نشهد في الايام الاخيرة من العام الحالي 2015 مناسبة احياء لليوم العالمي للهجرة، التي شكلت احد ابرز القضايا الحقوقية والازمات الدولية خلال هذا العام، وتفاقم ازمة اللاجئين على نحو متسارع ونحو على اعتاب العام 2016، دون الوصول لمعالجات فعالة للحد من سلبيات هذه الظاهرة العالمية على مختلف الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لذا يرى المتخصصون في هذا الشأن انه يجب ان يحدث تحركا دوليا لمعالجتها باعتبار ان قضية المهاجرين هي قضية إنسانية أولا، وهي مشكلة قانونية ثانيا وسياسية واقتصادية ثالثا، مما يحتم على الدول المرسلة والدول المستقبلة والمنظمات الإنسانية أن تعمل على احتوائها على المستوى الإنساني والقانوني، فضلا عن مكافحة الاستغلال وانتهاك حقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون الذين باتوا يشكلون مجموعة سكانية كبيرة لا يمكن تجاهلها.
يقول المراقبون ان سلك الطريق الى الدول الاوربية مليء بالعقبات وأول الطرق لتخطي تلك العقبات هي المعرفة، لاسيما تلك التي تتعلق بشروط وتكاليف الحصول على تأشيرة السفر والمعلومات حول تكاليف الدراسة والمعيشة في أوروبا.
وهنا يبرز سؤالا مهما يتمثل بما هو السبب الذي يدفع الملايين من الناس سنوياً السفر إلى الخارج ومغادرة أرض الوطن؟، الإحصائيات تظهر أن حوالي ثلاثة في المائة من سكان العالم يعدون من المهاجرين الذين تركوا بلادهم بحثاً عن مستقبل أفضل.
فقد تحمل الكثير من اللاجئين القادمين من مناطق الصراعات التي تعيش انقسامات طائفية وسوء الادارة السياسة مشقات كبيرة في الهرب من بلادهم، فالصراعات في العراق وسوريا الصومال وليبيا وغيرها، أجبرت مئات الآلاف من الناس على ترك منازلهم وأوطانهم والبحث عن مأوى في البلدان المجاورة. من ناحية أخرى يسعى البعض الآخر إلى الهروب من التمييز والاضطهاد بسبب لون البشرة أو الدين أو القناعات السياسية. وتقدر المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين في جميع أنحاء العالم بحوالي 25 مليون لاجئ.
كما يقدم كثير من الناس على الهجرة هرباً من الظروف المعيشية السيئة. والأعداد تتزايد لاسيما في المناطق التي تعاني من انتشار الأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية. ولكن حتى في حال توفر الاحتياجات الأساسية فإن الشباب عادة ما يبحثون عن فرص أفضل ومن السهل إيجاد فرص تعليم أفضل وتعلم مهارات عملية في الدول الأكثر تطوراً فضلا عن توفر آفاق جيدة للتطور المهني في هذه الدول. وبالطبع يلعب المهاجرون الآخرون دوراً متزايداً في هذا الصدد، فتجاربهم في البلدان الأجنبية تجذب الآخرين كما أن الحصول على تأشيرة سفر مؤقتة يكون أسهل بالنسبة لأقاربهم وأصدقائهم.
لكن مازالت هناك صورة غير واضحة وحقيقية عن أوروبا يتم تداولها في البلدان الإفريقية. فمازالت هناك نسبة كبيرة من المهاجرين الذين يبحثون عن إمكانيات الوصول بسرعة، تحقيق احلامهم لكن سرعان ما تتبخر هذه الاحلام عندما يصطدمون بالواقع الذي يختلف عن الصورة التي كانت في ذهنهم.
أوروبا: مليون لاجئ في العام 2015 في أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية
وصل عدد المهاجرين واللاجئين الذين دخلوا أوروبا العام 2015 إلى 991 ألف شخص، ما يمثل أسوأ أزمة هجرة في القارة منذ الحرب العالمية الثانية، وفق ما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، وقال جويل ميلمان المتحدث باسم المنظمة للصحفيين "شهدنا تدفقا قويا في آواخر العام ولهذا تقدر المنظمة الدولية للهجرة أنه بحلول يوم الثلاثاء وربما قبل ذلك سيتجاوز العدد المليون... هذا عدد غير مألوف"، وأضاف ميلمان في اليوم العالمي للهجرة أن عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى أوروبا فيما يعتبر أسوأ أزمة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية سيمثل ما لا يقل عن أربعة أمثال أعداد اللاجئين في 2014. بحسب فرانس برس.
وأوضحت المنظمة أن نحو 4300 شخص وصلوا إلى الجزر اليونانية بينهم 3400 وصلوا إلى جزيرة ليسبوس وهو ما يعني أن تدفقات الفارين من الحروب والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا عبر تركيا مستمرة رغم برودة الشتاء وارتفاع الأمواج وزيادة سرعة الرياح في البحار.
