أدلة جديدة ودراسات مهمة تخص عالم الحيوان اكتشفها العلماء في مختلف أنحاء العالم، أظهرت بشكل واضح بعض المهارات والأسرار والقدرات المدهشة للعديد من الحيوانات والحشرات كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على ان عالم الحيوان وعلى الرغم من الاكتشافات المهمة التي ازداد بفضل التطور العلمي والتقني الكبير، لا يزال مليئا بالعجائب والأسرار الكثيرة التي مكنت هذه المخلوقات من البقاء والاستمرار على قيد الحياة، وهو ما يدل على إبداع وحكمة الخالق عزوجل.
فالحيوانات وكما تشير بعض المصادر مجموعة أساسية من الكائنات الحية تصنف باعتبارها مملكة حيوية مستقلة باسم مملكة الحيوانات. وهي مخلوقات أكثر ذكاء وتعقيداً مما نظن، فهي مثلنا تتواصل وتفرح أو تحزن.. فيما يخص بعض الأسرار والخفايا من عالم الحيوان التي أثبتتها البحوث والدراسات العلمية، فحين يستعد الحوت الزعنفي لالتهام فرائسه يفتح ثاني أكبر حيوان على ظهر البسيطة فاه على وسعه وتتدفق فيه كمية من المياه تفوق كتلة جسمه يستخلص منها وجباته من السمك الصغير والرخويات. وحين يأكل يزيد هذا الكائن الذي يبلغ طوله 26.8 متر ووزنه 70 طنا من سرعته ويفتح فاهه ورئتيه وهو يسبح في المحيط. قوة اندفاع المياه التي تتدفق الى فم الحوت تقلب وضع اللسان رأسا على عقب وتوسع منطقة الحلق وتحيلها الى كيس هائل بين عظام الجسم وجلد ودهن الحوت. وحين يغلق فمه تخرج مياه البحر من صفائح عظمية في فمه ليلتهم بيسر كميات كبيرة من فرائسه الصغيرة.
وفي الحيوانات الاخرى والانسان قد يسبب هذا ضررا كبيرا لأعصاب الفم واللسان الذي له طول محدد. وكشف علماء كيف يفعل ذلك الحوت الزعنفي وأيضا ابن عمومته الأكبر حجما الحوت الأزرق دون الاضرار بجهازهما العصبيين. ويقولون ان أعصاب الحوت يمكن ان تطول الى ضعف طولها المعتاد ثم تنكمش مرة اخرى دون الاضرار بالانسجة العصبية. بحسب رويترز.
ويقول الباحثون ان هذا النظام العصبي الاستثنائي تتمتع به مجموعة من الحيتان منها الحوت الزعنفي والازرق والحوت الأحدب وحوت المنك وحوت القطب الجنوبي. وتوصل العلماء الى هذا الكشف من خلال دراسة الهيكل العظمي لحوت زعنفي وهو من الانواع المهددة بالانقراض. والحوت الازرق هو الحيوان الوحيد الاكبر من الحوت الزعنفي اذ يبلغ طوله 30.5 متر ووزنه 150 طنا.
القدرات العقلية
في السياق ذاته قال علماء إن قردة الشيمبانزي يمكنها ان تفهم معنى الطهي وهي مستعدة لتأجيل التهامها للطعام النيء على الفور وحمله لمسافة ما حتى تقوم بطهيه واعداده. وتشير الدراسة التي استندت إلى تسع تجارب أجريت في محمية تشيمبونجا بالكونجو ونشرت في (بروسيدينجز اوف رويال سوسايتي بي) إلى ان قردة الشيمبانزي لديها القدرة العقلية المطلوبة للطهي ومنها التخطيط المسبق وادراك العلاقة السببية والقدرة على ارجاء عملية الاشباع.
لكنها لم تتمكن من اشعال النار. ويقول فيليكس وارنيكين طبيب النفس التنموي بجامعة هارفارد الذي قام بالدراسة بالتعاون مع الكسندرا روزاتي انه اذا توفر لقردة الشيمبانزي مصدر حرارة "قد تتمكن من استخدامه للطهي." ورغم ان ما خلصت اليه الدراسة قد يبدو مجتزأ إلا انها تدعم الفكرة القائلة بان الطهي يسرع التطور. وتوصل ريتشارد رانجهام من جامعة هارفارد منذ نحو عشر سنوات إلى ان الطعام المطهي أسهل في الهضم ويزيد نمو الأمخاخ الكبيرة لدى أسلافنا من أشباه البشر (استرالوبيثكس).
