أشار الكاتب الأميركي "نيكلاس كريستوف" في مقال نشرته له صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى دراسة أجراها صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة تفيد بأن الولايات المتحدة تفقد قرابة 2800 من الأطفال والمراهقين بشكل سنوي، وذلك بسبب انتشار الأسلحة الشخصية في البلاد. وقال إن ما تفقده الولايات المتحدة سنويا من سكانها بسبب العنف الناتج عن الأسلحة الشخصية يزيد على ما فقدته البلاد في الحربين على العراق وأفغانستان في أي عام، داعيا الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لضبط استخدام الأسلحة الشخصية في الولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بعد حادث إطلاق النار في مدرسة «ساندي هوك» بولاية كونتي كيت إن "غالبية الذين قتلوا كانوا أطفالا رائعين بين الخامسة والعاشرة من العمر، وقد شهدنا حوادث مثل هذه مرات كثيرة، وعلينا أن نتخذ خطوات فعالة لتفادي هذه الحوادث" واستدرك قائلا: "لا شيء يمكن أن يعوض الآباء فقدان أبنائهم".
لا يشك أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية، تحمل لواء الدفاع عن حقوق الإنسان، وهي تحتضن المئات من المنظمات الإنسانية المدافعة عن حقوق الإنسان، والتي لديها فروع في جميع دول العام. والولايات المتحدة تضطر في أحيان كثيرة للتدخل في شؤون الدول الأخرى تحت يافطة "حقوق الإنسان" كما تدعي... ولكن الموضوع الذي يخفي على غالبية الشعوب، أن أمريكا المدافعة عن حقوق الإنسان، تتصدر قائمة الدول التي تزدهر فيها تجارة السلاح والجريمة يوماً بعد يوم، وقد بلغت أوجها في عهد الرئيس أوباما.
يسرد الدكتور "باسم خفاجي" بعض الحقائق عن السلاح في أمريكا، منها: يصنع مسدس في أمريكا في كل 10 ثوان. وفي كل صباح يحمل مليون أمريكي سلاحهم معهم خلال اليوم، و2 مليون آخرين يحتفظون بسلاح في سياراتهم. و(12%) فقط من الأسلحة الموجودة في أمريكا مرخصة (88%) من الأسلحة الموجودة لدى الشعب الأمريكي غير مرخصة. وأكثر من نصف المسدسات التي تصنع في العالم كله، أي ما يزيد عن (50%) من تلك المسدسات تصنع في الولايات المتحدة الأمريكية. وهي الدولة الأولى في العالم في نسبة السلاح إلى عدد السكان.
ويتم إطلاق النار على (75) طفلاً في أمريكا كل يوم، يموت منهم (9) كل يوم، ويتعرض (6) كل يوم إلى إصابات وعاهات مستديمة، ويتعرض (100) ألف أمريكي كل عام لإطلاق النار عليهم. و(12791) هي جرائم قتل، و(16883) حالات انتحار، و(642) حالة إطلاق نار خطأ. وازدادت الجرائم في بعض الولايات بدرجة (300%) عندما تم تحجيم حق الأفراد في حمل السلاح، ومنها العاصمة الأمريكية واشنطن، ومدينة نيويورك!
فهل حيازة السلاح وحمله هي ظاهرة اجتماعية تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان وحرياته؛ لأنها تعد تهديدا محتملا لحياة وحقوق وحريات الاخرين؟ أم حيازة السلاح وحمله هي حق من حقوق الإنسان وجزء من حريته الشخصية؟
قد يبدو من أول وهلة، أن حيازة السلاح وحمله تتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان، وتلوح بالتهديد المستمر لحق الحياة، وهو حق أصيل وجوهري من حقوق الإنسان، ولكن عند البحث في بعض قوانين الدول وتقاليد الشعوب وعاداتها قد يلتبس الأمر علينا كثيرا؛ اذ لا يظهر هناك تناقض بين أن تحوز السلاح وبين أن تتمتع أو يتمتع الآخرون بحقوقهم وحرياتهم الشخصية. بل يعد حمل السلاح في بعض الدول لاسيما أمريكا وبعض الدول الغربية والشرقية جزءً من حقوق الأفراد وحرياتهم وهو مكفول لهم في الدساتير والقوانين الناظمة لحيازة السلاح وحمله.
