مع استمرار الحرب والقصف الجوي الذي تقوم به مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، شهد ملف حقوق الانسان تدهورا كبيرا حيث خلفت هذه الحرب دمارا كبيرا في البنية التحتية، وألقت بظلالها الثقيلة على الأوضاع الإنسانية والظروف المعيشية لجميع المواطنين. كما اكدت بعض التقارير الخاصة ان قوات التحالف ووسط مناخ من الإفلات من العقاب قد ارتكبت انتهاكات وجرائم خطيرة مخالفة لكل المواثيق والقرارات الدولية، بما في ذلك التفجيرات والقصف العشوائي للمناطق المدنية، الامر الذي أدى إلى قتل وجرح آلاف المدنيين واضطر ما يربو على 2.5 مليون شخص إلى النزوح قسراً. يضاف الى ذلك الحصار الجائر ومنع وصول المساعدات الى المتضررين في كافة أنحاء البلاد.
فقد اكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن نحو نصف محافظات اليمن البالغ عددها 22 محافظة على شفا المجاعة بسبب الحرب الدائرة في البلاد فيما يحتاج أكثر من 13 مليون نسمة معونات غذائية. وتعزو جماعات المعونة الأزمة إلى القيود التي يفرضها التحالف العربي بقيادة السعودية على الوصول للموانئ التي تسيطر عليها جماعة الحوثي وتتهم الحوثيين بمنع وصول الإمدادات إلى بعض المناطق بما في ذلك مدينة تعز في جنوب غرب البلاد.
وقال أدهم مسلم نائب مدير شؤون اليمن في برنامج الأغذية العالمي إنه من منظور الأمن الغذائي فقد صنفت عشر من محافظات اليمن على أنها تمر بحالة طوارئ مشيرا إلى أنها الخطوة التي تسبق المجاعة. وقال إن القتال الدائر أدى إلى نزوح نحو 2.3 مليون شخص وجعل أكثر من نصف عدد سكان البلاد البالغ 26 مليون نسمة في حاجة ماسة للمعونات الغذائية. وأضاف أن ذلك يعني أن على البرنامج ألا ينتظر حتى يصل الوضع إلى حد المجاعة وأنه يجب عليه التصرف فورا لتقديم المعونات الإنسانية مباشرة.
اطفال اليمن
الى جانب ذلك اعلنت منظمة الامم المتحدة للطفولة "اليونيسف" ان ستة اطفال يقتلون او يصابون بجروح يوميا في اليمن منذ بدء غارات التحالف العربي بقيادة السعودية في هذا البلد. واوردت اليونيسف في تقرير ان "اكثر من 900 طفل قتلوا واصيب اكثر من 1300 اخرين بجروح في اليمن"، منذ اذار/مارس 2015 اي "بزيادة سبعة اضعاف عن مجمل العام 2014". وتابعت المنظمة ان الاطفال يشكلون ثلث الضحايا المدنيين في اليمن منذ اذار/مارس 2015.
وصرح جوليان هارنيس ممثل اليونيسف في اليمن ان "الاطفال ليسوا بمامن في اي مكان في اليمن حتى اللعب والنوم يمكن ان ينطويا على مخاطر". وبدأ التحالف في 26 آذار/مارس 2015 شن غارات جوية. ووسع عملياته بعد اشهر لتشمل تقديم دعم مباشر لقوات الرئيس هادي، ضد الحوثيين وحلفائهم الذين سيطروا على صنعاء في ايلول/سبتمبر 2014، وتابعوا التقدم للسيطرة على مناطق اخرى.
وتقدر الامم المتحدة ان 82% من السكان بحاجة الى مساعدة انسانية وان 320 الف طفل يعانون من سوء التغذية. وتابع التقرير ويستند الى شهادات عدة ان "حجم المعاناة في هذا البلد في تزايد". ويقول عبد الله انور (13 عاما) وقد لجا مع اسرته الى عدن "كل شيء حولي مخيف، وجه امي الحزين ودموعها تزيدني الما... اخشى ان يموت كل افراد عائلتي في هذا الكهف المظلم". ويندد التقرير ايضا بالمعاناة الناجمة عن الاثار الجانبية للمعارك مشددا على ان "الخدمات الاساسية والبنى التحتية على وشك الانهيار في اليمن".
