لا تزال أعمال الحفريات التي يقوم بها علماء مختصون مستمرة، وسوف تبقى كذلك لاكتشاف الجديد في عالم الطبيعة والانسان والحيوان وبدايات الحياة المبكرة له، فقد دأب علماء الحفريات على القيام بالتجارب والبحوث والدراسات النظرية والتطبيقية، ليحققوا مزايدا من الاكتشافات الجديدة في هذا المجال...
لا تزال أعمال الحفريات التي يقوم بها علماء مختصون مستمرة، وسوف تبقى كذلك لاكتشاف الجديد في عالم الطبيعة والانسان والحيوان وبدايات الحياة المبكرة له، فقد دأب علماء الحفريات على القيام بالتجارب والبحوث والدراسات النظرية والتطبيقية، ليحققوا مزايدا من الاكتشافات الجديدة في هذا المجال، ولعل آخر ما تم التوصل له من لدن علماء الحفريات في هذا المجال، هو اكتشافهم لأقدم الثدييات على وجه الأرض، فضلا عن اكتشافهم لعالم من الزواحف يزخر بالغرائب في حوض الأمازون، قبل ما يقرب من 13 مليون سنة، بالاضافة الى اكتشافهم لعظمة انسان تعطي أدلة اكيدة عن تزاوج الانسان القديم وارتباطه بالانسان الحديث، كما ان هناك ادلة جديدة تثبت بما لا يقبل الشك نظرية احد علماء الحفريات المعاصرين، حيث اكد على ان حجوم الحيوانات تتزايد مع مرور الزمن، وهو ما فنده علماء في السابق، بيد أن التجارب والبحوث العلمية الاخيرة في عالم الثدييات، اثبت صحة كبر حجم الحيوان مع تقادم الزمن، وتشير معظم التجارب والدراسات في عالم الثدييات، الى أن التنوع الحيواني يكاد يشكل سمة من سمات الطبيعة منذ اقدم العصور، واكد العلماء المعاصرون، انه على الرغم من حياة الافتراس التي كانت شائعة آنذاك، وتسيّد الديناصورات على الحيوانات كافة، إلا أن الحيوانات ذات الاحجام الصغيرة والضعيفة استطاعت ان تصمد وتعيش وتجد لها سبلا خاصة تواصل بها حياتها في عالم الديناصورات الخطير.
اكتشافات جديدة
فقد وصف العلماء حفريات اكتشفت في الصين لكائنين في حجم السناجب تمثل أقدم ثدييات معروفة يمكنها تسلق الأشجار وحفر جحورها وتبين في الوقت ذاته ان الثدييات المبكرة كانت تتسم بالكثير من المميزات البيئية المتفردة. ونشر البحث في دورية (ساينس Science) العلمية.
الكائن الأول اسمه العلمي (أجيلودوكودون سكانسوريوس) وهو من اللواحم والعواشب التي تقتات على النبات والحيوان على حد سواء والتي عاشت قبل نحو 165 مليون عام وكان لديها كفوف ذات مخالب مقوسة بغرض التسلق كما ان أبعاد اطرافها تتسق وخصائص الثدييات الأخرى التي تعيش وسط أغصان الاشجار. ويتصف هذا المخلوق ايضا بأن المرفق والمعصم والكاحل يتسم بدرجة كبيرة من المرونة تصلح للحركة السريعة الرشيقة في التسلق. وأتاحت السن الامامية للحيوان الشبيهة بالجاروف - والتي تضاهي في شكلها بعض القردة العليا في العالم الجديد- له مضغ والتهام قلف الاشجار والتغذي على صمغ الأشجار وعصاراتها.
أما المخلوق الآخر فهو من أكلة الحشرات - ويسمى دوكوفوسور وهو شبيه بحيوان الخلد- وعاش قبل نحو 160 مليون سنة ويتصف بكفوفه الشبيهة بالجاروف التي تتلاءم مع خاصية الحفر كما ان اسنانه شبيهة بالثدييات المتأخرة التي تحفر جحورها وعادة ما تبحث عن طعامها تحت الارض ولها أطراف منبسطة ممدودة تصلح تماما للحركة في جوف الارض.
