تعددت فصول واوراق ملف المهاجرين غير الشرعيين، الفارين من ويلات الحرب والصراعات الدموية الى المصير المجهول كمايقول بعض المراقبين، فما بين قوارب الموت وابتزاز العصابات الاجرامية والقوانيين المتشددة التي اتخذتها بعض الحكومات والدول تفاقمت معاناة المهاجرين واللاجئين وتنوعت الاخطار والقصص المأساوية، التي مرو بها خلال رحلتهم الشاقة التي قد تختم بنهاية مؤلمة في رمال الصحراء اوفي مياه البحر، التي تحولت الى مقابر دفنت فيها الكثير من الجثث والاسرار، يضاف الى ذلك المعاناة المستمرة التي يعاني منها من يعتقد انه وصل الى بر الامان. وبحسب بعض التقارير فقد أعلنت مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين أن أكثر من 131 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا عبر المتوسط منذ مطلع يناير أي ما يفوق كل العدد الذي سجل في النصف الأول من 2015.
والالاف من الذين حاولوا اللجوء الى اوروبا عن طريق البحر بسبب الصراعات الدائرة في افريقيا و اسيا الوسطى و لا سيما سوريا ماتوا غرقا او تجمدا . فتقارير موت اللاجئين تكشف تفاصيل وقصص كثيرة ومؤلمة اصبحت اليوم حديث جميع وسائل الاعلام المختلفة، كما انها تحولت الى روايات وافلام تسجل حجم المعاناة التي عاشها ويعيشها هؤلاء البشر. وفيما يخص بعض هذه القصص فقد جلست جينو حسن (17 عاما) وحيدة حبيسة كرسيها المتحرك وبقيت صامتة في مكانها طوال يوم تقريبا في مواجهة البوابات المغلقة عند الحدود المقدونية على أمل أن تلين السلطات هناك وتسمح لها ولعائلتها باستئناف طريقهم شمالا عبر البلقان إلى ألمانيا. ووضع سركوت والد جينو كرسي ابنته المتحرك في مكانه بمواجهة البوابات على أمل أن تكون عائلته أول العابرين من الطابور الطويل للاجئين المنتظرين عند فتح حدود اليونان مع مقدونيا عند قرية إيدوميني الصغيرة.
وكانت عائلة حسن وهي كردية عراقية من كركوك ضمن 20 ألف لاجئ ومهاجر على الأقل تقطعت بهم السبل في اليونان على أثر إجراءات إغلاق الحدود المتعاقبة على طول مسار البلقان الذي يستخدمه اللاجئون في طريقهم إلى الدول الأوروبية الأكثر رخاء. وقال سركوت حسن (46 عاما) الذي وصل مع عائلته إلى اليونان عبر جزيرة ليسبوس "نريد الوصول إلى ألمانيا." ولا تقدر جينو وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة على الكلام فتجلس على كرسيها المتحرك حافية القدمين. وعندما بدأت السماء تمطر غطتها عائلتها بأكياس بلاستيكية.
وكانت جينو ترتدي قبعة تغطي وجهها بينما كانت تميل إلى أحد جانبيها في مواجهة البوابة الحدودية الحديدية التي يعلوها شريط شائك بينما كان والدها يصرخ من وقت لآخر داعيا الشرطة المقدونية إلى فتح البوابة لكن دون جدوى. وقال سركوت حسن "أتوسل إلى (الأمين العام للأمم المتحدة) بان جي مون ليساعدنا. أتوسل إلى الاتحاد الأوروبي ليفتح الحدود." ومضى بالقول "ابنتي تحتاج إلى المساعدة. لا أعرف ماذا أفعل."
ووافقت مقدونيا وغيرها من الدول على طول خط البلقان على الحد من تدفق اللاجئين ليصل إلى 580 شخصا في اليوم لكل دولة وفق ما أعلنت الشرطة السلوفينية. وطلبت اليونان -التي غضبت من عدم دعوتها إلى المحادثات في فيينا - من الشركات التي تدير العبارات ووكالات السفر تخفيض عدد اللاجئين الذين تنقلهم من الجزر اليونانية إلى البر الرئيسي. في حين أعلنت مقدونيا في وقت سابق أنها ستسمح فقط للمواطنين السوريين والعراقيين بعبور حدودها من اليونان من الآن فصاعدا.
