ملف الحقوق والحريات في مصر يشهد وبحسب بعض المراقبين انتكاسة كبيرة، حيث اكدت العديد من تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، ان السنوات الاخيرة التي اعقبت اسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، قد شهدت تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وخصوصا ضد المعارضين وجماعة الاخوان المسلمين، ورصدت بعض التقارير استفحال ظواهر الحبس الاحتياطي وأوضاع مراكز الاحتجاز وكثافة الأحكام القضائية الأولية بالإعدام. وهو ما اثار قلق ومخاوف المنظمات الحقوقية والانسانية التي دعت مصر الى ضرورة مراجعة القوانين والممارسات المتصلة بحقوق الإنسان، وتعديل نصوص التشريعات المتعلقة بعمل منظمات المجتمع المدني.
من جانب اخر اكد بعض الخبراء ان مصر التي تعاني من ازمات ومشاكل امنية واقتصادية كبيرة، تحتاج في الوقت الحالي الى تطبيق قوانين خاصة، ضد بعض الشخصيات والجماعات الارهابية، التي تحاول افشال عمل الحكومة الحالية من خلال اثارة الازمات وزعزعة الامن والاستقرار الداخلي، مؤكدين في الوقت ذاته ان هناك وسائل اعلام ومنظمات حقوقية، تعمل على نقل صورة مغلوطة عن مصر واتهامها على أنها دولة بوليسية تسعى الى اضطهاد الشعب وتقيد الحريات.
في هذا الشأن عربت الامم المتحدة عن "القلق الشديد" ازاء قرار محكمة مصرية تجميد اموال ثلاثة نشطاء حقوقيين معروفين وثلاث منظمات غير حكومية، وذلك في بيان صدر عن المفوضية العليا لحقوق الانسان. والنشطاء الذين منعوا من التصرف في اموالهم هم حسام بهجت مؤسس "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وجمال عيد وبهي الدين حسن، ومصطفى الحسن وعبد الحافظ طايل. اما المنظمات فهي مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان الذي اسسه بهي الدين حسن، ومركز هشام مبارك للقانون الذي اسسه مصطفى الحسن والمركز المصري للحق في التعليم.
اما مصير منظمتين اخريين هما المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان فمصيرهما ليس واضحا، بحسب البيان. ويخضع هؤلاء للتحقيق مجددا بتهمة الحصول على تمويل اجنبي في قضية تعود الى العام 2011 وتسببت بازمة دبلوماسية بين واشنطن والقاهرة. وابدت الامم المتحدة القلق خصوصا لان قرار المحكمة "يفسح المجال امام ملاحقات جنائية اخرى ضد المتهمين الذين يمكن ان يحكم عليهم بالسجن المؤبد في حال ادانتهم وهو ما يوازي في القانون المصري السجن 25 عاما".
تقول الامم المتحدة ان نحو 12 ناشطا حقوقيا من بينهم حسام بهجت وجمال عيد لا يسمح لهم بمغادرة الاراضي المصرية منذ شباط/فبراير الماضي. الا ان الامم المتحدة اشادت في المقابل بان المحكمة لم تحكم بتجميد اموال افراد اسر الناشطين كما اوصى بذلك القضاة الثلاثة الذين اختارتهم محكمة النقض بناء على طلب من وزارة العدل.
ويقول نشطاء حقوقيون مصريون إنهم يواجهون أسوأ هجوم في تاريخهم وسط حملة أوسع نطاقا لكبح الحريات التي اكتسبوها في انتفاضة 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاما. وقال جمال عيد مؤسس ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان - وهو ممن شملهم القرار - إنه يعلم منذ البداية أن القضية "مسيسة وأن الهدف هو الانتقام من مؤسسات المجتمع المدني التي تكشف انتهاكات الدولة."
وقال حسام بهجت وهو صحفي استقصائي بارز ومؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومديرها السابق والذي يشمله القرار أيضا "اليوم تلك إشارة قوية إلى أن اتهامات جنائية على وشك أن توجه على الأرجح." كما تم منع عيد وبهجت وتسعة أشخاص آخرين من السفر فيما يتعلق بالقضية. وتشعر منظمات المجتمع المدني بأنها مستهدفة منذ أواخر عام 2011 عندما داهمت السلطات مقرات 17 جماعة مؤيدة للحقوق والديمقراطية بتهمة الضلوع في مؤامرة أجنبية ضد مصر.
وفي 2013 أمرت محكمة بإغلاق بضعة مراكز أجنبية مؤيدة للديمقراطية من بينها فريدم هاوس ومقره الولايات المتحدة وأصدرت أحكاما بالسجن على 43 موظفا في منظمات للمجتمع المدني من بينهم 15 أمريكيا هربوا من البلاد. ولم تغلق أبدا القضية ضد عشرات من منظمات المجتمع المدني والمحامين لكنها كانت خامدة إلى حد بعيد حتى هذا العام. وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان صدر بعد النطق بالحكم إنها تدعو "القوى السياسية والحركات الشعبية المؤمنة بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية للتضامن مع حركة حقوق الإنسان المصرية وبذل كافة الجهود لضمان استمرار الحركة في القيام بدورها." بحسب رويترز.
