في الآونة الأخيرة، تزايد عدد منظمات حقوق الإنسان المطالبة بتعليق عضوية المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان. فما هو مجلس حقوق الإنسان ودوره على الصعيد الدولي الإنساني؟ وكيف تستفيد السعودية من عضويتها في المجلس؟ وما هي الأسباب التي دعت المنظمات الإنسانية الدولية إلى المطالبة بتعليق عضويتها؟.
مجلس حقوق الإنسان هو أعلى هيئه حكومية دولية لحقوق الإنسان داخل منظومة الأمم المتحدة. وهو يتألف من 47 دولة عضواً تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاقتراع المباشر والسري. وتوزع مقاعد المجلس كما يلي: الدول الأفريقية: 13 مقعداً. والدول الآسيوية: 13 مقعداً. ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: 8 مقاعد. ودول أوروبا الغربية ودول أخرى: 7 مقاعد. ودول أوروبا الشرقية: 6 مقاعد. وفترة ولاية أعضاء المجلس ثلاث سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابهم مباشرة بعد شغل ولايتين متتاليتين.
ويعد المجلس في المقام الأول مكانا للاجتماع (المادة 5.H) حيث يجتمع ممثلي مختلف الجهات الفاعلة على الساحة الدولية معاً لمناقشة وتحديد وتنقيح حقوق الإنسان، فضلا عن التدابير اللازمة لضمان حمايتها وتعزيزها. وهو في المقام الثاني مركز لصنع القرار، حيث يساعد على تطوير مفاهيم وسياسات حقوق الإنسان على المستوى العالمي. وفي المقام الثالث هو مركز لحماية الضحايا، حيث يهدف مجلس حقوق الإنسان أيضا إلى ضمان حماية ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، إذ يمنح المجلس نفسه مسؤولية وقائية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان من خلال مراقبة الأنشطة الداخلية للدول الأعضاء. وفي هذا المجال صدرت العديد من التوصيات للحفاظ على سلامة المدافعين عن حقوق الإنسان وحماية المجتمع المدني.
ومع أن التوصيات والقرارات التي يعتمدها مجلس حقوق الإنسان لا تعتبر ملزمة قانونا إلا أن اللافت للنظر أن تلك التوصيات والقرارات تُظهر إرادة قوية في منع انتهاكات حقوق الإنسان، وتضع الدول تحت ضغوط دبلوماسية من المجتمع الدولي نيابة عن المجلس. فضلا عن أن القرارات التي صدرت عن المجلس هي بمثابة مبادئ توجيهية تسترشد بها الدول الأعضاء، خصوصا فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
ولأهمية المشاركة في مجلس حقوق الإنسان، تتسابق الدول فيما بينها لكسب عضويته، ومن بين تلك الدول السعودية التي فازت بعضوية مجلس حقوق الإنسان، بعد أن حصدت 140 صوتاً من أعضاء المجلس خلال الانتخابات التي أجريت عام 2013.
لم يكن دخول السعودية إلى مجلس حقوق الإنسان مرحبا به من منظمات حقوق الإنسان الدولية، فالسعودية تعد واحدة من الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان؛ إذ تتهم منظمة العفو الدولية السعوديين أنهم " نفذوا المئات من أحكام الإعدام، ووضعوا أطفالا في قوائم انتظار أحكام إعدام بعد محاكمات غير عادلة بالمرة، وقمعوا المعارضة بلا رحمة، وكذلك نشطاء حقوق الإنسان". وبحسب تلك المنظمات فأن "فرص تقدم حقوق الإنسان في المملكة غير مبشّرة على الإطلاق"
ومما زاد الطين بله، أن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها السلطات السعودية لم تقتصر على الداخل السعودي، بل تجاوزتها إلى بلدان أخرى، مثل العراق وسوريا وآخرها اليمن. وقال مراقبون للعقوبات تابعون للأمم المتحدة في تقرير سنوي إلى مجلس الأمن "إن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن استهدف مدنيين بضربات جوية، وإن بعض الهجمات قد تكون جرائم ضد الإنسانية". وأثار تقرير لجنة الأمم المتحدة التي تراقب الصراع في اليمن لصالح مجلس الأمن، دعوات من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان إلى الولايات المتحدة وبريطانيا لوقف بيع أسلحة يمكن استخدامها في مثل تلك الهجمات، إلى السعودية.
