العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات المتطرفة في الدول الأوروبية، أسهمت وبشكل واضح في تنامي ظاهرة العنف والعنصرية ضد الأقليات المسلمة، فهذه العمليات قد دفعت بعض الحكومات وفي ظل تنامي الأفكار والأحزاب اليمينية المتطرفة، الى تشديد إجراءاتها وقوانينها ضد المسلمين، حيث سعت بعض الحكومات الغربية الى منع المرأة المسلمة من تأدية بعض الوجبات الدينية وخصوصا تلك التي تتعلق بستر ولباس المرأة المسلمة، كالحجاب والنقاب وغيرها من الامور الاخرى التي تمس شخصية وحياة المرأة، وهو ما اثار موجة من الانتقادات خصوصا وان البعض يرى ان هذه القوانين والقرارات تعد انتهاك صارخ لحقوق المرأة التي تعاني اليوم من التميز والتهميش بسبب انتمائها الديني.
وبحسب بعض المصادر فقد انتقد الكاتب الأمريكي بيتر هوبكينز النظرة الغربية السلبية للحجاب الإسلامي وطالب بضرورة تغييرها، وقال في مقاله بصحيفة نيوزويك: إن المجتمع الغربي يسيء الحكم على مرتديات الحجاب، مشيرا إلى أن كثيرين في الغرب ينظرون إلى اللباس الإسلامي التقليدي للمرأة على أنه علامة على القهر، ويعتقدون بأن الرجال يرغمون النساء على ارتداء هذه الملابس، لكنه أضاف أن العديد من النساء يخترن ارتداء الحجاب بوصفه علامة على الإيمان والأنوثة، أو لأنهن يرغبن في ارتدائه.
وكشف الكاتب عن بعض الحقائق بشأن الحجاب، داعيا المجتمعات للاستماع إليها، موضحا أن من هذه الحقائق أن النساء المسلمات غير مجبرات على ارتداء الحجاب، وأن بعضهن يرتدين الملابس المحتشمة للتعبير عن التزامهن الديني، وزاد: أن ارتداء المسلمات الحجاب لا يدل على أنهم مرغمات عليه، ولا يدل على أن الرجال يجبرونهن على ارتدائه، مضيفا أن ارتداء المسلمات الحجاب لا يعني أن لديهن ارتباطا بالإرهاب، وذلك بالرغم من التغطية الإعلامية السلبية للمجتمعات الإسلامية وبالرغم من سياسات مكافحة الإرهاب في الدول الغربية التي تسببت في تجريح المسلمين.
وقال إن الحجاب لا يعدّ رمزا أو شيئا يبعث على الخوف والريبة، وأشار إلى أن تقريرا نُشر مؤخرا في بريطانيا كشف عن سوء المعاملة ضد المسلمين، وأن أكثر من 60% من الضحايا من النساء، وأن 75% من هذه النسوة كن مسلمات، مما يدل على أنهن كن يرتدين شكلا من أشكال غطاء الرأس، وأضاف أن النسوة المسلمات أكثر عرضة للهجمات في وسائل النقل العام وفي مجال التسوق بالمقارنة مع الرجال، وأن معظم الجناة من الرجال البيض الذين يقترفون جرائمهم بدوافع نمطية.
بريطانيا
في هذا الشأن كشف تقرير لمجلس العموم البريطاني عن أن المسلمات هن أكثر فئات المجتمع حرمانا من الناحية الاقتصادية، وقالت لجنة المرأة والمساواة في المجلس إن عدد المسلمات البريطانيات المعرضات للبطالة أو الباحثات عن عمل يفوق عدد أقرانهن عامة بمقدار ثلاثة أضعاف، كما يزيد عدد غير الناشطات اقتصاديا منهن على الضعفين.
وحثت اللجنة الحكومة على ضرورة وضع خطة للتعامل مع التفاوت في الفرص قبل نهاية هذا العام. وقالت الحكومة البريطانية إنها ملتزمة بأن تكون بريطانيا "مكانا لعمل الجميع". وأشارت اللجنة إلى أن الكثير من المسلمات في بريطانيا يواجهن "عقوبة ثلاثية" تؤثر على تطلعاتهن في البحث عن عمل، وهي أنهن سيدات، وأنهن من أقلية عرقية، وأنهن مسلمات. وقالت اللجنة إن الأدلة تشير إلى أن السبب الأكبر وراء هذا الحرمان "الحاد" الذي تشعر به المسلمات في بريطانيا هو دينهنّ.
