حرية الاعلام ماتزال وعلى الرغم من التطورات والاحداث المهمة، التي شهدتها الساحة العالمية تعاني من المشكلات كبيرة بسبب القيود والممارسات القمعية لبعض الحكومات العربية والافريقية، التي سعت الى تضيق الخناق على وسائل الإعلام من خلال تشديد الدور الرقابي، وسن بعض القوانين الخاصة التي تخدم مصالح تلك الحكومات، وهو خلاف ما نصت عليه الشرائع الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي تشدد وكما يقول بعض الخبراء، على حرية التعبير وحق الحصول على المعلومات ونقلها إلى الآخرين وبثها بالطرق التي يرتئيها الفرد مناسبة. كما أن الصحفيين والكتاب والمفكرين يخضعون لقوانين متشددة فيما يتعلق بحرية التعبير والنشر. وهم لا يخضعون في بعض الدول العربية للقوانين العادية بل لقوانين خاصة بالصحافة، بل إنهم يحاكمون أمام محاكم خاصة بقضايا النشر أو أمام محاكم الطوارئ.
ويوجد في العديد من الدول ايضا أجهزة أمنية وقضائية متخصصة في التعامل مع الصحفيين والصحافة مثل مباحث الصحافة ونيابة الصحافة ومحاكم الصحافة ومحاكم أمن الدولة. ويتعرض الصحفيون للتوقيف والحبس مددا قد تصل إلى السجن مدى الحياة، وقد يحكم عليهم بدفع غرامات باهظة لا يستطيعون توفيرها ما يؤدي إلى استمرار توقيفهم أو اضطرارهم إلى بيع صحفهم إن كانت هذه الصحف مملوكة لهم. كما أن بعض الدول تمنع الصحفيين بعد إدانتهم من مزاولة مهنة الصحافة طول العمر! أما الصحف فهي تتعرض للمصادرة أو الوقف المؤقت عن الصدور أو سحب تراخيص النشر ومنعها من التداول نهائيا بموجب أمر إداري، دون المرور أحيانا بالقضاء
وبحسب تقرير حرية الصحافة العالمي لعام 2015. فان منطقة الشرق الأوسط شهدت هبوطاُ كبيراً في حرية الصحافة في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك على قيمة المؤشر العالمي العام، الذي انخفض عام 2015 لأكبر قيمة له منذ 10 سنوات. من أصل 19 دولة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا شملها التقرير، 2% فقط من شعوب المنطقة يتمتعون بصحافة حرة، 16% يتمتعون بصحافة حرة جزئياً، و79% يعيشون في بلدان لا يوجد فيها حرية صحافية.
في تقرير اخر حول الهجوم العالمي على نطاق واسع على حرية التعبير، حذر ديفيد كاي، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير، من أن الحكومات في جميع أنحاء العالم المحتكرة لأدوات الرقابة، تتعامل مع الكلمات كأسلحة. وذكر المقرر الخاص في بيان صحفي حول تقريره، أن الحكومات تتعامل مع الكلمات كأسلحة، وتعتمد القوانين المبهمة التي تعطي المسؤولين مجالا واسعا لحرية التصرف في تقويض الرأي والتعبير، كما أنها تعاقب الصحفيين بسبب تقاريرهم وتعمل على إسكات الأفراد لنشرهم الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي وتمنع الحوار وتدفق المعلومات بذريعة مكافحة الإرهاب.
وقال كاي إن الرقابة بجميع أشكالها تعكس خوف الجهات الرسمية من الأفكار والمعلومات، مشيرا إلى أنها تضر ليس فقط بالمتحدث أو المراسل أو المذيع فقط ولكنها تقوض حق الجميع في الحصول على المعلومات والمشاركة العامة في حكومة تتسم بالديمقراطية والانفتاح. وأعرب كاي عن قلقه بشكل خاص لاعتماد العديد من الحكومات أسبابا مشروعة للتقييد، مثل حماية الأمن القومي أو النظام العام أو حقوق الآخرين. وحث خبير حقوق الإنسان جميع الحكومات على مراجعة قوانينها الوطنية لضمان حماية قوية لحرية التعبير وتعزيزها، ولا سيما للحد من تمتع المسؤولين في الحد من تدفق المعلومات.
