعدالة إذا كانت مبادئها قد انتقاها أشخاص عقلانيون من بين مبادئ أخرى في وضعية أصلية."[8]
بمعنى لا يعرف المتعاقدين الأصليين كيف ستؤثر مختلف الامكانات والاحتمالات على وضعياتهم الخاصة، ولذا فهم مرغمون على تقويم مبادئ العدالة على قاعدة الاعتبارات العامة وحدها.[9]
لا يمكن الحسم عن المبادئ الأساسية التي يجب أن تحدد الشروط الأساسية لروابط الأفراد داخل المجتمع، وإن كان لكل واحد منهم تصور معين حول العدالة وهذا امتياز.
يحدد في أحد فصول كتابه، العدالة كإنصاف، "مبادئ العدالة"، تلاث نقاط أساسية: أهمها بداية هو أن العدالة كإنصاف مفهوم صيغ لمجتمع ديمقراطي، بمعنى أنه عندما ننظر إلى المجتمع الديمقراطي نظرة تعتبره نظاما منصفا من التعاون الاجتماعي بين مواطنين معتبرين أحرارا ومتساوين؟ مما يدفع إلى التساؤل أي المبادئ أكثر ملائمة لمجتمع ديمقراطي.[10] ولا يقتصر عملها على الاعلان عن فكرة الحرية للمواطنين وتساويهم وإنما تبغي الأخذ بهذه الفكرة بصورة جدية وتحاول أن تحققها في مؤسسات المجتمع الرئيسية.[11]
- الميزة الثانية: أن العدالة كإنصاف تعتبر أن الموضوع الأولي للعدالة السياسية هو البنية الأساسية للمجتمع، أي مؤسساته السياسية والاجتماعية الرئيسية.[12]
- الميزة الثالثة: باعتبار العدالة كإنصاف هي شكل من الليبرالية السياسية أي أنها تحاول أن تصوغ مجموعة من القيم المهمة العالية، الأخلاقية، التي تنطبق بنحو مميز على المؤسسات السياسية والاجتماعية للبنية الأساسية.[13]
بناءا على هذه المزايا الثلاث، يفترض "رولز"، وجود مزايا ثلاث لابد من التطرق لها من خلال الاشكال التالي: من خلال نظرتنا إلى المجتمع على أنه نظام منصف من التعاون بين مواطنين معتبرين أحرارا ومتساوين، فما هي مبادئ العدالة الأكثر ملائمة لتعين الحقوق الأساسية والحريات، ولتنظيم ظواهر اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية في نظرات المواطنين العامة على مدى حياة كاملة؟[14]
- مبادئ نظرية العدالة:
- مبدأ الحرية: كل شخص له نفس الأهلية المطلقة التي لغيره ضمن منظومة مناسبة تماما من الحريات القاعدة المتساوية.
- مبدأ الاختلاف: يجب أن تستجيب أشكال التفاوت الاقتصادي والاجتماعي لشرطين هما: الارتباط بوظائف ومواقع مفتوحة للجميع ضمن ظروف عدالة متكافئة الحظوظ، ثم يجب أن تكفل أكبر قدر من المنفعة لأعضاء المجتمع الأكثر حرمانا.[15]
يركز رولز من خلال المبادئ السابقة على التالي:
لكل شخص الحق في ترسيمة من الحريات الأساسية المتساوية الكافية، وهذه الترسيمة متسقة مع نظام الحريات الجميع ذاته.
يجب أن تحقق ظواهر اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية شرطين:
- يفيد أن اللامساواة يجب أن تتعلق بالوظائف والمراكز التي تكون مفتوحة للجميع في شروط مساواة منصفة بالفرص.
- يقتدي أن تكون ظواهر اللامساواة محققة أكبر مصلحة لأعضاء المجتمع الذي هم الأقل مركزا، وهذا هو مبدأ الفرق.[16]
المبدأ الأول سابق للمبدأ الثاني، وكذلك تسبق المساواة المنصفة بالفرص في المبدأ الثاني، {مبدأ الفرق}.[17]
يحاول رولز، هنا في إطار مفهوم العدالة كإنصاف، والتي هي شكل من أشكال الليبرالية على ترتيب الأولويات بين المبدأين: فلأولهما الأولوية على الثاني، كما أن التكافؤ في الفرص داخل المبدأ الثاني لها الأولوية على معيار التفاوت البشري.