في السياق ذاته غرقت أثناء محاولتها الوصول لأوروبا لكن جثتها التي عثر عليها بلا رأس لن يتم التعرف عليها أبدا ولن يحمل شاهد قبرها أي اسم. ومثل اخرين دفنوا بجانبها في بستان زيتون في جزيرة ليسبوس اليونانية فإن لوحة الشاهد الرخامية فوق قبرها سيكتب عليها "مجهولة" في تجسيد صارخ لمأساة اللاجئين. وبدلا من التأبين سيكتب على اللوحة رقم تعريف إلى جانب التاريخ الذي وصلت فيه جثتها إلى الشاطئ. أما عمرها الافتراضي فسيكون عاما واحدا.
وتم حفر 64 قبرا في هذه الرقعة من الأراضي للاجئين والمهاجرين الذين غرقوا وهم يعبرون بحر إيجه في محاولتهم للوصول لأوروبا. ومن بين هؤلاء يحمل 27 فقط أسماء. أما القبور الأخرى فكتب عليها عبارات مثل "رجل مجهول عمره 35 عاما رقم 221 بتاريخ 19/11/2015" أو "صبي مجهول عمره سبعة أعوام رقم 40 بتاريخ 19/11/2015". ووصل أكثر من نصف مليون شخص هربوا من سوريا وأفغانستان والعراق ودول أخرى مزقتها الحروب والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى جزيرة ليسبوس منذ العام الماضي على أمل مواصلة الرحلة إلى شمال أوروبا.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة فإنه في 2015 كان العدد المعروف للغرقى والمفقودين من المهاجرين واللاجئين أكثر من 3700. لكن يعتقد أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك. وغرق المئات في اليونان منذ زاد معدل الوصول الصيف الماضي. وكان عدد الغرقى كبيرا لدرجة أن المساحة المخصصة للاجئين والمهاجرين في مقبرة ليسبوس نفدت منذ فترة طويلة. ويقول سكان محليون إن أسرا بأكملها غرقت في حوادث تحطم قوارب ولم يكن هناك ناجون ليتعرفوا على الضحايا. ويتذكر السكان العثور على جثث متحللة أو تقطعت أوصالها نتيجة الاصطدام بالصخور على الساحل الطويل للجزيرة.
وقال أليكوس كاراجيورجيس وهو متعهد جنازات ساعد في نقل مئات الجثث من الشاطئ إلى المشرحة منذ الصيف "هذا أمر مناف للفطرة. أن ترى طفلا مجهول الهوية. لا يهم الأمر إن كانت تلك وظيفتك. الأمر يفطر قلبك." ولا تزال الشواطئ النائية تحمل آثار الوافدين والمتمثلة في سترات نجاة مهلهلة ملقاة على الصخور وأحذية وسترات وعبوات حليب الرضاعة وحفاضات.
ورغم أن جزيرة ليسبوس المطلة على بحر إيجة لا يفصلها سوى عشرة أميال بحرية عن تركيا فقد لقي المئات حتفهم غرفا اثناء محاولة العبور في قوارب مطاطية أو خشبية مكتظة. وفي أكتوبر تشرين الأول وبعد تحطم قارب خلال الليل أنقذ منه أكثر من 200 لكن عشرات لاقوا حتفهم لم تكن هناك مساحات في مقبرة القديس بانتليمون لدفن الموتى واضطرت مشرحة الجزيرة لجلب حاويات للحفاظ على الجثث. ودفع ذلك السلطات المحلية لتخصيص رقعة من الأرض في إحدى القرى للدفن. بحسب رويترز.