وقد أحصت الأمم المتحدة مقتل حوالي ستة آلاف مدني، من بينهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل منذ تدخل التحالف في 26 آذار/ مارس من العام الماضي. وأكدت منظمات حقوق الإنسان من خلال مكاتبها ومنسوبيها أن الغارات الجوية للتحالف السعودي أدت إلى سقوط ضحايا من الأطفال. وأن قوات التحالف لم تتخذ الإجراءات اللازمة للتمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، وأن قوات التحالف والمسلحين قد يكونوا ارتكبوا جرائم دولية.
هذه الانتهاكات التي ترتكبها السعودية على المستويين الوطني والإقليمي، والتي لم تتوقف، بل ازدادت مؤخرا مستغلة عضويتها في مجلس حقوق الإنسان هي التي دعت عددا من المنظمات الحقوقية للمطالبة بتجريد السعودية من عضويتها داخل "مجلس حقوق الإنسان" ولفتت المنظمات الحقوقية التي تضم منظمات سعودية وأخرى يمنية في بيان، إلى أن «قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 60/251، الذي أنشأت بموجبه مجلس حقوق الإنسان، ينص على أنه: يجـوز للجمعيـة العامـة أن تقـرر، بأغلبيـة ثلثـي الأعـضاء الحاضـرين والمـشتركين في التــصويت، تعليــق حقــوق عــضوية المجلــس الــتي يتمتــع بها أي مــن أعــضائه إذا مــا ارتكــب انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان». ليس إلى حين وقف هجماتها غير القانونية في اليمن، وإنما أيضاً إلى إجراء تحقيق محايد وذات مصداقية في تلك الهجمات، أو موافقتها على إجراء تحقيق دولي مستقل في مزاعم الانتهاكات في اليمن، وتعاونها مع هذا التحقيق.
وقالت منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" إن على الجمعية العامة للأمم المتحدة تعليق حقوق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وسردتا مجموعة من الأسباب منها:
1- ارتكبت المملكة العربية السعودية انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان خلال فترة عضويتها في المجلس، ووظفت موقعها في المجلس لتحصين نفسها في وجه المساءلة عن انتهاكاتها في اليمن. فقد وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "العفو الدولية" الآتي: (أ-69 ضربة جوية غير قانونية لقوات التحالف قد يرقى بعضها لمستوى جرائم الحرب. ب-قتلت 913 مدنيا على الأقل واستهدفت منازل وأسواق ومستشفيات ومدارس وشركات مدنية، ومساجد. ج-كما وثقت المنظمتان 19 هجمة استخدمت الذخائر العنقودية المحرمة دوليا، بعضها على المناطق المدنية."
2- وظفت المملكة موقعها في مجلس حقوق الإنسان لمنع إنشاء تحقيق دولي مستقل وفق ما أوصى به. أما لجنة التحقيق الوطنية التي أنشأتها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتي تدعمها السعودية، فلم تقم حتى اليوم بأية تحقيقات ذات مصداقية في الانتهاكات التي شهدها النزاع.
3- استخدمت المملكة العربية السعودية التهديد بسحب التمويل الذي تقدمه لبعض البرامج الهامة للأمم المتحدة لإجبار الأمين العام للأمم المتحدة على حذف اسم التحالف من قائمة العار لقتل الأطفال وقطع أطرافهم، وشن الهجمات على المدارس والمستشفيات في اليمن.
4- منذ انضمت السعودية لمجلس حقوق الإنسان في يناير/كانون الثاني 2014، واصلت حملتها على كافة أشكال المعارضة في الداخل دون هوادة، وأن «المملكة العربية السعودية ماضية في التمييز ضد المرأة في القانون والواقع الفعلي، بما في ذلك عبر فرض نظام وصاية الرجل على المرأة، الذي يعامل جميع النساء الراشدات كقاصرات من الناحية القانونية. بينما يظل التمييز ضد الأقلية الشيعية منهجياً ومتجذراً؛ فأعدم أحد أبرز رجال الدين المسلمين الشيعة، في يناير/كانون الثاني 2016، بناء على محاكمة بالغة الجور، وقبض على ناشطين شيعة آخرين وسجنوا ويواجهون عقوبة الإعدام لا لشيء إلا لمشاركتهم المزعومة في مظاهرات الاحتجاج. ولم تتخذ السلطات ما يكفي من التدابير لحماية العمال الأجانب من التعرض للانتهاكات».
يبدو أن مصداقية مجلس حقوق الإنسان مهددة إذا لم يقدم المجلس خطوة من شأنها أن تحد من الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان التي ارتكبتها المملكة العربية السعودية في اليمن، وتوظيفها عضويتها لإعاقة التفحص المستقل لتصرفاتها ومساءلتها عنها. فهل ينصف الضحايا أم يخذلهم؟
...................................................
اضف تعليق