q

تدهور الاوضاع الامنية في الاراض المحتلة وتصاعد موجة العنف التي تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب استمرار الانتهاكات والجرائم ولاستفزازات المتواصلة التي تقوم بها سلطات الاحتلال ضد ابناء الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة وباقي المناطق الاخرى، اثارت وبحسب بعض المراقبين قلق العديد من الحكومات والمؤسسات الدولية، التي تخشى توسع اعمال العنف التي قد تقود الى اندلاع انتفاضة جديدة في الاراضي الفلسطينية، خصوصا وان المنطقة بشكل عام تشهد حالة من عدم الاستقرار الامني، يضاف الى ذلك الاستفزات والانتهاكات الاسرائيلية ، حيث يؤكد بعض الخبراء ان استمرار اسرائيل في استخدام القوة المفرطة وتجاهلها لمطالب الشعب الفلسطيني، واعتمادها لقوانين واجراءات مشددة ضدهم قد تساعد في تعقيد الامور في الفترة المقلبة، التي قد تشهد المزيد من الهجمات واعمال العنف داخل اسرائيل، خصوصا وانها تعيش اليوم حالة من الذعر بسبب اختلاف اساليب الرد وتعدد فصول المعركة، التي انتقلت الى ثورة جديدة يمكن تسميتها بثورة السكاكين الامر الذي قد يغير المعادلة، فالسيطرة على ثورة السكاكين وكما تنقل بعض المصادر لن تكون سهلة، لا سيما وأن الطعن بالسكين لا يقتصر على شخص معين.

هجمات مستمرة

فيما يخص بعض التطورات في الارضي المحتلة فقد قتل فلسطيني بعد اطلاق القوات الاسرائيلية النار عليه بعد ان صدم بسيارته عنصرين من حرس الحدود الاسرائيلي شمال الخليل في الضفة الغربية المحتلة، بحسب ما ما اعلنت الشرطة الاسرائيلية. وقالت الشرطة في بيان ان فلسطينيا يقود سيارة مع لوحة ترخيص فلسطينية صدم جنديين من حرس الحدود، مشيرة الى ان احد الجنود اصيب بجراح خطرة للغاية، بينما اصيب الاخر بجراح طفيفة. ووقع الهجوم في منطقة حلحول بالقرب من مفترق طرق رئيسي يربط شمال الضفة الغربية بجنوبها.

وبهذا يرتفع عدد الفلسطينيين الذين قتلوا منذ الاول من تشرين الاول/اكتوبر الى 70 فلسطينيا بينهم عربي اسرائيلي واحد في اعمال عنف تخللتها مواجهات بين فلسطينيين واسرائيليين واطلاق نار وعمليات طعن في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. كما قتل تسعة اسرائيليين. وتقول الشرطة الاسرائيلية ان نحو نصف الفلسطينيين قتلوا برصاص عناصرها او الجيش خلال تنفيذ او محاولة تنفيذ عمليات طعن ضد اسرائيليين.

الى جانب ذلك قالت السلطات الإسرائيلية إن ثلاثة فلسطينيين هاجموا بسكاكين جنودا إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة ومدنيين في ضواحي تل أبيب. وأضافت السلطات أن أحد المهاجمين قتل بالرصاص. واندلعت أسوأ موجة من العنف منذ حرب غزة عام 2014 لأسباب منها تصاعد التوتر نتيجة زيادة زيارات اليهود لحرم المسجد الأقصى وتعثر المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ودخلت موجة العنف شهرها الثاني. بحسب رويترز.

وقال الجيش الإسرائيلي إن القوات اقتربت من فلسطينيين اثنين في محطة بنزين قرب نقطة تفتيش داخل حدود الضفة الغربية. وأضاف أن أحد الفلسطينيين حاول طعن جندي وأنه قتل بالرصاص. وقال مسؤولون فلسطينيون إن عمره 16 عاما. وقال الجيش الإسرائيلي إن الفلسطيني الثاني اعتقل. وفي وقت لاحق قالت الشرطة الإسرائيلية إن فلسطينيا عمره 19 عاما من الخليل في الضفة الغربية طعن ثلاثة أشخاص في ضاحية ريشون لتسيون بتل أبيب قبل أن تتم السيطرة عليه واعتقاله. وقالت الشرطة أيضا إن اثنين ممن تم طعنهم في حالة خطيرة وإن أحدهما امرأة عمرها 80 عاما. وأصيب الثالث بجروح طفيفة.