ويقول رانجهام الذي لم يشارك في الدارسة انه اذا كانت الشيمبانزي لديها القدرة على الطهي فالأسترالوبيثكس كانوا كذلك أيضا على الارجح. ويضيف "هذا يشير الى انه بقدر قليل اضافي من القدرة العقلية كان من الممكن ان يجد الاسترالوبيثكس وسيلة لاستخدام النار في الطهي." وتثبت الادلة الاثرية ان الانسان بدأ في استخدام النار منذ مليون عام. وأكدت بعض التجارب التسع الحديثة نتائج دراسات لعلماء آخرين منها ان الشيمبانزي تفضل البطاطا الحلوة المشوية على النيئة. لكن تلك التجارب السابقة لم تختبر ما اذا كانت قردة الشيمبانزي لديها قدرة عقلية تمكنها من الطهي.
وتمكنت تجارب أخرى من اثبات ذلك. فعلى سبيل المثال قدم العلماء للشيمبانزي حاويتين واحدة تطهي الطعام والاخرى لا تفعل. وأدركت قردة الشيمبانزي ان احدى الحاويتين تحول البطاطا النيئة الى مطهية. وباعطائها فرصة الاختيار بين الحاويتين اختارت الغالبية الحاوية "الموقد" التي تطهو وهو ما يعني انها فهمت وانتظرت طواعية حتى يتحول الطعام النيء الى طعام مطهي. بحسب رويترز.
ولم تضع القردة قطع الاخشاب التي اعطاها لها العلماء في الحاوية الموقد وهو ما ينم على انها فهمت فقط معنى طهي الطعام. والامر المدهش ان الشيمبانزي التي عادة ما تلتهم الطعام على الفور اختارت طواعية ان تقطع مسافة في الحجرة وتتجه الى الموقد لتطهو. وقال وارنيكين انه بعد ان قام القرد الاول بهذا تعجب الباحثون عما اذا كانوا قد عثروا على "شيمبانزي عبقري" لكن الباقين اثبتوا امتلاكهم لنفس القدرات وهي ادراك فكرة الطهي وتأجيل الاشباع.
لغة القرود
من جانب اخر فلطالما لفت التشابه بين القردة وبني الإنسان انتباه العلماء وداعب مخيلتهم، وفي متن التقرير التالي ترصد ماري كولويل الفروق بين الاثنين وهي أكثر إثارة. وقالت تشارلوت أولينبروك، عالمة الأحياء التي قضت سنوات ترصد سلوك القردة في بيئتها الطبيعية "عندما تنظر إلى عين القرد تلمح ذكاء ونظرة حيوان مدرك لذاته، يسعى لتقييم سلوكك. ودوما كنت أطرح تساؤلا عما يفهمونه عندما ينظرون إلينا؟ ".
تتشابه القردة والبشر إلى حد كبير، ويستحيل ألا تطرح تساؤلا عن الفروق بيننا وبين أقرب الكائنات لنا على وجه الأرض. وكتب أر إل غارنر عام 1896 قائلا "لا يوجد مخلوق آخر بهذا السحر يبهر الناظر إليه مثل هذه الدمى الصغيرة للجنس البشري". وكان غارنر في واقع الأمر واحدا من أوائل الذي سعوا بشكل فعال لتفسير الفروق من خلال العيش مع الشمبانزي في غرب أفريقيا. ولاحظ وجود تشابه بدني، كما لاحظ وجود حدود اجتماعية ومشاعر ورعاية للصغار.
وكان من بين أكثر الأشياء المحيرة هي عنصر اللغة التي تستخدمه تلك الحيوانات، فالقردة تبدو وكأنها تتحدث إلى بعضها، لكن ماذا تقول ولماذا؟ وكتب غارنر إن "الأصوات التي تصدر عن هذه القردة لها كل مقومات وخصائص الكلام. فالمتكلم مدرك للمعنى المقصود من الصوت الذي يصدره، ويستخدمه لأغراض محددة لنقل فكرة بعينها إلى الطرف الآخر الذي يتحدث إليه، كما أن الصوت يصدر دائما لقرد محدد، فضلا عن كون القرد المتحدث ينظر دائما إلى القرد المتحدث إليه، وينظم قدر علو الصوت بما يتناسب مع الحالة التي يخرج الصوت من أجلها، كما أنه يعلم قيمة الصوت كوسيط لنقل الفكرة. وهذه الحقائق وحقائق أخرى كثيرة تظهر أنهم يتحدثون بالفعل".
