q

يقول الدكتور "فضيل طلافحة" في بحثه "حماية الأطفال في القانون الدولي الإنساني" إنه ما من أمانة في عنق العالم تفوق في قدسيتها الأطفال، وما من واجب يعلو في أهميته فوق احترام الجميع لحقوق الأطفال، لأن حمايتهم واحترام حقوقهم حمايةً لمستقبل البشرية بأسرها.. وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي لم يغفل الاهتمام بالأطفال وبحاجتهم للحماية والرعاية، إلا أننا ما نشاهده في أنحاء عديدة من العالم من انتهاكات حقوق الأطفال شيء يدعو إلى الحزن العميق.

وفي الواقع لا شيء يدع إلى انتهاك حقوق الأطفال كالحروب؛ فقد أضحت الحروب المعاصرة بما تستخدمه من أسلحة متطورة وفتاكة تستهدف المدنيين بصورة متعمدة، وأصبح الاعتداء عليهم في كثير من الأحيان يشكل عنصراً من عناصر الحرب واستراتجياتها، مما يؤدي إلى الزيادة في عدد الضحايا بين السكان المدنيين، وخاصة الأطفال. كما يحدث الآن في الحرب ضد اليمن.

فقد وثقت العديد من المنظمات الدولية الإنسانية العاملة في اليمن الانتهاكات المتكررة التي يتعرض لها السكان المدنيون لاسيما الأطفال والمنشآت المدنية لاسيما المدارس ومنها منظمة العفو الدولي في أكثر من تقرير كالتقرير الوارد تحت عنوان "أطفالنا يُقصفون: المدارس تتعرض للهجوم في اليمن".

فقد اتهمت منظمة العفو الدولية "امنستي" التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين بقصف المدارس في اليمن وحرمان آلاف الأطفال من التعليم في خرق للقانون الدولي لحقوق الإنسان.. وقالت لـمـا فقيه، كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية، التي عادت من اليمن مؤخراً: "لقد نفَّذ التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية سلسلة من الضربات الجوية غير القانونية على المدارس التي تُستخدم لأغراض تربوية -وليست عسكرية- الأمر الذي يشكل انتهاكاً صارخاً لقوانين الحرب. ولم تجد منظمة العفو الدولية أي دلائل على استخدام المدارس في أغراض عسكرية مما يبرر قصفها، واستنتج تقرير لمنظمة العفو الدولية إن الهجمات الجوية بزعامة السعودية خلفت "سلسلة دامية من الضحايا المدنيين".

لقد تضرَّر النظام التربوي برمته نتيجةً لهذا النزاع. فوفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن ما لا يقل عن %34 من الأطفال في اليمن لم يذهبوا إلى المدارس منذ بدء الضربات الجوية في مارس/آذار 2015. كما أطْلعت وزارة التربية والتعليم، التي يقع مقرها الرئيسي في صنعاء، منظمة العفو الدولية على بيانات أظهرت أن أكثر من 1000 مدرسة باتت خارج الخدمة: فثمة 254 مدرسة مدمَّرة كلياً، و608 مدارس مدمَّرة جزئياً، و421 مدرسة تُستخدم كملاجئ للأشخاص النازحين داخلياً نتيجةً للنزاع. وبالإضافة إلى قتل وجرح الأشخاص، فإن الهجمات على المدارس أرعبت المدنيين وتسببت بإصابة الطلبة بصدمات نفسية.

فما هو التكييف القانوني والإنساني لاستهداف المدنيين والأطفال والمنشآت المدنية كالمدارس التي يقوم التحالف السعودي بضربها من الجو؟ وهل يمكن محاسبة الجناة وكيف؟

لا شك إن قواعد القانون الدولي الإنساني تحرّم الاعتداء على المدنيين، فتلزم الأطراف المتعاقدة بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة التي تجعل المدنيين بمعزل عن التأثر بالعمليات الحربية. فقد أضفى البروتوكول الأول لعام 1977 حماية خاصة لصالح الأطفال في حالات النزاع المسلح. فنص على أنه: "يجب أن يكون للأطفال موضع احترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيئ لهم أطراف النزاع العناية والعون الذين يحتاجون إليهما، سواء بسبب صغر سنهم، أو لأي سبب آخر". كما أن البروتوكول الثاني كفل بالمادة 4/3 والتي تنص على أنه "يجب توفير الرعاية والمعونة للأطفال بالقدر الذي يحتاجون إليه لحماية للأطفال خلال النزاعات غير الدولية.

