لا تزال حرب السيطرة على الفضاء بين القوى الكبرى تجري خلف عدسات وسائل الاعلام، لكونها لا تحتوي على عدد كبير من القتلى كما ان المراسلين قد لا يجدون وسيلة لتغطية تلك الحرب الا اذا توافرت لديهم مركباتهم الفضائية الخاصة لتصوير ما يحدث خارج الخلاف الجوي للكرة الأرضية...
لا تزال حرب السيطرة على الفضاء بين القوى الكبرى تجري خلف عدسات وسائل الاعلام، لكونها لا تحتوي على عدد كبير من القتلى كما ان المراسلين قد لا يجدون وسيلة لتغطية تلك الحرب الا اذا توافرت لديهم مركباتهم الفضائية الخاصة لتصوير ما يحدث خارج الخلاف الجوي للكرة الأرضية.
ومنذ اطلاق الاتحاد السوفيتي لأول صاروخ الى الفضاء بدأ سباق محموم بين واشنطن وموسكو لاثبات الجدارة التقنية امام العالم، وقد توقف هذا الصراع بعد نهاية الحرب الباردة الا انه عاد من جديد بحلة مختلفة تبدو عليها مؤشرات اكثر خطورة من حيث محاولة استخدام الفضاء كمجال لانشاء قواعد عسكرية دائمة وليس كخيار من الترف التقني كما كان في السابق، ودخل الى هذا الصراع الوافد الجديد الى عامل القوى الكبرى وهو العملاق الصيني.
الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اطلق صافرة بداية هذا الصراع الجديد باعلانه يوم الاثنين (18 حزيران 2018)، أنه أمر بإنشاء "قوات فضائية"، موضحا إن القوات ستكون إلى جانب كل من الجيش والقوات الجوية وخفر السواحل، وخلال انعقاد المجلس القومي للفضاء، في البيت الأبيض، أضاف ترامب: "لا يكفي أن يكون هناك وجود أمريكي في الفضاء، بل يجب أن تكون لدينا هيمنة أمريكية في الفضاء".
وتابع: "من المهم جدا أن أقوم بتوجيه وزارة الدفاع للبدء فورا في العملية اللازمة لإنشاء قوة فضائية". ووصف ترامب هذا الإعلان بـ"البيان الكبير للقوات المسلحة". وأوضح أن هذه القوات ستكون منفصلة عن سلاح الجو، قائلا: "ستكون لدينا قوات جوية وقوات فضائية، وستكونان متساويتين ومنفصلتين".
ومضى قائلا: "لا أريد أن تتسيدنا الصين وروسيا ودول أخرى في الفضاء". وأردف أن "الولايات المتحدة ستصبح قائدة الفضاء على المدى البعيد". وأعرب عن تطلعه إلى "إنعاش برنامج الفضاء المتدهور، عبر إعادة الولايات المتحدة إلى القمر، والوصول قريبا إلى المريخ".
وبلغت ميزانية القوات الجوية الأمريكية للبرامج الفضائية في 2018، 7.75 مليار دولار، بزيادة 20٪ عما كانت عليه في ميزانية عام 2017. ومن المقرر أن يرتفع هذا البند فى الميزانية إلى 8.5 مليار دولار فى 2019.
اعتماد كلي على الفضاء
في شهر اذار الماضي، تحدّث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال خطاب وجهه للعسكريين في سان دييغو، عن رغبته بإنشاء قسم جديد بالكامل في الجيش الأمريكي، مهمته التركيز على الحرب في الفضاء، حسب ترامب الذي أطلق على الأمر مصطلح "القوة الفضائية"، مؤكداً أن القسم الجديد سيصبح واقعاً قريباً.
هذا الخطاب المهم، لم يشر فيه ترامب لأية تفاصيل حول ما سيقوم به قسم "الحرب الفضائية" في الجيش الأمريكي، مكتفياً بالقول إن عمليات سلاح الجو ستعتمد اعتماداً كلياً على الفضاء.
ولم يحقق تصريح ترامب عن "قوة فضاء أمريكية" وقتها الجدل نفسه والاهتمام الذي تحققه تصريحاته الأخرى، بحسب موقع "رصيف22"، لكن البعض تعامل معه بجدية ومنهم مايكل شميت، وهو أستاذ القانون الدولي العام وخبير في حرب الفضاء في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، الذي قال لصحيفة "الغارديان" البريطانية إنه "من المحتم أن نرى الصراع ينتقل إلى الفضاء".