وهناك قام مصطفى وهو شاب مصري في الثلاثين من عمره بمهمة تغسيل وتكفين ودفن الموتى. وقال مصطفى وهو يتذكر كيف أمضى عدة دقائق وهو راكع أمام قبر طفل مجهول وقد غمره الانفعال "قمت بدفن 57 جثة في سبعة أيام. دفنت في يوم واحد 11 جثة." ويقول إن هذا أقل ما يمكن فعله. وقال "لا أستطيع إيقاف الحرب هناك ولا أستطيع أن أجعلهم يعبرون لاوروبا بشكل مشروع. كل ما أستطيع فعله هو دفنهم."
اطفال في مياة البحر
على صعيد متصل يتلقى اهال نجوا من الموت في كارثة غرق مركب مهاجرين في البحر المتوسط مساعدة نفسية في صقلية بعد الفاجعة التي فقدوا فيها ابناءهم عندما انقلب مركبهم فافلتوا منهم وجرفتهم الامواج. وكان يفترض برحلة عبور المتوسط ان تكون بداية لحياة جديدة في اوروبا، لكن في مركز "سانت روزاليا" الذي تديره جمعية كاريتاس الانسانية، يجلس الاهالي المفجوعون الذين انقذوا من البحر قبالة السواحل الليبية كمخدرين يراقبون الاطفال الناجين ويتساءلون عن المستقبل. ويبذل اطباء نفس ومتطوعون وعناصر من منظمة اطباء بلا حدود كل ما بوسعهم للتخفيف عن 367 ناجيا نقلتهم سفينة دورية ايرلندية الى صقلية بعد ان انقذتهم.
وفي فناء المركز تعانق طبيبة النفس آنا كولوتا سيدة محجبة ثم اخرى. وعلى مقربة منهن ثلاثة اطفال ما زالوا ينتعلون احذية بلاستيكية تم توزيعها عليهم لدى نزولهم من السفينة، يلعبون مع احد المتطوعين. وقالت كولوتا "غرق المركب اكبر فاجعة من نوعها لان بين الجثث المنتشلة والمفقودين العديد من الاطفال". وبين الناجين ام سورية شابة كانت تأمل في الالتحاق بزوجها في السويد مع ابنهما، لكنها شاهدته يغرق مع مركب الصيد. وقالت كولوتا عن الوالدة الشابة "غادرت بفكرة مستقبل مليء بالامل ثم وقعت كارثة. اتصلت بزوجها تخبره ولم تتكلم منذ ذلك الحين".
ووصفت الشرطة مشاهد عنف وخوف في اللحظات التي سبقت المأساة. ونقلت الشرطة عن ناجين ان المهربين قاموا بضربهم بسكاكين وجلدهم باحزمة. وتم اعتقال خمسة مشتبه بهم من ليبيا والجزائر وتونس بعد ان قال شهود عيان انهم حبسوا نحو 250 من الركاب اليائسين في المركب قبل وقت قصير من وقوع الكارثة، دون اعطائهم فرصة للنجاة عندما غرق المركب. وقالت كولوتا ان الناجين بحاجة لمساعدة "في حمل عبئهم النفسي والعاطفي".
وقالت كيارا مونتالدو المنسقة في جمعية اطباء بلا حدود عن صقلية "انهم بحاجة للتكلم والتنفيس" وشرحت ان منظمتها استحضرت فريقا من المساعدين الى المركز "الذين يتحدثون نفس اللغة ولديهم نفس التقاليد". واضافت "اهم شيء ان هؤلاء الاشخاص يشعرون ان صوتهم مسموع لانهم في ضياع كلي، فقدوا ابناءهم في بلد لا يعرفونه، لذا فان الحصول على شيء يذكرهم بثقافتهم او معتادون عليه، مسألة اساسية".
وقالت كولوتا ان الناجين يعانون مرتين "فاضافة الى غرق المركب فقدوا ابناءهم" وكل ذلك بعد عناء رحلة طويلة وصعبة وغالبا ما تكون خطرة من ديارهم الى نقاط انطلاق في ليبيا. وقالت "نحتاج للتواجد على مقربة منهم لمساعدتهم في تشاطر المعاناة". والتعامل مع الاطفال الذين فقدوا اشقاء او شقيقات او اباء يختلف. وتشرح كولوتا "معهم الامر يتعلق باللعب، يجب ان نصرف انتباههم. يلعبون وعندما اللعب يحمون انفسهم من شيء اكبر منهم". بحسب فرانس برس.