وقد تأكد هذا الأمر مع تبني الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في عام 1989، والتي شكلت منعطفاً حاسماً في تاريخ الطفولة، حيث أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسانية وعالمية لا يمكن التغاضي عنها.

ويعد قرار مجلس الأمن رقم 1261 (1999) أول قرار يعترف بالتأثير العام والسلبي للصراعات المسلحة على الأطفال، وما يترتب على ذلك من آثار طويلة الأجل على السلام والأمن والتنمية المستدامة. ويحث مجلس الأمن في هذا القرار جميع أطراف النزاع على التقيد بالالتزامات المحددة المعقودة لكفالة حماية الأطفال في حالات النزاع المسلح، وعلى الأخص، وقف إطلاق النار إنسانياً لأغراض التطعيم وتوزيع مواد الإغاثة، وبعدم مهاجمة المدارس والمستشفيات وعدم استخدام الألغام الأرضية، وعدم تجنيد الأطفال أو استخدامهم كجنود.

واستنادا إلى مسؤوليته الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين، طالب القرار 1379 جميع الأطراف في النزاعات المسلحة بضرورة الالتزام بما يلي: أن تحترم بالكامل أحكام القانون الدولي المتصلة بحقوق الأطفال وحمايتهم في النزاعات المسلحة، لاسيما اتفاقيات جنيف لعام 1949، والالتزامات التي تنص عليها بموجب بروتوكولات عام 1977 الإضافية، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989. وأن توفر الحماية والمساعدة للاجئين والمشردين الذين غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقاً للمعايير والنظم الدولية المطبقة. وأن تفي بالالتزامات التي تعهدت بها للممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاعات المسلحة، وكذلك لهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، فيما يتعلق بحماية الأطفال في حالات النزاع المسلح.

كما يحث مجلس الأمن في هذا القرار الدول الأعضاء على وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، وأن تحاكم المسؤولين عن جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وغيرها من الجرائم الفظيعة المرتكبة في حق الأطفال. والقيام كلما أمكن، باستثناء هذه الجرائم من أحكام العفو العام والقوانين المتصلة بذلك، وكفالة معالجة عمليات تقصي الحقائق والمصالحة بعد النزاع لأشكال الأذى الشديد الذي تعرض له الأطفال.

إن قرار مجلس الأمن رقم 2225 المتعلق بالأطفال في النزاع المسلح، الذي اعتُمد في وقت سابق من هذا العام، يدعو جميع أطراف النزاع إلى "احترام الطابع المدني للمدارس" ويعرب عن القلق العميق من أن استخدام المدارس قد يجعل منها أهدافاً مشروعة للهجوم بموجب القانون الدولي، ومن شأنه أن يعرّض سلامة الأطفال للخطر.

بناء على ما تقدم نخلص إلى النتائج الآتية:

1- إن المدارس تكتسي أهمية مركزية في الحياة المدنية، إذ يُفترض أنها توفر فضاء آمناً للأطفال. ولكن تلاميذ المدارس الصغار في اليمن يُرغمون على دفع ثمن تلك الهجمات، ويحول دون حصول آلاف الأطفال اليمنيين على التعليم.

2- إن قصف المدارس من قبل التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ما هو إلا اعتداء صارخ على مستقبل أطفال اليمن.

3- إن مهاجمة المدارس التي لا تشكل أهدافاً عسكرية بشكل متعمد، ومهاجمة المدنيين الذين لا يشاركون في الأعمال الحربية بشكل مباشر تعتبر جرائم حرب..

4- يتعين تقوم جميع الدول التي تزوِّد التحالف بقيادة السعودية بالأسلحة، ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بتعليق جميع عمليات نقل الأسلحة التي تُستخدم لارتكاب انتهاكات للقانون الدولي، ومنها جرائم الحرب، إلى الدول التي تنفذ الهجمات. وعلى وجه الخصوص يتعين على الدول التي تزود قوات التحالف بالأسلحة أن تعلِّق عمليات نقل القنابل ذات الأغراض العامة والطائرات المقاتلة النفاثة والطائرات المروحية المقاتلة وقطع الغيار والمكونات ذات الصلة.

5- نشارك منظمة العفو الدولية التي تدعو إلى إجراء تحقيق مستقل ومحايد في الهجمات الخمس التي أبرزها التقرير الموجز، وإخضاع المسؤولين عنها للمساءلة. كما تدعو التحالف إلى تقديم تعويضات كاملة لضحايا الهجمات غير القانونية وعائلاتهم.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق