تعني فكرة التوقع المشروع التزام الدولة بعدم مباغتة الأفراد بما يصدر من تشريعات أو قرارات عن السلطات العامة، لا سيما البرلمان بوصفه المؤتمن على سيادة القانون والحارس الأمين للإرادة الشعبية، بعبارة أخرى التوقع المشروع يعني الحماية القانونية للفرد أياً كان مركزه القانوني من أثر القرارات الارتجالية أو غير المشروعة...
تحرير: حسين علي حسين
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وضمن نشاطاته الشهرية موضوعا قانونيا قضائيا تحت عنوان (دور المحكمة الاتحادية العليا في حماية التوقع المشروع)، وقدم الباحث الأكاديمي الدكتور علاء الحسيني هذه الورقة البحثية التي حضرها عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الأساتذة والأكاديميين والكتاب، وتم عقد هذه الجلسة في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يُعقَد في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
وجاء في ورقة الباحث:
"هذا المصطلح (التوقع المشروع) كان ولا يزال يتم تداوله كثيرا في ميدان الدراسات القانونية، حيث بدأ هذا المصطلح فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في ألمانيا، وانتقل من ألمانيا إلى دول أوربية كثيرة، منها فرنسا وبلجيكا ومن ثم أصبح موضوعا من الموضوعات التي تُطرَح للنقاش الأكاديمي، وكذلك على طاولة البحث العلمي، وأصبح اليوم من المجزوم به أن التوقع المشروع هو واحد من حقوق الإنسان، أي أن يكون هنالك توقّع مشروع أو توقع للتقلبات سواء التشريعية أو التقلبات الإدارية التي قد تحصل في مرافق الدولة.
فمن حقوق الإنسان اليوم ان لا يكون هنالك تغييرا مفاجئا في القواعد القانونية، التي تمس مركزه القانوني، وإذا حصل مثل هذا التغيير المفاجئ فمن حق الإنسان أن يلجأ إلى القضاء، طالبا الحماية القانونية، بدعوى أن هنالك توقّعا مشروعا كان لديه، في بقاء الأوضاع القانونية على ما هي عليه، وأن السلطات العامة سواء التشريعية أو التنفيذية بادرت إلى تغيير الأوضاع القانونية بشكل يخالف توقّعه المشروع.
فإن ثبت ذلك لدى المحاكم المختصة، بادرت إلى إلغاء التصرف القانوني أيا كان نوعه أو مصدره، سواء كان تشريعيا، على مستوى التشريع، أي صادر من البرلمان، أو كان هنالك تشريع فرعي صادر من الحكومة، أو قرار تنفيذي صادر من موظف تنفيذي بمختلف مستويات مراكز القوة أو مراكز السلطة في البلد.
تعني فكرة التوقع المشروع التزام الدولة بعدم مباغتة الأفراد بما يصدر من تشريعات أو قرارات عن السلطات العامة، لا سيما البرلمان بوصفه المؤتمن على سيادة القانون والحارس الأمين للإرادة الشعبية، بعبارة أخرى التوقع المشروع يعني الحماية القانونية للفرد أياً كان مركزه القانوني من أثر القرارات الارتجالية أو غير المشروعة.
فحين تصدر التصرفات القانونية لابد ان تكون مطابقة للقانون أولاً، ويراعى فيها التوقع وعدم المباغتة لذوي الشأن، لاسيما تلك القرارات التي تؤثر على المراكز القانونية المشروعة، وهو ما يمكن تمثيله بالقرار البرلماني الصادر عن رئاسة مجلس النواب العراقي الخاص بقبول استقالة أحد أعضاء المجلس بشكل يخالف الواقع والتكييف القانوني لذلك الواقع.
فالتوقع المشروع موضوعنا حول المحكمة الاتحادية ودورها في حماية هذا التوقع المشروع، فيما يخص الحادثة التي حصلت مؤخرا بإقالة رئيس مجلس النواب العراقي، والتي كان سببها الرئيس (المعلَن وليس الحيثيات التي قد تغيب عنا ولا ندركها أو لا نعلم بها بالتحديد)، دعوة رفعها أحد النواب، بالضد من قرار اتخذه السيد رئيس مجلس النواب باعتباره مستقيلا، وأشيع بأن هنالك حالة من حالات التغيير، إن ثبت هذا (ونحن لسنا مختصين بميدان إثباتها أو عدم إثباتها ولكن نحن نساير الرواية التي طُرحت) بأن هناك تغييرا في تواريخ معينة، وأن السيد رئيس مجلس النواب ارتكب فعلا يرقى إلى التزوير.