سجن راشقي الحجارة

من جانب اخر أورد موقع البرلمان الإسرائيلي على الإنترنت أن البرلمان صادق على مشروع قانون يفرض عقوبة السجن لثلاث سنوات على الأقل على راشقي الحجارة. وأقر القانون الذي دعمته حكومة بنيامين نتانياهو بغالبية 51 صوتا مقابل 17 في وقت يزداد فيه التوتر في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين. وينص القانون الجديد على أنه ليس بإمكان القضاة إصدار أحكام مع وقف التنفيذ "إلا في حالات خاصة" لم يحددها.

ويقوم القانون بتجميد المخصصات الاجتماعية التي يحصل عليها أهالي القاصرين الذين تتم إدانتهم بـ"ارتكاب جرائم أمنية، وإلقاء الحجارة لأهداف قومية أو في إطار أنشطة إرهابية"، وسيتم تجميد هذه المخصصات خلال فترة السجن. وتقع مواجهات متكررة بين شبان فلسطينيين يشعرون باليأس في ظل الاحتلال والقوات الإسرائيلية. ويلقي الشبان الفلسطينيون الحجارة في التظاهرات وعلى سيارات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة وبعض الأحيان في القدس الشرقية المحتلة. بحسب فرانس برس.

وقال النائب نيسان سلوميانسكي من حزب البيت اليهودي الديني المتطرف والذي قدم مشروع القانون، أن فرض حد أدنى من العقوبة هو "إجراء ضروري لردع راشقي الحجارة". وأضاف "إلقاء الحجارة يشكل محاولة قتل". بينما ندد النائب جمال زحالقة، عن القائمة العربية الموحدة بالطبيعة الخطرة لهذا القانون، مؤكدا بأنه "لا يفعل شيئا سوى صب الزيت على النار". وكان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أعلن في أيلول/سبتمبر الماضي "الحرب على راشقي الحجارة" بعد مقتل سائق سيارة إسرائيلي فقد السيطرة على سيارته بعد أن تعرضت على ما يبدو لرشق حجارة في القدس خلال الأعياد اليهودية.

التحريض على العنف

الى جانب ذلك في غزة متجر لبيع الملابس اسمه "هتلر 2" تقف على عتبته تماثيل مانيكان تحمل سكاكين وترتدي قمصان تي شيرت مكتوبا على صدورها كلمة "إطعن". وفي إسرائيل يعرض موقع إخباري إلكتروني يحظى بمتابعة واسعة من اليهود المتدينين لعبة فيديو يجري فيها حث الأطفال على "إحباط" اعتداءات مهاجمين يرتدون أزياء عربية.

وبعد أسابيع قتل فيها 11 اسرائيليا في عمليات طعن أو إطلاق رصاص أو هجمات أخرى وقتلت القوات الإسرائيلية بالرصاص 68 فلسطينيا على الأقل بينهم 41 يزعم الإسرائيليون أنهم مهاجمون يتهم الجانبان بعضهما بعضا بالتحريض على العنف. ومع أنه بدت بعض العلامات على انحسار العنف مع تباطؤ وتيرة الهجمات فإنه لا يبدو أن مشاعر الغضب والكراهية التي تذكي صراعا عمره 70 عاما قد خفت.

ففي غزة تحث حركة حماس التي تسيطر على القطاع علانية على العنف وتنشر مقاطع فيديو على الإنترنت تحض الفلسطينيين على الانضمام إلى ما تسميه "انتفاضة السكاكين" الجديدة على الاحتلال الإسرائيلي. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكثر حذرا لكنه امتدح الذين قتلتهم إسرائيل بوصفهم شهداء وانتقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأنه فيما يبدو لا يفعل ما يكفي لوقف العنف.

وخارج متجر "هتلر 2" الذي رفض صاحبه إجراء حديث معه قال شبان فلسطينيون إن المتجر كان له وقع طيب في نفوسهم وإنهم يتشوقون لتنفيذ هجمات. وقال حجاز أبو شنب الذي يبلغ من العمر 20 عاما "اسم المتجر هتلر وقد أحببته لأنه أشد الناس عداء لليهود. ومن الأفضل لنا الآن أن نخرج ونموت لأننا نعيش كالأموات. لقد أعجبتني الملابس والاسم."

وأغلقت إسرائيل محطة إذاعة في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة بدعوى أنها تمتدح الهجمات على الإسرائيليين. وقال فلسطينيون إن المحطة كانت تحث الفلسطينيين على الانضمام إلى مظاهرات إلقاء الحجارة ولا شيء أكثر من ذلك. وفي صراع تتباين فيه روايات الأحداث تباينا شديدا واستخدمت فيه الكلمات ووقائع التاريخ كسلاح كان نتنياهو أيضا محل اتهام بإذكاء التوتر.

وقبل زيارة لألمانيا صرح نتنياهو بأن مفتي القدس في أربعينات القرن الماضي حرض على محرقة اليهود قائلا إن المفتي أوحى لأدولف هتلر بفكرة المحرقة. ولاقى تصريحه انتقادات لاذعة من خبراء المحرقة الذين اتهموه بتشويه سجل التاريخ. ويقر فلسطينيون بأنه يجري تحريض على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي ومنها فيسبوك وواتس آب لتشجيع الناس على مهاجمة إسرائيليين. وأبرز إسرائيليون أيضا حالات عرضت فيها مواقع إلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي محتوى مسيئا.

وعرض آروتز شيفا -وهو موقع إخباري مفضل لدى اليهود المتدينين وطائفة المهاجرين الروس اليمينيين في أغلبهم في إسرائيل- لعبة فيديو على صفحاته الخاصة بالأطفال يستخدم فيها اللاعبون العصي والمظلات الشمسية "لإحباط" هجمات أشخاص ملتحين يلبسون أزياء عربية ويحملون سكاكين ومسدسات. وقال موظف لصحيفة جيروزالم بوست "كان هذا خطأ." وبعد وفاة طفل فلسطيني عمره ثمانية أشهر قرب بيت لحم كتب البعض تعليقات بالعبرية على موقع فيسبوك تشيد بوفاته التي كان يشتبه بادئ الأمر أن سببها غاز مسيل للدموع أطلقته قوات إسرائيلية. ولم يتضح بعد سبب الوفاة على وجه الدقة لكن أطباء قالوا إن الطفل كان يعاني مشكلة صحية سابقة تتصل بوجود مياه على المخ. بحسب رويترز.

وكان رؤساء بلديات إسرائيليون حثوا المواطنين الذين يملكون تراخيص سلاح على حمل أسلحتهم وهي خطوة تقول جماعات حقوق الإنسان إنها تشجع الناس على الاقتصاص من المجرمين بأنفسهم. وتعرض بعض الفلسطينيين الذين يمسكون بسكاكين لإطلاق النار لمجرد الاشتباه بأنهم كانوا يهمون بتنفيذ هجوم. وأقرت إسرائيل أن الوضع لم يكن كذلك في اثنتين من الحالات على الأقل.

القدس القديمة

من جهة اخرى ومنذ شهر لم يكن من الممكن العثور على مائدة خالية في مطعم أبو شكري. فالمطعم الواقع في شارع خلفي في القدس القديمة يتفرع من طريق الآلام يعتبر منذ فترة طويلة أفضل مطعم للحمص والفلافل في الأرض المقدسة. وفي الثاني من أكتوبر تشرين الأول وعلى بعد أمتار في الباب الأمامي لمطعم أبو شكري طعن طالب فلسطيني يدرس القانون اسرائيليين فقتلهما في واحد من أوائل الهجمات في موجة عنف.

ورغم أن سياحا يعتريهم القلق مازالوا يتجولون في الشوارع الضيقة فإن أعدادهم قلت. كذلك تراجعت بشكل ملحوظ أعداد الذين تجمعوا في كنيسة القيامة. ويرابط رجال الشرطة وجنود الجيش الاسرائيلي في نقاط على مسافات منتظمة يقفون فيها وظهورهم للحوائط. ولا يفتح التجار العرب متاجرهم خوفا من الوضع الأمني ولاختفاء الزبائن. وأمام مطعم أبو شكري توجد الآن نقطة تفتيش للشرطة الاسرائيلية. وفي وقت سابق أوقف رجال الشرطة - الذين استهدفت هجمات الطعن كثيرين منهم - خمسة من الشبان العرب وفتشوهم.

