q

ملف الحقوق والحريات في مصر أصبح في السنوات الأخيرة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 وما تتبعها من تحولات سياسية وأمنية كبيرة محط اهتمام واسع، حيث أكدت بعض التقارير التي تصدرها المؤسّسات الحقوقية، أن مصر لم تشهد تحسناً في مجال قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة، فهذا الملف لا يشكل أولوية في اهتمامات الدولة، التي سعت اليوم الى تشديد إجراءاتها القانونية ضد المعارضين ومنظمات المجتمع المدني، وقد رصدت بعض هذه التقارير، استفحال ظواهر الحبس الاحتياطي وأوضاع مراكز الاحتجاز وكثافة الأحكام القضائية الأولية بالإعدام رغم نقضها . كما أشارت إلى محاكمات عسكرية بحق العديد من المتهمين المدنيين. وفي وقت سابق قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، إنه يشعر بقلق عميق إزاء تدهور حقوق الإنسان في مصر ومن ذلك القرار الخاص بإعادة فتح التحقيق في قضية المنظمات الحقوقية القائمة بتوثق الانتهاكات.

وقال رئيس مجلس النواب الأمريكي بول ريان في ابريل نيسان إن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان يجعل دعم القاهرة صعبا على نحو متزايد. ويرى بعض المراقبين ان مصر وفي هذا الوقت بذات، تحتاج الى تشريعات وقوانين خاصة، من اجل توفير الأمن والاستقرار وسيادة القانون، خصوصا مع وجود أطراف وجهات معارضة تسعى الى إثارة الفتن وزعزعة الأمن، فما يحدث في مصر اليوم إجراء طبيعي في ظل دولة تخوض حربا ضروسا ضد الإرهاب.

قانون جديد

وفي هذا الشأن وافق البرلمان المصري بشكل نهائي على قانون جديد لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية يقول منتقدوه إنه يقيد عمل المجتمع المدني ويقضي عمليا على نشاط المنظمات الحقوقية. وكان مجلس النواب وافق على القانون بشكل مبدئي في وقت سابق لكنه أجرى تصويتا نهائيا عليه بعد مراجعة مجلس الدولة لبنوده ومواده وإدخال بعض التعديلات عليه. وأقر القانون بعد موافقة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس عليه.

ومجلس الدولة هو أحد الهيئات القضائية الكبرى في مصر ويختص بنظر القضايا الإدارية وبه قسم للفتوى وقسم آخر للتشريع. ولا يحتاج القانون الجديد إلا لتصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه ليبدأ العمل به. وقال نشطاء وعاملون في مجال التنمية في مصر إن مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد يتضمن قيودا مشددة من شأنها منع العمل فعليا في مجال حقوق الإنسان وإعاقة عمل المنظمات الخيرية.

ويقول نشطاء في مجال حقوق الإنسان إنهم يواجهون أسوأ حملة أمنية في تاريخهم تحت حكم السيسي ويتهمون حكومته بتقويض الحريات التي اكتسبها المصريون عقب الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم حسني مبارك عام 2011 بعد 30 عاما في الحكم. وندد علي عبد العال رئيس البرلمان المصري بعد إقرار القانون بما وصفه "باللغط" الذي أثير حول القانون وانتقادات بعثات دبلوماسية وجهات دولية له. وقال "أستطيع القول أن القانون لبى مطالب مؤسسات المجتمع المدني ومتطلبات الحفاظ على الأمن المصري."

وقال النواب الذين صاغوا مشروع القانون إنه ضروري لحماية الأمن القومي. وكثيرا ما اتهمت الحكومة منظمات حقوق الإنسان بتلقي تمويل أجنبي لنشر الفوضى ويخضع عدة أشخاص لتحقيقات تتعلق بالتمويل الأجنبي. ويحظر القانون على المنظمات المحلية والأجنبية الانخراط في أي عمل سياسي أو أي عمل يضر بالأمن القومي والنظام العام والآداب العامة أو الصحة العامة. واعتبرت جماعات حقوقية هذه الاشتراطات وسيلة لقمع المعارضة. ويمنح القانون الحكومة سلطة تقرير من يحق له تأسيس جمعية أهلية وأهدافها. ويلزم الجمعيات بالعمل وفقا "لخطط الدولة للتنمية" وهو ما يضع قيودا شديدة على العمل الذي قد تقوم به في مجالات لا تعتبرها الحكومة ذات أولوية.