وتابعت اللجنة أن "آثار الإسلاموفومبيا (الخوف من الإسلام) على السيدات المسلمات يجب ألا يستهان بها." وأضافت أن عدد المسلمات المعرضات للبطالة يفوق عدد المسيحيات البيضاوات المعرضات للبطالة بنسبة 71 في المئة، حتى إذا تساوى الطرفان في المستوى التعليمي ومهارات اللغة، وأشار نواب اللجنة إلى أنهنّ يواجهن أشكالا من التمييز عندما يتقدمن للوظائف بسبب الملابس التي ترتديها بعضهن وبسبب دينهن وثقافتهن.
وأشار التقرير إلى وجود "عامل مخيف" عندما يحول إدراك التمييز أو الخوف منه أو من زملاء العمل في بيئة معادية بين السيدات المسلمات والتقدم إلى وظائف بعينها، ودعا النواب الوزراء إلى تعميم طريقة "التوظيف دون الكشف عن الاسم" في جميع الشركات، بحيث لا يرى أرباب العمل أسماء المتقدمين، وذلك بعدما أشارت الأدلة إلى أن الأسماء التي يبدو أصحابها من ذوي البشرة البيضاء يحصلون على فرصة لإجراء مقابلة.
وذكر التقرير كذلك أن "على الحكومة ومفوضية المساواة وحقوق الإنسان البريطانية التحرك للتأكد من أن أصحاب العمل على دراية بواجباتهم القانونية، وتمكين الموظفين من تحدي التمييز." وكانت الأرقام في عام 2015 تشير إلى أن السيدات المسلمات أقل الفئات نجاحا من الناحية الاقتصادية في المجتمع البريطاني.
وفي الوقت الذي بلغت فيه نسبة البريطانيات في سن العمل، ممن يشغلن وظائف حاليا، 69 في المئة، وصل عدد السيدات المسلمات بينهن 35 في المئة، وتبلغ نسبة العاطلات أو الباحثات عن عمل، على مستوى بريطانيا، 5 في المئة، لكن النسبة بين السيدات المسلمات تصل إلى 16 في المئة، وظهرت المقارنة الصارخة في نسبة السيدات اللائي صُنّفن على أنهن غير ناشطات اقتصاديا، وهن السيدات العاطلات اللائي لا يبحثن عن عمل، والسيدات بصورة عامة. إذ تبلغ نسبة غير الناشطات اقتصاديا ما لا يقل عن 27 في المئة، بينما تصل بين السيدات المسلمات 58 في المئة. ويشير التقرير إلى أن نصف السيدات غير الناشطات اقتصاديا تقريبا يفضلن ذلك بسبب تطلعهن إلى المكوث في البيت، مقارنة بالمعدل القومي البالغ 16 في المئة من السيدات غير الناشطات لنفس السبب. بحسب بي بي سي.
وانتهت اللجنة إلى أن "قانون المساواة ينطبق على الجميع، وينبغي على كل السيدات، بصرف النظر عن معتقداتهن، أن يكن أحرارا في اتخاذ خياراتهن بشأن جميع أوجه حياتهن، بما في ذلك التعليم والتوظيف والملبس، وبالتالي عليهن أن يكن مخولات بمواجهة السلبيات التي يتعرضن لها." وقالت ماريا ميلر، التي ترأس لجنة المرأة والمساواة في مجلس العموم البريطاني: "النساء المسلمات على وجه الخصوص، يواجهن حقا مستويات غير مقبولة من التمييز، ويظهر هذا التمييز في أماكن العمل، ومن أصحاب العمل، وغيرها من المجالات أيضا".
