منذ الانطلاقة الاولى للاحتجاجات الشعبية في البحرين عام 2011 واجهتها السلطات بأساليب قمعية مستخدمة كافة الوسائل المتاحة ومنها الاستعانة بقوات درع الجزيرة لحماية عرش الملك البحريني المدعوم من السعودية ودول الخليج وبريطانيا ودول غربية اخرى، ورغم ان التظاهرات التي تنظمها الاغلبية الشيعية للمطالبة بالمساوات في الحقوق السياسية بقيت محافظة على مسارها السلمي الا ان ذلك لم يمنع السلطات باستخدام ابشع الاجراءات ضد النشطاء لا سيما النساء والاطفال والصحفيين.
عشرات رجال الدين الشيعة في البحرين طالبوا بتحقيق "التساوي في المواطنة"، مؤكدين في بيان ان مطالب المعارضة لم تكن يوما مرتبطة بإنشاء دولة مذهبية او تفضيل المنتمين الى مذهب معين دون غيره. وجاء في البيان الذي نشرته وكالة فرانس برس في (15/3/2016) "طالب الشعب ولا زال يطالب بحق التساوي في المواطنة وما يقوم عليها من حقوق وواجبات، وبعدم التمييز على أساس من عرق أو لون أو دين أو مذهب".
واضاف البيان الموقع من 39 رجل دين شيعي "لم توجد قبل، ولا توجد اليوم مطالبة على لسان الشعب ولا أحد من العلماء بدولة مذهبية أصلاً، فضلاً عن دولة من لون خاص في إطار مذهب معين". وتابع "ما كانت عليه مطالبة الشعب وما زالت ورآه العلماء ويرونه حقا لأي شعب لأن يكون الحكم الذي يرتبط به مصيره ومصالحه دستورياً مرتكزاً على دستور لا تُغيّب فيه إرادة الشعب وأن يتمتع بحق الانتخاب الحر العادل في اختيار ممثليه في مجلس نيابي يعبر عن إرادته، وأن يكون مجلساً كامل الصلاحيات لا تملي عليه إحدى السلطتين الأخريين إرادتها، وأن يؤخذ برأيه في اختيار حكومته، وأن يكون القضاء في خدمة الحق من غير أن تفرض عليه إرادة أخرى خارج الدستور".
واكد موقعو البيان، وفي مقدهم الشيخ عيسى قاسم زعيم حركة "الوفاق"، ابرز المجموعات السياسية التي قادت الاحتجاجات، انه "بالنسبة للشعائر الدينية والمذهبية للأديان والمذاهب المعترف بها فمن مسؤولية الدستور وأي سلطة ان تحمي هويتها من غير أي تدخل في شؤونها، أو مضايقة لها أو للقائمين بها، أو المحاسبة عليها تطبيقاً لما عليه الميثاق الوطني والمواثيق الدوليَّة".
وكان وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة اعلن في شباط/فبراير بدء اتخاذ اجراءات ضد الشعائر الحسينية واكد آل خليفة في حينه ضرورة "ضبط محاولات تسييس الشعائر الحسينية وبث الفوضى والتحريض خروجا عن مضمونها"، مؤكدا ان ذلك "يتطلب تنظيمها من حيث تحديد ايامها وتوقيتها واماكن خروجها وتحديد مسؤولية القائمين عليها، واننا سوف لن نسمح ان تستغل هذه المناسبة لاحداث الفوضى والاخلال بالنظام العام"، بحسب زعمه.
الخواجة وطفلها في السجن
في سياق قمع السلطات للمعارضين الشيعة أعلنت وسائل الإعلام وناشطون بالبحرين أن الشرطة أوقفت المعارضة المعروفة زينب الخواجة مع طفلها البالغ عاما ونصف، في إطار تنفيذ حكم قضائي صادر بحقها ويقضي بسجنها .
وقال زوج زينب الخواجة إنه تم توقيف زوجته مع ابنهما في منزلهما، وهو ما أكده مركز الخليج لحقوق الإنسان الذي يملك مكاتب في بيروت وفي كوبنهاغن التوقيف.
وحكم على ابنة الناشط في حقوق الإنسان عبد الهادي الخواجة في كانون الأول/ديسمبر بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة "شتم الملك". وفي تشرين الأول/أكتوبر، خففت محكمة الاستئناف في البحرين الحكم إلى السجن لمدة سنة مع دفع غرامة بقيمة ثلاثة آلاف دينار (حوالى سبعة آلاف يورو) للقضاء البحريني. ونفت الخواجة جميع التهم المنسوبة اليها. وتتعلق القضايا التي اتهمت فيها بشكل أساسي بثلاثة حوادث مزقت فيها صورة الملك حمد بن عيسى آل خليفة معتبرة أنها كانت تمارس فيها حقها بحرية التعبير.
