دراسة علاقة وسائل الاعلام بالسياسة تقودنا إلى مساءلة علاقة تطور وسائل الاتصال بتشكيل الرأي العمومي، وإلى أي مدى تساهم وسائل الاعلام في إيجاد فضاء عام لمناقشة الأفكار والآراء والأطروحات من قبل الجميع؟ أم أن هناك قوى خفية سلطوية تسيطر على الفضاء العام وتحتكره لنفسها لتمرير...
إن دراسة علاقة وسائل الاعلام بالسياسة تقودنا إلى مساءلة علاقة تطور وسائل الاتصال بتشكيل الرأي العمومي، وإلى أي مدى تساهم وسائل الاعلام في إيجاد فضاء عام لمناقشة الأفكار والآراء والأطروحات من قبل الجميع؟ أم أن هناك قوى خفية سلطوية تسيطر على الفضاء العام وتحتكره لنفسها لتمرير أفكارها وأيديولوجياتها ووجهات نظرها؟ فما هي العلاقة بين وسائل الاعلام واستطلاع الرأي العام؟
بالنسبة لبيير بورديو لا وجود لرأي عام يقول: "يفترض كل استفتاء للرأي أن الجميع يمكن أن يكون له رأي أو بمعنى آخر، أن انتاج رأي ما متاح للجميع. سيعارض بورديو، هذه الفرضية الأولى حتى إذا صدمت شعورا ديمقراطيا ساذجا واعتباره أيضا: أن تكديس آراء ليس لها القوة الحقيقية نفسها يقود إلى انتاج أمور مصطنعة لا معنى لها.[1]
فليس كل الناس لهم المقدرة على تشكيل رأي بمعنى أن الاشارة إلى استفتاءات الرأي التي أشار إليها بورديو من خلال تحديده لثلاث فرضيات أساسية هو من أجل العمل على تحليل دقيق لعملها ووظائفها.
- تشير الفرضية الأولى إلى افتراض كل استفتاء للرأي أن الجميع يمكن أن يكون له رأي وهو التساؤل في نفس الوقت عن مدى إمكانية رأي من طرف الجميع؟ وهي فرضية يعارضها بورديو.
- الفرضية الثانية: هي أن جميع الآراء متساوية، ويعتقد بورديو أنه يمكن اثبات أن هذا الأمر غير صحيح، {الآراء المتساوية}، وأن تكديس الآراء التي ليس لها القوة الحقيقية، يقود بالضرورة إلى إنتاج أمور مصطنعة لا معنى لها.[2]
- الفرضية الثالثة: تفيد أن مجرد طرح السؤال نفسه على الجميع يعني افتراض أن هناك إجماعا بشأن المشاكل، بمعنى آخر أن هناك إجماعا على الأسئلة التي تستحق أن تطرح، وهي فرضيات يدينها بورديو باعتبارها تؤدي إلى سلسلة من التفاهات، حتى لو كانت جميع شروط الدقة المنهجية متبعة في جمع المعطيات وتحليلها.
إن عملية طرح الأسئلة حسب بورديو، أو استطلاع الآراء تنطلق من أسئلة متحيزة وحتى امكانية طرح الأجوبة الممكنة فإنه غالبا ما يتم تجاهل خيارات أجوبة وأسئلة ممكنة ذات علاقة بالأسئلة والأجوبة المقترحة أو يتم اقتراح الخيارات عينها مرات عديدة بصيغ متعددة، وهي ما سماها بورديو، "بالمآخذ الفنية"، التي غالبا ما توجه إلى استفتاءات الرأي.
لذلك يعتقد بورديو، أن الاعتراض على الوسائل الحالية التي تستخدمها مكاتب إنتاج الاستفتاءات غير بناء، وهم يؤاخذون أيضا على طرح أسئلة ملتوية أو بالأحرى على تحريف صيغة الأسئلة، وهذا أمر فيه من الصحة الكثير ويحدث غالبا أن يثم الحث على جواب معين من خلال طريقة طرح السؤال.
