يخلط الكثيرون بين التقارير الصحفية والصحافة الاستقصائية والتي يطلق عليها الكثيرون التحقيقات الصحفية، فكثيراً ما نقرأ أو نشاهد أو نسمع تقريراً مثلا: إعلان النائب العام التحقيق في عدد من ملفات الفساد، ويختلط الأمر علينا في اليوم التالي عندما ينشر على الصفحة الأولى أو يذاع في الخبر الرئيسي...
يخلط الكثيرون بين التقارير الصحفية والصحافة الاستقصائية والتي يطلق عليها الكثيرون "التحقيقات الصحفية"، فكثيراً ما نقرأ أو نشاهد أو نسمع تقريراً مثلا: إعلان النائب العام التحقيق في عدد من ملفات الفساد، ويختلط الأمر علينا في اليوم التالي عندما ينشر على الصفحة الأولى أو يذاع في الخبر الرئيسي أن من بين ملفات الفساد التي تحدث عنها النائب العام في اليوم السابق، ملف حول سوء استخدام المال العام من قبل وزير ما، من الواضح أن الصحفيين والمحررين الذين اعدوا هذه التقارير قد "تحققوا" من صحة المعلومات قبل نشرها، ونسبوها إلى مصادرها، وربما جمعوا ردود فعل عليها، واستندوا إلى دلائل دقيقة وموثوق بها، ولكننا لا نجد في هذه التقارير سمات التحقيق الصحفي لأنها لا تستقصي بل تعرض وتخبر عن حالة معينة.
فجميع فنون العمل الصحفي تسعى إلى "البحث عن الحقيقة وإيصالها للجمهور بمهنية عالية من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه الجمهور"، إلا ان الصحافة الاستقصائية إلى ابعد من ذلك لان على الصحفي أن يلعب دور المحقق في الكشف عن الأسرار، وإبقائه في طي الكتمان حتى اكتمال الدلائل وجمع الوثائق وإجراء المقابلات وزيارة الأماكن واخذ الملاحظات والتصوير والتسجيل الصوتي، وصولاً إلى مرحلة الاستنتاج ومن ثم الكشف عن ما تم التوصل إليه، كل ذلك مع توخي المعايير الصحفية المهنية المعروفة كالدقة والموضوعية والاستقلالية والاستقامة والمسؤولية وغيرها من المعايير المهنية الدولية الخاصة بالصحافة الاستقصائية، لان التحقيق الصحفي "يمكن أن يكون أكثر خطورة من الموضوعات الصحفية الأخرى، كما أن حجم الضرر الذي يتسبب فيه التحقيق الصحفي اكبر كثيراً".
على الرغم من أن أهداف الصحافة الاستقصائية لا تختلف من حيث المبدأ عن الصحافة بشكل عام، ولا تختلف أساليبها عن أساليب الأشكال الصحفية الأخرى، فإن البعض يميز بين أساليب الصحافة الاستقصائية وبين الأشكال الأخرى، وثمة اتجاه بين المختصين في الصحافة لا يفرق بين النوعين من أشكال الصحافة على قاعدة أن الصحافة عموماً أو وسائل الإعلام وُجدت أصلاً لنقل الحقائق للجمهور وحماية المجتمع والدفاع عنه وتمثيل مصالحه.
