طوال سنوات ما بعد تغيير النظام ً دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة أن تتعامل مع الأزمات الاقتصادية عند وقوعها وتبدأ بعدها بالبحث عن الحلول للخروج منها بأقل الخسائر وهذا من الأخطاء الكارثية في إدارة الملف الاقتصادي وسببه هو غياب التخطيط الاستراتيجي العلمي السليم الذي يرسم خارطة...
طوال سنوات ما بعد تغيير النظام ً دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة أن تتعامل مع الأزمات الاقتصادية عند وقوعها وتبدأ بعدها بالبحث عن الحلول للخروج منها بأقل الخسائر وهذا من الأخطاء الكارثية في إدارة الملف الاقتصادي وسببه هو غياب التخطيط الاستراتيجي العلمي السليم الذي يرسم خارطة طريق صحيحة لكل القطاعات ومنها القطاع الاقتصادي، وقد طالبنا مراراً بتبنّي وتفعيل عملية التخطيط الاستراتيجي حتى جفّت أقلامنا لأننا على يقين بأن الخلاص من أزماتنا التي نمرّ بها لن يكون إلا بهذا السبيل.
وماجعلني أكرر الكتابة في هذا الموضوع هو الخطوة الاولى التي تم اتخاذها وهي إعداد استراتيجية الأمن الوطني للبلاد والتي تم مصادقتها مؤخراً من رئاسة الوزراء، وهنا تم وضع البلاد على السكة الصحيحة والأهم هو ترجمة هذه الاستراتيجية بشكل صحيح أثناء عملية التنفيذ على أرض الواقع.
وهنا يجب على الحكومة الاستعانة بالكفاءات العلمية والخبرات في مجال الاقتصاد والمال والاسراع بزجّها في المواقع القيادية للحلقات الإقتصادية في البلد وإبعاد الشخصيات الحزبية الطارئة التي تم وضعها في هذه المناصب بسبب المحاصصة الطائفية والحزبية والتي جلبت لنا ولاقتصادنا الدمار بسبب جهلهم بأبجديات الاقتصاد والمال، وبعدها تبدأ عملية وضع الخطط التنموية الاقتصادية والمالية بجميع أنواعها الثلاثة (القصيرة والمتوسطة والطويلة) الأمد ووضع الآليات الصحيحة للتعشيق السليم بين هذه الخطط لخلق تنمية مستدامة تدفع بالاقتصاد العراقي نحو الأمام وتخلق حالة من الاستقرار في البلد.
ويجب العمل على مبدأ التخطيط القريب والبعيد سويةً أي نخطط لميزانية العام القادم وبنفس الوقت نرسم خططنا الاقتصادية لخمس سنوات مقبلة وأخرى لعشرة سنوات وأكثر ونضع أهداف كل خطة ونعمل على تحقيق هذه الأهداف تدريجياً، وبمعنى آخر أن تكون سياستنا الاقتصادية هو أن نستبق الأحداث والأخطار الاقتصادية ونتجنبها ونأمن من أخطارها لا أن ننتظر وقوع الخطر وحدوث المشكلة الاقتصادية وبعدها نبحث عن الحلول، وكل ذلك يتحقق بالاستعانة بالعلم للتخطيط الاستراتيجي للبلد.
وهذا ليس بالأمر العسير بل يحتاج الى نيّة حقيقية للإصلاح، لأن المشكلة الإقتصادية مهما كان نوعها وحجمها فهي جزء من علم واسع هو علم الاقتصاد بفروعه الكثيرة وقد تناول هذا العلم جميع أنواع المشاكل الإقتصادية التي حدثت وتحدث في العالم وتبّحر علماء الاقتصاد والخبراء في تسليط الضوء على هذه المشاكل ووضعوا النظريات العلمية واقترحوا الحلول الناجعة لتجاوز هذه المشاكل وقد اعتمدوا على تجارب مختلف دول العالم التي مرّت بهذه المشاكل وأشبعوها دراسةً وتحليلاً علمياً واستنبطوا الحلول السليمة لغرض الاستفادة منها من قبل الدول التي تقع في هذه المشاكل مستقبلاً والمكتبات العلمية زاخرة بآلاف المصادر التي تخص هذا المجال.
إذا ما أرادت حكومتنا النجاح في مسعاها لتجاوز المشكلات الاقتصادية والنهوض بواقع البلد المتردي فعليها أن تعمل بشكل جاد إضافة للتخطيط العلمي والاستراتيجي للبلاد أن تشحذ الهمم لمحاربة الفساد الذي استشرى في معظم أرجاء البلاد والذي يعتبر من أكبر المعرقلات لعملية النمو الاقتصادي.
اضف تعليق