في الأول من يونيو /حزيران عام 1698، حضر إدوارد تايسون، أشهر عالم تشريح في زمانه، أمام الجمعية الملكية لتقديم استنتاجاته الخاصة بتشريح قزم شمبانزي. وصل هذا الحيوان إلى إنجلترا من أنغولا وعاش لشهرين قبل أن يصاب بعدوى إثر تلف فكه نتيجة سقوطه على سطح سفينة. ونشرت نتائج تايسون في كتابه الذي حمل عنوان: "تشريح قزم مقارنة بقرد صغير وقرد متطور وإنسان، مع مقال عن الأقزام القدماء. إلى جانب مقاييس ووصف العضلات والعظام، وذكر قصة مثيرة عن كيفية معاملة طاقم السفينة للحيوان. إذ كان يرتدي الملابس ويأكل نفس الطعام على المائدة وأيضا يستلقي على السرير. إنه حيوان حير بالفعل بحارة السفينة. إنهم (القردة) مثلنا يبدون أقرب الكائنات لنا، وهذا يعكس جوهر الصفات الإنسانية بداخلهم".
كان أحد الاستنتاجات الأكثر أهمية على نحو خاص، وجود أحبال صوتية، إذا رصد تايسون فروقا ضئيلة للغاية بين حلق الشمبانزي والإنسان. وقال: "إنها تشبه تماما تلك التي توجد في الإنسان." فلماذا لا تتحدث؟" تقول إحدى النظريات القديمة إن الشمبانزي إذا سمح لنا نحن البشر أن نستمع إليه وهو يتحدث، فسوف نستعبده، لذا تبقى هذه الحيوانات صامتة في وجود الإنسان. وفي زمن كان الرق منتشرا، كان الشمبانزي يخاف من أن تلعب صفة قربه الشديد لنا دورا في أن يقع في نير الاستعباد.
وبعد مرور أكثر من قرن على قصة قزم الشمبانزي الذي كتب عنه تايسون، تم جلب قرد آخر إلى بريستول في بريطانيا على ظهر سفينة لنقل العبيد وعلموه كيف يشرب "الجين" ويدخن. وكان القرد "هابي جيري" يجلس خارج بورصة إكستر في العاصمة البريطانية لندن، وكان محبوبا بدرجة كبيرة، وكانوا يدعونه لتناول الشاي مع الملك. وإذا كانت فكرة قزم الشمبانزي التي رواها تايسون والذي كان يرتدي الملابس وكذا تدخين "جيري" النرجيلة تثير الضحك هذه الأيام، فعلينا أن نتذكر إعلانات شاي "بي جي تيبس" في سبعينيات القرن الماضي، عندما قدمت فكرة الإعلان من خلال حفل شاي لمجموعة من الشمبانزي ترتدي ملابس الصبية والفتيات.
لقد تطورت نظرتنا للقردة وتبدلت بمرور الوقت واقترنت بالفلسفة والدين وأيضا العلوم. في القرن السابع عشر كان الحجاب الفاصل بين العلم والخرافة والدين ضئيلا للغاية. فلم يكن الحيوان كائنا يخضع للوصف، بل كيان يتجسد في رؤيتنا للعالم ومكاننا فيه. بالنسبة لتايسون، كان سبب عدم تحدث الشمبانزي هو أنه ليس كائنا عاقلا. وتقول إريكا فودجا، بكلية العلوم الإنسانية في جامعة ستراثكلايد: "البشر يختلفون عن الحيوانات لأننا نتميز بأشياء نطلق عليها العقل، وهي بالطبع لا توجد في الجسم، إنها جوهر روحي، لذا فإن حقيقة أن الشمبانزي يمتلك أحبالا صوتية وهو ما ينبغي أن يتيح له التحدث لكنه لا يتحدث، تعزز وضعية الإنسان وتفرده كمخلوق عاقل".
إن فكرة أننا نختلف عن الحياة الأخرى على الأرض بسبب بعض الخصائص الروحية قد تبدو استنتاجا غير مقبول للعلماء اليوم، لكننا مازالنا نبذل جهودا حثيثة لاكتشاف قدر التشابه والقرب بيننا والقردة. لذا نجد في اللغة ملجأ للإجابة عن كثير من التساؤلات لدينا. وكان غارنر أول من سعى لتعليم الشمبانزي الكلام، لكنه لم يحقق النجاح المأمول. وكشف بحث لاحق أن قردة البابون والشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب قادرة على التواصل من خلال اللغة لكن ليس بنفس الطريقة.
قبل سبعين عاما جرت محاولات لتدريب القردة على الحديث باللغة الإنجليزية عن طرق أخذ قردة حديثة الولادة إلى منزل وتربيتهم مع مولود بشري. وبمرور الوقت تفوق الشبمانزي على الطفل من حيث القدرة البدنية، لكنه استطاع فقط نطق بعض الكلمات بطريقة سيئة للغاية. وكان الطفل في ذلك السن قد استطاع بالفعل إجادة نطق مئات الكلمات.