أوروبا غير قادرة على استيعاب المزيد من اللاجئين
نقلت صحيفة ألمانية عن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قوله إن الدول الأوروبية قد وصلت إلى أقصى طاقتها في التعامل مع أزمة اللاجئين ولا يمكنها استيعاب المزيد، وتبذل أوروبا جهودا حثيثة لمواجهة أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. واستقبلت ألمانيا حتى الآن الحصة الأكبر وسط توقعات بوصول عدد الوافدين إلى أوروبا هذا العام إلى مليون شخص. بحسب رويترز.
وقال فالس لصحيفة سوديتش زيتانج الألمانية "لا يمكننا استيعاب المزيد من اللاجئين في أوروبا. هذا الأمر ليس ممكنا" مضيفا أن تشديد الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ستحدد مصيره، وحذر فالس "إذا لم نفعل هذا الناس ستقول : كفانا (ما جاءت لنا به) أوروبا"، ونشرت تصريحات فالس قبل ساعات من لقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند في باريس.
ولاقت مواقف ميركل المرحبة باللاجئين - وكثير منهم هاربون من الصراعات في الشرق الأوسط- ترحيبا في بادئ الأمر داخليا وخارجيا ولكن مع استمرار تدفق المهاجرين بدأت المستشارة الألمانية تتعرض لانتقادات متزايدة، وقال عدد من السياسيين المحافظين إن سياسة ميركل في فتح حدود ألمانيا أمام اللاجئين السوريين في سبتمبر أيلول دفعت المزيد منهم للتوافد، واحتدم الجدال بشأن اللاجئين بعد الهجمات الدموية في باريس التي أذكت المخاوف من أن يستغل تنظيم الدولة الإسلامية أزمة اللاجئين لإرسال مناصرين له إلى أوروبا.
وتجنب فالس توجيه انتقادات مباشرة لميركل على تعليقها قوانين اللجوء المعتمدة في الاتحاد الأوروبي للسماح بدخول اللاجئين السوريين العالقين في المجر معتبرا أن ألمانيا "اتخذت خيارا نبيلا هنا"، لكنه أشار إلى أن باريس فوجئت بقرار ميركل "ولم تكن فرنسا التي قالت لهم: تعالوا"، واقترح وزير الاقتصاد الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره الألماني زيجمار جابرييل تأسيس صندوق من 10 مليارات يورو (10.7 مليار دولار) لتمويل الإجراءات الأمنية المشددة وضبط الحدود الخارجية والاهتمام باللاجئين.
مهاجرون تقطعت بهم السبل
عرقل مهاجرون مغاربة وإيرانيون وباكستانيون على حدود اليونان الشمالية مع مقدونيا حركة القطارات وطالبوا بالعبور لغرب أوروبا يوم الاثنين بعد ان تقطعت بهم السبل بسبب سياسة الفحص المشدد للمهاجرين في دول البلقان التي أثارت مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
وخلع رجل إيراني أعلن إضرابا عن الطعام الجزء العلوي من ملابسه وكمم فمه وجلس أمام صفوف من شرطة مكافحة الشغب المقدونية، وأجاب الرجل وهو مهندس كهربائي يدعى حميد ويبلغ من العمر 34 عاما على سؤال لرويترز عن المكان الذي يود الذهاب إليه بقوله "إلى أي بلد حر في العالم. لا أستطيع العودة. سوف يعدمونني"، وقطع مئات الالاف من المهاجرين كثير منهم سوريون هاربون من الحرب شبه جزيرة البلقان بعد أن وصلوا على متن قوارب وزوارق مطاطية إلى اليونان من تركيا في طريقهم إلى الدول الأكثر ثراء في شمال وغرب أوروبا تحديدا ألمانيا والسويد. بحسب رويترز.
لكن سلوفينيا وهي عضو في منطقة شينجن للتنقل بلا جوازات سفر في الاتحاد الأوروبي قالت إنها لن تسمح سوى بعبور الهاربين من الصراعات في سوريا والعراق وأفغانستان وستعيد الباقين الذين تعتبرهم "مهاجرين لأسباب اقتصادية"، وحذت دول أخرى وهي كرواتيا وصربيا ومقدونيا حذو سلوفينيا لتتقطع السبل بأعداد متزايدة من المهاجرين في خيام ومخيمات على حدود البلقان مع اقتراب فصل الشتاء.
رصد الإرهابين بين المهاجرين "مهمة شبه مستحيلة"
الى ذلك يؤكد قائد شرطة جزيرة ليسبوس اليونانية انه "من شبه المستحيل" رصد الجهاديين الذين قد يحاولون التسلل الى اوروبا عن طريق البلقان بين المهاجرين "اذا لم يكونوا مدرجين في قاعدة البيانات".