مقارنة بين الصحافة الاستقصائية والصحافة العامة:
وبصفة عامة قد يقوم الصحفيون أثناء ممارستهم اليومية بكلا النوعين من التغطية، ولكن لا يمكن أن يصف الصحفي تحقيقه أو تقريره بأنه استقصائي إلا من خلال عدة مؤشرات تميز كلاً من النوعين عبر ثلاثة أوجه وهي كالتالي: الوجه الأول يتعلق بأسلوب البحث والتحري وجمع معلومات التحقيق، والوجه الثاني يتعلق بطبيعة علاقة الصحفي بمصادره، أما الوجه الثالث فيتعلق بالمنتج النهائي وبنيته والنتائج المتوقعة منه وفيما يلي استعراض لأبرز أوجه الاختلاف بين الصحافة الاستقصائية والأشكال الأخرى:
م |
الصحافة الاستقصائية |
الأشكال الصحفية الأخرى |
البحث |
||
لا يمكن نشر المعلومات إلا إذا تم التأكد من ترابطها واكتمالها. |
تُجمع المعلومات وتُرسل وفق إيقاع ثابت (يوميًا، أسبوعيًا، شهريًا). |
|
يستمر البحث إلى أن يتم التثبت من القصة، وقد يستمر بعد نشرها. |
يكتمل البحث بسرعة، ولا يتم القيام بأي بحث آخر بعد أن تكتمل القصة. |
|
تقوم القصة على الحد الأقصى من المعلومات المُحصًّلة، ويمكن أن تكون طويلة جدًا. |
تقوم القصة على الحد الأدنى الضروري من المعلومات ويمكن أن تكون قصيرة جدًا. |
|
يتطلب التحقيق الصحفي توثيقًا لدعم تصريحات المصادر أو إنكارها. |
يمكن لتصريحات المصادر أن تحلّ محلّ التوثيق . |
|
العلاقات بالمصدر ( فيما يتعلق بطبيعة علاقة الصحفي بمصادره) |
||
لا يمكن افتراض الثقة بالمصدر: فقد يُقدم المصدر معلومات مزيفة، ولا تستطيع استخدام أية معلومات دون التحقق منها. |
الثقة في المصدر مُفترضة، وفي الأغلب دون التحقق منها. |
|
تُخفي المعلومات الرسمية عن الإعلامي، لأن كشفها قد يعرض مصالح السلطات أو المؤسسات للخطر. |
تُقدم المصادر الرسمية المعلومات للإعلامي مجانًا، لتُعزز دورها وتروج لأهدافها. |
|
يتحدى الإعلامي بصراحة الرواية الرسمية للقصة أو ينكرها، بناء على معلومات يستقيها من مصادر مستقلة. |
لا مجال أمام الصحافي إلا قبول الرواية الرسمية للقصة، رغم أنه يمكن أن يعارضها بتعليقات أو بيانات من مصادر أخرى. |
|
يجمع الإعلامي ويتصرف بمعلومات أكثر مما يتصرف به أي مصدر منفرد من مصادره وبمعلومات أكثر مما يتصرف بها معظم مصادره أو جميعها. |
يتصرف الإعلامي بمعلومات أقل مما تتصرف بها معظم مصادره أو كلها. |
|
في الأغلب لا يمكن تعريف المصادر لضمان أمنها. |
المصادر دائمًا مُعرّفة تقريبًا. |
|
النتائج ( فيما يتعلق بالمنتج النهائي والنتائج المتوقعة منه) |
||
يرفض الإعلامي قبول العالم كما هو، فهدف القصة اختراق وضع معين أو تعريته كي يصلحه، أو يدينه، أو في حالات معينة، تقديم مثال لطريق أفضل. |
يُنظر إلي التحقيق الصحافي كانعكاس للعالم الذي يتم قبوله كما هو , ولا يأمل الإعلامي في الوصول إلي نتائج أبعد من مجرد إخبار الجمهور بموضوعه. |
|
دون انخراط شخصي وحماس من الإعلامي. لن تكتمل القصة أبدًا. |
لا يتطلب التحقيق الصحفي انخراطاً أو حماسًا شخصيًا من الإعلامي. |
|
يسعي الإعلامي لأن يكون عادلاً ومدققًا في حقائق القصة , وبناء على ذلك قد يحدد ضحاياها وأبطالها ومذنبيها, وقد يقدم الإعلامي أيضًا حكمًا على القصة أو يصدر قرارًا بشأنها. |
يسعي الإعلامي لأن يكون موضوعيًا قدر المستطاع دون تحيُّيز لأي طرف في القصة أو حكم عليه. |
|
بنية القصة الدرامية ضرورية لتأثيرها وتقود إلى استنتاج يقدِّمه الإعلامي أو المصدر. |
البنية الدرامية ليست مهمة جدًا في التحقيق الصحفي، وليس للقصة نهاية، لأن الأخبار مستمرة. |
|
تُعرِّض الأخطاءُ الإعلاميَ لجزاءات رسمية أو غير رسمية يمكن أن تُحطم مصداقية الإعلامي والوسيلة الإعلامية. الصحافة الاستقصائية في النهاية تستهدف من خلال البحث عرض الاتجاه الذي يجب ان يتغير العالم نحوه |
قد يرتكب الإعلامي أخطاءً، ولكنها حتمية وعادة ليست مهمة.