سلطنة عمان
وفي هذا الشأن قالت منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان إن السلطات العمانية أغلقت صحيفة خاصة بعد اعتقال ثلاثة من صحفييها بسبب تغطيها لفساد مزعوم داخل النظام القضائي. وجاء التقرير بعد يوم واحد من إعلان الحكومة العمانية إنها اتخذت إجراءات لم تحددها ضد الصحيفة لإهانتها القضاء. ولم تحدد الحكومة الصحيفة ولم تخض في تفاصيل الإجراءات التي اتخذتها. وأدت تغطية الصحيفة الزمن التي تصدر باللغة العربية للفساد في 2014 إلى إدانة عدد من كبار المسؤولين ورؤساء الشركات.
وقالت العفو الدولية في بيان إن الزمن وموقعها الإلكتروني أغلقا بعد اعتقال نائب رئيس تحريرها يوسف الحاج. وهو ثالث صحفي بالزمن يعتقل منذ اعتقلت السلطات رئيس تحريرها ومؤسسها إبراهيم المعمري في 28 يوليو تموز. وقالت مجدالينا مغربي نائبة مدير العفو الدولية لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "يعاقب الصحفيون من الزمن فيما يبدو على قيامهم بعمل صحفي مشروع.
"انتقاد القضاء أو الإبلاغ عن مزاعم بشأن شبهات فساد ليس جريمة. إذا كانوا قد اعتقلوا بمفردهم فيما له صلة بعملهم الصحفي فإنه يتعين على السلطات العمانية أن تطلق سراحهم على الفور." وأكد أحد العاملين بالصحيفة أن المعمري لا يزال محتجزا إلى جانب صحفي آخر اعتقل وفي بيان نشرته وكالة الأنباء العمانية قالت الحكومة "ما نشر لم يضرب بعرض الحائط أبجديات حرية التعبير فحسب بل دخل بها في مزالق الإضرار بأحد أهم المرافق التي يتأسس عليها كيان الدول وهو مرفق القضاء." بحسب رويترز.
وذكرت الحكومة في البيان أنها اتخذت إجراءات غير محددة من أجل حماية "مرفق القضاء ويحصنه من عبث من أراد أن يعبث به." ولم يذكر البيان اسم الصحيفة ولم يحدد التحرك الذي اتخذ ضدها. لكن موقع صحيفة الزمن على الإنترنت عرض يوم الأربعاء رسالة تقول "وقف نشر الزمن". وقال أحد العاملين إن أمر وقف النشر "لم يذكر سببا واضحا كما لم يحدد إطارا زمنيا لوقف النشر." وفي 2011 قضت محكمة بإغلاق الصحيفة لمدة شهر وسجن المعمري وصحفي آخر خمسة أشهر مع إيقاف التنفيذ بتهمة إهانة وزير العدل ومسؤولين آخرين.
فلسطين
الى جانب ذلك وفي الأول من سبتمبر أيلول اقتحم نحو ستة من أفراد الأمن التابعين لحركة حماس منزل محمد عثمان الصحفي الشاب المقيم في غزة الذي كتب عددا من التحقيقات الاستقصائية. وصادر رجال الأمن جهازي كمبيوتر محمول وهاتفين واقتادا عثمان لاستجوابه. بعد 24 ساعة عقب ما وصفه باستجواب مكثف أطلق سراح الشاب البالغ من العمر 29 عاما لكن ليس قبل أن يطلب منه أن يوقع على وثيقة يتعهد فيها بعدم انتقاد حماس أو قواتها الأمنية. وقال عثمان إنه رفض.
وقال عثمان بعد يوم من إطلاق سراحه "كانوا يقولون لي أشياء بغرض تخويفي والتأثير علي" مشيرا إلى أنه تعرض للصفع أكثر من مرة. وأضاف قائلا "لقد اكتشفت بأن الواقع أسوأ مما كنت أظن." وقال مكتب الإعلام الحكومي في غزة الخاضع لإدارة حماس إن الأمن الداخلي اعتقل عثمان بناء على مذكرة أصدرها مكتب الإدعاء ونفى أن يكون تعرض لإساءة معاملة. وقال سلام معروف رئيس المكتب "لدينا احترام كبير لحقوق الصحفيين في العمل بكل حرية وفي أن يكتبوا في كل المواضيع." وأوضح قائلا "السياسة العامة تقوم على السماح للصحفيين بالعمل بحرية ودون أن تمس حقوقهم."