وهذا نحن لا ندّعيه وإنما هذا هو المُشاع المتداول في الأروقة الرسمية والإعلامية، السيد النائب الذي كان يتمتع بالنيابة، لم يبنِ دعوته على أنها مخالفة لمبدأ التوقع المشروع، لكن المحكمة بنت قرارها على أساس مخالفة التوقّع المشروع، بمعنى أن الأفراد كانوا يتوقعون ولا يزالون بأن ممثلي الدولة وهو "رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس القضاء أو ما شاكل ذلك".
فهؤلاء ينبغي أن ينأون بأنفسهم عن أي تصرف من شأنه أن يجلب الشك والريبة على ممثلي الدولة، والذين يتسنمون المناصب العليا، ويمثلونها، ويتكلمون باسمها، ويحرصون على مصلحتها، وبالتالي رئيس مجلس النواب إن ثبت عليه مثل هذا التصرف فهو قد خالف مبدئا أو حقا من حقوق الإنسان في التوقع المشروع.
حيث كان يتوقع منه أن لا يخالف أحكام القانون وأن لا تأخذه النوازع الذاتية، والمصالح الحزبية والفئوية باتجاه قرار معين، وإنما كان ينبغي عليه أن يكون دائما وأبدا محايدا، ويتخذ القرارات وفق ما ترسمه القوانين والدستور العراقي النافذ.
فهذا هو محور الكلام عن أن فلسفة المحكمة كما انطلقت من إقالة رئيس مجلس النواب، باعتبار أنه قد خالف حقا من حقوق النواب في أن التوقع ينبغي أن يكون مشروعا، والنائب كان يتوقع أن رئيس مجلس النواب لا يخالف القانون، ومجلس النواب كله والشعب العراقي كله كان يتوقع بأن رئيس مجلس النواب لا خالف حكم القانون، لأنه أودع به، وتجلياته كثيرة من ضمنها استغلال النفوذ لغرض تحقيق منفعة أو ربح شخصي، أو للأغراض التي من الممكن أن تنطبق عليها عقوبات قانونية وهي كثيرة، مواد 350، 340، 341.
فكنا نحن كشعب عراقي نتوقع منه أن لا يستهين بالأمانة التي أودعناها له، وهو من الأشخاص المنتخّبين، فأودعت فيه ثقة، وفي حال أنه خالف هذه الثقة فهو قد خالف التوقّع المشروع، موجود لدينا الآن في الإدارة مثلا هناك موظف يرتكب مخالفة معينة، لا تثبت لدينا أمام المحاكم، لأن إجراءات المحاكم تستغرق وقتا، كمقاضاة جريمة التزوير وما شاكل ذلك، لكن نستطيع أن نكيّف الفعل على أنه فعل خطير، إي يبوّب على أنه فعل خطير وقد يرقى إلى أنه أما انتهاك الدستور أو الحنث باليمين الدستوري.
وهذا يدخل في باب التوقع المشروع بالنسبة لجميع الأشخاص الذين يمثلون الدولة، ويمكن للمحكمة الاتحادية أن تعزله، لأنه انتهك حقا من حقوق الشعب العراقي.
ثم طرح الدكتور خالد العرداوي السؤال التالي: بالنسبة لرئيس مجلس النواب هو أخذ استقالة مسبقة من بعض النواب، وهو إجراء تم فيما بينهم، هذا بحد ذاته وبعد ما فاز هذا الشخص ووصل إلى البرلمان، حصل خلاف بينه وبين رئيس البرلمان، فاستغل رئيس البرلمان الاستقالة المسبقة، السؤال هو: هل يحق لرئيس البرلمان استغلال ذلك؟
الجواب: هنا حصلت المخالفة للتوقع المشروع. وهو توقع الناخب الأنباري عندما اختار زيدا أو عمرا من الناس، كان يريد منه أن يكون ممثلا له، وان يكون نائبا عنه في البرلمان، فتوقع منه بسلامة إجراءات الانتخابات، وتوقع بسلاسة سير الإجراءات، ثم تبين أن الثقة التي أودعها بهذا الشخص ليست في محلها.
