إن المجتمعات المتقدمة وبالتحديد المعلوماتية تمتلك المعلومات بأنماطها السابقة وتوظف تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصالات في تخزينها وبثها، ونظراً لأن قوة المجتمعات الحديثة أصبحت لا تقاس بعتادها العسكري وجيوشها وإمكاناتها الحربية بل من خلال ما تمتلكه وتستثمره من معلومات فإن مجتمع المعلومات يعتمد في تطوره وتنميته الشاملة على المعلومات وتقنياتها الحديثة، باعتبارها سلعة ومورد من الموارد الأساسية للتنمية.
عصرنا الحالي يتميز بالتطور السريع والمستمر ومع تزايد كم المعلومات وتنوعها وتعدد أشكالها واختلاف مصادرها وفى ظل التطور المذهل في إنتاج وسائل التقنيات الحديثة للاتصالات ونقل المعلومات أصبحت هناك ضرورة لمواكبة كل هذه التغيرات التي تطرأ على المجتمع بمرور الوقت سواء الدول المتقدمة او الدول النامية كلا منها يعتمد على وسائل الاتصال المتطورة في تسيير شؤونه وبذلك فقد أصبحت المعلومات المقياس والمؤشر الحقيقي للحكم على تقدم الأمم، فالدول المتقدمة باتت تعي بأهمية المعلومات واعتبرتها سلعة أساسية ومورداً لا ينضب يساهم بفاعلية في نموها وازدهارها، كما انها اخذت تتطور في وسائل الاتصال وخدمات الانترنيت بشكل مستمر وعلى نطاق واسع.
يبدأ معظم مقتني الجوالات الذكية نهارهم بجولة سريعة حول العالم من خلال تصفح الأخبار على تطبيقات كـ فيسبوك، تويتر، غوغل، وغيرها، ولكن في صباح الأول من يناير 2016، سيستيقظ نحو 40 مليونًا ممن يملكون جوالات ذكية وكومبيوترات تاريخ صنعها أكثر من خمس سنوات، من دون إنترنت.
إذ تشير آخر تقارير تقنية إلى إجراء تحديثات على مواقع الشبكة العنكبوتية لزيادة الأمن الإلكتروني في العالم الافتراضي لن تستوعبها الأجهزة القديمة، مما قد يزيد الفجوة الرقمية بين الدول النامية والمتطورة، في وقت دعت الأمم المتحدة فيه لتقليصها.
فبالنسبة لمدن مهووسة بالمنتجات الإلكترونية كنيويورك ولندن وسان فرانسيسكو، قد يعتبر سكانها جوالا ذكيا أطلق قبل خمس سنوات قطعة أثرية. ولكن تشير الإحصائيات إلى أن 7 في المائة من مستخدمي الإنترنت حول العالم يقتنون جوالات ذكية أطلقت قبل عام 2010، وهم الفئة المعرضة لخسارة حقوق تصفح أهم المواقع على النت ومعظمهم في الصين والكاميرون واليمن. وذلك حسبما نشر كل من "فيسبوك" وشركة كلاود فلير وهي خدمة شبكة توصيل المحتوى وتوزيع أسماء النطاقات عبر مواقعهم الإلكترونية الأسبوع الحالي.
وفي ذلك الصدد، قال ماثيو برينس المدير التنفيذي لشركة "كلاود فلير" خلال مقابلة لموقع «باز فيد» الإخباري، إنه لمن المهم التذكر أن الإنترنت ليست مجرد خدمة مقتني أحدث الأجهزة الذكية فحسب.
وستتضمن التحديثات الأمنية نظاما جديدا لتشفير المعلومات لضمان سلامة وخصوصية بيانات المستخدمين والحماية من الاختراق والقرصنة وذلك باستبدال نظام "إس إتش إيه 1" بنظام محدث "إس إتش إيه 2". وحول ذلك، أشار برينس مع أن تلك التحديثات ستقدم تصفحا آمنا، إلا أن الأجهزة القديمة لن تستطيع استيعابها، مما سيحجب مواقع عدة كمحرك البحث "غوغل" ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها عن ملايين المستخدمين.
وزودت مدونة "كلاود فلير" قائمة كاملة بالدول الأكثر تضررا جراء التحديثات الأمنية وكانت على رأسها الصين. ومن الدول العربية المتضررة أيضا اليمن والسودان ومصر وليبيا وسوريا والجزائر. وسيصل إجمالي المستخدمين الذين سيحرمون من استخدام شبكة الإنترنت إلى 37 مليون شخص.
إلى ذلك، عقب برنس، للأسف، معظم الدول المدرجة على القائمة المتضررة هي دول نامية تعاني من الفقر والحروب، وأضاف وإن كانت المشاريع الدولية بتقليص الفجوة الرقمية بين الدول المتطورة والنامية، سيعرقل ذلك التحديث فلن يستطيع من هم الأقل حظا امتلاك أحدث الأجهزة الباهظة الثمن.