وقال ديمتري امونتزياس الذي يدير العمليات في مخيم موريا حيث وصل مئات الاف المهاجرين ويتم منذ كانون الثاني/يناير اخضاعهم لعملية تدقيق اولية في الهويات قبل تسجيلهم لمواصلة طريقهم الى اوروبا. بحسب فرانس برس.
واضاف في اطار زيارة للمخيم قام بها المفوض الاوروبي المكلف شؤون الصحة فيتينيس اندريوكايتيس "لم يفكر اي شرطي هنا ان يسمح لاي مهاجر بالمغادرة قبل التقاط صورة له واخذ بصماته"، وتابع انه لا يمكن للمهاجرين شراء بطاقة العبارة لمواصلة رحلتهم من دون ترخيص السماح بالمرور الذي يمنح بعد هذا الاجراء، لكن هذه الوثيقة يمكن تزويرها بسهولة وتم اعتقال ستة باكستانيين في ليسبوس بتهمة بيع وثائق مزورة، ودققت الشرطة للمرة الاولى في ميناء بيريوس في هوية المهاجرين الذين وصلوا الى الجزيرة، وفي موريا ينتظر عشرات المهاجرين في طابور. وهناك ثلاثة طوابير للتعرف على الهويات والتقاط صور لنقلها الى عناصر الوكالة الاوروبية لمراقبة الحدود (فرونتيكس) التي تحاول التدقيق في الهويات والجنسيات ولاعطاء بصمات اصابع اليدين وحفظ كل هذه المعلومات في قاعدة البيانات، وبهذه الطريقة تمكن المحققون من كشف ان اثنين من المهاجمين في استاد دو فرانس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر دخلوا الى الاتحاد الاوروبي في الثالث من تشرين الاول/اكتوبر عبر جزيرة ليروس.
وقال مسؤول في شرطة اثينا لوكالة فرانس برس انه عند التسجيل "اذا كان هناك مشكلة او تم الابلاغ عن شخص ما سيكون هناك انذار"، لكن للتوصل الى ذلك يجب ان يكون هناك معلومات استخباراتية فعالة على المستوى الاوروبي وهذا ما طلبته باريس من الاتحاد الاوروبي نظرا الى الثغرات التي ظهرت في اعتداءات باريس، وقال كريستوف نودان الاخصائي في تزوير الوثائق "خلافا لما نعتقد من السهل جدا ان يدخل احدهم او يخرج من الاتحاد الاوروبي من دون ان يرصد"، وقال المسؤول في الشرطة "لا نعرف في الواقع ماذا يحصل". واضاف "اذا كان السوريون يحملون عموما وثائق يمكن التحقق من صحتها من دون ان نتأكد ما اذا كانت تعود فعلا لحامليها" فان الاخرين مدرجون "على اساس ما يعلنون".
وقال خبير امني اوروبي "هذا التدفق الخارج عن السيطرة ينطوي على تهديد غير مسبوق للامن الاوروبي"، وقبل الدخول خلسة الى باريس حيث قتلته الشرطة الاربعا، فان العقل المدبر المفترض لاعتداءات باريس البلجيكي عبد الحميد اباعود تمكن في نهاية 2014 من الذهاب الى سوريا والعودة منها الى اوروبا من دون ان ترصده اجهزة الاستخبارات.
وقالت الحكومة اليونانية ان التحقيق البلجيكي الذي طاله ادى الى اعتقالات في اثينا من دون ان يكون هناك دليل ان يكون مر في اليونان، اما وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف فقد كشف ان تركيا ابلغت عن وجود اباعود في اليونان في فترة ليست ببعيدة، واقر مساعد الوزير اليوناني المكلف سياسة الهجرة يانيس موزالاس بوجود مشكلة مشيرا السبت الى اعتداءات باريس بالقول "من الممكن" مرور متسللين "نخشى ذلك" لكن "هل علينا القاء 100 الف مهاجر في البحر من اجل خمسة مشتبه بهم"؟، وقال امونتزياس "يجب الربط بين ملفات المجرمين الكبار". كما يريد ارسال المزيد من فرق الدعم لان عمليات التسجيل لا تتوقف ابدا وتعمل خمس فرق يوميا، حتى وان ارسلت فرونتيكس عناصر اضافية.
ويتوقف ليطلب من احد عناصره "التدقيق في الهوية وتفتيش" شاب يرتدي قميصا كتب عليه "لا داعي للذعر انا مسلم"، وفي ميناء ليسبوس يشعر الايراني قورش بالطمأنينة قائلا "اعتقدنا ان هذه الاعتداءات التي ارتكبها اصحاب سوء ستزيد الامور صعوبة علينا". لكن ذلك لم يحصل ولقاء 20 يورو تمكن من تجنب طابور الانتظار للتسجيل في مخيم موريا. وكان وصل صباحا الى المخيم وسيأخذ العبارة مساء للتوجه الى اثينا.
اضف تعليق