مع قرب تحرير الأراضي العراقية من دنس عصابات داعش الإجرامية، وطي صفحة مظلمة من حياة العراقيين جميعا، يتساءل البعض عن مرحلة ما بعد داعش.. هل ستنتهي آلام هذا الشعب المظلوم ام سنكون امام صفحة معتمة أخرى؟
ولعل الكثير منا كان يتخوف من أن أزمة المناطق المتنازع عليها ستكون في مقدمات الأزمات لمرحلة ما بعد داعش الا ان تلك المخاوف تبددت الى حد ما بعد دخول القوات الاتحادية الى تلك المناطق وسيطرتها على معظم المنافذ الحدودية، وهنا نجد التساؤل يعيد نفسه، ما التحدي الأهم للحكومة العراقية في المرحلة المقبلة؟
اعتقد ان الإجابة عن ذلك التساؤل تتطلب متابعة دقيقة للاحداث والتصريحات ومواقف الأطراف المؤثرة، وأن نظرة سريعة لواقع المنطقة يجعلنا نعتقد أنها تحولت من مرحلة المواجهة بالأدوات الى مرحلة المواجهة المباشرة، فبعد أن كانت داعش والنصرة والجبهة الإسلامية وغيرها العشرات من الجماعات الإرهابية تؤدي دورا فاعلا في تحريك مناطق النفوذ وإضعاف الخصوم أصبحت تلك الأدوات ورقة محروقة الان، وأصبحت الامور اكثر وضوحا، وأن محورين رئيسيين يتنافسان على مد نفوذهما في المنطقة، هما المحور الروسي والمحور الامريكي، ويحاول كل منهما بسط نفوذه على اكبر قدر ممكن من المنطقة؛ لذا نجد أن كل من الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، وروسيا والدول المتحالفة معها موجودة على الأرض في سوريا وبقوة، والمتابع لحركة الاحداث يدرك تماما ان سوريا أصبحت مقسمة على طرفي الصراع.
اما العراق فحاله لا يختلف كثيرا عن الوضع في سوريا، إلا أنه افضل من ناحية عدم وجود قوات أجنبية على الأرض استثناء من ذلك القوات التركية الموجودة في نينوى منذ فترة والتي لا تكاد تشكل خطرا يهدد العراق في الوقت الحاضر على اقل تقدير.
والمتابع للتصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية مؤخرا يجد انها تركز بشكل لافت على الحشد الشعبي، واخذت طابعا اكثر عدوانية من ذي قبل، وتحديدا بعد زيارة وزير الخارجية الامريكي تيلرسون الاخيرة الى المملكة العربية السعودية والتي اطلق منها تصريحا استفزازيا قال فيه : "حان الوقت لعودة مستشاري إيران والفصائل المدعومة من قبلها لديارهم بعد أن ساعدوا العراق على هزيمة داعش"، والذي لاقى ردود أفعال مختلفة، كان أبرزها موقف مكتب رئيس الوزراء التي وصف فيها تلك التصريحات "بأنها تدخل في الشؤون الداخلية، واكد على ان المقاتلين في صفوف الحشد عراقيون وطنيون قدموا التضحيات للدفاع عن بلدهم".
واعقبه مخاطبة السيد العبادي لتيلرسون عند استقباله في بغداد "بان مقاتلي الحشد الشعبي عراقيون قاتلوا الإرهاب ودافعوا عن بلدهم وقدموا التضحيات التي ساهمت بالتغلب على داعش".
على ما يبدو أن موقف الولايات المتحدة هذا لم يكن أحاديا بل أن بعض الدول الإقليمية والمجاورة كذلك تدفع باتجاه اضعاف الحشد الشعبي، وهذا ما كشف عنه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون العراق "جوزيف بينيغتون" عندما قال: "ان كلفة إعمار العراق تبلغ عشرات المليارات من الدولارات والسعوديه ابدت استعدادها شرط خروج ايران وفصائلها المسلحة من العراق".