فعل سبيل المثال فإن إتاحة الفرصة لجميع الأجوبة الممكنة غالبا ما يحذف في الأسئلة أو في الأجوبة المقترحة، واحد من الاختيارات الممكنة، أو أن يقترح الاختيار نفسه عدة مرات في صيغ مختلفة.[3]
تكمن بهذا الأساس، قوة التأثير الاعلامي التلفزيوني من خلال ضبطه بشكل وفقا للبنى العقلية لثقافة عامة، مما يسمح لبعض المذيعين أن يقدموا أنفسهم بوصفهم متحدثين باسم الجمهور لمواجهة الطرف الآخر بنوع من الاستخفاف، إضافة إلى إحكامه السيطرة على مصدر المعلومة، ومن ثمة التأسيس للواقع الاجتماعي والثقافي والأخلاقي.[4]
وعلى هذا الأساس، وفي إطار المقاربات السوسيولوجية النقدية لوسائل الاعلام ومن خلال مقاربة بورديو نفسها لهذه الوسائل، فقد كرس اهتماما كبيرا لكشف وسبر أغوار ما تخفيه هذه الوسائل من سيطرة وعنف رمزي وتبعية المثقفين لها بشكل خاص، خاصة من خلال الدور الخطير الذي تلعبه هذه الوسائط في تكريس الأوضاع والمصالح السائدة وفي التفريغ السياسي ولعل مثال التسلط للمذيعين نموذج لذلك.[5]
فأهمية الصحفيين، حسب بورديو، ترجع بالأساس إلى واقع أنهم يمتلكون احتكار الحديث المفروض على أدوات إنتاج المعلومات الواسعة الانتشار وتوزيعها داخل المجال الاجتماعي ومن خلال هذه الأدوات، فإنهم يحتكرون إمكانات الوصول إلى المواطنين ذو وعي ثقافي بسيط واحتكار إدخال منتجين آخرين للثقافة من علماء، وفنانين...إلخ، إلى ما يسمى أحيانا المجال العام.[6]
لهذا عمل بورديو، على تحليل بنية وسائل الاعلام وما تحمله من سلطة وعنف رمزيين باعتبارهما يؤديان إلى نشوء علاقات قوى وعلاقات السلطة.
ويشير بورديو، إلى وجود أنواع كثيرة من الأساليب الملتوية من هذا النوع، خاصة إذا علمنا أن القضايا التي تتكفل بها مؤسسات متخصصة في عملية سبر الآراء تفرض عليها بشكل قوي.
هذا يعني حسب بورديو، "أن هذا النوع من المؤسسات مرتبطة على نحو عميق بالظروف ويهيمن عليها نوع من الطلب الاجتماعي، لا يمكن أن يطرح معهد لاستطلاع الرأي العام مسألة التعليم على سبيل المثال إلا إذا أصبحت مسألة سياسية.
لذلك وجد بورديو، أنه من المفيد التساؤل بشأن الشروط الاجتماعية لظهور هذه الأساليب الملتوية التي يكمن سببها في أغلب الأحيان في الشروط التي يعمل في ظلها الأشخاص الذين ينتجون الاستفتاءات، لكنها تكمن خاصة في حقيقة أن الاشكاليات التي تعدها معاهد استفتاء الرأي تخضع إلى طلب خاص.[7]
وقد تأكد بورديو من خلال قيامه بتحليل إحصائي موجز للأسئلة المطروحة، أن الجزء الكبير منها كان مرتبطا، ارتباطا مباشرا بالاهتمامات السياسية {بالأطر السياسية}،[8] ويعطي مثال بسؤال هو كالتالي: "ما رأيكم لو لهونا هذا المساء في اللعب بالأوراق الصغيرة وطلبت منكم أن تكتبوا الأسئلة الخمسة التي تبدوا لكم الأهم في ما يتصل بالتعليم، سنحصل بالتأكيد على لائحة مختلفة جدا عن تلك التي نحصل عليها باستخراج الأسئلة التي طرحتها بالفعل استفتاءات الرأي.[9]
تخضع الاشكالية التي تقترحها استفتاءات الرأي إلى مصالح سياسية، وهذا يتحكم على نحو قوي جدا بمغزى الأجوبة وبالمغزى الممنوح لنشر النتائج. إن استفتاء الرأي حاليا أداة عمل أساسي، وقد تنطوي وظيفته الأكثر أهمية على فرض الوهم بوجود رأي عام بصفة جمعا تراكميا بحثا لآراء شخصية وعلى فرض فكرة وجود ما هو بمثابة المعدل العام للآراء أو الرأي المتوسط.[10]
إن ما تروج له وسائل الاعلام في الصفحات الأولى من الصحف في صيغة نسبة مئوية (60% من الفرنسيين يفضلون كذا...)، هو مصطنع بكل معنى الكلمة، ووظيفته هي أن يخفي أن حالة الرأي في فترة معينة من الزمن هي نظام قوي وتوثر وليس هناك حسب بورديو، أسوأ من نسبة مئوية لتمثيل حالة الرأي[11]، ومعلوم أن كل ممارسة القوة، تحمل معها خطابا يسعى إلى اضفاء الشرعية على من يمارس هذه القوة، ويمكننا حتى القول إن ميزة كل علاقة قوة هي أنها تزداد قوة كلما أخفت صفتها هذه.