ولكي يكون القرار مشروعاً يجب ان يراعي الثقة التي يوليها الأفراد بالسلطات العامة والأفراد القائمين على تمثيلها والتصرف باسمها، أما إن أقدم هؤلاء على مخالفة تلك الثقة فلابد ان تقوَّم مسؤوليتهم السياسية أو القانونية أو الجزائية أو الانضباطية أو جميع ما تقدم.
وهو ما سنناقشه في ثنايا قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر يوم الثلاثاء 14/11/2023 بشأن إقالة رئيس مجلس النواب العراقي لقيام شبه التزوير والإخلال بالثقة الموكول إليه صيانتها.
وبعد أن أنهى الباحث الدكتور علاء الحسيني قراءة ورقته المشار إليها في أعلاه، طرح السؤالين التاليين، على الحاضرين لهذه الجلسة النقاشية:
السؤال الأول: كيف يمكن التأسيس لفكرة التوقع المشروع في سلوك السياسيين العراقيين ممن يترشحون إلى المناصب التمثيلية أو التنفيذية المؤثرة، وما الضمانات اللازمة لذلك؟
السؤال الثاني: كيف سينعكس قرار المحكمة الاتحادية العليا على تكريس مبدأ سيادة القانون وصيانة الإرادة العامة والنظام الديمقراطي في العراق؟
المداخلات
- الدكتور حميد مسلم الطرفي:
تنبع فكرة التوقع المشروع من مبدأ أعم وأشمل وهو مبدأ الأمن القانوني الذي يعني فيما يعني استقرار المراكز القانونية ووجود ثبات نسبي للعلاقات القائمة بين هذه المراكز، والتوقع المشروع وإن لم يكن له تعريف محدد جامع ومانع حاله حال كثير من المفاهيم الإنسانية إلا أنه يعني فيما يعنيه عدم التعرض لمفاجئات أو أعمال لم تكن في الحسبان تصدر من أي من السلطات في الدولة، مما يخلق حالة من الاطمئنان لدى الفرد أو المواطن ناتجة عن ثبات واستقرار المعاملات وشؤون الحياة اليومية.
وبتعبير آخر أن المواطن يستطيع ترتيب إجراءاته القانونية فيما يخص علاقاته مع الأفراد العامين والخاصين أي مع غيره من الأفراد أو مع سلطات الدولة وفق إجراءات قانونية قائمة. بعد هذا الملخص لموضوع التوقع المشروع نعود لما صدر عن المحكمة الاتحادية بشأن إلغاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في القضية المرفوعة ضده ونشير إلى التالي:
1- إن الدعوى في أروقة المحكمة الاتحادية منذ أحد عشر شهراً وهي مدة كافية لتوقع الحكم ولا يخرج الحكم من احد أمرين في كل المحاكم في العالم ومنها المحكمة الاتحادية في العراق وهو الإدانة أو البراءة مما وجه له.
2- نعم قد يكون هناك شكوك في أن نتائج الإدانة لا تصل إلى مستوى إنهاء العضوية عندما يتعلق الأمر برئيس السلطة التشريعية ولديه أكثر من أربعين نائباً في البرلمان وركيزة أساسية في تشكيل تحالف الدولة الذي انبثقت منه الحكومة الحالية، ولكن تلك الشكوك ليست صادرة من مختص بشؤون القضاء وانما من مختص بشؤون السياسة والفرق بينهما واضحاً.
3- إن العلة الأساسية في غياب التوقع المشروع ناتج من عجز البشر عن عزل ميولهم وأهوائهم السياسية والاجتماعية عن عقولهم بشكل مطلق، وبالتالي عدم حياديتهم المطلقة في إصدار قراراتهم القضائية عندما يوضعون في موقع القضاء، ولهذا يحرص فقهاء القانون الدستوري على وضع الكثير من الامتيازات لسلطة المحاكم العليا حفاظاً عليها من التأثر بالضغوط والميول السياسية للكتل والشخصيات الحاكمة ولكي تكون المحكمة مستقلة في قراراتها ولا تأتي بأحكام مفاجئة للمشمولين بأحكامها.
