أَفْرَغَت براكين ضخمة ما في أحشائها من حِمَم على سطح كوكب الأرض قديمًا، بمعدل أكبر بكثير مما كان يتوقعه الجيولوجيون. لقد تبين أن انفجارات بركانية على المستوى نفسه من الضخامة؛ مقارنة بأكبر الانفجارات البركانية المعروفة سابقًا، قد حدثت 10 مرات على الأقل خلال الثلاثة مليارات سنة الماضية، حسب دراسة تحليلية للسجل الجيولوجي...
بقلم: ألكسندرا فيتز
أَفْرَغَت براكين ضخمة ما في أحشائها من حِمَم على سطح كوكب الأرض قديمًا، بمعدل أكبر بكثير مما كان يتوقعه الجيولوجيون. لقد تبين أن انفجارات بركانية على المستوى نفسه من الضخامة؛ مقارنة بأكبر الانفجارات البركانية المعروفة سابقًا، قد حدثت 10 مرات على الأقل خلال الثلاثة مليارات سنة الماضية، حسب دراسة تحليلية للسجل الجيولوجي.
ترتبط تلك الانفجارات البركانية ببعض أكثر التغيرات العظيمة التي حدثت على مدار تاريخ كوكب الأرض. ويتضمن ذلك أكبر حدث انقراض جماعي وقع منذ 252 مليون سنة، عندما غطت البراكين سيبيريا بالصخور المنصهرة، والغازات السامة.
يقول ريتشارد إرنست، وهو جيولوجي من جامعة كارلتون في أوتاوا، بكندا، وجامعة ولاية تومسك في روسيا، وأشرفَ على هذه الدراسة: "كلما رجعنا بالزمن إلى الوراء؛ اكتشفنا أحداثًا على المستوى نفسه من الضخامة. إنها أشياء ضخمة رائعة".
ويمكن لمعرفة زمان ومكان حدوث تلك الانفجارات البركانية أن تساعد الجيولوجيين في تحديد مواقع رواسب الخام، وإعادة بناء خريطة القارات العظمى، وفهْم كيفية تكوُّن القشرة الأرضية لكوكبنا. ودراسة هذا النوع من النشاط البركاني على كواكب أخرى يمكنه أن يكشف عن أدلة بشأن التاريخ الجيولوجي لكوكب الأرض في وقت مبكر من عمره.
قَدَّم إرنست النتائج في شهر مارس الماضي إلى اتحاد الصناعات الذي مَوَّل عمله البحثي (انظر: "أكبر الانفجارات البركانية على وجه الأرض"). و يتوقَّع إرنست أن يجعل البيانات متاحة للجميع بنهاية العام الجاري، وذلك من خلال خريطة توفِّرها لجنة الخريطة الجيولوجية للعالَم (CGMW) في باريس.
يقول مايك كوفن، اختصاصي علم الجيوفيزياء البحرية من جامعة تسمانيا في هوبارت بأستراليا: "ربما تصبح تلك هى قاعدة البيانات المرجعية للعقد المقبل".
ومِن المثير للدهشة أن الانفجارات البركانية القديمة تبدو كأنها تضاريس عادية؛ فالحمم التي قذفتها قد تآكلت منذ وقت طويل، غير أن الأنابيب التي ضخت الصخور المنصهرة من عمق الأرض إلى أعلى عبر البراكين لا تزال موجودة.
معلومات موحية
جاب إرنست وزملاؤه بقاع الأرض؛ للبحث عن آثار دالة على وجود تلك الأنابيب. إنها تظهر عادة كقضبان شعاعية من نفثات الحمم البركانية القديمة، تنتشر حول فوهة بركان خمد منذ زمن بعيد. قام الجيولوجيون بتعيين مواقع سمات جيولوجية معروفة باسم "الجيوب النافذة"، كما استخدموا التأريخ باليورانيوم والرصاص؛ من أجل تحديد عمر الصخور في كل جيب. ومِن خلال مطابقة أعمار هذه الجيوب، تمكَّن الباحثون من كشف وجود علاقة بين تلك التي تكونت بفعل انفجار واحد ضخم. وأثناء إجرائهم للمسح، وجد الباحثون أدلة على عديد من تلك الأحداث البركانية الكبرى.