من حيث المبدأ، تمنع غالبية دول العالم مواطنيها من اقتناء السلاح، وفي حال سمحت تفرض قيودا على امتلاكه لتقليل شروره، لكن ثمة دول تتيح حمل السلاح بسهولة. فخلافا للتوجه العالمي لحصر السلاح في أجهزة الدولة، تتيح 4 دول في العالم لمواطنيها حمل السلاح، وهي: الولايات المتحدة، فحسب القانون الاتحادي يمكن لأي أميركي يتم (18 عاما) حيازة مسدس وبندقية صيد وأن يملك بندقية نصف آلية عند إتمامه (21 عاما)، ويستثنى من القانون أصحاب السجلات الإجرامية. وتسمح بعض الولايات باقتناء السلاح دون الحاجة إلى ترخيص السلاح مثل ولاية تكساس، التي سمحت أخيرا لطلبة الجامعات حمل السلاح داخل الحرم الجامعي.
واليمن، حيث إن اقتناء السلاح لدى اليمنيين جزء من الموروث الاجتماعي خاصة في المناطق الريفية، وصدر القانون اليمني المنظم لحمل السلاح متوافقا مع هذا الموروث. وتنص المادة التاسعة من قانون تنظيم حيازة السلاح على: "حق المواطنين بحيازة البنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد اللازمة لاستعمالهم الشخصي مع قدر من الذخيرة لها لغرض الدفاع الشرعي".
والتشيك، إذ تتبع الدولة التشيكية قوانين ليبرالية في حيازة الأسلحة، فبعض الأسلحة لا يحتاج إلى ترخيص مثل المسدسات والبعض الآخر يتطلب إبلاغ السلطة عنه. ووفقا للقانون التشيكي، فإنه بإمكان المواطنين حيازة بنادق نصف آلية بعد الحصول على تراخيص محددة لأغراض الدفاع عن النفس والتدريب على الرماية. ويوجد في التشيك بنادق تكفي عمليا لعشر السكان، ويمثل امتلاكها نوعا من الثقافة.
وجنوب إفريقيا، حيث تعد جنوب إفريقيا الدولة الثانية في العالم التي تقع فيها الجرائم المرتبطة بحيازة السلاح بعد أميركا، إذ تسجل فيها 9.4 جريمة قتل لكل مئة ألف إنسان. وبعد إخضاع المواطنين إلى اختبارات حمل السلاح بإمكانهم اقتناء مسدسات وبنادق نصف آلية للدفاع عن النفس، لكن حمل البنادق الآلية يستلزم رخصا خاصة واستثناءً بقرار وزاري.
يتحدث الدكتور "عبد الله العلفي" حول ظاهرة حمل السلاح وآثاره المترتبة في انتشار الجريمة، قائلاً: إن ظاهرة انتشار الأسلحة النارية قد حظيت في الآونة الأخيرة باهتمام محلي وإقليمي وعالمي، لِمَا حملته هذه الظاهرة من سلبيات تتمثل في ارتفاع نسبة حوادث الجرائم والقتل المختلفة. منوهاً أن الكتاب السنوي الصادر عن الأمم المتحدة حول الأسلحة الصغيرة يوضح أن هذه الظاهرة في نمو مستمر، وأن هناك حوالي (7) ملايين قطعة سلاح تنتج سنوياً. كما قُدِّرَتِ الأرقامُ الخاصة بالأسلحة الصغيرة بمختلف أنواعها في جميع نواحي العالم بحوالي (639) مليون قطعة، موضحاً أن هناك عدة عوامل سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ساهمت بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة، والتي تتمثل في حيازة الأسلحة الصغيرة من قِبَل الأفراد المدنيين في عدد كبير من دول العالم المتقدمة والنامية.