ألمانيا
الى جانب ذلك رفض وزير الداخلية توماس دي ميزير (الحزب المسيحي الديمقراطي) المطالبات بحظر النقاب في ألمانيا لم يثن بعض السياسيين الذين ينتمون إلى حزبه وحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي شريكه في الائتلاف عن مواصلة المطالبة بحظر البرقع. ومن بين هؤلاء ينس شبان عضو مجلس إدارة الحزب المسيحي الديمقراطي الذي شدد في حوار مع صحيفة "دي فيلت" على ضرورة حظر النقاب قائلا: "لابد أن يكون من الواضح لكل شخص يشق طريقه إلى ألمانيا، أن حياته هنا سوف تبدو مختلفة تماما عما هي عليه في موطنه". وتابع قائلا: "يتعين عليه التفكير بشكل أكثر دقة فيما إذا كان راغبا حقا في العيش في هذه الثقافة الغربية أم لا"، في المقابل حذرت مفوضة الحكومة الألمانية الاتحادية لشؤون الهجرة والاندماج أيدان أوزوغوز من الوقوع فيما أسمته "نقاشات رسمية"، مؤكدة أنها ضد ارتداء النقاب، لكنها في نفس الوقت ضد استصدار قانون لحظره.
وقالت أوزوغوز في حوار مع صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية واسعة الانتشار "البرقع لباس معاد للمرأة، وهو بمثابة سجن للمرأة". لكنها لفتت الانتباه إلى أن مثل هذه النقاشات ستكون لها أثارا سلبية على "فئة مغبونة". وشددت أوزوغوز على أنه "لا توجد أي صلة بين الانتحاريين وارتداء البرقع"، وأن هذه النقاشات الفارغة لن تفيد النساء المعنيات بذلك".
وكان نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي رالف شتيغنر قد أكد أن حظر ارتداء البرقع حسب اقتراح وزراء داخلية التحالف المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه المستشارة أنغيلا ميركل، لا يتوافق مع الدستور. وقال شتيغنر في تصريح للقناة الأولى بالتلفزيون الألماني "أنا أيضا لا تعجبني تغطية الوجه كله... ولكن ليس بوسع الإنسان أن يحظر كل ما لا يعجبه". بحسبDW.
ووصف شتيغنر مطالبات وزراء داخلية الولايات التي تحكمها أغلبية من التحالف المسيحي الديمقراطي بشكل عام بأنها "تنافس أساسي مع اليمينيين الشعبويين". وقال إن ذلك ينطبق أيضا على مبادرة حظر البرقع، مضيفا: "فلتحاولوا حظر ذلك بالدستور، هذا أمر صعب فيما يتعلق بالحرية الدينية".
فرنسا
من جانب اخر أذكى مقطع فيديو يظهر صاحب مطعم في إحدى ضواحي باريس وهو يرفض على نحو واضح تقديم خدمة لسيدتين مسلمتين حالة غضب في فرنسا ودعوات إلى الاحتجاج، وأظهر الفيديو الذي تداوله الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، الرجل وهو يقول لسيدتين كانتا ترتديان الحجاب: "الإرهابيون مسلمون وجميع المسلمين هم إرهابيون". حدثت الواقعة في مطعم "لو سيناكل" في منطقة تروبلاي-أون-فرانس. واعتذر الرجل لمجموعة من الأشخاص كانوا قد تجمعوا خارج المطعم. وقال إنه "لم يستطع ضبط أعصابه" نتيجة التوترات الراهنة بشأن قضية ارتداء البوركيني على الشواطئ الفرنسية، كما أن لديه صديق قتل في الهجوم الذي استهدف مسرح باتاكلون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حسبما ذكرت صحيفة "لو باريسيان".
ويبدو أن إحدى السيدتين قد التقطت الفيديو داخل المطعم سرا. وقالت إحداهما: "نحن لا نريد خدمة من عنصريين". ورد الرجل قائلا: "العنصريون لا يقتلون الناس". وأضاف: "لا أريد أناسا مثلكما في مطعمي. انتهى". وأكد مركز شرطة محلي لصحيفة "لاكسبريس" أن الشرطة كانت قد حضرت إلى المطعم، لكنها رفضت تأكيد ما إذا كان جرى تقديم أي شكوى أم لا.