وتابعت اليونيسف ان قرابة 10 الاف طفل تقل اعمارهم عن الخمس سنوات ماتوا نتيجة امراض بسبب غياب اللقاحات او لعدم حصولهم على الرعاية الطبية اللازمة. واضافت ان هؤلاء يضافون الى قرابة 50 الف طفل يموتون سنويا في اليمن قبل ان يبلغوا عامهم الخامس. ومضت تقول ان قرابة 63 مركزا طبيا تعرضت لهجمات العام الماضي وان ثلاثة منها تمت مصادرتها لغايات عسكرية. بحسب فرانس برس.
من جهة اخرى، يعاني عدد متزايد من الاطفال من انقطاع الدراسة. فقد سجل 50 هجوما مباشرا على مدارس ومعلمين كما احتل مسلحون قرابة 50 مدرسة اخرى، بحسب اليونيسف. وتظل اكثر من 1600 مدرسة مغلقة بسبب انعدام الامن وايضا لانها تستخدم لايواء 2,4 ملايين نازح بسبب النزاع. ونددت اليونيسف بتجنيد اطفال من قبل مختلف جهات النزاع مشيرة الى وجود 848 حالة موثقة من هذا النوع. واضاف التقرير "الاسوأ في الامر هو ان هذه الارقام هي الجزء الظاهر وما خفي اعظم" مضيفة ان العدد الحقيقي "اكبر من ذلك بكثير".
القنابل العنقودية
على صعيد متصل حذرت منظمة العفو الدولية من خطر القنابل العنقودية التي القتها مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية، على المدنيين في مناطق شمال اليمن، معتبرة انها حولتها الى "حقول الغام". واوضحت المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا، ان الاطفال والمدنيين "يقتلون ويشوهون" جراء القنابل العنقودية غير المنفجرة، مطالبة التحالف بوقف استخدام هذه الذخائر، والمجتمع الدولي بالمساعدة في تنظيف المناطق.
وقالت ان "الاطفال وعائلاتهم العائدين الى منازلهم في شمال اليمن بعد اكثر من عام على النزاع، هم في خطر شديد من التعرض لاصابات خطرة او الموت جراء آلاف الذخائر العنقودية غير المنفجرة". واشارت المنظمة الى ان تقريرها يستند الى مهمة استمرت عشرة ايام في محافظات صعدة وحجة وصنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم الموالون للرئيس السابق علي عبدالله صالح، منذ العام 2014.
وتعرضت هذه المناطق بشكل دوري لغارات جوية من التحالف العربي بقيادة السعودية، والذي بدأ التدخل في اليمن دعما لقوات الرئيس عبد ربه منصور هادي، منذ نهاية آذار/مارس 2015. وسبق لمنظمات حقوقية ان اتهمت قوات التحالف بالمسؤولية عن ارتفاع اعداد الضحايا المدنيين واستخدام الذخائر العنقودية المحرمة دوليا. ورأت الباحثة في المنظمة لمى فقيه انه "حتى مع تراجع وتيرة الاعمال القتالية، لا تزال حياة المدنيين، وبينهم الاطفال، على المحك في اليمن مع عودتهم الى حقوق الغام بحكم الامر الواقع".
واضافت ان هؤلاء "لا يمكنهم العيش بأمان الى حين تحديد المناطق المتضررة في منازلهم وحقولهم ومحيطها، وتنظيفها من القنابل العنقودية القاتلة والذخائر الاخرى غير المنفجرة". واوضحت المنظمة انها عثرت في مهمتها الاخيرة باليمن، على قنابل عنقودية مصنعة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبرازيل، مستخدمة من قبل التحالف. واشارت الى انها وثقت عشر حالات ادت الى مقتل واصابة 16 مدنيا جراء القنابل العنقودية، بين تموز/يوليو 2015 ونيسان/ابريل 2016.
من جانبها اعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش ان التحالف بقيادة السعودية استخدم قنابل زودته بها الولايات المتحدة في الضربات الجوية التي شنها على سوق في اليمن واسفرت عن مقتل 97 مدنيا على الاقل بينهم 25 طفلا. وقالت المنظمة المدافعة عن حقوق الانسان ان ضربتين جويتين على سوق مزدحمة في قرية مستباء قد تكون قتلت ايضا نحو عشرة متمردين حوثيين، معتبرة ان "الهجمات غير القانونية المتعمدة او المستهترة مثل هذه تشكل جرائم حرب". ودعت المنظمة الولايات المتحدة ودولا اخرى الى وقف بيع اسلحة الى السعودية.