ويمكن أن يُحبس رؤساء الجمعيات والمنظمات الذين ينقلون مقر كياناتهم بدون إبلاغ السلطات لمدة سنة. وتضمنت التعديلات التي أدخلت على القانون رفع الحد الأدنى للمبلغ المطلوب لتأسيس جمعية أو منظمة أهلية إلى 50 ألف جنيه (نحو 2785 دولارا) بدلا من عشرة آلاف جنيه. ووفقا لمشروع القانون الجديد قد تؤدي الأبحاث الميدانية واستطلاعات الرأي التي تتم بدون موافقة مسبقة من السلطات بالباحثين إلى السجن وكذلك التعاون مع مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة بدون موافقة. وقالت الأمم المتحدة إن مشروع القانون يحول المجتمع المدني عمليا إلى فرع للحكومة. بحسب رويترز.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها إن القانون الجديد "سيمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة من العمل لأنه سيجعل عملها وتمويلها خاضعين لمراقبة السلطات الحكومية بما في ذلك الأجهزة الأمنية." ونقل التقرير عن سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة قولها إن البرلمان "يحاول ... تفادي تدقيق الجمهور بالتعجيل في اعتماد قانون من شأنه حظر ما تبقى من جماعات المجتمع المدني المستقلة في البلاد. وأضافت "إذا مُرر هذا القانون فسيكون من المضحك القول بأن مصر تسمح بعمل المنظمات غير الحكومية لأنه سيجعلها تحت رقابة الأجهزة الأمنية".

سجن كبير

الى جانب ذلك كانت عزة سليمان تستعد لركوب الطائرة لحضور مؤتمر في الأردن عندما منعها مسؤولون أمنيون في مطار القاهرة قائلين إن قاضي تحقيق أمر بمنعها من السفر. وكانت عزة وهي محامية حقوقية مخضرمة من بين ستة على الأقل من النشطاء والمحامين والصحفيين مُنعوا من مغادرة مصر في غضون أسبوع. وتقول المنظمات الحقوقية إن 217 شخصا منعوا من مفادرة البلاد في الفترة من يونيو حزيران 2014 إلى سبتمبر أيلول 2016 بينهم 115 من منتقدي الحكومة.

وتقول المنظمات إن القيود جزء من تحرك أوسع لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإسكات المعارضين ومحو الحريات التي اكتسبها المصريون في انتفاضة 2011 التي أنهت حكم الرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما في السلطة. وقالت عزة إنها اكتشفت بعد منعها من السفر أن أرصدتها الشخصية وأرصدة المنظمة غير الحكومية التي ترأسها جُمدت على الرغم من أنها لم تكن على علم بأي دعوى قضائية مرفوعة عليها.

وقالت "دي دولة بتدوس على القانون وبتدوس على الدستور. أنا حاسة اني أخذت مقص حرامية" في إشارة إلى أنها أُخذت على غرة بقرار المنع من السفر. وأضافت "أنا ما شفتش أي ورقة لغاية دلوقت بتقول إنه أنا ممنوعة من السفر أو إن فيه قرار بالتحفظ على أموالي." وبعد أيام منع المسؤولون ناشطة مخضرمة تدير مركزا لتأهيل ضحايا التعذيب ومذيعا بث تقريرا ينتقد الحكومة في برنامجه التلفزيوني من السفر. ومُنع صحفي آخر من السفر كما مُنعت نشطة بارزة في مجال حقوق النساء من السفر.

وأثار هذا الكم غير المعتاد من قرارات المنع من السفر انتقاد مايكل فورست المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان الذي قال إن هذا الإجراء جزء من مسعى لإسكات المنتقدين. وقال فورست في بيان "القيود التي فرضت على... حرية التنقل صارت للأسف شيئا معتادا في نطاق ما يعتبر حملة أوسع على المجتمع المدني المصري استمرت منذ 2011." وقال مسؤول في إدارة الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الداخلية إن الشرطة لا تمنع من السفر إلا من يصدر بشأنه قرار من قاضي تحقيق أو النيابة العامة. وأضاف المسؤول "ليس اختصاص الضابط الذي يقف في المطار أن يبلغ الشخص (الممنوع من السفر) بالسبب."

وردد مسؤولو الأمن في المطار نفس القول لكنهم قالوا إن الضباط المختصين بفحص جوازات السفر يتصلون بجهاز أمني أو جهاز مخابرات عندما يتقدم النشطاء البارزون للسفر وفي بعض الأحيان تصدر تعليمات بمنع السفر. وتنفي وزارة الداخلية أن تكون هناك حملة حكومية على المعارضين.

وطالبت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية في بيان مشترك السلطات في مصر بالتوقف عن منع المدافعين عن حقوق الإنسان من السفر. وقال جو ستورك نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش "السلطات المصرية تريد قطع الصلة بين حركة حقوق الإنسان المصرية والعالم الخارجي". وقالت منظمة العفو الدولية إن السلطات المصرية تستخدم المنع من السفر في تخويف المدافعين عن حقوق الإنسان وعرقلة عملهم.

كان محمد زارع في طريقه لحضور ورشة عمل في تونس في مايو أيار عندما أعادوه من المطار. ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذي يعمل فيه من بين عدة جمعيات حقوقية يجري التحقيق معها في القضية التي فتحت في 2011 بتهمة تلقي أموال من الخارج لنشر الفوضى. لكن زارع لم توجه له اتهامات رسميا ولم يبلغ مسبقا بالمنع من السفر ولم يحصل على تفسير للإجراء المتخذ ضده.