ويحاول المتطوعون اذا كان ذلك ممكنا، الاتصال هاتفيا باقارب للاطفال ليتكلموا معهم. وللصغار يمكن ان تدعي سيدة انها والدتهم، صوت امرأة على الهاتف غالبا ما يطمئنهم. ولا يخبر اصغر الصغار أن والديهم توفوا "نقول لهم ان والدتهم ذهبت للعمل وانها في الخارج". وللامهات تقول كولوتا "انهن خارقات -- لديهن قوة وشجاعة رائعة كي يتعلقن بالحياة والمستقبل. هن متأكدات من ان حياتهن يمكن ان تصبح افضل". واضافت "انه استكشاف ودرس للجميع". وترمز لهذا المستقبل ناجية فقدت ثلاثة من ابنائها في البحر المتوسط لتكتشف لدى وصولها الخميس الى ايطاليا بانها حامل.
صحراء أفريقيا
الى جانب ذلك كان لاكي عز قد بلغ الخامسة عشرة لتوه عندما انطلق هو وصديقه جودفري عبر الصحراء الأفريقية في عصر يوم حار من أيام شهر أغسطس آب عام 2012. وحتى الآن لم يقل لاكي لعائلة جودفري ما حدث في الرحلة إلى أوروبا. وها هي روايته. ويتذكر لاكي كيف وصل هو ومواطنه النيجيري إلى حافة الصحراء ومعهما المياه والبسكويت والحليب ومشروبات الطاقة التي طلب منهما مهرب البشر إحضارها. وصعد الاثنان مع 36 آخرين إلى الصندوق الخلفي لشاحنة بيك أب تويوتا انطلقت مسرعة من مدينة أغاديز في شمال النيجر.
جلس لاكي فوق كومة من المؤن ممسكا بعمود بينما كانت قدماه تتدليان من جانب الحافلة. كان يعرف أن السائق لن يتوقف إذا سقط أحد الركاب. وكان العطش والجوع يستحوذان عليه بينما كانت الرمال التي تتطاير من تحت إطارات الشاحنة تلسع عينيه. وعلى مدى ثلاثة أيام ظلت الشاحنة تنهب بهم الصحراء نهبا وكانت تتوقف من وقت لآخر للتزود بالوقود أو لشرب الماء. وفي اليوم الرابع تاه السائق. تعطلت بوصلته عن العمل وهو ما يعني أن البعض لن يخرج أبدا من هذه الصحراء.
تتابع المنظمات الدولية أرقام المهاجرين الذين يغرقون وهم يحاولون عبور البحر المتوسط إلى أوروبا. وفي العام الماضي قدر عدد الغرقى بنحو 3800 شخص. لكن لا أحد يحصي موتى الصحراء. ويقول العاملون في مجال الإغاثة إن هذا يسهل على الساسة تجاهل ما يزهق من أرواح فيها. وليس لدى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين أي بيانات عن عدد من يموتون في الصحراء حسبما تقول وحدتها في شمال أفريقيا. وتعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على لم شمل العائلات لكنها لا تجمع معلومات عن موتاها.
وحاول عدد محدود من قواعد البيانات غير الرسمية التي يحتفظ بها متطوعون وأكاديميون ومنظمات أهلية إحصاء الأعداد لكنها تعتمد إلى حد كبير على تقارير وسائل الإعلام كما أن ما تحصل عليه من تمويل متقطع. وقال جوليان براشيت الباحث لدى معهد الهجرة الدولية بجامعة أكسفورد الذي شارك في عمل ميداني في الصحراء بما في ذلك شمال النيجر "ليس لدينا أي بيانات. "هي مشكلة لأن عدد من يموتون في الصحراء ربما يماثل عدد من يموتون في البحر المتوسط. لا يمكننا إثبات هذا ولا نستطيع أن نقول شيئا لذلك فلن يتدخل أحد."