وباختصار واضح حسب بورديو، يبسط لنا الأمر ويقول: "أن رجل السياسة هو ذلك الذي يقول: "الله معنا". وما يوازي "الله معنا"، اليوم هو الرأي العام معنا، هذا هو الأثر الأساسي لاستفتاء الرأي، وهو يتمثل في تكوين فكرة بوجود رأي عام موحد، أي إضفاء الشرعية على سياسة ما وتعزيز علاقات القوى التي تدعمها أو تجعلها ممكنة.[12]
بعد كل هذا يحاول بورديو على نحو سريع جدا الاشارة إلى ماهية العمليات التي بواسطتها ينتج تأثير الاجماع هذا، تنطوي العملية الأولى التي تنطلق من فرضية أن الجميع يجب أن يكون له رأي على تجاهل عدم الاجابات.
ثمة ملاحظات أخرى، أنه كلما كان السؤال عن مسائل معرفية وعلمية، كان فارق نسبة الامتناع عن الادلاء بالرأي كبيرا بين الأعلى تعلما والأقل تعلما. وعلى النقيض من ذلك، عندما تكون الأسئلة عن المسائل الأخلاقية يكون تنوع الامتناع عن الادلاء بالرأي بحسب مستوى التعليم ضئيلا.[13]
إذن، ينطوي واحد من الآثار الأكثر ضررا لاستقصاء الرأي على إلزام الناس بالإجابة عن أسئلة لم يطرحوها على أنفسهم، ليكن على سبيل المثال الأسئلة التي تدور حول مشاكل أخلاقية وحول قساوة الآباء والعلاقة بين الطلبة والمدرسين، أي مشاكل يمكن إدراجها ضمن الموضوعات الاجتماعية، لكنها يمكن أن تكون مشاكل سياسية بالنسبة للطبقات العليا.[14]
بمعنى أن إحدى آثار الاستقصاء تنطوي على تحويل إجابات أخلاقيات إلى إجابات سياسية بمجرد طرحها كإشكالات.
ففرضية أن كل الناس بإمكانهم بلورة رأي، وأن بمقدورهم الإجابة عن الأسئلة بشكل ملائم ومتساو وتركيب وإدراك طابعها السياسي، يحدد لهم بورديو شروطا:
- الشرط الأول إذن، للإجابة على نحو ملائم عن سؤال سياسي هو أن نكون قادرين على صياغته كسؤال سياسي، والثاني هو أن نكون قادرين على أن نطابقه مع فئات سياسية معينة يمكن أن تكون ملائمة ودقيقة، إن صح القول وما إلى ذلك. هذه هي الشروط النوعية لإنتاج آراء، أي آراء يفترض استقصاء الرأي أن تكون على العموم وعلى النمط نفسه مستوفية الافتراض الأول الذي ينص على أن بإمكان الجميع أن ينتج رأيا.[15]
- المبدأ الثاني، الذي من خلاله يمكن للناس أن ينتجوا رأيا هو ما يسميه بورديو، "بالمتصل الأخلاقي للطبقة"، أو الأخلاق العملية {أخلاقيات الطبقة}، بمعنى نظام من القيم الضمنية استبطنها الناس منذ الطفولة ومن خلاله ينتجون إجابات على مشاكل متنوعة جدا.
بمعنى أن الناس ينتجون آرائهم في ارتباط وثيق وعميق بروح طبقاتهم أو بمنظومة القيم الضمنية التي ترعرعوا داخلها والتي ترسخت في لا وعيهم منذ الطفولة.