ورغم ذلك تقول جماعات تراقب الإعلام وحقوق الإنسان إن حرية الصحافة تتعرض لتهديدات في الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل قلق حماس وحركة فتح التي تدير الضفة الغربية من الصحفيين والمدونين الذين يميلون للانتقاد أو يسعون لفضح الممارسات الخاطئة. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير الشهر الماضي "(إنهم) يعتقلون ويسيئون معاملة ويوجهون تهما جنائية للصحفيين والنشطاء الذين يوجهون انتقادات سلمية للسلطات." وجاء في التقرير "الحكومتان الفلسطينيتان اللتان تعملان بشكل منفصل استخدمتا على ما يبدو طرقا مشابهة في المضايقة والترهيب والانتهاك البدني لأي شخص يجرأ على الانتقاد." وذكرت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان أن 24 شخصا في الضفة الغربية و21 في قطاع غزة اعتقلوا في 2015 لانتقاد السلطات الفلسطينية أو كتابة مقالات عن موضوعات ممنوعة.
ويقول صحفيون فلسطينيون مخضرمون إن الموقف يزداد سوءا. وظل خوفهم الأكبر طوال سنين الجيش الإسرائيلي الذي احتل الضفة الغربية في عام 1967 وأغلق في العام الماضي محطتين إذاعيتين في الخليل. لكن الخوف الآن من التضييق الذي تمارسه السلطات الفلسطينية على الإعلام. وقال عماد سعادة (50 عاما) الذي يعمل في جريدة القدس اليومية منذ نحو 25 عاما "كان الأمل معقودا على انتعاش الحريات الإعلامية. لكن الانتهاكات والتضييق على حرية الصحافة تواصل بشكل أو بآخر، وبذلك أصبحت الصحافة تعاني من تهدي مزدوج في آن واحد الاحتلال والسلطة." بحسب رويترز.
ويقول صحفيون إن النتيجة هي قدر متزايد من الرقابة الذاتية. وفي ظل اعتقال صحفيين ومدونين لأسابيع وتعرض بعضهم إلى أذى بدني يفكر غيرهم أكثر من مرة بشأن ما سيكتبون. وقال فتحي صباح مراسل صحيفة الحياة اللندنية في غزة "أصبح الرقيب الذاتي كرجل أمن يجلس في عقل الصحفي يقول له ما يكتب وما لا يكتب. أصبح هناك حيطة وحذر لدي الكثير من الصحفيين والمدونين." وفي غزة التي تعاني من حصار تفرضه إسرائيل ومصر منذ نحو عشرة أعوام يقول صحفيون إن حماس باتت أكثر تململا من الانتقادات منذ سيطرتها الكاملة على القطاع في 2007. وفي الضفة الغربية تقول جماعات حقوقية إن المضايقات ضد صحفيين أكثر عددا. واعتقل رغيد طبيسة الصحفي البالغ من العمر 23 عاما بشبكة القدس الإخبارية وشبكة فلسطين بوست .18
وقال طبيسة إنه احتجز في زنزانة انفرادية معظم الفترة المذكورة وخضع لاستجواب دام ثلاث ساعات فقط. وعند سؤاله كيف أثر ذلك على عمله رد قائلا "التأثير إما بكون إن الواحد يبطل يكتب أو بكون تأثيره عكسي بعطي الواحد دافع للإنسان بما انه مؤمن بما يقوم به." وعند سؤاله بشأن احتجاز صحفيين في الضفة الغربية نفى عدنان الضميري المتحدث باسم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وجود أي مساع للتضييق على الانتقادات. وقال الضميري " لا يوجد لدينا سياسة ملاحقة أو انتهاك لحرية الإعلام في البلد." وتابع قائلا "في حال وجود أي انتهاك الذي نؤكد أنه على الصحفي أن يتقدم بشكوى إما ضد جهاز الأمن الذي كان معتقلا لديه أو حتى بشكل شخصي على رجل الأمن الذي مارس الانتهاك بحقه."