ومنذ فترة طويلة ظلت أغاديز بوابة للصحراء. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن 120 ألف مهاجر مروا عبر المدينة في طريقهم إلى شمال أفريقيا أو أوروبا في عام 2015 أكثر من مثلي العدد الذي مر بها في العام السابق على ذلك. وفي الماضي كان الناس يرحلون عن المدينة علنا. وكانت قوافل عسكرية أسبوعية توفر بعض الحماية. غير أنه منذ مأساة وقعت في 2013 راح فيها 92 مسافرا ضحية العطش تحركت الحكومة لإغلاق المسارات وأصبحت حركة التنقل سرية.
وظل سائق الشاحنة التي كان لاكي يركبها يدور ويلف في الصحراء خمسة أيام أخرى على أمل الوصول إلى علامة يحدد بها مساره. وعند هذا الحد قال لاكي إن الطعام والمياه نفدا. وبدأ الركاب المرهقون يتساقطون من الشاحنة ليلا. ولم يتوقف السائق لانتشالهم. وقال لاكي الذي أصبح عمره الآن 18 عاما وعاش عاما بعد وصوله إلى أوروبا في مأوى للصغار في كاتانيا بإيطاليا "في اليوم التالي... أحصينا عددنا ولم يكن بعضنا موجودا."
وبعد يوم نفد وقود الشاحنة. وراح المسافرون يدورون على غير هدى في الصحراء. وعصر ذلك اليوم هبت عاصفة رملية باتجاههم. وقال لاكي "كنا واقفين ننظر حولنا. لم نعرف إلى أين نذهب. ولم نكن نعرف كيف سنخرج من الصحراء. ومات كثيرون في تلك البقعة." وأضاف "سقط صديقي ومات". وكان الكل يبكي. وقال إنهم حفروا في الرمال ودفنوا صديقه ثم بدأوا السير.
وتأوي الصحراء في شمال النيجر ومالي المجاورة مهربي المخدرات والسلاح والبشر وخاطفين وجماعات إسلامية مسلحة بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة. ومارس الاتحاد الأوروبي ضغوطا على النيجر ودول أخرى لتضييق الخناق على التهريب. وفي عام 2014 فتح الاتحاد الأوروبي بعثة في النيجر لتدريب قوى الأمن "للمساعدة في منع الهجرة غير المنظمة". وفي العام الماضي أقرت النيجر قانونا لحظر تهريب البشر يمكن بمقتضاه سجن المهربين لفترات تصل إلى 30 عاما.
لكن براشيت الباحث بأكسفورد يقول إن ذلك ربما أدى لنتائج عكسية لأنه دفع جانبا كبيرا من النشاط للعمل السري. وقال "لم يكن مستحيلا لكن كان في غاية الصعوبة أن يترك أحد مهاجرين في وسط الصحراء. أما الآن وبعد أن أصبح النشاط سريا.. لا أحد يعرف إن كانوا يصلون فعلا إلى حيث يفترض إنزال الركاب أم لا أو ما إذا كانوا يتركونهم في الصحراء." وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي إن من الأولويات التعامل مع المهربين وغيرهم ممن يعرضون أرواح المهاجرين الضعفاء للخطر. ولا يسيطر الاتحاد على حدود في الصحراء أو يسير فيها دوريات لكنه يدعم السلطات المحلية بالتدريب والمشورة. بحسب رويترز.
وتحاول المنظمة الدولية للهجرة التي يرابط بعض العاملين فيها في شمال النيجر جمع معلومات أفضل عن عدد العابرين في تلك المنطقة وما يحدث لهم. وهي تقدر أن نحو 2300 شخص يعبرون أغاديز كل أسبوع لكنها لم تسجل سوى 37 حالة وفاة في الصحراء في عام 2015. ولم ترد حكومة النيجر على طلبات للتعليق على هذا التقرير. وقال لاكي إنه سار مع باقي الناجين نحو عشر ساعات قبل أن يصادفوا شاحنة بيك أب في طريق العودة إلى أغاديز. وتوسلت المجموعة للسائق حتى يقبل أن يقلهم ما تبقى من الطريق. ونقلهم السائق إلى سبها في ليبيا وباعهم لمتشددين أرغموا لاكي على العمل دون مقابل. ومرت شهور قبل أن يتمكن من الهرب والسفر إلى إيطاليا. وترك الناجون خلفهم في الرمال جثث أربعة رجال وامرأتين هي ست حالات وفاة لم تسجل قط.