وقال في تصريح آخر: "ان السعودية ودول المنطقة أبدوا اهتمامهم لاعادة العراق للصف العربي ومحاربة الطائفية والارهاب وبناء عراق جديد بلا ميليشيات طائفية".
هذه التصريحات وغيرها تكشف عن ان ازمة المرحلة المقبل تتمثل بمحاولة اضعاف قوات الحشد الشعبي، وان هدف الانفتاح السعودي على العراق هو ابعاده عن إيران، وإضعاف تلك القوة العراقية التي اصبحت مصدر خطر يهدد مصالح الكثير من الدول، والا كيف يمكننا تفسير استعداد السعودية لبذل عشرات المليارات من الدولارات مقابل ذلك.
وانطلاقا من تلك القناعة يمكن القول ان الولايات المتحدة الأمريكية بدأت الخطوات الأولى لإضعاف الحشد الشعبي من خلال سيل التصريحات التي استهدفته واتهامه بشتى التهم الخطيرة التي يمكن من خلالها الوصول إلى تصنيفه ضمن المنظمات الإرهابية، ولعل ما صرحت به المتحدثة بأسم الخارجية الامريكية هيذر نويرت بشأن قائد الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس"، ونعته بالإرهابي يكشف عن وجود توجه لدى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تصنيف الحشد الشعبي او بعض قياداته ضمن المنظمات او الشخصيات الارهابية.
ما يهمنا كعراقيين هو التعرف على الأساليب التي يمكن ان تتبعها الولايات المتحدة والمتحالفين معها لإضعاف تلك الفصائل في المرحلة المقبلة.
ولعل البعض يعتقد أن الخيار العسكري سيكون حاضرا بقوة لإضعافها، إلا أني اعتقد ان مواجهة الحشد الشعبي في العراق لا يمكن أن تكون عسكرية على الإطلاق؛ لأنهم جربوا في السابق صبر العراقيين وجلدهم في مواجهة الأعداء.
لذا ارى ان المواجهة ستكون باتجاهات عدة أهمها الاتي:
١. اختراق فصائل الحشد الشعبي من خلال زج بعض الأشخاص فيها وتوجيههم على الاساءة للشعب بهدف إضعاف ثقة العراقيين به.
٢. إطلاق حملات إعلامية لتشويه صورته والتركيز على الجوانب السلبية التي يمكن ان تصدر من بعض المحسوبين عليه.
٣. استدراج بعض المنتسبين لفصائل الحشد الشعبي لإعلان التمرد على قياداتهم وصولا إلى تفكيك بعض الفصائل القوية.
٤. تنفيذ عمليات اغتيال نوعية لعدد من قادته المؤثرين على ايدي مأجورين.
٥. العمل على ايجاد فتنة داخلية بين فصائل الحشد الشعبي بهدف الوصول إلى حالة عداء مستقبلية بينها، ولعل منها الاختلاف المرجعي لتلك الفصائل.
٦.محاولة خلق منطقة توتر خارجية تستقطب فيها مقاتلي الحشد الشعبي لتصفية اكبر عدد ممكن منهم.
٧.الضغط على الحكومة العراقية لإضعافه الى اقل حد ممكن.
٨. استدراج فصائل الحشد للتمرد على الحكومة المركزية تمهيدا لاستهدافها بوصفها خارجة على القانون.
هذه الأساليب وغيرها يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا لإضعاف قوة الحشد الشعبي؛ الا ان المهم في ذلك هو الموقف الداخلي سواء على مستوى الحكومة المركزية او على مستوى قادة تلك الفصائل؛ لان المرحلة القادمة ستكون مرحلة حرب العقول والمنتصر فيها سيكون الرابح الأكبر قبل أن تبدأ المواجهة لا بد من إيجاد آليات مناسبة لتحقيق الاندماج الكامل بين القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي، فهل يا ترى يمكن أن نجد هذا الاندماج ام سنجد أنفسنا الخاسر الأكبر في معادلة الحرب الناعمة .. امل ان يكون خيارنا الاول لاننا نستحق ان نكون في الصدارة.
اضف تعليق