ارتبط تأسيس الحشد الشعبي بالتهديد الذي مثله تنظيم داعش الإرهابي بإحتلاله عدد من محافظات ومدن عراقية ووصول تهديداته إلى حدود العاصمة بغداد، وصدرت الفتوى المباركة من سماحة المرجع السيد علي السيستاني (دام ظله) بالجهاد الكفائي الذي بفضله تمكن العراق من رد التهديد وتحرير المحافظات والمدن التي أحتلها داعش الإرهابي ما بعد 9/6/2014، فأن بقاء الحشد الشعبي لا يرتبط بتحرير المحافظات والمدن العراقية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه، إنما بقاء الحشد يرتبط ببقاء العراق كدولة موحدة تملك قرارها ولها سيادتها كاملة غير منقوصة. بمعنى أن الحشد الشعبي أصبح ضامن لأمن واستقرار العراق، والسد المنيع لصد الأخطار والتهديدات التي من الممكن أن يتعرض لها العراق.
بل أذهب إلى أبعد من ذلك وأقول أن الحشد الشعبي سيشكل قوة ردع تجعل الآخرين يفكرون كثيراً قبل أن يتخذوا قراراً بالعدوان على العراق، سواء كان بشكل مباشر أم غير مباشر من خلال دعم التنظيمات الإرهابية وإرسالها إلى العراق، كما في تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين.
بعد أن تمكنت عصابات داعش الإرهابية من إحتلال مدينة الموصل في 10/6/2014، وتمكنها في الأيام اللاحقة على هذا التاريخ من إحتلال عدد من المدن العراقية، وبعد أن أصبحت تشكل تهديداً لمحافظات أخرى ومنها العاصمة بغداد، صدرت فتوى الجهاد الكفائي المباركة من المرجع آية الله العظمى السيد علي السيستاني. وتوقيت الفتوى أحبط كل المخططات الإرهابية، إذ أن إستجابة العراقيين للفتوى وبأعداد كبيرة جداً دفع الخطر عن حدود العاصمة بغداد، ومن ثم تحرير جميع المدن العراقية وفق الخطط التي وضعتها القيادات العسكرية العراقية بإشراف وتوجيه السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة.
وبفضل فتوى السيد السيستاني، التي تم الإعلان عنها بخطبة الجمعة 13/6/2014، إستجاب عدد كبير من العراقيين لها لمواجهة التهديدات الإرهابية والقضاء عليها. وتمكن الحشد الشعبي بالتعاون مع القوات العسكرية العراقية من تحرير المدن العراقية والقضاء على العصابات الإرهابية، ولم يبقى سوى عدد من المدن مثل الحويجة والتي انطلقت عملية تحريرها حسب خطط موضوعة مسبقاً من القيادات العسكرية العراقية وبإشراف السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة.
إن هذه الإنتصارات التي تحققت بفضل تضحيات الحشد الشعبي وتعاونه وتنسيقه مع قوات وزارتي الدفاع والداخلية تتطلب العمل على تبني الحشد الشعبي على أنه خيار إستراتيجي تفرضه متطلبات تحقيق الأمن القومي للعراق، وضمانة لتحقيق إستدامة الاستقرار الأمني فيه. كما أن جهوزيته وإستعداده للقتال في أية منطقة من مناطق العراق جعلت منه سنداً قوياً للقوات العسكرية العراقية، بحيث أصبح من المتعذر الحديث عن إنتصارات مؤكدة ومرضية بنتائجها إلا بمشاركة الحشد الشعبي ومساندته للقوات العسكرية.
ولكل ما تقدم، نقول أن الحشد الشعبي يجب أن يتم تبنيه من الدولة العراقية على أنه الخيار الإستراتيجي الذي لا يمكن الاستغناء عنه بعد الآن.
ومن الأسباب التي تدعونا إلى الدفع بهذا الإتجاه هي:
1- الهجمات الإرهابية التي تعرض لها العراق منذ عام 2003، وما مثلته من تحديات أمنية لقوات الأمن العراقية وحياة المواطنين العراقيين. كما أن ما تعرض له العراق في 10/6/2014 باحتلال الموصل من قبل عصابات داعش الإرهابية، وما تلاها من أحداث تشير إلى حجم التهديدات الأمنية التي تهدد العراق ودرجة تعقيدها.
2- أحداث 10/6/2014 وما تلاها كشفت حجم العمل المعد مسبقاً ودرجة التنسيق بين الأطراف القائمين على هذا العمل، وهو ما يؤشر حجم الخطورة التي تهدد أمن العراق، وحياة مواطنيه.