وأعلنت زينب الخواجة في تشرين الأول/أكتوبر أنها ستحتفظ بابنها البالغ من العمر سنة واحدة في حال دخلت السجن، حسب ما نقلت عنها منظمة العفو الدولية. ولم يعرف على الفور لماذا انتظرت السلطات خمسة أشهر حتى تعتقل الناشطة. لكن مركز الخليج اعتبر أن التوقيف ردا على أنشطة شقيقة زينب، مريم، التي غادرت البحرين إلى جنيف للمشاركة في جلسة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ويمضي والد زينب حكما بالسجن مدى الحياة لأسباب سياسية . وقال بريان دولاي من منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومقرها في واشنطن "هذا الأمر رهيب". وأضاف أن "الاعتقال من شأنه أن يغرق البحرين في أزمتها السياسية".
واعتقلت الخواجة ثم أفرج عنها مرات عديدة منذ الأحداث التي قادتها الغالبية الشيعة في البحرين عام 2011 للمطالبة بإصلاحات وتمثيلا أكبر في الحكم في المملكة التي يقودها السنة. كما سبق أن أمضت الخواجة فترة في السجن في السابق.
الى ذلك قضت المحكمة الكبرى الجنائية في البحرين بالسجن سنة بحق المعارض ابراهيم شريف بتهمة "التحريض على كراهية النظام"، وبرأته من محاولة تغيير نظام الحكم "بالقوة"، بحسب وكالة فرانس برس.
وقال مصدر قضائي "قضت المحكمة الكبرى الجنائية البحرينية بحبس الأمين العام السابق لجمعية +وعد+ إبراهيم شريف بتهمة التحريض على كراهية النظام وبرأته من الترويج لتغيير نظام الحكم بالقوة".
ودفع شريف ببراءته من التهمة الثانية مع بدء محاكمته في 24 آب/اغسطس 2015. ورفع قضيته الى المحكمة الكبرى بدافع ان التهمة لا تستند سوى الى "تخمينات" النيابة العامة.
وكانت السلطات البحرينية اعادت في تموز/يوليو 2015 توقيف شريف بعد الافراج عنه لفترة، وقررت السلطات القضائية محاكمته بتهمة "الترويج لتغيير نظام الحكم بالقوة".
واشارت النيابة العامة في حينه الى ان التهمة الجديدة تستند الى القاء شريف خطابا في مكان عام دعا فيه الى "الخروج في ثورة على نظام الحكم" ومواجهة السلطات، وذلك خلال احياء ذكرى احد ضحايا الاحتجاجات التي اندلعت ضد حكم الملك حمد بن عيسى آل خليفة في العام 2011. وافرج عن شريف في حزيران/يونيو بموجب عفو ملكي، بعدما امضى اربعة اعوام في السجن، علما بانه كان محكوما بالسجن خمسة اعوام بتهمة المشاركة في اعمال عنف واكبت الاحتجاجات التي قادتها المعارضة الشيعية، واستخدمت السلطات الشدة في قمعها.
ويقول مركز البحرين لحقوق الإنسان أنه يوجد أكثر من 3000 شخص في السجون كثيرون منهم لمشاركتهم فيما تصفه الحكومة بتجمعات غير قانونية واعتداءات على قوات الأمن أو التحريض على كراهية النظام الحاكم.
سحب الجنسية من المعارضين
في سياق متصل أذاعت وسائل الإعلام الرسمية في البحرين قرار سحب الجنسية من تيمور كريمي الناشط البحريني والمعارض للسلطات الخليفية. وتقول رويترز "إذا لم تؤت جلسة استئناف نهائية تعقد الشهر المقبل النتيجة المرجوة فسيصبح "بدون" أي بلا جنسية ويطرد من البلد الذي يقول إن أسرته التي ترجع جذورها إلى أصول إيرانية عاشت فيه لأجيال وتبرعت بحديقة عامة مازالت تحمل اسمها".
ونشرت وكالة أنباء البحرين الرسمية أمر وزارة الداخلية نزع الجنسية عنه. وأشارت إلى البند الثالث من المادة العاشرة من قانون الجنسية الذي يسمح بنزع الجنسية إذا ما تسبب الشخص في "الإضرار بأمن الدولة".