- إن المبدأ الأول يتعلق بالمسائل الدستورية الأساسية كحرية التعبير والتفكير والتنظيم في حين يتعلق المبدأ الثاني بالإنصاف في الفرص وتسيير أشكال التفاوت التي تدخل في نطاق مسائل العدالة التوزيعية التي تنظمها التشريعات والنظم القانونية، في مقابل المسائل الدستورية التي تنتج عن اللحظة التعاقدية التأسيسية.[18]
- العدالة التوزيعية: "distributive justice" هي أهم محاولة فلسفية بعد النظريات التعاقدية في القرن18م، لبناء قاعدة نظرية صلبة للممارسة الليبرالية الحديثة، وقد أشار الفيلسوف السياسي رولز أن العدالة هي اشباع الحاجات بدلا من الجشع، وظل النموذج التعاقدي للتقليد الليبرالي هو الخلفية النظرية والمعيارية، ولم تنجح النزعات الفردية المناهضة لفكرة السيادة المطلقة، التي تقوم عليها نظريات العقد الاجتماعي من بلورة بديل عن هذا النموذج الذي أصبح الإطار المرجعي للهياكل الدستورية، للديمقراطيات الليبرالية.
نعود لمفهوم العدالة التوزيعية، كاختيار نظام اجتماعي، تطبق مبادئ العدالة على البنية الأساسية.
إن مبادئ العدالة التي أشرنا إليها سابقا تطبق على البنية الأساسية وتنظم كيف تجمع مؤسساتها الرئيسية في مخطط واحد، من خلال التصميم الاجتماعي، بحيث يكون التوزيع الناتج عادلا حتى لو انقلبت الأشياء لتحقيق هذه الغاية، من الضروري تأسيس العملية الاجتماعية والاقتصادية ضمن محيط من المؤسسات السياسية والقانونية المناسبة، وإلا لن تكون مخرجات العملية التوزيعية عادلة.[19]
لكن ما هي المؤسسات الداعمة لوجود ديمقراطية، تسمح بالملكية الخاصة لرأس المال والموارد الطبيعية؟
يتم التوزيع العادل من خلال بناء بنية أساسية تنظم بواسطة دستور عادل يحصي الحريات الخاصة بالمواطنة المتساوية.
- العدالة السياسية والدستور: العدالة السياسية جانبان ينشآن من حقيقة أن دستورا عادلا هو حالة من العدالة الاجرائية غير المثالية.
أولا يجب أن يكون الدستور عادلا يلبي المتطلبات الخاصة بالحرية المتساوية، وثانيا يجب أن يصاغ بحيث أنه من بين جميع الترتيبات العادلة القابلة للتطبيق الأكثر ترجيحا أن ينتج نظاما تشريعيا عادلا وفاعلا، ويجب تقييم عدالة الدستور تحت كلا العنوانين في ضوء ما يسمح به الظروف تلك التقييمات التي صنعت من نقطة استشراف الميثاق الدستوري.
تبدأ العدالة إنصافا بالفكرة القائلة بأنه حين تكون المبادئ العامة ضرورية ولمصلحة كل شخص، يجب العمل عليها من وجهة نظر وضع مبدئي للمساواة معرف بشكل مناسب بحيث يكون فيه كل شخص ممثلا بإنصاف.[20] من خلال حرية الضمير وحرية التفكير والحفاظ على القيمة المنصفة للحرية السياسية، هذه الأخيرة تنفذ بقدر ما تسمح به الظروف كإجراء عادل للاختيار بين الحكومات والتشريع العادل، ناهيك عن مجهود الحكومة في ضمان فرص متكافئة في التعليم والثقافة من أجل أشخاص مماثلين في الموهبة والحافز من خلال إنشاء مدارس خاصة أو من خلال المساهمة في تأسيس نظام تعليمي حكومي إضافة إلى ضمان متكافئ في الأنشطة الاقتصادية وفي الخيار الحر للمهنة، ويتحقق هذا من خلال منع تأسيس القيود والعوائق الاحتكارية إلى المواقع الأكثر تفضيلا.[21]
فرولز، هنا لا يقدم نظرية للعدالة التوزيعية كفلسفة أخلاقية، بل يجسد هذا الفعل الأخلاقي من وجهة نظرية سياسية تطمح إلى بلورة أسس جوهرية للفعل الأخلاقي من جهة والكشف عن المبادئ الناظمة للعدالة داخل مجتمع تعددي، طامحا إلى الوصول إلى مبادئ كونية للعدالة متجاوزا كل مقوماتها الميتافيزيقية.