ووصف جي-تشي لو عالم الاحياء القديمة بجامعة شيكاجو الدوكوفوسور بانه "يشبه تماما" الخلد الذهبي الافريقي المعروف حاليا. ويشبه تركيب أصابع الدوكوفوسور الى حد كبير الخلد الافريقي لدرجة ان الباحثين يشكون في وجود جينات متشابهة بين النوعين على الرغم من ان الكائنين ينتميان لأفرع مختلفة في شجرة عائلة الثدييات ويفصل بينهما 160 مليون عام.
ويُعتقد ان أقدم ثدييات ظهرت منذ نحو 200 مليون سنة وانها وصلت الى مسرح الاحداث إبان حقبة الحياة الوسطى (العصر الميزوزوي) فيما كانت الديناصورات تتسيد الحياة آنئذ وكانت الديناصورات المجنحة تتحين الفرصة لتتربص بالمخلوقات الصغيرة لافتراسها. ولم يظهر أقدم طائر معروف إلا منذ نحو 150 مليون سنة.
وينتمي كل من الأجيلودوكودون والدوكوفوسور لرتبة من الثدييات المبكرة التي انقرضت منذ زمن بعيد تسمى الدوكودونات. وهناك الكاستوروكودا -وهي دوكودونات أخرى عاشت في نفس الوقت تقريبا في العصر الجوراسي والتي اكتشفت حفرياتها في الصين عام 2006- وتشبه في خصائصها حيوان السمور (القندس) والتي تتناسب ونمط الحياة المائية، بحسب رويترز.
ويقول د.غي تشي لو الباحث بقسم التشريح والأحياء العضوية في جامعة شيكاغو "قبل حلول عام ألفين، كان يُعتقد بشكل عام أنه لم يكن بوسع الثدييات التي كانت تعيش في العصر الميزوزوي أن تحظى بالتنوع بقدر كبير في إطار نظام بيئي تهيمن عليه الديناصورات."
وشارك "لو" في إعداد الأوراق البحثية التي تحلل المعلومات الخاصة بحيواني (أغيلودوكودون) و(دوكوفوسور) المنقرضيّن. لكنه يقول إن الحفريات التي كُشف عنها النقاب خلال السنوات القليلة الماضية رسمت صورة مختلفة. ويوضح بالقول "خلال السنوات العشرة أو الخمسة عشرة الماضية، عثر علماء الحفريات على (بقايا) العديد من ثدييات العصر الميزوزوي، التي تتمتع أجزاء في أجسامها بقدرة على التكيف البيئي والوظيفي، بشكل مثير للاهتمام للغاية."
وتشير الدراسة الجديدة إلى أن الكائنات التي تنتمي إلى رتبة الدوكودونت تكيفت مع عدد متنوع للغاية من البيئات، من قبيل السكن فوق الأشجار وتحت الأرض، على الرغم من المنافسة التي كانت تلاقيها من الديناصورات. وفي دراستين منفصلتين، نُشرتا بمجلة (ساينس) العلمية، حدد باحثون من جامعة شيكاغو الأمريكية وزملاء لهم من متحف التاريخ الطبيعي في العاصمة الصينية بكين، طبيعة الحيوانين المنقرضيّن، اللذين عُثر على حفريات تخصهما مؤخرا.