وداخل المطعم تبدو الموائد خالية. وقال مراد فلتس (32 عاما) وهو عامل بناء عربي مسيحي يعيش في القدس القديمة "الوضع سيء كما ترى." وأضاف "عليك أن تسير في المدينة ويداك مكشوفتان" حتى يرى الجنود الاسرائيليون أنك لا تحمل سكينا. وتابع "وبعد الغروب عليك ألا تتأخر في العودة للبيت لان هذا المكان يتحول إلى مدينة أشباح." ويشكو أصحاب المتاجر في القدس القديمة المقسمة إلى أربعة أحياء بين المسلمين والمسيحيين والأرمن واليهود من تأثر نشاطهم التجاري بالأحداث. فقد تسبب تفجر العنف لفترات طويلة في تعطيل أنشطتهم بما في ذلك خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى من 1987 إلى 1993 والثانية من 2000 إلى 2005.

ويقول تجار وسكان إن الوضع الآن ليس بالسوء الذي كان عليه في الماضي لكنه يسير في ذلك الاتجاه. ومن أسباب اختفاء المتسوقين تشديد الأمن الاسرائيلي الذي يشمل منع الدخول من الاحياء العربية في الشطر الشرقي من القدس إلى بقية أنحاء المدينة. وقال حبيب حروب الذي يملك متجرا للعاديات في الحي الاسلامي حيث تنتشر المقاهي وأكشاك بيع الفاكهة بجوار المساجد والآثار القديمة إن الوضع الأمني يعطل النشاط السياحي. وقال هذا الأسبوع "حتى الآن لم أتمكن من بيع شيء. ولا حتى بشيقل واحد."

واتهم الشرطة الاسرائيلية بالتحرش بأصحاب المتاجر العربية بما في ذلك ابلاغهم بتغيير اللافتات العربية بلافتات عبرية وقال إنه يأمل أن يستمر تزايد العنف الذي يصفه بعض الفلسطينيين بانتفاضة السكاكين. وقال "بغير ذلك لن تتحسن أحوالنا." أحد الأسباب الرئيسية للغضب الفلسطيني المسجد الأقصى في القدس القديمة الذي تؤدي إليه تقريبا كل الأزقة الملتوية في الحي الاسلامي.

وقد أزعج المسلمين ما يرونه من زيادة تعدي اليهود على المنطقة وتزايد عدد اليهود المتطرفين والمتدينين الزائرين للحرم تحت حماية قوات الامن الاسرائيلية بما في ذلك وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو. ويسمح لغير المسلمين والسياح بزيارة الحرم لكن لا يسمح لهم بأداء الصلوات. وقال عصام الصغير الذي يملك متجرا للعطارة إن زيارة الحرم هي لب المشكلة وإنها هي التي دفعت الفلسطينيين للعنف وكانت سببا في تشديد الأمن الاسرائيلي. بحسب رويترز.

وأضاف "صبر الناس له حدود ثم ينفجرون. الأمور هنا لن تهدأ قط." ولأن العرب واليهود يغدون ويروحون يوميا في شوارع القدس القديمة فإن التوتر على أشده بين الجانبين. ويخشى اليهود هجمات الطعن العشوائية بينما يخشى العرب استهداف الشرطة الاسرائيلية للبعض إذ أطلقت النار على كثيرين قالت إنهم مهاجمون. وفي الشوارع المزدحمة التي لا تهدأ فيها الحركة عادة فإن المساجد والكنائس والمعابد اليهودية تكاد تكون على مرمى حجر من بعضها البعض. ويقول سكان محليون إنهم يبقون أطفالهم في البيوت. ويضطر فلتس عامل البناء لاصطحاب أخته إلى المدرسة والعودة بها كل يوم. ويذكره الوضع المتوتر بفترات الاضطرابات السابقة. وقال فلتس "والدي المتوفي قال لي منذ 20 عاما إنه لاشيء سيتغير في المدينة. ولم يتغير شيء."

اضف تعليق