وخلصت التجربة إلى أن فم الشمبانزي وحلقه لا يستطيع إصدار أصوات بنفس طريقتنا، وفي حياة البرية يصدرون الأصوات عندما يشعرون بسعادة، كما أن التواصل غير اللفظي أكثر أهمية بالنسبة لأنشطة الحياة اليومية. وأدى ذلك إلى نشأة مساحة من البحوث الجديدة التي تعتمد على تدريس لغة الإشارة، وتحديدا لغة الإشارة الأمريكية "أميسلان". ومثل هذا منعطفا لفهم طبيعة القردة، فالشمبانزي يستطيع تعلم نحو 200 كلمة وعبارة بسرعة، والأكثر أهمية في ذلك هو وضع كلمات مع بعضها لتكوين مفاهيم جديدة.
فعلى سبيل المثال شاهد شمبانزي يطلق عليه اسم "واشهوي" بجعة في بركة وأطلق عليها اسم مزج فيه بين الماء والطائر. وعلى مدار العقود التالية أجرينا تجارب مع الشمبانزي بطرق اتسمت بالبراعة، وكان سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي العصر الذهبي لبحوث لغة القردة. تعلم الشمبانزي لغة الإشارة وكيفية الضغط على أزرار مع صور تمثل كلمات لطلب الطعام، أو رؤية فيلم.
لكن البحوث التي أجريت على قزم الشمبانزي تحديدا أظهرت قدر كبيرا من تطور اللغة عند هذه الأنواع. بدا الشمبانزي "كانزي" قادرا على تكوين جمل بسيطة، والتعليق على ما يفعله وحتى يقول ما يعتزم أن يفعله في المستقبل. وعلى الرغم من أن عالم الأحياء الشهير روبرت سابوليسكي ينفي أن تكون هذه التجارب تظهر أي شئ سوى القدرة على نسخ سلوك الإنسان، فإن تجارب اللغة حاليا توقفت بالكامل. بحسب بي بي سي.
وشهد القرن الماضي علاقة جمعتنا بالقردة وتحولها من كونها مجرد وحوش في غابات إلى مخلوقات ذكية قادرة على التواصل. وتشير الدراسات الوراثية إلى أننا أقرب عشر مرات من الشمبانزي مقارنة بقرب الفئران للجرذان. إن حقيقة أن قزم تايسون كان يأكل بالشوكة وأن "جيري" يمكن فجأة أن يتحول إلى "سلوك سئ" جعلنا ندرك أن القردة بإمكانها الاستمتاع معنا والفزع منا في نفس الوقت. وتبقى لغة القردة لغزا لم يحل بعد، لكننا لن ندخر جهدا لاستكشاف مدى قربنا لتلك الحيوانات.
رومانسية القوارض
على صعيد متصل قال السير بول مكارتني عضو فريق البيتلز الشهير يوما في أغنية بعنوان "أغاني الحب البلهاء" التي راجت رواجا شديدا عام 1967 "البعض يود ان يملأ الدنيا بأغاني الحب البلهاء.. وما الخطأ في ذلك؟ أود أن أعرف".. وقد يوافقه في الرأي تماما الفئران. وقال علماء إنه اتضح ان ذكور الفئران تستخدم فعلا "أغاني الحب" ذات الموجات الصوتية العالية لجذب الإناث ومغازلتها والتودد إليها وإنها تستخدم نغمات مختلفة حين تشم رائحة الإناث ولم تراها بعد وحين تقع أعينها على حبيبة القلب الموعودة.
وقال إريك جارفيس أستاذ طب الاعصاب الحيوي بجامعة ديوك "أعتقد أننا كبشر لا نعرف الكثير مما يدور من تواصل في عالم الحيوان. هناك اشارات اتصال واضحة في أغاني الفئران لا مجرد تتابع عشوائي للاصوات المنطوقة." وقارن الباحثون بين تلك الاغاني وأغاني المغازلة لذكور الطيور المغردة وان كانت قدرة الفئران على تغيير وتبديل النغمات محدودة. ورأى الباحثون ان أغاني الفئران هي تتابع لأصوات منغومة أو مقاطع نسجت معا وانه يكون لها في أحيان وقع موسيقي.
وقال جوناثان تشابوت الزميل الحاصل على الدكتوراه في جامعة ديوك "هذه الاغاني عالية النغمات فعلا أكثر من 50 كيلوهرتز (مقياس التردد في الثانية) وهي غير مسموعة للبشر. وحين نخفض تلك النغمات ونعيد سماعها بالسرعة الحقيقية تبدو كصوت الطائر." ويعرف العلماء منذ عقود ان الفئران تصدر تلك الاصوات مثلما ينادي الجرو أمه وعملوا جاهدين لفهم ما تعنيه.
