الدول بشكل عام والعظمى والكبرى منها على وجه الخصوص في مسعى دائم لتحسين مكانتها الدولية، وتعظيم نفوذها، لتعزيز مصالحها وحمايتها. ومن موارد التميز والتفوق لدولة على أخرى ما تتوافر عليه من امكانيات اقتصادية، عسكرية، تكنولوجية، سياسية، وغيرها، والقدرة على توظيف هذه الامكانيات بالشكل الأمثل، لا سيما من جهة تحديد الأهداف ومراحل الانجاز، والأولويات وأهميتها وبما يلائم امكانياتها وقدراتها.
وتعد قدرة الدولة على توظيف موارد القوة لديها في المناطق بشكل عام والمهمة منها على وجه الخصوص لتوسيع نفوذها وتعزيز مصالحها واحدة من نقاط التفوق التي تمكنها من تحقيق المكاسب على المستوى الدولي.
وفقاً لما تقدم فإن التأثير مباشر ومتبادل بين التوازنات الدولية والتوازنات الإقليمية، بل أن قدرة قوة ما على تحقيق توازن استراتيجي على المستوى الدولي يعتمد بشكل كبير على قدرتها في تشكيل تفاعلات السياسة الدولية والتأثير في التوازنات الإقليمية، والقدرة على تحديد مساراتها وضبطها بما يحقق لها مصالحها. بل أن التفاعلات الإقليمية وحراك الدول للتعامل معها والمواقف التي تتخذها تجاه القضايا الإقليمية في أغلبها تمثل انعكاس لمصالح القوى العظمى والكبرى، لدرجة انها في كثير منها تحدد مساراتها وتحدد كيفية التعامل معها.
وهذا ما يدفع بالقوى العظمى والكبرى الى أن تكون حاضرة في قضايا المنطقة، وتعمل باستمرار على تطوير سياساتها بما يمكنها من ضبط التوازنات الاقليمية، وبما يضمن لها نفوذها وتعزيز مصالحها، وتوظيفها لصالحها في مجال التنافس الدولي.
ولهذا فان سياسات القوى العظمى والكبرى التي تهدف الى الحفاظ على توازن القوى السائد في المنطقة أو تغييره إنما تحدده مصالح كل قوة من هذه القوى. وهو ما يحتم على كل منها أن يكون لها حضوراً في قضايا المنطقة، وقدرة على طرح المبادرات وفرضها في أحيان أخرى، وبما يلائم مصالحها ويعزز نفوذها.
ومن الجدير ذكره، ان التحول في النظام الدولي من نظام ثنائي القطبية الى نظام أحادي القطبية بانتهاء الحرب الباردة، قد ترافق معه حدث إقليمي تمثل بحرب الخليج الثانية في كانون الثاني من العام 1991، أي ان المنطقة كانت ساحة لبداية تحول كبير في النظام الدولي. وكذلك بعد أحداث أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن الرد الأمريكي كان في ساحة الشرق الأوسط. وبعد كل حدث منهما تطرح الولايات المتحدة الأمريكية مبادرة، ففي الأولى طرحت مبادرة مؤتمر مدريد للسلام 1991، وفي الثانية طرحت مبادرة خريطة الطريق.
وتمثل منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية منطقة مصالح حيوية، لاسيما ان جوهر هذه المصالح والمتمثل بتأمين الحصول على النفط، وضمان أمن إسرائيل لازالت تحتل أولوية متقدمة ضمن أولويات وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والى اليوم.
ويعد تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في خطاب حالة الاتحاد للعام 1980 تأكيداً على أهمية نفط المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية، إذ قال بهذا الخصوص "إن محاولة أي طرف خارجي للسيطرة على نفط الخليج الفارسي سوف تعتبر هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسوف يجري ردع هذا الهجوم بكل الوسائل الضرورية، بما فيها القوة العسكرية" (مايكل هدسون، تحولات جيو–سياسية: صعود آسيوي وتراجع أمريكي في الشرق الأوسط).
أما ما يتعلق بهدف ضمان أمن إسرائيل فقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من مناسبة وعلى أعلى المستويات الرسمية من المسؤولين التنفيذيين والتشريعيين التزامها بأمن إسرائيل.
ومن تلك التأكيدات تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في المنتدى السابع لمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنغز بتاريخ 11/12/2010، إذ أكدت على "التزام أميركا بأمن إسرائيل ومستقبلها يقف كصخرة صلدة لا يتزعزع، ولن يتغير، فمنذ أول أيامنا في الحكم، أكدت حكومة أوباما هذا الالتزام.."، وقد أكدت الادارة الأمريكية الجديدة، إدارة دونالد ترامب، على هذا الأمر، إذ وصف ترامب، خلال حملته الانتخابية الرئاسية إسرائيل بأنها "معقل الأمل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط"، وأكد على ضمان "أن تبقى إسرائيل في حالة جيدة جدا إلى أبد الأبدين".
في قبالة هذا الاهتمام والنفوذ الأمريكي بالمنطقة، هناك محاولات لقوى كبرى تهدف الى موازنة النفوذ الأمريكي في المنطقة، لغرض تعزيز نفوذها بالمنطقة من جهة، ومن جهة أخرى تعزيز موقفها التفاوضي بخصوص قضايا في مناطق أخرى، وهو ما يمكن أن يعزز مكانة القوى الكبرى وبروزها كقوى منافسة لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.
فمع بدايات القرن الحالي شهد النظام الدولي تحولات عديدة في موازين القوى الدولية تمثلت في صعود قوى جديدة تسعى للحصول على مكانة أفضل على المستوى العالمي. وأحد أهم العوامل المساعدة في ذلك هو تأمين الحصول على الطاقة في ظل ندرتها وتزايد الطلب عليها.
فالصين، على سبيل المثال لا الحصر، يمكنها أن توظف ما تمتلكه من امكانيات اقتصادية وتكنولوجية لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتأمين ما تحتاجه من الطاقة، وهو ما يعزز فرص تحسين مكانتها كقوة كبرى على المستوى الدولي.
وكذلك الحال بالنسبة الى روسيا التي تدخلت في المعركة ضد الارهاب في سوريا، إذ قدمت الدعم لصالح الدولة السورية في حربها ضد الجماعات الارهابية، وهو ما عزز نفوذ روسيا في سوريا بشكل خاص، ومقدمة لمد نفوذها الى دول أخرى، وهو ما انعكس ايجاباً لصالح مكانة روسيا على المستوى الدولي.
اضف تعليق