فقد عكف فريق بحثي على دراسة الحفريات التي تم حفظها في متحف التاريخ الطبيعي ببكين منذ عام 2013. وكشفت الحفريات الخاصة بحيوان (أغيلودوكودون) أن هيكله العظمي مر بعدة تغيرات للتكيف مع العيش فوق الأشجار وكشفت الحفريات التي عُثر عليها لحيوان (أغيلودوكودون سكانسوريوس)، وهي تعود للعصر الغوراسي الأوسط وحُفظت على نحو لافت للنظر لمدة 165 مليون عام، عن العديد من التحورات التي شملها الهيكل العظمي لهذا الحيوان أسلاف الثعابين
وفي موضوع آخر اكتشف العلماء المختصون أقدم أربع حفريات معروفة لثعابين أقدمها لأحد الزواحف يبلغ طوله 25 سنتيمترا واسمه العلمي (ايوفيس اندروودي) واكتشف في محجر قرب اوكسفورد بانجلترا. وعاش هذا الكائن منذ نحو 167 مليون سنة. وتسهم هذه الحفريات المثيرة من بريطانيا والبرتغال والولايات المتحدة في اعادة كتابة تاريخ نشوء الثعابين وتطورها إذ أزاحت الى الوراء تاريخ ظهورها عشرات الملايين من السنين.
وقال سيباستيان ابستجويا عالم الأحياء القديمة في المجلس القومي للأبحاث العلمية والفنية بالأرجنتين "تثير الثعابين الرهبة والسحر منذ سالف الأوان". وأضاف "رغم ذلك فاننا لا نعرف سوى القليل عن منشأها" وتوقع أن تكون أول ثعابين قد عاشت منذ نحو 190 مليون سنة. وعاشت الحفريات الأربع للثعابين خلال عصر الديناصورات وكان جنس (ايوفيس اندروودي) الأقدم وعاش في المستنقعات وربما كان يتغذى على الحشرات والأسماك الصغيرة ويرقات الضفادع (الشراغف). ويبلغ طول أكبرها -واسمه العلمي (بورتيجالوفيس ليجنايتس) واكتشف في منجم للفحم بوسط البرتغال- نحو 1.2 متر ويرجع إلى 155 مليون سنة وربما كان يقتات على الثدييات الصغيرة وصغار الديناصورات والسحالي والطيور والضفادع، بحسب رويترز.
حجم الكائنات يكبر مع الزمن
في سياق آخر طرح عالم الأحياء القديمة الأمريكي الشهير ادوارد درينكر كوب الذي عاش في القرن التاسع عشر "قاعدة كوب" التي تفترض ان ذرية الحيوانات تنزع الى الزيادة في الحجم عبر العصور. وبدا ان حفريات الديناصورات التي اكتشفها في الغرب الأمريكي تعضد هذه الفرضية.. لكن كوب لم يكن معصوما من الخطأ ففي زلة ذائعة الصيت تضمنتها حوليات علوم الاحاثة والاحياء القديمة فقد نشر عام 1868 وصفا لكائن (إلاسموصور) وهو من الزواحف البحرية العجيبة طويلة العنق وقد وضع رأسه -على سبيل الخطأ- في نهاية الذيل.
إلا انه يبدو ان كوب لم يجافيه الصواب بشأن فرضية حجم الجسم إذ قال العلماء مؤخرا إن أشمل اختبار أجري حتى الآن - لتأكيد صحة "قاعدة كوب" وتضمن 17208 مجموعات مختلفة للحيوانات البحرية عاشت على مدى 542 مليون عام الماضية - بين اتجاها جليا يؤكد كبر حجم الجسم مع مرور الزمن. ويرجع هذا التحليل الى فجر حياة الحيوان على وجه البسيطة.
فقد توصل البحث الى ان متوسط حجم الحيوان في المحيطات اليوم أكبر بواقع 150 مرة من المتوسط الذي كان سائدا منذ ما يقرب من نصف مليار عام. وفي حقيقة الأمر فان أضخم كائن بحري مسجل يعيش في وقتنا الحالي هو الحوت الأزرق الذي يبلغ طوله نحو 30 مترا. وشمل البحث خمس فئات رئيسية من المخلوقات البحرية هي:
* الحبليات ومنها الأسماك وسمك القرش والثدييات البحرية مثل الحيتان والزواحف البحرية ومنها البليسيوصورات والموساصورات والإكثيوصورات.