يشير رولز على هذا الأساس، إلى وجود فرع آخر للتوزيع، إن مهمته الحفاظ على عدالة تقريبية في الحصص التوزيعية بوساطة وسائل مثل الضرائب والتعديلات الضرورية في حقوق الملكية. يمكن التمييز بين جانبين لهذا الفرع. في المقام الأول إنه يفرض عددا من الضرائب على الميراث والهبة ويضع قيودا على حقوق الوصية، والغاية من هذه الأنظمة ليس توليد الإيراد، {تحرير موارد الحكومة}، لكن التصحيح التدريجي والمستمر لتوزيع الثروة ومنع تركيز القوة الضار بقيمة الحرية السياسية المنصفة وتكافؤ الفرص المنصفة.[22]
القسم الثاني من فرع التوزيع، هو برنامج الضرائب لتوليد الارادات التي تتطلبها العدالة، يجب صرف الموارد الاجتماعية للحكومة بحيث تتمكن من تزويد السلع العامة وتسديد الدفعات التحويلية الضرورية لتلبية مبدأ الفرق. تنتمي هذه المشكلة إلى فرع التوزيع بما أنه يجب التشارك بالعبء الضريبي بعدالة وهو يهدف إلى ترسيخ ترتيبات عادلة.[23]
إن ما يطمح إليه رولز من خلال مبدأ التوزيع، هو ضرورة تحديد الحريات الأساسية المتساوية في هذا المبدأ من خلال حرية التفكير وحرية الضمير والحريات السياسية، {حق التصويت والمشاركة في السياسة}، وأخيرا الحقوق والحريات المحددة بحرية وكرامة الشخص، {الجسدية والنفسية}، والحريات التي يعطيها حكم القانون[24]، هذا من جهة ومن جهة ثانية يحاول أن ينظر رولز في أنواع الحريات التي يوفر الظروف السياسية والاجتماعية الجوهرية للتطور الكافي والممارسة الكاملة للقوانين الأخلاقية لأشخاص أحرار ومتساوين.[25]
ومن خلال ذلك يرى رولز، أن الحريات السياسية المتساوية وحرية التفكير تمكن المواطنين من التطور ومن ممارسة هاتين القوتين في حكمهم على عدالة البنية التحتية للمجتمع وخططه الاجتماعية، ناهيك عن حرية الضمير وحرية الاجتماع اللذان تمكنان المواطنين من التطور ومن ممارسة قواهم الأخلاقية في تشكيلهم مفاهيم للخير ومراجعتها ومتابعتها عقليا.
- الفكرة المهمة التي وجب الاشارة إليها هو أن نظام السعر التنافسي لا يقيم اعتبارا للحاجة ولذلك لا يمكن أن يكون الآلية الوحيدة للتوزيع لابد أن يكون هناك تقسيم العمل بين أقسام النظام الاجتماعي استجابة لأوامر الفطرة السليمة للعدالة.[26]
وهو ما عبر عنه أفلاطون قبله في إطار حديثه عن نشأة الدولة وعلاقتها بتقسيم الشغل وحاجة الأفراد بعضهم ببعض من خلال انطلاقه من الخصائص الفردية للأفراد التي تجعلهم في الوقت نفسه متباينين، من حيث اختلاف طبائعنا وفروقات بنيات جسدنا...إلخ.