وفي اطار البحث عرض الباحثون فئران التجارب الذكور لمواقف مختلفة وسجلوا أغانيها ثم حللوها. ويردد الذكور أغاني عالية النبرة مركبة حين يشمون رائحة الإناث دون ان يروا الشريكة المحتملة. وفي حضور الاناث يبدل الذكور نغماتهم بأغان أطول وأبسط. وقال جارفيس محللا "أعتقد أن الفأر يقول بترديده الاغاني المركبة ’أعيريني اهتمامك أنا هنا. تعالي إلي واسمعي كيف تبدو أغنيتي جميلة’ وكأن ذلك مقياس للفحولة. بحسب رويترز.
وحينها تقيمه الانثى وحين تصبح الى جواره يجعل أغانيه أكثر بساطة ليحول كل طاقته الى محاولات الجماع." وقام الباحثون بإعادة بث النوعين من الاغاني على مسامع اناث الفئران البالغات جنسيا ووجدوا انهن يفضلن البقاء الى جوار مكبرات الصوت التي تبث الاغاني المركبة. ونشر البحث في دورية حدود العلوم العصبية السلوكية "Frontiers of Behavioral Neuroscience".
سمك المنشار
في السياق ذاته أصبحت سبع سمكات منشار في فلوريدا أول حيوانات تخرج من ولادة عذرية (بدون تخصيب من ذكر) في بيئتها الطبيعية وبدون مساعدة البشر. ويشير هذا الاكتشاف إلى أن طرق التكاثر تلك ربما تكون رد فعل طبيعي لتراجع أعداد واقترابها من الانقراض. وتوصل علماء البيئة إلى هذه النتائج أثناء دراسة التنوع الوراثي في أنواع مهددة بالانقراض. وقال العلماء إن هذه الولادات ربما تكون أكثر شيوعا مما كان يعتقد في السابق، ونشرت النتائج في دورية كورنت بيولوجي.
ويوجد الكثير من الأنواع التي يمكن لحيوان واحد التكاثر بمفرده، منها بعض أنواع السحالي الأمريكية، لكن هذا يحدث في السر بمساعدة البشر. لكن بالنسبة لحيوان يتكاثر من خلال التزاوج، فإن الولادة العذرية في البيئة الطبيعية بدون تلقيح خارجي أمر غريب وغير مألوف. وحتى الآن فإن بعضا من الحيوانات تكاثرت بصورة فردية من خلال الولادة العذرية في الأسر، وتشمل القائمة أسماك قرش وثعابين وسحلية التنين كومودو والديك الرومي، وكل هذه الأنواع كانت تتكاثر من خلال التزواج.
وفي عام 2012 كشفت مجموعة من الباحثين الأمريكيين حفرة بها اثنتين من الأفاعي الحوامل في البرية، وكانت كل أفعى تحمل في أحشائها ثعابين صغيرة (داخل البيض)، وظهر أنها حملت بها بدون وجود ذكر. وسمكة المنشار ذات شكل غريب ولها مقدمة طويلة في رأسها لها سنون تشبه المنشار وتنمو حتى يصل طولها إلى أربعة أمتار، وتعد أول الأنواع الحية التي كانت تتكاثر من خلال التزاوج الجنسي الطبيعي، لكن عثر على صغارها الذين ولدوا بطريقة عذرية يعيشون بحرية وبصحة جيدة في بيئتها الأصلية.
وأكد أندرو فيلدز، الباحث في جامعة ستوني بروك بنيويورك، على أن هذا الاكتشاف لم يكن متوقعا بالمرة، وجاء أثناء استطلاع حياة مجتمع سمكة المنشار في مياه جنوب غرب فلوريدا. وقال فيلدز :"كنا نجري كشف روتيني على الحمض النووي (دى ان اية) للحصول على بصمة سمك المنشار بالمنطقة في إطار البحث عما إذا كان الأقارب يتكاثرون غالبا من التزاوج مع أقارب آخرين في مجتمعهم الصغير حجما."
وكشفت بصمة الحمض النووي عن نتائج مفاجئة، وهي أن إناث سمك المنشار تتكاثر أحيانا دون حتى الحاجة للتزواج، وفقا للباحث الأمريكي. ومن بين 190 سمكة فحصها الباحثون، عثروا على 7 أشار حمضها النووي إلى أنها ولدت بدون آباء، وكان لديها نسخ متطابقة من 14 جينا من حوالي 16 جينا فحصها العلماء لمعرفة ما إذا كانت تلك الأسماك جاءت من تكاثر جنسي طبيعي.