* الرخويات ومنها الحبار (السبيط) والمحار (الجندوفلي) والقوقع الحلزوني (البزاقة).
* شوكيات الجلد ومنها قنديل البحر وقنافذ البحر.
* مفصليات الأرجل ومنها السلطعون (الكابوريا) والروبيان (الجمبري او القريدس) وسرطان البحر (الاستاكوزا) والحيوان المفصلي المنقرض التريلوبيت.
* عضديات الأرجل ومنها أصداف البحر المضيئة.
إذن لماذا كلما كبر الحجم كان ذلك أفضل؟... الباحثون يطرحون بعض الأفكار.. يقول نويل هايم عالم الاحياء القديمة بجامعة ستانفورد الذي وردت نتائج بحثه في دورية (ساينس) العلمية "من اليسير التغذي على الحيوانات الأخرى لو كان الحيوان كبيرا. ومن ناحية أخرى فانه يتحاشي خطر ان يصبح هو نفسه فريسة". وأضاف "في الماء تكون الحيوانات الأكبر حجما أكثر نشاطا بسبب زيادة كتلة الجسم بالنسبة الى مساحتها السطحية. تشعر الحيوانات الكبيرة بانها ليست لقمة سائغة مثلها مثل الحيوانات الصغيرة، بحسب رويترز.
عالم التماسيح المتوحشة
إذا كان تمساح واحد كفيلا بأن يكون سببا وجيها للابتعاد عن الماء.. فما بالك بأن تغوص بقدميك في بحيرة بها سبعة أنواع من التماسيح منها وحوش يصل طولها إلى ثمانية أمتار تعيش جنبا إلى جنب وتفترس أي كائن تدب فيه الحياة؟ وقال الباحثون إن تلك كانت طبيعة الحياة في حوض نهر الامازون في بيرو الزاخر بالحياة قبل 13 مليون سنة إذ كانت تجمع بين مختلف أنواع التماسيح في تاريخ كوكب الأرض في نفس المكان والزمان. واكتشف الباحثون حفريات لتلك التماسيح في موقعين صغيرين بقاع النهر قرب مدينة ايكويتوس بشمال شرق بيرو. ونشرت نتائح البحث في الدورية العلمية لتقارير الجمعية الملكية "the scientific journal Proceedings of the Royal Society".
ومن أغرب هذه التماسيح نوع اسمه العلمي (ناتوسوشوس بيباسينسيس) طوله 1.6 متر مولع بالتغذي على المحار (الجندوفلي) وذو خرطوم شبيه بالجاروف يتيح له دفن رأسه في قيعان المستنقعات الموحلة لاقتناص فرائسه فيما تتناسب اسنانه البصلية الشكل مع وظيفة سحق أصداف الرخويات.
وقال جون فلين عالم الأحياء القديمة بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك "هذا التشريح ونمط الحياة المتخصصان للغاية لم يكونا معروفين في أي تمساح آخر". وتساعد مثل هذه الاكتشافات العلماء في توفير فهم أفضل لمنشأ التنوع الحيوي الحديث في حوض نهر الامازون وتعدد صور الحياة القديمة قبل تكون نهر الامازون منذ 10.5 مليون سنة. ومنذ 13 مليون سنة كانت هذه المنطقة عامرة باعداد هائلة من المستنقعات والبحيرات والانهار.
وقال رودولفو سالاس-جيسموندي عالم الفقاريات والاحياء القديمة بمتحف التاريخ الطبيعي في ليما والذي يتعاون أيضا مع جامعة مونبلييه الفرنسية "بالنسبة إلى الامازون فاننا لم نر سوى القشور لتاريخ في غاية التعقيد والابهار". وقال العلماء إن بوسع سبعة أنواع من التماسيح التعايش سويا لانها تحظى ببيئة تزخر بمختلف انواع الغذاء ولم تكن جميع هذه الكائنات تطارد نفس الفريسة.
اضف تعليق