مما يجعل كل واحد فينا صالحا لعمل معين، وأن المرء يؤدي عملا أفضل إذا تفرغ لعمل واحد وأداه في الوقت المناسب ومن ذلك يقول: "إن إنتاج كل شيء أوفر وأسهل وأجود إذا أدى كل فرد شيئا واحدا، هو الشيء الذي يصلح له بطبيعته في الوقت المناسب وترك جانبا ما عداه من الأمور."[27] إن العدالة كمبدأ يطبق دائما ضمن مجموعة مؤسسات خلفية تحقق متطلبات مبادئ العدالة، بما في ذلك تأمين القيمة المنصفة للحريات السياسية وهي المؤسسات التي ستقوم بذلك في مجتمع حسن التنظيم، والقيمة المنصفة للحريات السياسية تؤمن للمواطنين المتماثلين في المواهب والدوافع فرصا متساوية تقريبا في التأثير على خطة الحكومة وفي الحصول على مراكز السلطة بمعزل عن طبقتهم الاقتصادية والاجتماعية.[28]
يوضح رولز، أن المبدآن السالفان الذكر، كلاهما يعبران عن قيم سياسية، بل إننا نرى أن البنية الأساسية للمجتمع هم، دورين متناسقين: في أحد الدورين تعين البنية الأساسية للحريات الأساسية المتساوية للمواطنين وتؤمنها بما في ذلك القيمة المنصفة للحريات السياسية وتؤسس نظاما دستوريا عادلا، وفي الدور الآخر، توفر المؤسسات الخلفية العدالة الاجتماعية والاقتصادية بأنسب صورة للمواطنين المعتبرين أحرارا ومتساوين، ويشمل الدور المسائل التي تختص باكتساب السلطة السياسية وممارستها.[29]
وتلعب هنا المؤسسات دورا أساسيا بجانب مبادئ التدابير الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها مؤسسات رئيسية للعدالة. بأنها الطريقة التي توزع فيها هذه المؤسسات للحقوق والواجبات الأساسية وتنظم تقاسم الفضائل الناتجة عن التعاون الاجتماعي.
مع توفر التربة الخصبة لمبادئ الحرية والمساواة. فإن لا مجال من تجاهل مسألة تطبيق مشروع العدالة يتوحد مع باقي المبادئ التي هي ببساطة مبادئ تنظيم التوزيع التي ستختار من الناس في مجتمع ما حيث تلزم ظروف العدالة وأحوالها.
إن مقاربات رولز لتصور العدالة من مستواه التجريدي لنظرية فلاسفة التعاقد الاجتماعي، وإن كانت نظريته ظلت محدودة السياق المجتمعي الليبرالي والديمقراطي الغربي.[30]
إن أساس البحث والتنقيب الذي قام به رولز هو لضرورة البحث عن مفهوم جديد للعدالة من خلال الأخذ من نظريات التعاقد الاجتماعي، ما يفيد عقلانيتهم في التجريد لهذا النظام السياسي العادل في بعده الميتافيزيقي وتجاوزهم في نفس الوقت إلى مستوى أسمى قائما على التجسيد الواقعي لهذه الفكرة الأخلاقية واقعيا وبشكل ملموس والأهم أن تكون الفكرة في متناول بشر عاقلين حتى يحسنوا تطبيقها وممارستها أحسن ممارسة.
- المؤسسات والعدالة الرسمية: إن المادة الأولية لمبادئ العدالة الاجتماعية هي البنية الأساسية لمجتمع الترتيب لمؤسسات اجتماعية رئيسية في مخطط واحد للشراكة.
إن مبادئ العدالة يجب أن تحكم التخصيص للحقوق والواجبات في هذه المؤسسات ويجب أن تحدد التوزيع المناسب لمنافع وأعباء الحياة الاجتماعية، ويجب عدم الخلط بين مبادئ العدالة للمؤسسات وبين المبادئ التي تطبق على الأفراد.[31]
وأفعالهم في ظروف معينة، يطبق هذان النوعان من المبادئ على موضوعين مختلفين ويجب مناقشتهما بشكل منفصل.