وأكد فريق «فيسبوك» الأمني على مدونة "كلاود فلير" بتصريح على الموقع الإلكتروني، وأعلن مدير الوحدة الأمنية لدى الشركة أليكس ستاموس أن "فيسبوك" يعتزم التوصل لحلول ضمن التحديثات الأمنية ليستطيع مستخدمو الأجهزة القديمة تصفح وسيلة التواصل الاجتماعي.
وتأتي تلك التحديثات في وقت دعت فيه الأمم المتحدة إلى تقليص الفجوة الرقمية أو الإلكترونية. إذ قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن تكون دافعا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لكنه حذر من أنه يجب التغلب على الفجوات الرقمية. وذلك خلال اجتماع رفيع المستوى لاستعراض نتائج القمة العالمية لمجتمع المعلومات بعد مضي عشر سنوات على انعقادها في تونس.
وقال كي مون إنه، في الوقت الراهن يتمكن أكثر من 80 في المائة من الأسر في البلدان المتقدمة من الوصول إلى شبكة الإنترنت، في حين لا يتمكن ثلثا سكان البلدان النامية من الوصول إلى الإنترنت.
وأشار إلى أنه على الرغم من أن النساء يشكلن نصف سكان العالم، فإن فرصتهن في الوصول إلى الإنترنت تقل عن فرصة الرجال، داعيا إلى التغلب على هذه الفجوات.
وذكر بان أنه من المتوقع أن يتضاعف استخدام الأجهزة الجوالة والاتصال بالإنترنت بمقدار ست مرات بحلول 2020، وطالب الدول بالتعاون لتطوير الشبكة لتصبح مكانا مفتوحا آمنا وموثوقا وثابتا وشاملا للجميع، وقال إن ذلك يتطلب أيضا عملا مشتركا بين الشركات لبناء وتعزيز الثقة وتعزيز ثقافة عالمية للأمن على شبكة الإنترنت.
ومن الجدير ذكره أن الشبكة العنكبوتية اخترقت كل جانب من جوانب الحياة المعاصرة، وأصبحت دافعا للابتكار والعمل والترويج والتبادل الاجتماعي والنشاط الاقتصادي بشكل لا يمكن تصوره قبل عقد من الزمن فقط. إذ كشفت التوقعات أنه في عام 2017 سيكون هناك أجهزة مشبوكة بالإنترنت تقدر بثلاثة أضعاف سكان الأرض.
وأظهرت بيانات معلوماتية نشرتها شركة إنتل الأميركية أن 4.1 مليون عملية بحث تتم عبر موقع «غوغل» كل دقيقة، في حين تتم مشاركة 3.3 مليون قطعة عبر «فيسبوك»، سواء أكانت صورة أو مادة مكتوبة أو غيرها، بينما يتم إرسال 347222 تغريدة عبر موقع «تويتر»، ويتم تحميل 38194 صورة على موقع «إنستغرام»، وذلك حسبما نقلت قناة «سكاي نيوز» الأميركية. إلا أن التقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات لعام 2015 من المنتدى الاقتصادي العالمي كان قد كشف في سبتمبر (أيلول) المنصرم عن فشل اقتصادات الدول النامية على مستوى العالم في استثمار إمكانات وقدرات تقنيات الاتصالات والمعلومات (قطاع تكنولوجيا المعلومات)، لدفع عجلة التغيير والارتقاء الاجتماعي والاقتصادي، من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة. وقد تشكل التحديثات الأمنية الأخيرة على أنظمة التشفير على الإنترنت عاملا إضافيا لتعميق الفجوة الرقمية.
ان هذا الامر قد يؤثر بشكل اساسي على الدول النامية أكثر من الدول المتقدمة على اعتبار انها من أكثر الدول استخداما للهواتف التي يزيد عمرها عن أكثر من 5 سنوات وبذلك ستترتب على هذا القرار اضرار كبيرا تلوح معظم المجتمعات النامية.
وكان لهذا القرار انتقادات من قبل مجموعة كبير من العاملين في مجال التكنولوجيا ولعل أبرزهم المدير التنفيذي لشركة "كلاود فلير" الذي قال في إحدى مقابلاته أننا يجب ان نذكر الجميع أن الإنترنت ليست خدمة خاصّة بأصحاب الأجهزة الحديثة فقط.
وستتضرّر دول كثيرة من هذا القرار وخاصّة الصين والهند، كما أن الدول العربية ستنال حصتها من هذا القرار مما سيخلق فجوة رقمية بين الدول النامية والمتطورة على عكس ما طالبت فيه الأمم المتحدة.
هل أن هذه الخطوة مقصودة وتدعمها بعض شركات تصنيع الاجهزة الإلكترونية لإجبار الناس على شراء منتجاتها ومضاعفة أرباحها فهل لهذه الشركات صلة في قرار على صعيد عالمي؟ وكيف سيؤثر هذا القرار على النشاط الاقتصاد المرتبطة بالإنترنت وما دور الذي سوف تؤديه تلك الدول من جراء اتخاذ مثل هكذا قرار؟.
اضف تعليق