واوضحت المنظمة انها اجرت تحقيقات ميدانية ووجدت في السوق بقايا قنبلة "جي بي يو-31" موجهة بالاقمار الصناعية، تتكون من قنبلة "ام كيه 84" تزن 907 كيلوغرامات وفرتها واشنطن، ومزودة بمجموعة توجيه عبر الاقمار الصناعية (ذخائر الهجوم المباشر المشترك) مصدرها اميركي ايضا. واشارت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، الى انها قاطعت معلوماتها مع نتائج توصلت اليها مجموعة من الصحافيين العاملين في التلفزيون البريطاني "آي تي في" التقطوا صورا ومشهد فيديو لبقايا قنبلة "ام كيه 84" ومجموعة التوجيه بالاقمار الصناعية. بحسب فرانس برس.
وقالت الباحثة في قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش بريانكا موتابارثي "استخدمت الاسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة في واحدة من الهجمات الاكثر دموية ضد المدنيين في حرب اليمن منذ عام، ما يوضح بشكل مأساوي لماذا ينبغي على الدول ايقاف بيع الاسلحة الى السعودية". وتصاعدت حدة الحرب في اليمن في اذار/مارس 2015 عندما بدأ تحالف عسكري عربي-سني بقيادة السعودية حملة جوية ضد الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة من البلاد والمتهمين بان لهم صلات بايران.
الموت في جيبوتي
في السياق ذاته يعيش الآلاف من اللاجئين اليمنيين في جيبوتي في ظروف صعبة جدا ومحفوفة بالكثير من المخاطر. ويشكو سكان المخيم من نقص الغذاء والمياه والصرف الصحي، كما تنتشر وسطه الكثير من الأمراض. وقال أحدهم في ظل الاختيارات المتاحة لهم، "إما أن نموت هنا أو نموت هناك. ليس هناك سوى الموت". وتحت شمس جيبوتي الحارقة، بقي آلاف اللاجئين اليمنيين الذين فروا من الحرب على قيد الحياة بطريقة أو بأخرى، يأويهم مخيم "مركزي". لكنهم لا يرون أي أفق أمامهم، ويقاومون بصعوبة متزايدة إغراء العودة إلى بلادهم.
وأنشئ المخيم في أواخر آذار/مارس 2015 بعد تسارع وتيرة النزاع في اليمن إثر التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، ويقع المخيم على بعد بضعة كيلومترات من بلدة أوبوك، في الطرف الشمالي من خليج تاجورا. وكان اللاجئون اليمنيون بدأوا يتوافدون إلى هذه البلدة الصغيرة التي يسكنها صيادو سمك، بعدما عبروا بمراكب شراعية 30 كيلومترا عبر مضيق باب المندب. وفي هذه الأرض المكسوة بالصخور والأتربة الحمراء التي أحرقتها الشمس، لا توفر الخيام الحارة مقومات الحياة. وحدها المياه بالقرب من الخليج تخفف قليلا من وطأة الوضع.
ورغم الجهود التي تبذلها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والمكتب الوطني الجيبوتي لشؤون اللاجئين والكوارث، تبقى الظروف المعيشية في مخيم المركزي محفوفة بالمخاطر. وتقول إرسال إسماعيل (36 عاما) الذي أتت من عدن قبل نحو عام "الوضع صعب جدا. الجو حار، ولا شيء نفعله، ولا شيء نأكله أو نشربه". وتبدي هذه السيدة خشيتها من رياح الخماسين الرملية الحارة التي ستتزامن مع حلول الصيف في غضون أيام. وتوضح "لن نكون قادرين على العيش في الوضع نفسه الذي شهدناه العام الماضي".
وتشكل جيبوتي مع سكانها البالغ عددهم 875 ألف نسمة بموقعها الجغرافي الإستراتيجي عند مدخل البحر الأحمر. وهي واحدة من الدول القليلة التي وافقت على استقبال اللاجئين من اليمن. ووفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أجبرت المعارك 173 ألف شخص على مغادرة اليمن في عام واحد، استقبلت جيبوتي 33 ألفا منهم، بينهم 19 ألف يمني. ويشكو سكان المخيم من نقص الغذاء والمياه والصرف الصحي، ويدينون المضايقات من قبل الشرطة الجيبوتية.
ويقول حسن الدين (35 عاما) الذي وصل من عدن "جئت من الحرب فوجدت حربا أخرى اسوأ بكثير". ويضيف "لقد أصيب أطفال بالتهاب الكبد والملاريا (...) بسبب المياه". أما رانيا ديدا أحمد (24 عاما) التي كانت تتابع دروسها لتصبح محامية، فأجبرت على التخلي عنها بعد فرارها من بلادها. وبعدما تملكها اليأس، لا ترى لها أي مستقبل، لا في جيبوتي ولا في اليمن. وتقول رانيا "أنا أعاني كل يوم". وتوضح "ليس أنا فقط، بل جميع الناس هنا. يمكنكم رؤية ذلك على وجوههم. أي حياة في صحراء كهذه".