من جهة اخرى حظر عمدة مدينة كان الفرنسية ارتداء البوركيني على شواطئ المنتجع الشهير الواقع في الريفييرا التي تستضيف سنويا المهرجان السينمائي الشهير، حسبما قال مسؤولون. وأصدر العمدة دافيد ليزنار قرارا يقضي بأن "دخول الشواطئ والسباحة ممنوعان على أي شخص لا يرتدي (ملابس سباحة) لا تحترم العادات المتبعة والعلمانية"، التي تعد المبدأ الرئيسي للجمهورية الفرنسية. وأضاف نص القرار أن "ملابس السباحة التي تظهر انتماء دينيا، في الوقت الذي تستهدف فيه فرنسا وأماكن العبادة لهجمات إرهابية، قد ينجم عنها الإخلال بالنظام العام يجب الحيلولة دون ذلك".
وقال تييري ميغول، رئيس الخدمات البلدية في كان، في محاولة لشرح المغزى من القرار "لا نتحدث عن منع الرموز الدينية على الشاطئ... ولكن الملابس التي ترتبط بالولاء لحركات إرهابية نقاتلها". وفي 14 من يوليو/تموز الماضي وقع هجوم على مدينة نيس القريبة من كان راح ضحيته 85 شخصا وأعلن المسؤولية عنه ما يسمى بتنظيم داعش. وفي 26 يوليو/تموز قتل قس في كنيسته الواقعة شمالي غرب فرنسا في هجوم شنه مهاجمان أعلنا ولاءهما للتنظيم. بحسب بي بي سي.
ويعد الزي الإسلامي قضية ذات حساسية في فرنسا، التي يحظر فيها ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ولكن لا تحظر فرنسا ارتداء الرموز أو الملابس الدينية. وفي وقت سابق ألغى مسبح بالقرب من مدينة مرسيليا الفرنسية يوماً واحداً كان محجوزاً من قبل سيدات مسلمات فقط كي يتمكن من ارتداء البوركيني أي "المايوه الشرعي للمحجبات". بعد أن أثار ذلك الغضب العام، بما في ذلك غضب ساسة من اليسار واليمين. وقال بيان من القيمين على المسبح إن " القرار تم اتخاذه حفاظاً على النظام العام".
وانتقد سياسيون خطوة أقدمت عليها حديقة مائية في فرنسا وهي تخصيص يوم للمسلمات الراغبات في ارتداء زي "البوركيني"، وهو زي للسباحة ترتديه السيدات لما فيه من احتشام من وجهة نظرهن. ونظمت جماعة في مارسيليا ذلك اليوم وخصصته لدخول السيدات فقط وارتداء البوركيني. وتهدف الخطوة إلى "تشجيع السيدات على المشاركة في الأنشطة المجتمعية". وقالت بعض الشخصيات السياسية البارزة إن الخطوة تتعارض مع قيم العلمانية المنصوص عليها في القانوني الفرنسي. وقالت فاليري بواي، عمدة منطقتين في مارسيليا من جماعة "الجمهوريين" يمين الوسط التي يتزعمها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي: "قبول مثل هذه الموضة يعني قبولنا للشيوعية في بلادنا". وأضافت: "لكن إنها أيضا مسألة كرامة للمرأة، ومسألة تتعلق بالمبادئ الأساسية لنا". وأشارت ملحوظة من منظمي النشاط أن النساء المشاركات "يتعين عليهن تغطية أجسامهن من الصدر وحتى الركبة".
ويعيش في فرنسا نحو خمسة ملايين مسلم، وهي الجالية المسلمة الأكبر في أوروبا الغربية، ويعتقد أن نحو ألفي سيدة يرتدين النقاب، كما انتقد القرار ستيفان رافييه، عمدة منطقتين أخريين في مارسيليا من "الجبهة الوطنية" اليمينية، وقال: "هذا اليوم الإسلامي يؤكد، بعيدا عن الكلمات المريحة للهيئات المسلمة، أن بعض المسلمين يقررون بين أنفسهم خرق النموذج الجمهوري ووضع أنفسهم خارج دائرة المجتمع".
اضف تعليق