الصحافة العامة تعرض العالم كما هو |
أربعة أمور ليست صحافة استقصائية:
كي نفهم حقيقة الصحافة الاستقصائية، علينا أن ننتبه كيف عرف الصحفي الاستقصائي المخضرم دايفد كابلن في تعريف هذا النوع من الممارسة الصحفية، عبر تقديم شرح أوّلي حول ما لا ينطبق على الصحافة الاستقصائية، وحددها في أربعة أمور:
1- الصحافة الاستقصائية ليست صحافة التسريبات:
"استلام أحد الملفات من أحد المصادر الرسمية ذي النفوذ، ثم إعادة كتابته ونشره في اليوم ذاته لا يقع في خانة الصحافة الاستقصائية،" كما عبّر كابلن، مدير شبكة الصحافة الاستقصائية العالمية وكاتب الصحافة الاستقصائية العالمية: استراتيجيات الدعم، وهو تقرير يعرض 106 من المؤسسات الصحفية الاستقصائية غير القابلة للربح حول العالم. ويُعدّ كدليل للممارسات المستدامة ويقدّم استمارة بيانات تغوص عميقاً في تمويل هذه المنظمات التي لا تبغي الربح، بالإضافة إلى الشرح حول هيكليتها.
2- الصحافة الاستقصائية ليست صحافة التخصص:
"يعتقد بعض الصحفيين أن كلّ الصحافة الجيدة هي صحافة استقصائية،" بحسب كابلن. إلاّ أن الصحافة الاستقصائية تتطلّب المزيد من البحث بعمق. "يقوم صحفيو التخصص باستخدام التقنيات الاستقصائية، إلاّ أن ذلك لا يدفع الاثنان إلى الترادف في المعنى والمضمون"، كما أكّد كابلن.
3- الصحافة الاستقصائية ليست صحافة ناقدة:
تأخذ التحقيقات الاستقصائية الكثير من الوقت، فتتطلب أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات. "من الممكن أن تتضمّن الصحافة الاستقصائية الكثير من عناصر النقد. وإن قمت بكتابة مقال ما يتطلّب منك المزيد من البحث والتنقيب والنقد فإن ذلك لا يعني أنّك قدمت عملاً استقصائياً،" بحسب كابلن.
4- الصحافة الاستقصائية ليست التغطية الصحفية المختصّة بالجرائم والفساد:
تعريف الصحافة الاستقصائية كصحافة الجرائم والفساد يحدّ من نطاق السبق الصحفي، على الرغم من اعتقاد كابلن أن هناك بعض التقاطع في هاتين الفئتين. وبحسب قوله: "لكن الصحافة الاستقصائية الجيّدة تركّز على مواضيع التعليم، واستغلال السلطة، والتهافت على الأموال، وقصص الأعمال الرائعة. ولمجرد تغطية الصحفي المختص لمواضيع الجرائم والفساد وملاحقة آخر تطوّراتها، فذلك لا يعني أنه يستخدم أدوات الصحافة الاستقصائية".
الفرق بين الصحافة الاستقصائية والأشكال الصحفية الأخرى:
توجد عدة فروق بين الصحافة الاستقصائية والاشكال الصحفية الاخرى واهمها ما يأتي:
1-يعتبر البحث والتنقيب المتعمق هو أهم أشكال التفريق بين الصحافة الاستقصائية وباقي أشكال الصحافة الأخرى من منشر فوري أو تقارير إخبارية أخرى، حيث يتطلب التحقيق الاستقصائي بحث أكثر ووقت وجهد أكبر.