معاناة مستمرة
الى جانب ذلك وقرب قرية ايدوميني اليونانية، ينتظر اللاجىء دوره ساعتين او اكثر للحصول على سندويش، فتأمين الطعام في مخيم مخصص لاستيعاب 1600 شخص وبات يستضيف اكثر من تسعة الاف، يشكل تحديا يوميا بالنسبة الى الاف اللاجئين العالقين في هذا المكان. ويعدد خضر يوسف (25 عاما) آخر اربع وجبات تناولها: "سندويشة وسندويشة وحساء وبرتقال". وهذا يكفي الى حد ما، كما يقول، لكنه يعرب عن قلقه على ابنته ايرين التي تبلغ من العمر ستة اشهر. وتوزع منظمة غير حكومية الحليب للاطفال. لكن خضر القادم من العراق يسأل بقلق "هل هذا يكفي؟".
وينتشر الاولاد في كل انحاء المخيم الواقع على الحدود بين اليونان ومقدونيا، بينهم اطفال رضع. وتقدر منظمة "سايف ذي تشيلدرن" عددهم ب 2500 على الاقل. ويقول جان نيكولا دانجلسر، المسؤول اللوجستي لمنظمة اطباء بلا حدود غير الحكومية في ايدوميني التي تتولى توزيع وجبات خفيفة يبلغ عددها 30 الفا يوميا، "وارتفع عدد الاشخاص في المخيم من 4000 الى 8000. والان يفوق العدد التسعة آلاف. نستيقظ كل صباح ونتساءل كيف سنفعل اليوم؟".
وعدد السوريين والعراقيين الذين يصلون الى الحدود ما زال اكبر من عدد اللاجئين المقبولين في مقدونيا. واضاف دانجلسر الذي يبحث عن جهات تؤمن وجبات ساخنة بأسعار مقبولة، انه يتم تقديم حوالى 6500 وجبة ساخنة يوميا فقط. "لذلك نضطر الى تأمين الباقي بالسندويشات". واضاف "في الوقت الراهن يتراوح سعر الوجبة بين 30 و35 سنتا، لكن الجهة المنتجة لا يمكنها ان تؤمن المزيد. كل ما يعرض علينا سوى ذلك يتراوح حول 1،20 يورو للوجبة".
وتمدد المخيم المعد لاستقبال 1600 شخص، الى الحقول المجاورة التي انتشرت فيها مئات الخيم. لكن جميع اللاجئين يتكدسون في الممرات الرئيسية لدى توزيع الوجبات الثلاث اليومية. وقال دانجلسر "اعتاد احد مزودينا بالوجبات احضارها الى احد اطراف المخيم ثم نقلها الى النقطة الرئيسية للتوزيع، لكن الناس اصبحوا يهرعون اليهم ما ان يبدأوا استعداداتهم، لذلك اصبحوا يوزعون الطعام هناك، لانهم لا يعودون قادرين على التحرك".
ويمتد الصف المركزي للتوزيع عشرات الامتار من الصباح وحتى منتصف الليل، إذ تتداخل عمليات توزيع الوجبات الثلاث ببعضها. وتقوم شاحنتان متوقفتان على بابي المخيم ببيع سلع غذائية، لكن لا تملك كل العائلات القدرة على شراء سندويشات الدجاج التي يبلغ سعر الواحد منها 3 يورو، او علبة بسكويت ب2 يورو، وكذلك منتجات السوق الصغيرة لقرية ايدوميني التي تبعد عشرين دقيقة سيرا على الاقدام.