ما نفهمه عن مؤسسة العدل أنها نظام عام من القواعد التي تحدد المناصب والمواقع بحقوقها وواجباتها والقوة والحصانة وغير ذلك، تعين هذه القواعد أشكالا معينة من الأفعال المسموحة والممنوعة وهي تقدم عقوبات ودفاعات معينة وغير ذلك، حيث تحدث المحالفة، ومن الأمثلة على المؤسسات أو الممارسات الاجتماعية، المباريات والطقوس الدينية، المحاكم، والبرلمانات، الأسواق وأنظمة الملكية، يمكن التفكير بالمؤسسة بطريقتين، أولا كشيء تجريدي، أي كشكل محتمل من السلوك يعبر عنه بواسطة نظام من القواعد، وثانيا كإدراك في تفكير وسلوك أشخاص معينين في زمان معين ومكان معين للأفعال المحددة من خلال هذه القواعد.[32]
إن وجه القصور في موضوعنا هذا هو أنني في أغلبه نناقش مبادئ العدالة التي تنظم مجتمعا جيد التنظيم وفيه نفترض أن كل شخص عليه أن يتصرف بعدالة ويؤدي دوره في مساندة مؤسسات عادلة، وعلى الرغم من أن العدالة، كما علق هيوم، "الفضيلة الحذرة الغيورة"، يمكن أن نستمر بالتساؤل عن شكل المجتمع العادل بشكل كامل.[33]
إن الفكرة الحدسية المتعلقة بالعدالة إنصافا هي التفكير بالمبادئ الأولى للعدالة على أنها بحذ ذاتها هدف الاتفاقية الأصلية في وضع مبدئي معرفا بشكل مناسب، هذه المبادئ هي تلك التي يهتم بها أشخاص عقلانيون لتحقيق مصالحهم والتي سوف يقبلونها في هذا الوضع من المساواة لتسوية الشروط الأساسية لارتباطهم.[34]
ما يدفعنا رولز إلى استنتاجه هو محاولته بناء تفكير أخلاقي حديث قائم على الاعتراف بالاختلافات والنزاعات الموجودة في الواقع والبحث عن طريقة ملائمة لتنظيمها انطلاقا من تصور سياسي للعدالة. يجد الحلول الواقعية للحد من التوتر بيننا وبين واقعنا.
فالمشكلات التقليدية للفلسفة، هي مشكلات أخلاقية وفلسفية بشكل أساسي مما يجعل العدالة بعدا ميتافيزيقيا بالأساس.[35]
وعلى هذا الأساس يحدد رولز عدة نظريات محكمة تتلخص في المفاهيم الرئيسية التي يحرص على توضيحها وشرحها لبناء تصور سياسي للعدالة الأكثر قبولا.
- فكرة المجتمع جيد التنظيم: ينظم المجتمع جيد التنظيم من خلال تصوره العام للعدالة تقتدي هذه الحقيقة أن لدى أعضائه رغبة فاعلة قوية وعادية التصرف كما تتطلب مبادئ العدالة، بما أن المجتمع جيد التنظيم يبقى على مر الزمن، فمن المحتمل أن يكون تصوره للعدالة مستقرا، بمعنى حيث تكون المؤسسات عادلة، فإن أولئك الذين يشاركون في هذه الترتيبات يكتسبون حس العدالة المقابل ويرغبون في القيام بدورهم في الحفاظ عليها.[36]
بمعنى أن المجتمع جيد التنظيم، هو مجتمع يصمم لتحقيق الخير لأعضائه وينظم بفعالية من خلال تصور عام للعدالة، وبالتالي إنه مجتمع يقبل فيه كل شخص ويعرف أن الأخرين يقبلون مبادئ العدالة نفسها وأن المؤسسات الاجتماعية الأساسية تفي بهذه المبادئ[37]، بمعنى أن المجتمع جيد التنظيم هو المجتمع الذي تمة تصوره لضمان الخير لأفراده، كما أنه يتميز بكونه محكوم بتصور عمومي للعدالة، ففي هذا المجتمع يحترم كل فرد نفس مبادئ العدالة التي يعرف أن كل آخر يحترمها بالقدر نفسه.
يفيد قولنا، إن مجتمعا سياسيا حسن التنظيم ثلاثة أمور هي:
- هو مجتمع يقبل كل واحد فيه، ويعرف أن كل واحد آخر مثله يقبل المفهوم السياسي للعدالة وبذلك يقبل مبادئ العدالة السياسية ذاتها، وهو الأمر الذي تتضمنه فكرة المفهوم العام للعدالة.