يؤكد شميت أنه واثق أن صراع الفضاء سيحدث دون شك، شارحاً أن حرب الفضاء أمر لا مفر منه، لأن الجيوش الحديثة اليوم تستخدم الفضاء بالفعل لكل شيء، بداية من الأقمار الاصطناعية للتجسس وصولاً إلى معرفة أماكن الأعداء، ويعلّق " الاعتماد على الفضاء أمر يفكر فيه بجدية الجميع في الصراع المعاصر".
يؤكد شميت إنه في أي حرب يسعى أحد الأطراف إلى حرمان الآخر من قدرته على استخدام الأقمار الاصطناعية للانتصار عليه، لذلك فإن من يمتلك القدرة على مهاجمة الأقمار الاصطناعية سيصبح قادراً على الحسم.
مسالة وقت
وكان قائد سلاح الجو الأمريكي، الجنرال ديفيد غولدفين، قد استبق اعلان ترامب بحوالي أربعة اشهر وتحديدا في نهاية شهر شباط اذار من عام 2018 قائلا إن الحرب الفضائية، مسألة وقت وممكن أن تحدث في غضون سنوات، مطالبا بالتحضير لمعركة تدور خارج كوكب الأرض.
وأضاف الجنرال الأمريكي، في المؤتمر السنوى الـ34 لرابطة سلاح الجو ومعرض التكنولوجيا في فلوريدا، "لقد حان الوقت لأن نعمل من أجل التفوق الفضائي".
ووفقا لما نقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن موقع "Space News"، "يتوقع غولدفين، أن تقوم القوات الجوية الأمريكية بضربات من الفضاء في غضون سنوات قليلة، مشيرا أن سلاح الجو هو جزء من الجيش الأمريكي، والتي يجب أن تقود عمليات عسكرية مشتركة على المناطق الجديدة المتنازع عليها في الفضاء".
ويرى المسؤول الأمريكي، أن تعزيز القوة الضاربة للجيش الأمريكي بحاجة إلى دمج قدرات الاستخبارات والاتصالات على جميع المحاور: في الهواء، وفي البر، والبحر، والفضاء الإلكتروني، والفضاء الخارجي.
وبالإضافة إلى ذلك، أوضح القائد الأمريكي، أن سلاح الجو الأمريكي في حاجة إلى جيل جديد من القادة لمواكبة التحديات المستقبلية. وشدد الجنرال غولدفين، أن سلاح الجو الأمريكي هو الأفضل لحماية مصالح البلاد في الفضاء، مؤكدا "سنقاتل من الفضاء في غضون سنوات".
فتش عن المنافسين
حرب الفضاء الامريكية ليست ضد الاشباح انما هناك خصم حقيقي ويتعامل مع واشنطن على أساس الند للند بل ان هذا الخصوم او الخصوم اذا صح التعبير يزعمون انهم يتفوقون على الأمريكيين في مجال الفضاء خاصة اذا تعلق الامر بالروس الذين يفتخرون بجبروتهم حيث كان لهم السبق دائما في استكشاف الفضاء وصناعة الصواريخ الحاملة للمركبات الفضائية.
وكشف موقع روسيا اليوم في تقرير له نقلا عن وكالة نوفوستي في نهاية تشرين الأول عام 2017 ان شركة "روسكوسموس" الحكومية المتخصصة في شؤون الفضاء تنوي بناء محطة ذرية في مدار حول الأرض. وقامت الشركة بتكليف مكتب "أرسينال" للإلكترونيات الفضائية بمهمة تصميم محطة الشحن الفضائية.
ويفترض بالمحطة الذرية شحن الأجهزة الفضائية بواسطة شعاع الليزر. وسبق أن جربت شركة "إنيرغيا" لصناعة الصواريخ الفضائية نقل الطاقة بهذه الطريقة بنجاح، حيث أمن شعاع ليزر نقل الطاقة الكهربائية على مسافة 1.5 كيلومتر.
إضافة إلى تصميم المحطة الذرية، سيعد مكتب "أرسينال" خيارات مدار المحطة حول الأرض، ومخططات إطلاقها، إضافة إلى المواصفات وتفاصيل الأخرى.
ويرى عضو أكاديمية الفضاء الروسية أندريه أيونين أن تقنيات الليزر قد تستخدم في الفضاء عند إطلاق أقمار النانو الاصطناعية إلى خارج المنظومة الشمسية.
