قوانين العمل والتقاعد في العراق يخلو من تحقيق لمبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة حيث ينص الدستور العراقي على ضمان حقوق الإنسان وحمايتها، وهو ما يجب أن ينعكس في قوانين العمل والتقاعد، لذا يجب أن تسعى هذه القوانين لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توفير حقوق وأجور متساوية لجميع العمال والموظفين...

يعتبر تنظيم العمل والتقاعد من أهم الموضوعات التي تمثل محاور أساسية في المنظومة القانونية العراقية، وذلك لما لهما من تأثير كبير في حقوق العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويشهد العراق تطورات تشريعية مستمرة فيما يتعلق بالعمل والتقاعد بهدف تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للعمال. وبالرغم من التقدم الذي تحقق، فإن هناك العديد من التحديات التي تواجها هذه الأنظمة القانونية في توفير حماية فعلية للعمال وضمان حقوقهم التقاعدية.

 وفي هذا المقال، سنعرض دراسة تحليلية عن تنظيم العمل والتقاعد في العراق من منظور حقوقي وتحليل تشريعي، مع التركيز على القوانين الأساسية مثل قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015، وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 18 لسنة 2023.

انّ تنظيم العمل في العراق يعتمد على قانونين رئيسين هما قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 الذي ينظم العمل والعلاقة بين العمال وأصحاب العمل في القطاعين العام والخاص، يشمل هذا القانون العديد من الحقوق التي تهدف إلى توفير الحماية للعمال وتحديد واجبات أصحاب العمل، حيث يحدد فيه عقد العمل وكيفية تنظيم عقود العمل بين العامل وصاحب العمل، سواء كانت مؤقتة أو دائمة، ويشترط أن تكون حقوق العامل واضحة في هذه العقود، وينظم ساعات العمل اليومية والأسبوعية، ويشترط أن لا تتجاوز ساعات العمل 8 ساعات في اليوم، مع مراعاة أيام الراحة الأسبوعية، كما يوفر القانون حقوقًا واضحة للعمال فيما يخص الإجازات السنوية والمرضية والأعياد الوطنية، ولا يخلو القانون من إجراءات حماية حقوق العمال مثل حقهم في الأجر العادل، وحقهم في العمل في بيئة آمنة، فضلاً عن حقوقهم في ظروف عمل ملائمة.

إلى جانب تنظيم علاقة العمل بين العامل وصاحب العمل، يعالج القانون قضايا حماية حقوق العمال الاجتماعية والاقتصادية، ويتضمن ذلك ضمان الأجر العادل، والحق في الضمان الاجتماعي والصحي، وحماية المرأة والطفل في سوق العمل، والحد من عمل الأطفال وتنظيم عمل الاحداث.

أما تنظيم التقاعد والضمان الاجتماعي في العراق فهو مرهون إلى قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم 18 لسنة 2023 حيث تم إصدار القانون بهدف تحديث نظام التقاعد والضمان الاجتماعي في العراق، وتوفير حماية اجتماعية ومالية للعمال بعد انتهاء فترة خدمتهم، يُعتبر هذا القانون من الإصلاحات التشريعية المهمة في مجال الضمان الاجتماعي، حيث يتضمن العديد من الأحكام التي تهدف إلى ضمان حقوق العمال من خلال توفير التأمينات التقاعدية والصحية والتمويل المستدام حيث يواصل هذا القانون توفير شبكة من التأمينات الاجتماعية التي تشمل التقاعد، والعجز، والوفاة، والتي تموّل من خلال مساهمات العمال وأصحاب العمل، كما يبين كيفية احتساب المستحقات التقاعدية بناءً على عدد سنوات الخدمة، والأجر الذي يتقاضاه العامل، مع تحسين آلية توزيع المستحقات لضمان أمان مالي أكثر للمتقاعدين، ويتيح القانون للعاملين التقاعد المبكر وفق شروط محددة تتعلق بعدد سنوات الخدمة والمساهمات المدفوعة في صناديق التقاعد، بالإضافة إلى تأمينه دعمًا ماليًا للعاطلين عن العمل في فترة البحث عن فرصة عمل جديدة، وهو ما يعد خطوة نحو توفير الأمان الاجتماعي للعمال في مراحلهم الانتقالية، كما ويقدم هذا النظام تغطية صحية وتعويضات عن حوادث العمل، كما يتيح فرصًا لتحسين مستوى الرعاية الصحية للعمال خلال فترة خدمتهم وبعد التقاعد، وقد تم تحديث هذه المزايا لتكون أكثر شمولاً وتلبي احتياجات العمال بشكل أكبر.

وبعد البحث والتقصي يتبين للباحثة أنّ قوانين العمل والتقاعد في العراق يخلو من تحقيق لمبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة حيث ينص الدستور العراقي على ضمان حقوق الإنسان وحمايتها، وهو ما يجب أن ينعكس في قوانين العمل والتقاعد، لذا يجب أن تسعى هذه القوانين لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توفير حقوق وأجور متساوية لجميع العمال والموظفين، سواء كانوا في القطاع الخاص أو العام، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه المبادئ في العراق يواجه صعوبات بسبب تباين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن نقص الوعي القانوني بين العديد من العمال.

كما يجب أن تسعى التشريعات إلى إيجاد توازن بين حماية حقوق العمال وبين ضمان حقوق أصحاب العمل، من خلال تحديد واجبات كل طرف، لكن في الواقع يجد العديد من العمال صعوبة في الحصول على حقوقهم بسبب الغموض في بعض الأحكام القانونية، فضلاً عن نقص الرقابة على تطبيق القوانين في بيئة العمل، كما ان هناك تحديات في تطبيق قوانين التقاعد فبالرغم من أن قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 18 لسنة 2023 يوفر تغطية اجتماعية للعمال، فإن تطبيق النظام التقاعدي يواجه تحديات مثل:

1. ضعف البنية التحتية الإدارية في بعض الأحيان، مما يعرقل استفادة العمال من حقوقهم.

2. الضغوط الاقتصادية التي قد تؤدي إلى تراجع مساهمات أرباب العمل في صناديق التقاعد.

3. العمالة غير المسجلة التي لا يمكنها الاستفادة من النظام التقاعدي أو الضمان الاجتماعي.

وفي هذا السياق يمكننا أن نطرح بعض ما يمكن أنّ يعمل على تحسين تنظيم العمل والتقاعد في العراق منها تعزيز الرقابة على تطبيق قوانين العمل والتقاعد من خلال آليات فاعلة، ويجب على الجهات الحكومية أن تفرض عقوبات صارمة على أصحاب العمل الذين لا يلتزمون بتوفير حقوق العمال كاملة، كما وينبغي إنشاء حملات توعية لتعريف العمال بحقوقهم القانونية في العمل والتقاعد، وهذا يتطلب التعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية لتعزيز الثقافة القانونية في المجتمع.

ختامًا- يعد تنظيم العمل والتقاعد في العراق من المواضيع المهمة التي تؤثر بشكل مباشر في حقوق العمال والمساواة الاجتماعية، على الرغم من التقدم الذي أحرزته العراق في هذا المجال، إلا أن العديد من التحديات ما زالت قائمة، ولا بد من استمرار الجهود لتحسين التشريعات وتطبيقها بما يضمن حماية حقوق العمال وضمان حياتهم الاجتماعية بعد التقاعد.

* الدكتورة جمانة جاسم الاسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية في جامعة كربلاء

اضف تعليق