2-أغلب الأشكال الصحفية التي تعتمد على الفورية والنشر الإخباري تكتب من الناحية التحريرية على شكل قالب الهرم المقلوب، حيث تكون المعلومات المهمة في المقدمة، والباقي في الجسم، في حين أن التحقيقات الاستقصائية عادة ما تأخذ أشكال تحريرية أخرى وتكون متسلسلة في سرد المعلومات بصورة منطقية تهدف إلى الاقناع.
3-أغلب الأشكال الصحفية تحتاج إلى البحث عن المعلومات لنشرها، ولكن ما تمتاز به الصحافة الاستقصائية هو بحثها في ما وراء هذه المعلومات والكشف عن مسبباتها.
4-تركز الأشكال الصحفية الإخبارية على الكثير من المواضيع، مثل الفن والموسيقى والموضة، في حين أن الصحافة الاستقصائية عادة ما تأخذ مواضيع ذات أهمية أكبر وتأثير أكثر ويهتم بها قاعدة جماهيرية أوسع من تلك التي تهتم بالأخبار الآنية، ومن أمثلة هذه المواضيع، مواضيع الفساد المالي والإداري للنظام الحاكم، وقضايا الرشاوى وغيرها.
5-عادة الأشكال الصحفية الإخبارية تعطي القارئ أو الجمهور المعلومات حول بعض المواضيع المثارة، أما الصحافة الاستقصائية فإنها هي التي تختلق المواضيع وتبحث فيها و تنشرها لتصبح مواضيع مثارة.
6-الصحافة الاستقصائية عادة ما تنتج على شكل حملات صحفية أو تحقيقات متسلسلة أو تقارير إخبارية تنشر على فترات حسب ما يحقق الفائدة للتحقيق، وحسب ما توصلت إليه آخر التحقيقات من معلومات، بعكس الأشكال الصحفية الإخبارية التي تعتمد على الفورية والآنية وتعتمد على الترتيب الزمني لنشر الأحداث حسب وقوعها.
ويؤكد ذلك ما ذهب إليه أنطون هاربر أستاذ دراسات الصحافة والإعلام ومدير برنامج الصحافة في جامعة ويت واترس راندفي جوهانسبرج حين قال " إذا أردنا أن نعرف الصحافة الاستقصائية فيجب علينا أن نفرق بينها وبين التقارير أو القصص الإخبارية، فالقصص الإخبارية هي عندما تتجاوب المصادر ويردون على استفسارات الصحفي حول الحدث ويمدوه بالتقارير والبيانات، أما الصحافة الاستقصائية فهي استهداف الصحفي لنشاطات سرية أو نشاطات غير عامة وخاصة جداً".
الفرق بين الصحافة التقليدية والصحافة الاستقصائية:
ان الفرق بين التغطية الاخبارية التقليدية والتغطية الاستقصائية، يتمثل اساسا في ان الاولى تعتمد بصورة عامة على مواد ومعلومات وفرها اخرون (صادرة عن مؤسسات حكومية او شركات عامة وخاصة وعن القضاء او الشرطة...) وجمع ردود الفعل المتعددة حيالها، بينما تعتمد التغطية الاستقصائية على العكس، على مواد استقاها وجمعها الصحفي بنفسه.
بالاضافة الى ذلك تهدف التغطية الاخبارية التقليدية الى خلق صورة موضوعية عن العالم مثلما هو، اما الاستقصائية، فتستخدم بطريقة موضوعية ومعلومات حقيقية تتحول الى حقائق يوافق اي مراقب عقلاني على انها ، ويحرك الصحفي الاستقصائي هدفا ذاتيا، يتمثل في الرغبة في اصلاح العالم ينبغي معرفة الحقيقة كي يمكن تغيير العالم.
اضف تعليق