وقال كريمي إن وزارة العدل استدعته بعد ذلك بأسبوع ونزعت ترخيصه لمزاولة مهنة المحاماة. وأضاف أن السلطات استدعته مرة أخرى بعد شهر وسحبت جواز سفره وبطاقة الهوية الذكية التي تمكنه من الحصول على الخدمات العامة.
تيمور كريمي الذي يعمل محاميا يقول: "أنا بحريني أبا عن جد. والآن أنا بلا عمل. ولا يمكنني الاحتفاظ بحساب مصرفي أو السفر. فماذا أفعل؟"
وكان كريمي واحدا من أول 31 شخصا سحبت الحكومة التي يقودها السنة جنسيتهم لما وصفته بالمساس بأمن الدولة عام 2012 بعد أكثر من عام من الانتفاضة التي قمعتها السلطات بمساعدة من السعودية. ولم يذكر القرار الصادر من وزارة الداخلية السبب. وتقول الحكومة إن هذا الإجراء لا يستخدم إلا إذا كان الخطر ماثلا وشديدا على الأمن الوطني للدولة التي تعد من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة مثل السعودية.
وقال مسؤول حكومي طلب عدم نشر اسمه إن هذه التدابير تنفذها دول أخرى فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية، وكريمي محام شيعي شارك في الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في البحرين عام 2011 ودافع عن نشطاء بارزين سجنوا بعدها وهو يكافح منذ ثلاث سنوات لإلغاء قرار سحب الجنسية ويقول إنه خسر خلال هذه السنوات هويته وعمله وحسابه المصرفي.
يقول نشطاء إن الحكومة استخدمت على نحو متزايد الوسائل الإدارية والقانونية ضد خصومها وصورتهم هم والاحتجاجات على أنهم جزء من مؤامرة أوحت بها إليهم إيران الشيعية لإسقاط نظام الحكم الملكي السني. وتنفي المعارضة وجود أي تأثير من طهران عليها.
وقالت نضال السلمان لوكالة رويترز وهي تعمل في مركز البحرين لحقوق الإنسان إن أكثر من 200 قرار بسحب الجنسية صدرت في عام 2015 وحده من بين عدد يقدر بنحو 280 قرارا مماثلا صدرت منذ عام 2012. وأضافت أن أكاديميين ورجال دين بارزين ورجال أعمال ونوابا سابقين من بين من شملتهم القرارات.
وذكرت صحيفة الوسط البحرينية في 16 مارس آذار أنه تم بالفعل ترحيل عدد ممن صدرت القرارات بحقهم من بينهم أربعة على الأقل أبعدوا إلى لبنان أو العراق منذ 21 فبراير شباط.
وقد انتقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان سحب الجنسية الذي يقول محللون إنه واحد من عدة وسائل للسيطرة على المعارضة في البحرين وعلى اثر ذلك فر مئات من المعارضين إلى أوروبا أو الولايات المتحدة منذ احتجاجات فبراير شباط عام 2011 التي تولدت من حركة الربيع العربي في المنطقة.
وقالت جمعية الوفاق المعارضة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ان السلطات البحرينية سحبت الجنسية من 187 شخصا على الاقل في الاعوام الماضية، معتبرة ان هذه الخطوة تتم لاسباب "سياسية".
وواجهت الاجراءات القمعية البحرينية رفضا من بعض امنظمات حقوق الانسان الدولية حيث دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية البحرين الى "الكف عن ترحيل" مواطنين تنزع عنهم الجنسية .
وقالت المنظمة في بيان نشرته فرانس برس ان "سلطات البحرين رحلت خمسة بحرينيين بدون جنسية، سبق تجريدهم من جنسيتهم، منذ 21 شباط/فبراير 2016"، مشيرة الى ان تسعة آخرين "هم عرضة لخطر الترحيل اذا لم تلغ محكمة استئناف قرار نزع الجنسية الذي يستند الى اتهام فضفاض بانهم +أضروا بأمن الدولة+".
ونقل البيان عن جو ستورك المدير التنفيذي لقسم الشرق الاوسط في المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، ان "هذه الترحيلات غير القانونية تفصل العائلات عن بعضها البعض وتؤدي لمعاناة بلا حدود". ورأى انه "على البحرين وقف الترحيلات فورا واعادة الجنسية لمن جرّدوا منها، لا سيما اذا تم ذلك دون مبرر او بسبب انتقادهم للحكومة".
اضف تعليق