والعراق هو البلد الاخر الذي تنتشر فيه ظاهرة حيازة السلاح واستخدامه في المناسبات والمشكلات على حد سواء. ويعزو أستاذ علم الاجتماع الدكتور "سلام الآلوسي" اسباب حمل السلاح في العراق الى ارتباط حمله بعادات وتقاليد اجتماعية موروثة يختلف استخدامها حسب الموقف الاجتماعي، فقد يستخدم السلاح لإطلاق النار في الهواء تعبيراً عن الفرحة مثلما يحدث في احتفالات الزواج والأعياد، وقد يستخدم للصيد، وأحياناً أخرى قد يستخدم في الجريمة او حتى في الاحزان عند تشيع المتوفى من قبل افراد قبيلته...وعلى الرغم مما شهده العراق من حالات قتل وسلب وظروف امنية غير مستقرة لكن على الدولة ان تحصر السلاح بيدها فقط ولا ترخصه لأي كان.
بينما حذر اختصاص علم النفس "مجيد راشد" من فوضى انتشار السلاح، خاصة أن فوضى اقتنائه بين البالغين وحمله في الأماكن والمناسبات العامة يعد من المؤشرات الخطيرة التي قد تؤدي إلى تدهور الأمن وشيوع ثقافة العنف، مبيناً ان "مكمن الخطورة في هذا السلاح انه يمكن أن يستخدم في الخلافات العائلية أو الشخصية، وقد يستغل في عمليات السطو والاعتداء، وحمله يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في زيادة معدلات العنف في المجتمع، كما أن من آثار ذلك أيضا ارتفاع معدلات الجريمة".
نخلص مما تقدم:
- إن حيازة السلاح وحمله يعد مخالفة صريحة لمبادئ حقوق الإنسان وحرياته، وأن شرعية حيازة السلاح عند بعض الدول لا تعني تطابقها مع شرعية حقوق الإنسان؛ فحجم الجرائم التي ترتكب بالأسلحة المرخصة وغير المرخصة، والتي يروح ضحيتها الآلاف من الشباب والمراهقين والأبرياء في الدول التي أجازت حيازة السلاح وحمله لغالبية مواطنيها، مثل أمريكا وجنوب أفريقيا واليمن هو القول الفصل في مخالفة حيازة السلاح لمبدأ حق الحياة وحقوق الإنسان.
- إن ظاهرة حيازة السلاح وحمله وإن كانت مرخصة قانونا، قد ساهمت في هدر حياة الآلاف من المواطنين لاسيما المراهقين وأن استخدام الأسلحة بشكل عشوائي يؤدِّي إلى ازدياد جرائم الإرهاب، حسب ما قررته الدراسات المتعلقة بالجريمة.
- إن وجود السلاح يدعو الناس في كثير من الأحيان إلى تنحية القانون وفرض قوانين خاصة، تحت قوة السلاح، خاصة في الأماكن البعيدة التي يمكن فيها التحلل من سطوة الدولة؛ كحالات الثأر، والاستيلاء على الأراضي. بل إن الوجود العشوائي للأسلحة بأيدي الناس كان السبب الأساسي في نشوب الحروب الأهلية وانهيار دول بأسرها.
- إن الدولة بأجهزتها الأمنية والشرطة مكلفة دون غيرها بالدفاع عن مواطنيها، ولا يجوز السماح بحيازة السلام وحمله إلا في حالات ضيقة مع مراعاة اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على سلامة الأنفس وأمن المجتمع.
- حتى لو كان كانت حيازة السلاح مرخصة قانونا فلا بد من منع حمله في المؤتمرات والاجتماعات والأفراح والأتراح وفي الأماكن التي يسمح فيها بتقديم الخمور، والتي يلعب فيها الميسر؛ لأن هذه الأماكن مظنة فَقْدِ العقل وعدم السيطرة على التصرفات وعدم التحكم في ردود الأفعال.
- ضرورة صياغة الإجراءات النظامية التي تقنن امتلاك السلاح وتحد من انتشاره إلا في أضيق الحدود، إلى جانب توعية إفراد المجتمع وحثهم على عدم حمل السلاح.
.....................................
اضف تعليق