بمعنى "أن عدد كبير من الاجابات التي تعتبر بمثابة أجوبة سياسية تنتج في الواقع من خلال المتصل الأخلاقي للطبقة وعليه يمكن أن تنطوي على مغزى مختلف تماما عندما تؤول على الصعيد السياسي".[16]
يستخلص بورديو في إطار الدعوة إلى إنتاج الرأي من طرف المجتمع، وهو هنا يعطي نموذجا بالمجتمعات الأمريكية، بالدعوة إلى انتاج مواطنين ديمقراطيين أمريكيين صالحين عن طريق الرفع من مستوى المعيشة ومستوى التعليم، باعتبار أن الميل إلى القمع والسلطوية وما إلى ذلك مرتبط بالمدخولات القليلة وبالمستويات المتدنية من التعليم.[17]
حيث يمكن لعملية سبر الآراء أن تكون أكثر ملامسة للواقع إذا أتحنا للناس فرصة أن يتموقعون بنفس الكيفية التي يتموقعون بها في الواقع اليومي، بمعنى عوض أن نفترض فئة من الأسئلة من النوع التالي:
هل تؤيدون المساواة بين الجنسين؟ أو هل تؤيدون الحرية الجنسية للأزواج؟...إلخ[18]، ومن يوافقه أو يعارضه؟
نعرض مجموعة من المواقف الصريحة لجماعات تتوفر على ذرة انتاج الرأي ونشره، بشكل يسهل على الناس التموقع حسب إجاباتهم للمشكلة مسبقا. يقول بورديو..."قد يكون استقصاء الرأي من دون شك أكثر قربا مما يجري في الواقع إذا منحنا الناس، مخترقين تماما قواعد الموضوعية للوسائل كي يتموضعوا كما يتموضعوا بالفعل في الممارسة الواقعية، أي نسبة إلى آراء سبق وأن صيغت، فبدلا من أن تقول لهم على سبيل المثال "ثمة أناس يؤيدون تحديد النسل وآخرون لا يؤيدون وأنتم...؟ نقدم لهم سلسلة من المواقف الواضحة لجماعات مفوضة بتكوين الآراء ونشرها، بحيث إن الناس يتمكنون من التموضع استنادا إلى إجابات قد ثمة تكوينها، يجري الحديث عادة عن "اتخاذ موقف"، ثمة مواقف متوقعة فنتخذها، لكننا لا نتخذها مصادفة، نحن نتخذ المواقف التي نحن مستعدون لاتخاذها استنادا إلى الموقع الذي نشغله داخل حقل معين.[19]
وهذا يعكس حسب بورديو، "أن الناس الذين لهم القدرة على إنتاج الرأي ونشره، فهذه الفئة تتصل بنوع معين من التجديد في العلاقات الاجتماعية، في الشكل الرمزي للعلاقات الاجتماعية تظهر الأجوبة مؤيدة كلما ارتفعنا في السلم الاجتماعي، وفي التراتبية بحسب مستوى التعليم.
باختصار يخلص بورديو، هنا إلى أن الرأي العام لا وجود له، لاسيما في الصيغة التي يقدمه بها أولئك الذين من مصلحتهم أن يؤكدوا أنه موجود.
لقد قلت: "ثمة من جانب آراء مشكلة ومجموعات ضغط معبأة حول نظام مصالح مصوغة على نحو واضح، ومن جانب آخر ميول ليست مبدئيا بآراء إذا كنا نقصد بالآراء كما فعلت من خلال تحليلي هذا، شيئا يمكن أن يصاغ في خطاب يطمح أن يكون نوعا ما متسقا، هذا التعريف للرأي هو ليس رأي عن رأي، بل ببساطة توضيح التعريف الذي تستخدمه استطلاعات الرأي من خلال طلبها إلى الناس أن يتخذوا مواقف بشأن آراء مصوغة وإنتاج هذا الشيء المصطنع الذي هو الرأي العام، بمجرد تجميع إحصائي للآراء المنتجة على هذا النحو فحسب. أقول فقط، إن الرأي العام في المفهوم الذي يقبله ضمنيا أولئك الدين يقومون باستطلاعات الرأي أو أولئك الذين يستخدمون نتائجها. أقول فقط، إن هذا الرأي لا وجود له.[20]
وبالتالي يمكن القول، إن تشكيل رأي سياسي، لدى عامة الناس ليس بالأمر اليسير أو المتاح كما يروج لذلك مستثمرو الرأي العام، وهذا رأي واهي جدا، مادام يعجز المواطنين على فهم المشهد الأيديولوجي للقضايا والولاءات السياسية وبالتالي يعجزون على تشكيل موقف معقول إزاء القضايا السياسية الرئيسية التي يعجزون على التوفر عليها.