كلٌّ من تلك الانفجارات البركانية التي تم التعرف عليها حديثًا، يُحفَظ في قاعدة بيانات إرنست. يقول إرنست: "لدينا حتى الآن حوالي 10 أو 15 انفجارًا بركانيًّا، ربما كانت مماثلة للحدث البركاني السيبيري. وهي انفجارات، إما أننا لم نكن نعرفها، أو أننا لم نكن نعرف عنها إلا معلومات ضئيلة، ولم نمتلك أي فكرة عن حجمها الحقيقي"، ومن بينها انفجار بركاني يبلغ عمره 1.32 مليار سنة، وقع في أستراليا، تبين أنه يرتبط بانفجار آخر في شمال الصين. فعن طريق اكتشاف علاقة ارتباط بين الجيوب النافذة العابرة للقارات، تمكَّن العلماء من التوصل إلى فهم أفضل للكيفية التي تغيرت بها القشرة الأرضية عبر الزمن، حسب قول ناصر الدين الأيوبي، وهو جيولوجي في جامعة القاضي عياض في مراكش.
ومِن الناحية التقنية، تُعرف تلك الانفجارات باسم "المقاطعات النارية الكبرى" LIPs، ويمكنها أن تقذف ما يزيد على مليون كيلومتر مكعب من الصخور خلال بضعة ملايين من السنين. وعلى سبيل المقارنة، فإنّ انفجار جبل سانت هيلين، الذي حدث في عام 1980 في ولاية واشنطن، لم يُخْرِج سوى 10 كيلومترات مكعبة من الصخور.
وتَنتُج عن تلك الأحداث البركانية أيضًا غازات، يمكنها أن تغيِّر درجة حرارة الجو وكيمياء المحيطات في لمح البصر على مقياس الزمن الجيولوجي. وتشير دراسة نمذجة نُشرت في شهر فبراير الماضي إلى أن درجات الحرارة العالمية ربما ارتفعت بمقدار 7 درجات مئوية في السنة أثناء ذروة الانفجارات السيبيرية. ولا بد أن جسيمات الكبريت التي انبعثت من الانفجار البركاني سرعان ما أدَّت إلى تبريد حراري عالمي، وسقوط أمطار حمضية، أدَّت بدورها إلى انقراض 96% من الأنواع البحرية، بيد أن تَصَوُّر الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها المقاطعات النارية الكبرى على البيئة عالميًّا يصير أكثر ضبابية كلما رجعنا بالزمن إلى الوراء، حسب قول مورجان جونز، وهو متخصص في علم البراكين بجامعة أوسلو. ويعود ذلك إلى تنامي الشكوك حول دقة التأريخ، كما يصبح من الصعوبة بمكان كشف وجود ارتباط بين الانفجارات المنفردة، وتأثيرات بيئية بعينها. يعلِّق جونز قائلًا: "الأمر يتجاوز حدود فَهْمنا".
في المتوسط، تحدث المقاطعات النارية الكبرى كل 20 مليون سنة، أو نحوها. وكان آخرها انفجار نهر كولومبيا منذ 17 مليون سنة، فيما أصبح الآن يُعرف بشمال غرب الولايات المتحدة.
يساعد اكتشاف المزيد من المقاطعات النارية الكبرى على الأرض في مقارنة التاريخ الجيولوجي للكوكب بنظيره في الكواكب المجاوِرة، حسب قول تريسي جريج، وهي متخصصة في علم البراكين بجامعة بافالو في مدينة نيويورك. وقد ترأست جريج وإرنست اجتماعًا حول المقاطعات النارية الكبري في أنحاء نظامنا الشمسي - وذلك في سياق اجتماع علوم الكواكب - عُقد في تكساس في مارس الماضي.
لقد تبين من دراسة كل من كوكب الزهرة، والمريخ، وعطارد، والقمر أن ثمة انفجارات بركانية ضخمة قد وقعت، حسبما أشارت جريج. وقد بدأ نشاط بركاني على القمر، اتخذ نمط المقاطعات النارية الكبرى في وقت مبكر، قبل 3.8 مليار سنة، أمّا على كوكب المريخ، فربما وقع نشاط مماثل قبل 3.5 مليار سنة، ولكن غياب صفائح تكتونية تُبقِي السطح نشطًا أدَّى إلى خمود تلك الانفجارات في نهاية الأمر.
تقول جريج: "الأجسام الكوكبية الأخرى تُحافظ على معلومات حول أقدم مراحل تطورها الكوكبي، وهي المعلومات ذاتها التي نفتقدها هنا على كوكب الأرض، والتي من شأنها أن تفتح لنا نافذة على التاريخ المبكر لكوكبنا".
اضف تعليق