وخلص الباحثون إلى أن فرصة وجود تماثل لكل هذه الجينات في الحيوانات أقل من واحد لكل 100 مليار. لذلك ظهر أن السمكات السبع جميعا إناث، خمس سمكات شقيقات كن قد خرجن من بيضات مخصبة ذاتيا بدون تلقيح خارجي لتتحول إلى أجنة. ويعتقد الباحثون أن هذا الأمر يحدث في الفقاريات عندما تمتص البيضة خلية متطابقة من شقيقتها. ولأن السلالة التي تنتج عن هذه العملية يكون تنوعها الجيني أقل من السلالات الناتجة عن التزاوج الجنسي، فإن فرصهم في البقاء أحياء منخفضة جدا في الواقع. ولكن السمكات السبع في تلك الدراسة عاشت حتى بلغ عمرها عام كامل، وكان حجمها طبيعيا وتنمو بشكل جيد.
ويوضح كيفن فلدهيم، من متحف فيلد في شيكاغو والمشارك في الدراسة، أن التوالد العذري ربما يكون أمر عادي في مجتمعات الحيوانات بالحياة البرية "أكثر مما نعتقد." ويشير الباحثون إلى أن هذه قد تكون أحدث استراتيجيات التطور التي تحدث عندما يبدأ أفراد مجتمع إصلاح نقطة ضعف كبيرة، مثل تلك التي واجهت أسماك المنشار بعد تراجع أعدادها لأقل من 5 في المئة عما كانت عليه قبل قرن. لكن حتى يكون هذا منطقيا، فإن التوالد العذري نفسه يجب أن يتضمن تخصيب، لذلك فإنها قد تساعد أنواع أخرى على العودة للحياة، ومازال الوقت مبكرا لمعرفة إذا كان هذا ما حدث مع السمكات السبع.
وأكد ديفيد جاكوبي، عالم الأحياء البحرية في معهد الحيوان على أن النتائج التي تحققت في فلوريدا رائدة ومثيرة للاهتمام، خاصة في ظل السؤال عن إذا كانت الولادة العذرية تجري بشكل طبيعي أم تحدث في الأسر. وقال :"نقارن التوالد العذري مع اللافقاريات: الشعاب المرجانية أو القشريات أو أشياء من هذا القبيل. هناك حالات من هذا الذي يحدث في الفقاريات - الطيور والزواحف، وبعض أنواع أسماك القرش - ولكن كل هذا كان في الأسر." بحسب بي بي سي.
الحقيقة أن هذا لم يحدث فقط في البرية، ولكن أيضا في أنواع تواجه خطر تراجع أعدادها بصورة كبيرة، وهذا الأمر بالتأكيد يثير التساؤل حول ما إذا كانت هذه هي استراتيجية التطور. لكن جاكوب يحذر كما فعل الباحثون أنفسهم، من أنه رغم أن هذه القدرة البارزة ربما تؤدي لإبطاء انقراض سمك المنشار، فمن المستبعد أن توقفها تماما. ومازالت أسماك المنشار بحاجة لمساعدة البشر لإنقاذها من الانقراض.
حقيقة الذئاب
للذئاب صورتان معروفتان لدى الناس. إحداها تثير مشاعر الخوف بسبب اللعاب الذي يسيل من فمها لحظة تطاير الشرر من أعينها، وبسبب أنها تعقر الأطفال، وتقتل الماشية. لكنها في نفس الوقت تثير الإعجاب بسبب قوة مجتمعاتها، وتمركزها معا في إطار عائلي، ولأنها من المعالم الرئيسية للطبيعة البرية. تعد مثل هذه المعتقدات المتطرفة عن الذئاب مترسخة بين الناس، لكن جذور تلك المعتقدات تنبع من التاريخ، وليس من الواقع المعاصر. وفي براري أوروبا وأمريكا الشمالية التي أدت فيها الذئاب إلى تغيرات بيئية كبيرة، حان الوقت لإعادة التفكير فيما تعنيه تلك الذئاب.
كم هو عدد الذئاب الموجودة في أوروبا؟ إذا طلب مني أن أجيب عن هذا السؤال قبل عام، لاقترحت أن هناك 1000 ذئب. كنت سأبدو مخطئا بشكل كبير. "إذا ما عدنا إلى سبعينيات القرن الماضي، كنا سنتحدث عن أنواع قابلة للانقراض،" كما يقولجون لينّيل، من المعهد النرويجي لأبحاث الطبيعة في مدينة تروندهايم، وعضو مبادرة الحفاظ على الحيوانات الكبيرة آكلة اللحوم في أوروبا، وهي مباردة تابعة للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.