3- أحداث التغيير التي شهدتها بعض الدول العربية وأفضت إلى تغيير أنظمتها الحاكمة كما حصل في تونس 2010 ومصر وليبيا واليمن 2011، وما تشهده البحرين من ثورة شعبية ضد النظام الحاكم، والأحداث في سوريا وإنعكاساتها الخطيرة على العراق.
4- تصاعد الاستقطاب الطائفي على المستوى الإقليمي بسبب توجه بعض الدول الإقليمية لتشكيل تحالفات من عدة دول تمثل طائفة دينية معينة، ودفعها باتجاه زيادة التوترات الطائفية في المنطقة.
ومن المفيد العمل على دعم مشاركة أبناء المناطق المحررة ضمن الحشد الشعبي، إذ أن من شأن هذا الأمر تحقيق عدة أهداف ذات قيمة كبيرة، منها:
1- تعزيز حقيقة أن الحشد الشعبي يضم مختلف مكونات الشعب العراقي، وإنه لا يقتصر على مكون واحد. وهذا الأمر من شأنه إحباط محاولات البعض لإفشال هذه التجربة.
2- من شأن هذا الأمر أن يعزز فرص الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب العراقي، ويجعل أبناء المناطق المحررة يطلعون عن قرب على حقيقة الجهود والتضحيات التي يقدمها الحشد الشعبي لتحرير مناطقهم، وتأمين عودتهم بسلام لها بعد تأمينها بشكل جيد.
ولتعزيز النجاحات التي حققها الحشد الشعبي، وتعزيز وجوده كتشكيل ضمن القوات المسلحة العراقية له خصوصيته التي تميز بها، فإن الأمر يتطلب العمل على التطوير المستمر لتشكيلات الحشد الشعبي وذلك بالعمل على:
1- تعزيز وتطوير إمكانيات الحشد الشعبي بما يضمن تفوقه النوعي، بلحاظ أهمية أخذ الجانب الكمي بنظر الاعتبار على أن لا يكون على حساب الجانب النوعي.
2- تعزيز حالة الإنضباط في تشكيلات الحشد الشعبي بحيث تصبح بمستوى ما موجود في وزارتي الدفاع والداخلية أو يفوقهما.
3- تعزيز نظام التحقيق والمتابعة لأي حالة من حالات التصرف الفردي غير المنضبط، بحق المدنيين أو ممتلكاتهم، أو الممتلكات العامة، ومحاسبة من يثبت إرتكابهم لتلك التصرفات. بلحاظ أن الجميع أشاد بالمعارك التي خاضها الجيش العراقي والشرطة الإتحادية والحشد الشعبي، ومراعاتهم لحقوق الإنسان، وحرصهم العالي في الحفاظ على حياة المدنيين.
4- ضمان تحقيق رقابة دائمة بهدف عدم حدوث أية حالة تصرف غير منضبط، بلحاظ أن الحالات التي تم الحديث عنها، إن وجدت فعلاً، فهي حالات قليلة جداً وتحدث في أية معركة يخوضها أي جيش من جيوش دول العالم.
5- من المفيد أن تشمل الرقابة التصرفات المسيئة التي يرتكبها أشخاص ينتحلون صفة الحشد الشعبي، وهو ما يجب متابعته ومحاسبة الأشخاص الذين يرتكبون هذه الإساءات.
6- من أجل الحفاظ على صورة الحشد الشعبي وتثميناً لتضحياته الكبيرة والثمينة، من المفيد بهذا الخصوص أن أي شخص يثبت إرتكابه تصرفاً مسيئاً عن قصد وإصرار على تكرار إرتكابه يتم إستبعاده من تشكيلات الحشد الشعبي، وعدم قبوله في أي منها.
وبعد الإنتصارات الكبيرة التي تحققت بتحرير الموصل وتلعفر، وقبلها تحرير صلاح الدين والانبار وديالى وغيرها، ومع إنطلاق عمليات تحرير الحويجة يثبت الحشد الشعبي مرة بعد أخرى أنه في طليعة القوات المشاركة في تحرير المدن العراقية من سيطرة عصابات داعش الإرهابية، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الإستغناء عن الحشد الشعبي، وأنه الضمانة الأكيدة لتحقيق النصر في أية معركة بالتعاون مع القوات المسلحة العراقية وقوات الشرطة الإتحادية، كما أن الحشد الشعبي يمثل الضمانة الأكيدة لتحقيق الأمن، والضمانة لاستدامة حالة الأمن في العراق.
اضف تعليق