- البنية الأساسية للمجتمع: أي مؤسساته الاجتماعية والسياسية الرئيسية وطريقة ترابطها في نظام تعارفي هي فكرة ذات معرفة عمومية لتحقيق مبادئ العدالة.
- يوفر المفهوم العام للعدالة في مجتمع حسن التنظيم وجهة نظر معترف بها ومشتركة يستطيع المواطنون بواسطتها أن يقاضوا مؤسساتهم السياسية أو بعضهم البعض بكل ما يتعلق بمطالب حقهم السياسي.[38]
- فكرة الاجتماع عن طريق التوفيق: والتي تفيد إضفاء نوع من الواقعية على مقولة المجتمع جيد التنظيم، ومراعاة الظروف التاريخية والاجتماعية للمجتمعات الديمقراطية القائمة على التعددية المتعقلة، فالاتفاق الذي يخص في المجتمعات الديمقراطية والتي تتاح فيها فرصة اختلاف الناس من حيث الانتماءات العقدية والتطورات الاجتماعية، هو نتاج عن النقاش والتحاور الذي يفضي إلى نقاط إجماعيه تتجاوز التعصب في المواقف المعيارية الذي هو ميزة المجتمعات الديمقراطية.[39]
أما بخصوص مبدأ الاختلاف فيقول عنه رولز، "يجب على أشكال التفاوت الاجتماعي والاقتصادي أن تكون منظمة على قدر يجعلنا قادرين على أن ننتظر منها، أن تكون في آن واحد لصالح كل فرد وأن تكون مرتبطة بمواقع ووظائف مفتوحة.[40]
ولكل هذه الأسباب وجب على العدالة كإنصاف، من منظور رولز وكضرب من الحد الأقصى من الرفاه بالنسبة إلى أغلب أفراد المجتمع، أن يقع تبني مبدأ العدالة التوزيعية، {كل فرد حسب مجهوده الشخصي الذي يصب في مصلحة الجميع، بدل العدالة التعويضية كل حسب حاجته}. " إن العدالة تقتدي التساوي في الحرية بالنسبة إلى الجميع ولا تسمح إلا بالمساواة الاقتصادية والاجتماعية التي تكون في صالح كل فرد..."[41]
- بين هابرماس ورولز: عندما تعرض هابرماس لتناول مسألة الشرعية والعدالة التي تعرض لنظرية العدالة عند جون رولز، والذي يسعى إلى استخراج الطريقة التي يجب أن تخلق بواسطتها وضعية أصلية تتيح انبثاق إجماع عقلي حول القرارات الأساسية والمؤسسات القاعدية لأي مجتمع.[42]
فإن الوضع الأصلي الذي يقصده هنا رولز، هو الوضع الاجتماعي المبدئي المناسب الذي يضمن أن تكون الاتفاقات الأساسية التي يتم التوصل إليها فيه منصفة، هذه الحقيقة هي التي تقود إلى التسمية، "العدالة إنصافا"، بمعنى القول إن تصورا واحدا للعدالة معقولا أكثر من غيره، أو أنه قابل للتبرير مقارنة بغيره إذا قام أشخاص عقلانيون في الوضع المبدئي باختيار مبادئه بدلا من اختيار مبادئ الآخر بالنسبة إلى دور العدالة.[43]
إذن، اقترحت فكرة الوضع الأصلي لتجيب عن السؤال حول كيفية توسيع فكرة الاتفاق المنصف لتنطبق على مبادئ العدالة السياسية للبنية الأساسية، وقد أعد ذلك الوضع كموقف منصف للأطراف باعتبارها حرة ومتساوية وباعتبارها على بنية صحيحة من الوضع وعقلانية.[44]
وهكذا يكون أي اتفاق تصنعه للأطراف كممثلة للمواطنين هو اتفاق منصف، وبما أن مضمون الاتفاق يختص بمبادئ العدالة في البنية الأساسية فإن الاتفاق في الوضع الأصلي يعين الشروط المنصفة للتعاون الاجتماعي بين المواطنين الأحرار والمتساوين ومن ذلك نشأ اسم العدالة كإنصاف.[45]
يؤكد رولز: "أن القول بالحرية والعدالة والمساواة تحدث في الاجتماع السياسي الحديث في إطار الخير، أي السياسة وليس بمعزل عنها، فالمجتمع المدني ليس بالضرورة فضاء الحرية وأن التاريخ القديم والحديث والمعاصر يتوفر فيه كمية هائلة من القرائن والدلائل التي تدحض بقوة افتراض أن مقولتي للحرية والعدالة هما مقولتا المجتمع المدني المركزي إلا في حالة واحدة وهي اعتبار أن المجتمع المدني يتشكل من القيم المدنية وقاعدتها الحرية والمساواة والعدالة.