على مدى الأربعين سنة الماضية، تزايدت أعداد الذئاب عبر القارة الأوروبية بشكل لا يصدق. يقول لينّيل: "في الوقت الراهن، يجري الحديث عما يقرب من 12 ألف ذئب في أوروبا." ثم يشير إلى ما يدل على أنه خلال نفس الفترة، تزايدت أعداد الذئاب في الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة فائقة أيضاً. ذلك يعني أن هناك ذئاباً كثيرة. وبالتالي، فهل يوجد شيء من الحقيقة في الفكرة التي تقول إن الذئاب تشكل خطراً كبيرا على البشر؟
ويضيف لينّيل: "إذا ألقينا نظرة على التاريخ الأوروبي، سنلاحظ وجود الكثير من الدلائل على أن الذئاب قد قتلت العديد من الناس خلال القرون الماضية." في المناطق الريفية التي استوطنها البشر بشكل مكثف، حيث سادت فيها تربية الماشية، وكان الأطفال يعملون كرعاة لها، هاجمت الذئاب الناس بالفعل. يقول لينّيل: "ينطبق هذا الوصف على معظم مناطق أوروبا حتى نهاية القرن التاسع عشر."
ثم هناك الخطر الإضافي الآتي من الذئاب المسعورة. يضيف لينّيل: "خلال فترة محدودة جداً، يمكن لذئب مسعور أن يغطي مسافات واسعة. ويمكنه أثناءها أن يعقر أي كائن لا يهرب من أمامه. قبل اكتشافنا علاجا لداء السُعار، كان يعني ذلك حكماً بالموت." لا زالت هناك أماكن في عالمنا تختلف عن غيرها بمخاطر التعرض لهجوم الذئاب. ففي واقعة موثّقة بشكل جيد، حصلت في الهند، جنّ جنون ذئب مسعور فهاجم أكثر من عشرة أشخاص في ست قرى خلال يوم واحد. ولقي ثلاثة من المصابين حتفهم، "كانت جروحهم خطيرة في الوجه والرقبة".
قبل بضعة سنين، حصلت واقعة مماثلة في تركيا عندما هاجم ذئب وجه رجل في الستين من عمره كان جالساً في حديقة منزله. لقد نجح الرجل في مصارعة ذلك الذئب حتى قتله، لكن بعد أن أصابته عضة الذئب. توفي الرجل بعد أسبوع تقريباً، ويرجح أن ذلك كان بسبب داء السُعار نتيجة عضة الذئب. رغم ذلك، فالأمور مختلفة نوعاً ما في معظم بقاع أوروبا وأمريكا الشمالية في عصرنا الراهن. لا يوجد أطفال بين الرعاة، وهناك عدد قليل من حالات الإصابة نتيجة سُعار الذئاب. لذا، فإن احتمالات وقوع هجوم لذئب لا تشغل بال أحد، بحسب رأي لينّيل.
على النقيض تماماً من تصوير الذئب بهيئة شيطانية، ظهرت رؤية بديلة خلال الخمسين سنة الماضية. لكن هذه الرؤية، كمثيلتها الخيالية السابقة، تصور الذئب كوحش يعشقه الناس بسبب مقدرته وسطوته. احتضنت تلك الفكرة حركة روحية يطلق عليها اسم "العصر الجديد". وما أضاف قوة إلى هذه الفكرة أيضا هو الاعتراف المتزايد بأنه يمكن لأهم الحيوانات المفترسة، مثل الذئاب، أن تؤثر بعمق على التنوع البيولوجي، وغالباً ما تزيده ثراءً.
كانت أفضل وسيلة للتعرف على هذه الرؤية للذئاب هي من خلال معرفة ما جرى في "متنزه يلوستون الوطني" في الولايات المتحدة الأمريكية. في عشرينيات القرن الماضي، قام موظفو الحكومة الأمريكية بعملية إبادة لذئاب متنزه يلوستون. أصبح المتنزه خالياً من الذئاب لمدة 70 سنة لاحقة. ثم جاء عام 1995، وبعد عقدين من التخطيط، حصل مناصرو الحفاظ على البيئة على الضوء الأخضر لنشر الذئاب الكندية في ذلك المتنزه.
كان لإعادة الذئاب إلى المتنزه دور في تغيير البيئة تماماً في ذلك المكان. كان أكثر تأثير فوري واضح هو أعداد الظباء، التي كان عددها عند إعادة الذئاب للمتنزه 16 ألف ظبي. ففي عام 2004، انحسر عدد تلك الظباء ليصل إلى النصف، أي 8000 ظبي فقط. قد يرى القارئ أن ذلك الأمر غير سار، لكن تداعياته كانت مثيرة للإعجاب. فمن خلال انخفاض أعداد الظباء آكلة النباتات، شهدت الأشجار الخشبية من أنواع الصفصاف، والحور الرجراج، والحور القطني ازدهاراً مثيراً. بحسب بي بي سي.