من يتفوق على من؟
العالم أناتولي ايفانوفيتش سافين، أحد مؤسسي أول أنظمة مضادة للأقمار الصناعية في العالم، والمدير العلمي لشركة "ألماز أنتي"، يقول أن الاتحاد السوفييتي كان قادرا على قيادة حرب فضاء حقيقية. والتقنيات الروسية الجديدة تجعل من الدفاع الصاروخي والدفاع المضاد للأقمار الصناعية، نظامان لا يقهران.
وأضاف سافين، أن الولايات المتحدة عملت بنشاط على عسكرة الفضاء في أوائل الستينات، وأن هذه حقيقة تاريخية. واتضح فيما بعد أن التخطيط لهذا الأمر وتحويله إلى واقع ليس نفس الشيء، ومع ذلك لم نستطع نحن أن نتجاهل حقيقة أن واشنطن تسعى للمواجهة في الفضاء القريب من الأرض، وبدأنا العمل أيضا. بحسب ما تنقل عنه وكالة سبوتنيك الروسية.
التجارب الأولى قام فيها الاتحاد السوفيتي عام 1970. واستطاع نظام اعتراض الأقمار الصناعية من تحويل الهدف إلى أشلاء بحسب سافين. ودخل النظام في عام 1979 الخدمة القتالية. ويقول سافين: بينما كانوا يحاولون في الغرب صنع مبادرة الدفاع الاستراتيجي وكانوا يعلنون عنها، كان الاتحاد السوفييتي يدمر العشرات من الأقمار الصناعية في الفضاء، ولهذا سموني "أبو حرب الفضاء".
الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت إصابة الأهداف في الفضاء فقط في عام 1985، وهذا يعني أن روسيا تقدمت عليها في هذا المجال بـ 15 سنة، فهل كانت روسيا بالفعل قادرة على قيادة حرب فضاء أم أن هذا أمر مبالغ فيه؟
أناتولي سافين يجيب على هذا: "أنا لا أفهم من أين تأتي المعتقدات بأن الغرب دائما يتقدم علينا. نعم لقد كان لدينا مشاكل تكنولوجية، ولم نستطع أن نطور بعض الأشياء لأسباب موضوعية. ولكن العديد من تصاميمنا كانت تنفذ بشكل أفضل وأسهل مما تفعله الولايات المتحدة. ولذلك نحن تقدمنا عليهم في سباق التسلح في الفضاء. على الرغم من أن الاتحاد السوفييتي لن يبدأ حرب الفضاء أولا.
ومع ذلك نظم إدارة المعلومات الفضائية كانت تسمح لنا في أوائل السبعينات وحتى الوقت الحاضر بالحفاظ على التكافؤ العسكري الاستراتيجي ليس فقط مع الولايات المتحدة وأيضا مع جميع دول حلف شمال الأطلسي.
هل أمريكا مستعدة لمواجهة روسيا والصين؟
الإجابة على هذا السؤال يحملها تقرير حديث نشرته صحيفة بوليتكو الأمريكية، ونشره موقع "رصيف22" في (14 نيسان 2018) حيث يرى التقرير أن الولايات المتحدة غير مستعدة لهذه الحرب حالياً، بسبب أن روسيا والصين نجحتا في تطوير وسائل لتدمير أو تعطيل الأقمار الاصطناعية التي يعتمد عليها الجيش الأمريكي في كل شيء تقريباً، بداية من جمع المعلومات ومروراً بتوجيه القنابل الدقيقة والصواريخ، وصولاً إلى التحكم في الطائرات من دون طيار.
لكن الصحيفة أشارت إلى أن البنتاغون يحاول حالياً أن يجد لنفسه مكاناً في عالم حروب الفضاء، حيث ضخ مليارات الدولارات بهدف تقوية دفاعاته ضد الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، بالإضافة إلى تدريب قواته على العمل في حال تعطل الأقمار الاصطناعية لأي سبب.
وقالت الصحيفة الأمريكية أن القادة العسكريين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم يتعاملوا بجدية مع التهديدات المحتملة في مجال الفضاء، معتبرة أن مطالبة ترامب مؤخراً بإنشاء قوة فضائية، يعني أن الإدارة الأمريكية فهمت أخيراً أن الفضاء قد يصبح ساحة حرب.
ولفتت "بولتيكو" إلى أن الاستخبارات المركزية الأمريكية أصدرت بالفعل عدة تقارير في الشهور الأخيرة تحذر من تنامي تهديدات روسيا والصين في مجال الفضاء، وبحسب تلك التقارير فإن جهود روسيا والصين تتركز بشكل أساسي على التشويش على اتصالات الأقمار الاصطناعية العسكرية.
اضف تعليق