يذهب رولز في كتابه نظرية العدالة، أن العدالة هي أولى فضائل المؤسسات الاجتماعية متل الحقيقة بالنسبة إلى أنساق الفكر وتطبيق قاعدة العدالة على التفاعلات الانسانية يفترض أن يكون بإمكاننا أن نغير للمجتمع منظمة توزيع شاسعة بمعنى تقسيم الأدوار والأعباء والمهام أي ما يتجاوز مجرد القيم السلعية على المستوى الاقتصادي والعدالة، التي لا يمكن إدراكها إلا كتنظيم لمبادئ ليست مستقلة فقط إحداها عن الآخر، ولكنها تدفع أيضا في اتجاهات متعارضة، "الحرية والمساواة"، وقد أجاب "رولز" بأن مبدأ الحرية ينبغي أن يتمتع بالأولوية على كل مبدأ آخر لكنه ينبغي أن يقرن إلى مبدأ المساواة الذي يتضمن هو نفسه وجهين اثنين المساواة في الفرص والضرورة في التوجه من أجل الحرية نحو إنقاص الفوارق.[46]
فيجب على الديمقراطية أن تقيم انسجاما بين الحرية والمساواة وهذا يتضح من خلال أبعاد الديمقراطية الثلاثة، وهي احترام الحقوق الأساسية التي لا تقبل الفصل عن الحرية، المواطنة للصفة التمثيلية وهذه الأفكار من وجهة نظر رولز تتعلق بالحياة الاجتماعية ولا تنفصل عنها.[47] فرولز مقتنع بأن تصوره للعدالة يمكن أن يكون أساسا أخلاقيا للمجتمع الديمقراطي، لأنه فتح الآفاق الأخلاقية الجديدة بالنسبة له، فقد ادعى رولز البرهان الفلسفي للقوانين والمبادئ التي يجب أن يقوم عليها المجتمع الليبرالي الديمقراطي فيؤكد على أنه يجب أن تقيم المبادئ التي تقع في أساس آراء ومعتقدات الناس حول العدالة.[48]
يوضح هابرماس، بأن المشاعر الأخلاقية يمكن أن تؤدي إلى الخطأ لكونها تستجيب لمشاهد أو صور حاصلة، إذ ليست تمة طريقة تمكن من ضبط مسألة الشرعية في كليتها فهل من المعقول إذن، استبدال سياق تتحدد فيه الشرعية بالقانون الدولي بسياق سياسة دولية أحادية تمارسها قوة مهيمنة تستمد من نفسها مشروعية أفعالها. فيقول هابرماس، "إن الاستراتيجية الأمنية الأحادية على الطريقة الهوبزية لا يمكن أن تجدي شيئا في مواجهة الحقائق الموضوعة الناجمة عن شبكات السوق الأفقية وإطار التواصل الثقافي والاجتماعي الكوني، بل إن نمط الهيمنة الأحادية عندما تمارسه دولة ليبرالية ديمقراطية تنتهي إلى تقويض أسسها وقاعدتها القيمة التي تسعى الدفاع عنها وتنشرها، بتركيزها على النشاط المخابراتي البوليسي والانفاق الحربي، بما لهما من سلبيات بديهية على وضع الحريات داخليا.[49]
إن ما سبق التطرق إليه يفيد أن الخضوع لنظام سياسي عادل يشترط توفر العقلانية والحرية بناءا على التعاقد الاجتماعي الذي انضم إليه الفرد، وعلى هذا النظام بطبيعة الحال أن يوفر الظروف المناسبة لحماية حقوقه ومن ضمنها الحق في ممارسة الحرية يقول رولز. "تتحدد مبادئ العدالة من خلال فرضيتين هما الوضع الأصلي وحجاب الجهل، وبالانطلاق من مبدأ الحرية ومبدأ الاختلاف {...} ودون معرفة مسبقة بالوضعيات الاجتماعية يكون الأفراد قادرين على اختيار عقلي يجعلهم يتفقون على تعريف العدالة من خلال الانصاف وذلك بضمان الحريات الأساسية والنظر إلى الاختلاف والتفاوت على أنه ضرب من المساواة الديمقراطية، {...}، ويقر بأن للأفراد الحرية في فعل ما أو الامتناع عن القيام به.[50]