إن منظومة البيئة أمر معقد، لذا ليس من البساطة أن نعزو جميع هذه التغيرات إلى إعادة نشر الذئاب فقط. فهناك أدلة دامغة تشير إلى أن الظهور المفاجئ لأشدّ الحيوانات افتراسا في متنزه يلوستون قد أثار تحولات كبيرة. فالذئاب، على ما يبدو، تعد صديقة للأشجار. إذاً، ما هي حقيقة الذئاب؟ يحتمل أنها في منتصف المسافة بين صورة الذئب الشيطانية التي ورثناها من القصص الشعبية، وذئب البراري في العصر الجديد. يقول لينّيل: "التحدي الذي نواجهه الآن هو الابتعاد عن هاتين النظرتين المتطرفتين، وصولا إلى رؤية وسطية ليس فيها خوف شديد، أو عشق شديد." ويضيف: "ليس الذئب شيطاناً ، وليس قديسا أيضا. إنه ببساطة حيوان مفترس كبير."
حيوان الماموث
من جانب اخر أماط العلماء اللثام عن أول طاقمين وراثيين (جينومين) كاملين من حيوانات الماموث هذا الكائن العملاق القريب الصلة بالفيلة والذي يمثل أيقونة العصر الجليدي، وأوضح العلماء أن (الماموث الوبري) مر بظروف قاسية فقد خلالها قدرا كبيرا من تنوعه الوراثي قبل أن ينقرض منذ نحو أربعة آلاف عام. وتم استخلاص الحمض النووي في حالة جيدة الحفظ من كائنين من (الماموث الوبري): الأول من بقايا لأحد صغاره عمرها 45 ألف عام عثر عليها في سيبيريا، والثاني من إحدى أسنانه وعمرها 4300 سنة ووجدت في بقايا حفرية من آخر مجموعة منه كانت تعيش منعزلة على جزيرة رانجل النائية قبالة اليابسة في روسيا. وتم رصد التزاوج الداخلي في هذا الكائن الثاني.
وقال لاف دالين عالم الوراثة بالمتحف السويدي للتاريخ الطبيعي "احتفظ كائن جزيرة رانجل -وهو واحد من آخر مجموعة متبقية من (الماموث الوبري) في العالم- بتنوع وراثي أقل كثيرا بالمقارنة بالكائن الآخر الأقدم كثيرا في العمر". وظهرت نتائج هذه الدراسة في دورية (كارانت بيولوجي). وأضاف "السبب في هذا الاختلاف هو أن جينوم كائن جزيرة رانجل كان يحتوي على عدد كبير من القطاعات التي لا تتضمن أي تنوع وراثي وهو نمط سائد في العشائر المحدودة للغاية حين يحدث التزاوج بين أقارب من الأباعد."
وظهر (الماموث الوبري) -الذي يماثل في حجمه الفيلة الحديثة لكن جسمه كان يغطيه وبر بني طويل وكثيف وخرطوم ضخم- لأول مرة منذ 700 ألف سنة في سيبيريا وانتشرت عشائره لتصل إلى المناطق الشمالية من أوراسيا وأمريكا الشمالية. ولا يزال الجدل الشديد يدور بشأن ما إذا كان سبب انقراضه هو زيادة درجة حرارة المناخ أو صيده على أيدي البشر. وقالت ألفيتيريا بالكوبولو عالمة الوراثة بكلية الطب بجامعة هارفارد إن الجينوم الخاص بالكائنين أوضح تعرض (الماموث الوبري) لكارثتين أسهمتا في تراجع إعداده الأولى منذ نحو 280 ألف عام والتي أفلت منها هذا الحيوان والثانية منذ 12 ألف عام قرب نهاية العصر الجليدي والتي لم ينج منها.
وقال دالين إنه بعد الكارثة الثانية نجا ما يقدر بنحو 300 إلى 1000 من (الماموث الوبري) وظلت مجموعة محدودة منه على قيد الحياة على جزيرة رانجل لمدة نحو ستة آلاف عام بعد نفوق معظم الأعداد على اليابسة. وأضاف أن التزاوج الداخلي بين أقرب أقارب (الماموث الوبري) ربما يكون ألحق الضرر بتنوعه الوراثي ما أدى إلى اندثاره. وأقر الباحثون بأن وجود جينومين كاملين لكائن (الماموث الوبري) قد يساعد في جهود يبذلها زملاؤهم لبعث الماموث إلى الحياة من جديد من خلال الاستنساخ واستيلاد جنين هذا المخلوق معمليا مع الاستعانة بالفيلة كأم بديلة. بحسب فرانس برس.
وقالت بالكوبولو "قبل الإجابة عما إذا كان ذلك يمكن حدوثه في المستقبل القريب فثمة قضايا أخلاقية مهمة يجب أن نضعها في الاعتبار أولا". وقالت "كم ماموث يلزم (استنساخه) للإبقاء على مجموعة منه قابلة للحياة؟ أليس من الأفضل لنا ترشيد استخدام هذه الموارد للحفاظ على الأنواع الحالية من الكائنات مع المحافظة على أماكن معيشتها؟"
اضف تعليق