قبل ايام سمعنا تصريحا للرئيس التركي اردوغان أعلن فيه أن القوات التركية ستتوجه بعد عفرين الى منبج لتسليمها الى سكانها الحقيقيين، ثم الى شمال العراق.. هذا التصريح المستفز والخطير يكشف عن تحول خطير في حركة الاضطراب التي تشهدها المنطقة منذ سنوات طويلة.. كتبت قبل سنتين تقريبا أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة المواجهة المباشرة بدلا عن المواجهة بالأدوات في الحرب غير المباشرة بين القوى الفاعلة، وكان ذلك الاعتقاد مبنيا على قراءة لمجريات الأحداث وتطوراتها؛ إذ كنا نلحظ أن حدة المواجهة وتراجعها مرهون بارادات دولية وبالخصوص في سوريا، وقد تجسدت تلك الارادات بوضوح في مؤتمرات جنيف واسيتانا وسوتشي وغيرها، والتي كان ظاهرها التفاوض بين النظام السوري والمعارضة إلا أنها كانت تمثل تفاوضا بين معسكرين دوليين الاول بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والآخر بقيادة سوريا وحلفائها.
ويدلل على عالمية هذا الصراع ما صرح به قبل ايام الرئيس الأمريكي ترامب من أن تكاليف الحرب في الشرق الأوسط وصلت إلى ٧ ترليونات دولار، هذا الرقم الأسطوري يؤشر مدى أهمية هذه الحرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
بوادر الحرب المباشرة بدأت في العمليات العسكرية التي اقدمت عليها تركيا في مدينة عفرين السورية، ويبدو أن اردوغان تعجّل كثيرا في الاقدام على هذه الخطوة لأنه سيجعل من تركيا كبش الفداء، والحجر الاول الذي يسقط في بركة الماء الراكدة، والتي لا يُعلم حجم الحركة والاضطراب الذي سينتج عنها في قابل الايام.
الأمر الواضح إلى الآن هو أن تركيا بدأت العمليات العسكرية وبالمقابل نجد مقاومة شرسة من قبل قوات حماية الشعب الكردية في عفرين، والتي بدأت تقصف بعض المدن التركية الحدودية.
إلا أنني اعتقد ان هذه الحرب يراد لها ان تكون حرب استنزاف طويلة الأمد وتشبه إلى حد ما الحرب الدائرة في اليمن، خصوصا أن المعلومات تشير إلى دعم أمريكي غير معلن لقوات سوريا الديمقراطية.
قرأت وسمعت الكثير من التحليلات التي تحدثت عن الخذلان الأمريكي للاكراد في العراق وسوريا، إلا أني اعتقد ان امريكا لم تتخلى عن الاكراد في العراق إلا لتمردهم على قراراتها المبنية على رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لان الادارة الامريكية ومن خلفها مراكز صنع القرار لا تريد قيام دويلة صغيرة هشة أمنيا وسياسيا واقتصاديا في شمال العراق، بل تسعى لما هو أبعد من ذلك بكثير .. نعم تريد إقامة الدولة الكردية الكبرى في كل من سوريا والعراق وإيران وتركيا، وقد قطعت شوطا طويلا في هذا المجال، وهي اليوم تحاول احداث اضطرابات في كل من تركيا وإيران لتتمكن من إيجاد الأرضية المناسبة لتحقيق ذلك الهدف.
يبدو أن أمريكا نجحت في استدراج تركيا الى هذه المعركة، من خلال إرسال رسائل غير مباشرة إلى القيادة التركية بعدم معارضتها لاي عمل عسكري تركي على الحدود السورية؛ مما جعل اردوغان يتدخل عسكريا في شمال سوريا ويهدد بدخول كل من عفرين ومنبج السوريتين وبعض المناطق في شمال العراق، وما ان انطلقت العمليات العسكرية التركية حتى بدأنا ندرك شيئا من المخطط الأمريكي الذي يقضي بتوسيع دائرة الفوضى في المنطقة كإجراء تكتيكي للوصول إلى إلى أهدافها الاستراتيجية غير المعلنة.
اضف تعليق