فلا مناص للحديث عن نظرية العدالة في غياب المساواة بين الأفراد والحرية الأساسية التي توحدهم وتوحد رؤاهم. "يجب أن يكون لكل شخص في المقام الأول حق معادل للنظام الأكثر انتشارا للحريات الأساسية التي يتساوى فيها الجميع، نظام يكون متوافقا مع نفس النظام الذي يوجد لدى الآخرين.[51]
فالمساواة التي يتكلم عنها رولز هي مرتبط من جانب بالحريات الأساسية وجانب آخر اقتصادي مرتبط بمسألة توزيع الخيرات والثروات، وإن كان الحق السياسي عند رولز له أسبقية وأولية على المنفعة الاقتصادية، إذ لا يجوز بتقليص الحريات الفردية باسم تحقيق عدالة اجتماعية. وهذا ما يبرر سبب اهتمام رولز بنظرية في العدالة، هو محاولة منه لتقويض الليبرالية المتوحشة التي انصرفت إلى استغلال الأفراد أبشع استغلال، محاولة منها لاستلابهم الاقتصادي مادام هم الليبرالية في آخر المطاف هو تضخيم رؤوس الأموال دون النظر إلى المصالح الأفراد ومن ثمة ضرورة تقويض هذا النظام الرأسمالي.
يمكن اعتبار عدم التعادل في توزيع الثروات من صميم العدل، أو على الأقل غير منبوذ أخلاقيا، أو عدم التساوي حالة يجب السعي إليها في حالة أن عدم التساوي في التوزيع يؤدي إلى تحسين ظروف أسوء حالة في المجتمع.
كثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي بما هو تضامن بين الأجيال لكن يظهر بلمح بارز في المجال الاقتصادي، إذ الاقتصاد هو المحرك الوحيد للتاريخ، وعدم القدرة على امتلاكه لا يجعل الحياة رغيدة ومريحة، وهذا التضامن هو خدمة المجتمع عموما وتقسيم الثروات بشكل عادل، ومن أجل أن يكون المجتمع قد أدى واجبه في العدالة.[52]
يحيل هذا الأمر، أن النظرية لا تبالي بسعادة كل فرد، فهي إذ تعامل جميع الفاعلين معاملة فرد واحد، وتأخذ بالاعتبار رفاها عاما، ولكنها لا تهتم بالشخص، هنا نجد النظرة الكانتية لرولز، من خلال اتخاذه لوجهة نظر كانط بهدف إسناده فكرته عن العدل إلى آراء كانط، مقابل تقويضه لآراء النزعة النفعية التي هيمنت على التراث الغربي من خلال إبعاد الحرية والثقافة والحقيقة مادام النفع أو الرفاه وحده هو الذي يهم.
وعلى هذا الأساس يتلخص التأويل الكانتي للعدالة إنصافا، بكونها نظرية تخص العدالة البشرية ومن بين مقدماتها الحقائق الأساسية عن الأشخاص ومكانهم في الطبيعة، ليست الحرية الخاصة بالكائنات الذكية الصرفة خاضعة لهذه القيود {الله، والملائكة} خارج مجال النظرية قد يكون قصد "كانط"، أن نطبق عقيدته على جميع الكائنات العقلانية وبذلك لا يكون لوضع الناس الاجتماعي في العالم دور في تحديد المبادئ الأولى للعدالة، إذا كان كذلك فهذا فرق آخر بين العدالة إنصافا ونظرية كانت.[53]
اضف تعليق