السودان
على صعيد متصل فالرسالة واضحة بالنسبة لعثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة سودانية عادت للصدور بعد فترة ايقاف امتدت اشهر: "الصحافة الحقيقية" تبقى عملا ينطوي على مخاطر كثيرة في بلاده. ودرس ميرغني الهندسة في القاهرة والولايات المتحدة، لكنه اصبح منذ حوالى عشرين سنة رئيس تحرير يومية "التيار" المستقلة التي اصدر جهاز الامن السوداني اوامر بحظرها ثلاث مرات خلال السنوات الماضية، كانت اطولها بين 2012 و2014. واكد لوكالة فرانس برس انه سعيد بعودة صحيفته الى الصدور، لكنه يتخوف من ان تكون عودة قصيرة .
وقال ميرغني في المقابلة التي اجريت معه في مكتبه في الصحيفة في وسط العاصمة السودانية، وهو المكان الذي اقتحمه مسلحون العام الماضي واعتدوا عليه بالضرب، "مخاطر عمل صحافة حقيقية تزداد يوما بعد يوم في السودان". واضاف في اللقاء الذي اجري معه بالانكليزية "لا تزال الطريق الطويلة امامنا لندرك ان حرية التعبير والاعلام امر جيد للشعب وللحكومة". وصادر جهاز الامن والمخابرات، المؤسسة القوية في السودان، نسخ صحيفة "التيار" المطبوعة خمس عشرة مرة من بدء صدورها.
وقال ميرغني (56 عاما) "هناك خطوط حمراء غير معلنة، وفي كل مرة تتجاوز هذه الخطوط تجد ان صحيفتك أغلقت مرة جديدة". واضاف "في كل يوم، نقرأ صحيفتنا، نحس بالسعادة باننا استطعنا الاستمرار حتى صباح اليوم التالي". ومنذ نيسان/ابريل الماضي، صادر جهاز الامن النسخ الصادرة عن صحف عديدة اخرى بينها "آخر لحظة"، و"الصيحة"، و"التغيير"، و"الجريدة". واجمالا، تتم المصادرة بسبب مقالات تتطرق الى مواضيع معينة.
وذكرت منظمة "صحافيون بلا حدود" في عام 2016 في احد تقاريرها ان "جهاز الامن يراقب الصحافيين والصحف" في السودان. وصنفت السودان في مؤخرة ترتيبها لحرية الصحافة. وتمنع حكومة الرئيس السوداني عمر البشير وسائل الاعلام الدولية من الوصول الى مناطق تشهد نزاعات في السودان مثل دارفور حيث تتهم منظمات حقوقية اجهزة الامن باحتجاز ناشطين وسياسيين معارضين. وردا على سؤال عن سبب استهداف "التيار"، قال ميرغني انه قد يكون نتيجة نشرها عددا من فضائح الفساد خلال السنوات الفائتة.
واضاف "نحاول ان نقدم صحافة مستقلة ونحاول ان نكون اداة للتغيير في السودان". وجاء الحظر الاخير للصحيفة الذي امتد لمئة وخمسين يوما بعد نشرها سلسة مقالات تنتقد الحكومة بسبب خفض الدعم عن المنتجات البترولية والكهرباء. واوضح ميرغني "لا يعطونك ورقة مكتوبة اطلاقا... يتصلون بك هاتفيا ويقولون: صحيفتك مقفلة اعتبارا من الغد. لماذا؟ لا تسأل". وعادت "التيار" للصدور بعدما واجهت جهاز الامن والمخابرات في المحكمة الدستورية، الهيئة القضائية الاعلى في البلاد، والتي امرت بعودتها.
ورأى عثمان ان الامر سيستغرق بعض الوقت قبل استعادة قراء الصحيفة. لكنه يفخر بان الصحافيين الاربعين العاملين في الصحيفة لم يغادروها، مضيفا "خلال هذه الاشهر الخمسة، عانينا اوضاعا اقتصادية حرجة". ويعبر ميرغني عن حزنه لان البلد الذي يبلغ عدد سكانه سبعة وثلاثين مليون نسمة، لا توجد فيه الا عشرون صحيفة توزع حوالى 300 الف نسخة فقط، وبينها التيار التي كانت تنشر 35 الف نسخة. بحسب فرانس برس.
وقال "السودانيون يحترمون الصحافة المكتوبة أكثر من التلفاز، وما زالت الصحيفة في السودان وسيلة الحصول على المعلومات،معربا عن امله في ان تسهم الصحافة الرقمية بتوسيع انتشار الصحف. واضاف "مستقبل الصحافة هو مستقبل السودان، وان لم تتغير طيقة تفكير الحكومة، لن يتغير شيء".
اضف تعليق