الأخبار التي تتلقاها من بلدها لا تطمئن. فأقاربها الذين عادوا أدراجهم "مسرورون بالرجوع إلى بلدهم، لكنهم تفاجأوا بوجود داعش هناك"، وتضيف "هم يقولون إنهم مشتاقون إلى بلادهم وأن عدن لم تعد مثلما كانت. يقولون إنهم إذا خرجوا، فإنهم لا يعلمون هل يرجعون سالمين وآمنين إلى عائلاتهم. لا يمكنني العودة إلى هناك بسبب عائلتي وأمي. لا حياة هناك". وبدأ نحو 600 لاجئ يمني بالعودة أدراجهم، وفق مفوضية اللاجئين. وبذلك، انعكس تيار المهاجرين. وكان المخيم شهد فترة من الذروة مع وصول بين 500 و800 لاجئ في الأسبوع بين أواخر أيلول/سبتمبر ومنتصف تشرين الأول/أكتوبر. ثم انخفض هذا الرقم مع وصول 40 مهاجر في الأسبوع. بحسب فرانس برس.
ويقول سليم جعفر، الذي يدير مخيم المفوضية، "رسالتنا ليست أبدا تشجيع أحد من اللاجئين اليمنيين على العودة إلى ديارهم". ويضيف "مع ذلك، فإن القرار يعود إليهم". ويتفاقم عذاب حسن الدين بسبب قسوة الخيارات المتاحة له. ويقول "نحن لا نعرف إلى أين نذهب، إنها معضلة. فإما أن نموت هنا أو نموت هناك. ليس هناك سوى الموت. نطالب العالم بمساعدتنا وبنقلنا بعيدا من هنا. نريد مكانا يوجد فيه سلام".
مخيم أجدب
الى جانب ذلك وفي خيام حقيرة أو أكواخ مبنية بالطين على أرض حجرية جافة يعيشون. ويلعب أطفالهم بأي شيء يجدونه ولو كان قطعة من المطاط. غير أن العلاج الطبي غير متوفر للصغار والكبار على السواء. وفي شمال غرب اليمن الذي يعد من أفقر دول الشرق الأوسط وجدت أسر شردتها الحرب نفسها حبيسة في مخيمات على مدى العام الأخير. ويعيش نحو 400 أسرة في مخيم شوقبة الواقع بمحافظة حجة على الحدود مع السعودية.
وعندما بدأ القتال بين القوات السعودية والمقاتلين الحوثيين في مارس آذار عام 2015 اضطر اللاجئون لمغادرة قراهم في شدا والظاهر في محافظة صعدة المجاورة عندما استهدفت الطائرات الحربية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية مواقع الحوثيين. ويقول سكان وجماعات حقوقية إن بعض الضربات دمرت بيوتا وألحقت أضرارا بأراض زراعية. وقد اعترف التحالف بوقوع أخطاء في عملياته الجوية في اليمن لكنه نفى اتهامات الحوثيين أن قواته تضرب أهدافا مدنية.
وبعد بضعة أشهر تعرض مخيم المزرق الذي لجأوا إليه قرب مدينة حرض الحدودية في محافظة حجة أيضا للقصف. وانتقلت الأسر بعيدا عن الحدود إلى مخيم شوقبة القاحل الذي يفتقر لأبسط الخدمات. ويعيش السكان في أكواخ سيئة البناء لا تحميهم من حرارة الصيف ولا من برد الشتاء. وتقول الطفلة أمل جابر (عشر سنوات) وهي تقف بجوار كوخ أسرتها إن لها أمنية واحدة فقط. وتقول أمل "أريد أن تنتهي الحرب لأعود للبيت وأكمل تعليمي." بحسب رويترز.
ويعاني كثير من الأطفال من سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية. وينتظر محمد ابن الحادية عشرة علاج ساقه المكسورة. ويشكو مسنون مصابون بداء السكري وأمراض القلب من نقص الدواء وارتفاع أسعاره إن وجد. ويشهد اليمن حربا أهلية منذ أكثر من عام بين أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي وجماعة الحوثي المتحالفة مع ايران وأصبح التحالف الذي تقوده السعودية طرفا فيها وتسببت هذه الحرب في أزمة انسانية كبرى.
اضف تعليق