وتجذب رائحة المشوي السوري منير (33 عاما)، لكنه يعدل في اللحظة الاخيرة ويكتفي بشراء علبة من البطاطا المقلية. فلكل قرش قيمته. ويقول "انا هنا منذ اسبوع ولا اعرف كم سابقى. لا يسمح لاحد باجتياز الحدود. أحاول ان انفق اقل قدر ممكن، لكن ما انفقته حتى الان كثير". وقبالة الشاحنة التي تبيع سندويشات البطاطا ب2،50 يورو للقطعة، تقوم مجموعة من المتطوعين الدوليين كل يوم بمهمة بطولية تقضي بتوزيع الوجبات "الطازجة والصحية"، كالحساء مثلا. ويزاوج هؤلاء المتطوعون "المستقلون" المتدربون على مهمات تقديم المواد الغذائية على نطاق واسع في المهرجانات او التظاهرات، بطريقة فعالة بين العمل السياسي (يعارضون اقفال الحدود) وبين الامور اللوجستية الكبيرة: فهم يعدون ويحضرون ما بين 4000 الى 6000 وجبة يوميا يقدمونها في المخيم، ويقشرون اطنانا من الخضار. بحسب فرانس برس.
واكدت منظمة اطباء بلا حدود "انهم يقدمون لنا خدمة كبيرة". وتساءلت "ماذا نفعل اذا ما وصل عدد اللاجئين الى 20 الفا في ايدوميني؟"، لان عدد المرشحين للجوء والعالقين في كل انحاء اليونان بسبب اقفال الحدود الى المانيا، يقدر ب23 الفا على الاقل. وتسعى الدول والمنظمات من جزر بحر ايجه، مرورا بمرفأ البيريه، الى شمال البلاد، تحاول الدولة ولجان التضامن المحلية تدارك حصول ازمة انسانية بهذا الحجم.
فيلم فاير آت سي
من جانب اخر أبرز فيلم (فوكوماري) أو (فاير آت سي) الذي عرض في مهرجان برلين السينمائي حجم الرعب الذي يعيشه اللاجئون في لقطات التقطت من قارب شهد وفاة عشرات الأشخاص اختناقا بعد خمس ساعات من الإبحار في البحر المتوسط. ويركز موضوع المهرجان هذا العام على تشجيع العالم على مساعدة اللاجئين والترحيب بهم. وألقى المخرج جيانفرانكو روسي في الفيلم الوثائقي المفزع على مدى ساعتين الضوء على طبيعة الأزمة الملحة. ويتنافس الفيلم للحصول على جائزة الدب الذهبي أعلى جائزة بالمهرجان.
وقال روسي الذي فاز فيلمه (ساكرو جرا) بأعلى جائزة في مهرجان البندقية السينمائي في 2013 إن فيلمه الأخير "شاهد على مأساة تحدث أمام أعيننا" وأضاف بعد عرض الفيلم "أعتقد أننا جميعا مسؤولون عن هذه المأساة التي ربما تكون أسوأ مأساة يشهدها العالم منذ المحارق" النازية. وتم تصوير معظم لقطات الفيلم على جزيرة لامبيدوسا الإيطالية التي تبعد 113 كيلومترا فقط عن شمال أفريقيا وتستقبل اللاجئين منذ نحو عشرين عاما. ويمزج الفيلم بين حياة سكان الجزيرة الذين يعيش معظمهم على صيد الأسماك وبين الجهود اليائسة لمئات الآلاف من اللاجئين للوصول إلى أوروبا سعيا لحياة أفضل. بحسب رويترز.
وقال بييترو بارتولو وهو طبيب يعالج سكان الجزيرة ويفحص جثث اللاجئين المتوفين أو الذين تجرفهم الأمواج بحثا عن أي دلائل على الحياة ويعد الشخصية الأبرز في الفيلم "رأيت بعض الأشياء الجميلة لكني رأيت فوق كل هذا أشياء فظيعة.. الكثير من الأطفال الموتى والكثير من النساء الموتى واللاتي تعرضن للاغتصاب". وقال روسي إن القارب الذي صورت الكاميرات جثث اللاجئين في قاعه ظل في البحر خمس ساعات فقط ولكنه كان مكتظا جدا باللاجئين. وأضاف "لو لم ينتشلهم (خفر السواحل الإيطالي) لكانوا قد ماتوا جميعا" مشيرا إلى أن عملية الإنقاذ التي جرت لم تحصل على اهتمام يذكر في الأخبار.
اضف تعليق