ولعل انفتاحنا على انتاجات بورديو الأخرى تكشف لنا أسباب إيمانه بعدم وجود رأي:
نقف مع سلطة الاعلام الذي اعتبرها بورديو، من أخطر أشكال الوسائل تأثيرا على تشكيل رؤية الفرد والمجتمع تجاه القضايا المختلفة، فهي قادرة على نشر نمط سلوكي وثقافي واجتماعي ينتهجه الفرد والمجتمع.[21]
لقد سعى من خلال ذلك بورديو، إلى اظهار تأثيرات شاشة التلفزيون وما تنتجه من برامج وصور بعيدة عن أي موضوعية وتعكس رؤية غير محايدة سياسيا وهي الاشكالية المحورية لكتابه "التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول". وفيه انتقد وسائل الاعلام من صحافة وإذاعات وبشكل خاص الدور الخطير الذي يلعبه التلفزيون، حيث يعمل على تنميط المشاهدين.[22] حيث أن التلفزيون يفتح الطريق بشكل غير مباشر للتأمل والتفكير فيما هو أبعد من ذلك وتحديدا نوع النمط التقليدي الذي نعيش فيه داخل مجتمعاتنا حيث يخضع المجتمع لأدوات ضبط وتحكم تهدف إلى توجيهها نحو استراتيجيات محددة، ودور أدوات الضبط والتحكم هذه هو السيطرة المحكمة على مختلف جوانب المجتمع الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.[23]
يعمل التلفزيون، على ترسيخ أنظمة ترتيب وإدراك مطابقة النظام الاجتماعي التي ليست إلا استنباطا له، من خلال الهيمنة على البنيات العقلية أو الإدراكية المهيمنة في حقل معطى بمعنى أن "التلفزيون" من خلال "الهابيتوس"، وهو مصطلح اصطلحه بورديو، تعبيرا عن مسألة عويصة تتجلى في تسويغ ملامح الحياة الاجتماعية بحيث يجعلها طبيعية ومسلمات بناها المجتمع وموجودة فيه فعلا ثمة أقلمتها لتصير شرعية، مما يجعل فئات المجتمع ضحية وهم.[24]
هنا تبرز إشكالية أخرى بالتوظيف المحكم للمضمون الإيديولوجي لهذه التكنولوجيات المتمثلة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وأخطرها التلفزيون الذي لا يقتصر دوره على التأثير المباشر على المشاهدين الجمهور، بل يتعداه إلى انتاج ثقافة أخرى من خلال تشكيل العقول وفق أهواء أصحاب المراكز السلطوية في المجتمع، وتوجيهها وفقا لأيديولوجيتهم المسيطرة.[25]
فأبرز مظاهر فرض السلطة الثقافية المنظمة، هي أن التلفزيون يملأ أوقات الناس بالأشياء غير الهامة وغير الضرورية، وهو يستهلك زمنهم في قول أشياء تافهة تخفي في الحقيقة بالقدر نفسه الأشياء الثمينة، وبهذا المعنى فإن التلفزيون يسهم في تدمير الوعي حينما ينشر وعيا زائفا، أو يحجب المعلومات التي تهم المشاهد.[26]
ناهيك عن هذا أصبحت القنوات التلفزيونية، وبشكل خاص الفضائية منها لم تعد مجرد قنوات تقدم برامج التسلية أو التثقيف فقط، وإنما أصبحت أدوات الضبط والتحكم السياسي والاجتماعي في المجتمعات الراهنة، أدوات العنف الرمزي الذي تمارسه الطبقات الاجتماعية التي تهيمن وتسير هذه الأدوات.[27]
اضف تعليق