وقال مشيرا إلى رواية فرانز كافكا (المحاكمة) التي يحاكم فيها بطل الرواية في ملابسات غامضة "الموضوع كافكاوي للغاية. أنا مش عارف أنا ممنوع ليه. مش عارف مين منعني ومش عارف حتى أجيب ورقة بتقول دا منين." وأضاف "البلد كلها سجن كبير ومش عارف حتى مدتي (في السجن) قد إيه." ومنذ منتصف 2013 الذي شهد استجابة السيسي عندما كان وزيرا للدفاع لاحتجاجات طالبت بإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين المثير للانقسام قتل مئات الإسلاميين وسجن آلاف آخرون. لكن الملاحقة الأمنية اتسعت لتشمل نشطاء علمانيين عارضوا الإخوان لكنهم تعلقوا بآمال التغيير السياسي.

وفي نوفمبر تشرين الثاني وافق مجلس النواب على قانون للجمعيات الأهلية تقول المنظمات الحقوقية إنه يوقف نشاطها فعليا كما يجعل من الصعب على الجمعيات الخيرية وجمعيات التنمية أيضا القيام بعملها. ويوجب القانون حبس العاملين في المنظمات غير الحكومية إذا تعاونوا مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة دون إذن مسبق من السلطات. ويقول محامون حقوقيون وعاملون في المنظمات غير الحكومية إنهم يخشون الآن تخويفهم بالمنع من السفر سواء خالفوا القانون أو لم يخالفوه. بحسب رويترز.

وقال مالك عدلي وهو محام حقوقي منع من السفر في وقت سابق إنه لم يتلق تفسيرا لقرار منعه من مغادرة البلاد. وأضاف عدلي أنه يعتقد أنه مستهدف لمعارضته للسيسي. وتابع "أنا ما شفتش وما استلمتش أي ورقة بتقول إن أنا ممنوع من السفر." وعدلي هو أحد أعضاء فريق من المحامين يحاول أمام المحاكم إبطال اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية نقلت إلى المملكة تبعية جزيرتي تيران وصنافير.

المظاهرات والاحتجاجات

في السياق ذاته قالت مصادر قضائية إن المحكمة الدستورية العليا بمصر قضت بإسقاط حق وزارة الداخلية في منع مظاهرات الاحتجاج لكنها رفضت مطالب أخرى بإلغاء عقوبتي الحبس والغرامة لمنظميها والمشاركين فيها إذا لم يحصلوا على إذن الوزارة أو إن هم أخلوا بالأمن أو دعوا لتعطيل الإنتاج. وقال مصدر إن المحكمة قضت بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة العاشرة من قانون التظاهر الصادر عام 2013 والمختص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية كما أسقطت الفقرة الثانية والأخيرة من المادة.

ونصت الفقرة الأولى من المادة على أنه "يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص في حالة حصول جهات الأمن - وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة - على معلومات جدية أو دلائل على وجود ما يهدد الأمن والسلم أن يصدر قرارا مسببا بمنع الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها على أن يبلغ مقدمي الإخطار بذلك القرار قبل الميعاد المحدد بأربع وعشرين ساعة على الأقل."

ونصت الفقرة الثانية والأخيرة من المادة على أنه "مع عدم الإخلال باختصاص محكمة القضاء الإداري يجوز لمقدمي الإخطار (عن الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة) التظلم من قرار المنع أو الإرجاء إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة على أن يصدر قراره على وجه السرعة." وكان محامون قد طالبوا بحذف ثلاث مواد أخرى من القانون تفرض إخطار وزارة الداخلية بالمظاهرات المزمعة ومواعيدها وأماكنها وأسباب تنظيمها وأسماء منظميها ووسائل الاتصال بهم. ونصت إحداها وهي المادة 19 على معاقبة المخالفين للمادة السابعة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (2777 دولارا) ولا تجاوز مئة ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.

وتحظر المادة السابعة على المنظمين والمشاركين الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل أعمال المواطنين أو إيذاءهم أو التأثير على عمل المحاكم أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات أو تعريضها للخطر. وقال نشطاء وحقوقيون مصريون وأجانب إن قانون التظاهر الذي صدر في نوفمبر تشرين الثاني 2013 بعد أربعة أشهر من عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين فرض قيودا على الحق في التظاهر الذي اكتسبه المصريون خلال انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس حستي مبارك بعد 30 عاما في الحكم. بحسب رويترز.

لكن كثيرا من المصريين اشتكوا من أن المظاهرات والاعتصامات عطلت أعمالهم أو أخرت وصولهم إلى بيوتهم. كما انطوت كثير من المظاهرات والاعتصامات على أعمال عنف قتل فيها وأصيب آلاف من المتظاهرين ورجال الأمن وكذلك مواطنون لا صلة لهم بالاحتجاجات. وكان نشطاء وحقوقيون يأملون في صدور حكم بعدم دستورية المواد الأخرى التي طعن عليها حتى يتسنى الإفراج عن نشطاء حكم عليهم بموجب تلك المواد أو يحاكمون على أساسها. وقال المحامي الحقوقي البارز جمال عيد بعد صدور الحكم "مفاجأة. كنا نأمل أن تنحاز المحكمة الدستورية للحريات." وتقول الحكومة إن القضاء مستقل وإنها لا تحاول التدخل في أعماله.

اضف تعليق