وأضافت في موقعها على الإنترنت أنها عازمة على "الاستمرار في أداء دورها في الدفاع عن الحقوق والحريات والنضال من أجل تغيير السياسات العامة والممارسات الأمنية المناهضة لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية." واتهمت المنظمة مؤسسات الدولة بالاستمرار في "الهجوم على كافة أشكال التنظيم والمبادرات المدنية في مصر خلال ما يزيد على الثلاث سنوات" في إشارة إلى الفترة التي تلت يوليو تموز 2013 الذي شهد عزل الرئيس السابق محمد مرسي عقب احتجاجات حاشدة على حكمه.
مركز النديم
من جانب اخر قال محام عن مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في مصر إن المركز منع من الوصول لأمواله وأبلغ بأن حسابه تم إيقافه. وقال طاهر أبو النصر محامي مركز النديم إن موظفا منع من صرف شيك للمركز وقال له مدير بالبنك إن البنك المركزي أمر بوقف الحساب لحين تسجيل المركز كمنظمة غير حكومية في وزارة التضامن الاجتماعي.
ويقول مركز النديم إنه مسجل كعيادة في وزارة الصحة ولا يحتاج للتسجيل كمنظمة غير حكومية. وقال أبو النصر "ذهب الموظف للبنك و لم يستطع صرف شيك. إحنا مش عارفين بالظبط إيه إللي حصل سواء تجميد حساب أو غلق حساب أو منع من التصرف ولا إيه. هنحاول نطلع على القرار.
وتنفي السلطات المصرية مزاعم جماعات حقوق الإنسان والنشطاء التي تقول إن قوات الأمن تعتقل أشخاصا وتعذبهم في مراكز اعتقال سرية. وأدانت منظمة العفو الدولية الخطوة ضد مركز النديم وقالت إنه يوفر خدمات ضرورية للمئات من ضحايا التعذيب بما في ذلك الاستشارات النفسية والمساعدة القانونية. وقال فيليب لوثر مدير أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية "هذا دليل آخر على ازدراء السلطات المصرية لكل من يعتقد أنه منتقد لها. بتجميد الأصول المالية لمركز النديم السلطات تمنع المركز من تنفيذ عمله الضروري في توفير الرعاية للناجين من العنف المروع."
وأمرت الحكومة بالفعل بإغلاق المركز في وقت سابق دون تقديم أي سبب رسمي. وقالت مصادر في وزارة الصحة حينها إن المركز ارتكب انتهاكات لم تحددها. ورفع المركز قضية أمام المحكمة ضد القرار ولازالت منظورة.
شعار التعديلات
الى جانب ذلك وعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتعديل قانون تقول جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان إنه يقيد بشدة حقوق الاحتجاج وألمح إلى عفو محتمل عن الشبان المسجونين من دون اتهام. وفي حديثه في مؤتمر للشباب في شرم الشيخ قال السيسي إن لجنة ستراجع حالات الشبان المحتجزين رهن المحاكمة وستقدم نتائجها خلال أسبوعين كي تتخذ الرئاسة الإجراء المناسب.
ولا يملك السيسي سلطة التدخل في النظام القضائي في مصر لكن يمكنه إصدار قرارات بالعفو. وقال إن الحكومة ستدرس التعديلات المقترحة لقانون التظاهر التي قدمت في المؤتمر. وأشار في كلمة ألقاها في المؤتمر إلى "قيام الحكومة وبالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة بدراسة مقترحات ومشروعات تعديل قانون التظاهر المقدمة من الشباب خلال المؤتمر وإدراجها ضمن حزمة مشروعات القوانين المخطط عرضها على مجلس النواب خلال دورة الانعقاد الحالية."
ومنذ إزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة منتصف 2013 يشرف السيسي على حملة شرسة على الإسلاميين شهدت مقتل المئات وسجن الآلاف. وحُظرت جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة إرهابية وصدر ضد قادتها أحكام بالإعدام في محاكمات جماعية أثارت انتقاد الغرب. لكن نطاق حملة الاعتقالات اتسع منذ ذلك الحين ليشمل نشطاء علمانيين وليبراليين كانوا في طليعة انتفاضة 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاما.
ويطبق قانون يستلزم الحصول على موافقة وزارة الداخلية على أي تجمع عام لأكثر من عشرة أشخاص بصرامة ونجح إلى حد بعيد في إنهاء المظاهرات الحاشدة التي ساعدت في الإطاحة برئيسين في ثلاث سنوات. ويقول منتقدون إن القانون غير دستوري. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن عناصر الأمن اعتقلت وعذبت مئات الشبان في العامين الماضيين في زيادة لم يسبق لها مثيل في حالات الاختفاء القسري. ويقول مسؤولو الحكومة إن المعتقلين إما وجهت لهم تهم أو أطلق سراحهم. بحسب رويترز.
واختفت احتجاجات الشوارع منذ إقرار قانون التظاهر مع اعتقال النشطاء الذين كانوا ينظمون مظاهرات حتى وإن كانت تجمعات سلمية صغيرة. وجاء إعلان السيسي مع سريان شائعات بأن 11 نوفمبر تشرين الثاني سيشهد احتجاجات واسعة النطاق ضد تردي الأوضاع الاقتصادية. وانتخب المصريون السيسي رئيسا بأغلبية ساحقة في 2014 لكن وعوده بإعادة الاستقرار إلى مواطنين أنهكتهم سنوات من الاضطرابات تتبخر مع تزايد المصاعب الاقتصادية.
اضف تعليق