4- ليس في العراق فقط تشكل قرارات المحاكم العليا جدلاً واسعاً في الأوساط الجماهيرية وبين الكتل السياسية، والطعن بأن قرارات هذه المحاكم تخالف مبدأ الأمن القانوني والتوقع المشروع ليس لأنها كذلك وانما لتعلق أحكامها بشخصيات عامة وذات سلطات واسعة، فقد حصل ذلك في المحكمة العليا في الباكستان برئاسة القاضي عزيز افتخار شودري عندما أصدرت المحكمة قرارات بشأن المختطفين أحرجت فيها رئيس الوزراء برويز مشرف مما اضطرّ الأخير إلى عزل شودري اعقبها ظهور احتجاجات واعتصامات لآلاف المحامين مما اضطرّه لإعادته.
وفي مصر أصدرت المحكمة العليا أيضاً قرارات غير متوقعة ابان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي قضت فيها بعدم شرعية الانتخابات بعد اجرائها ومرور عام تقريباً على اجرائها مما شكل هزةً قوية للنظام السياسي، وفي الكيان الصهيوني شكلت قرارات المحكمة العليا ضغطاً كبيراً على حزب الليكود الحاكم مما دعاه إلى السعي للحد من سلطات القضاء فخرجت تظاهرات شقت صفوف المجتمع اليهودي في الكيان لازالت آثارها قائمة حتى الآن.
أقول أن العلة في بعض الأحيان ليس بذات القرار وفيما إذا كان يخالف مبدأ التوقع المشروع أم لا وانما في مكانة من يخصه القرار ومركزه القانوني والسلطات التي يمتلكها وفي كل الأحوال فإننا كمواطنين مدعوون لأن نحافظ على احترام قرارات القضاء وسلوك الطرق القانونية في الطعن فيها، وإن كانت مخالفة لهوانا أو لمبدأ العدالة تجسيداً لمبدأ سيادة القانون من جهة وإيماناً بأن القاضي إن أصاب فله أجران، وان أخطأ فله أجر، وفي دولة دستورية تقوم أحكامها على الشرعية والمشروعية ليس لنا من سبيل آخر.
- الدكتور خالد العرداوي؛ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
الحقيقة هذا الموضوع الذي طرحته هذه الورقة البحثية مهم للغاية، ومفيد لضمان حقوق الإنسان في العراق، وتأسيسا لعقد اجتماعي صحيح في العراق بين السلطة وبين الشعب، ونشكر مركز آدم لاختياره هذا الموضوع الهام جدا.
بالإجابة عن السؤال الأول، كيف يمكن التأسيس لفكرة التوقع المشروع في سلوك السياسيين العراقيين عندما يرشّحون للمناصب التنفيذية والتشريعية المؤثرة، باعتقادي إذا كان هناك احترام للقانون ووجود حسن نيّة في خدمة الشعب من قبل السياسيين عموما ومن قبل المرشّحين بشكل خاص.
إن فكرة التوقع المشروع كقاعدة قانونية سوف تكون لها فائدة وانعكاس إيجابي، على احترام السياسيين عموما والمرشحين بشكل خاص، بل حتى أصحاب المناصب العامة في الدولة، لالتزاماتهم الوظيفية ووعودهم الانتخابية.
وسوف يجعل هذا الأمر من إطلاق الوعود الانتخابية أمرا محسوبا، فنحن يوجد لدينا في الدولة وقد ذكر ذلك فوكوياما في كتابه المعنون بـ (الدولة)، ذكر فيه قضية مدى الدولة وقدرة الدولة، ففي الدول المتقدمة يكون مدى الدولة وقدرة الدولة متطابقيْن، بمعنى إن المسؤول أو السياسي، عندما يطلق وعودا أو عندما يضع برامجا، فهو متأكد ولديه يقين من أن لديه الإمكانية والقدرة على تطبيق هذه البرامج في أرض الواقع.
لذلك يسمى هذا بالتطابق بين مدى الدولة وقدرة الدولة، لكن في الدول المتخلفة، في الغالب تجد السياسي أو المسؤول يعطي وعودا كبيرة، وعندما يصل للسلطة سوف يجد أن إمكانياته والقدرات المتاحة له لا تسمح له بتطبيق تلك الوعود التي أطلقها، وبالنتيجة تحصل أزمة ثقة بين هذا المسؤول أو السياسي وبين قاعدته الشعبية.
إذا تم ترسيخ قاعدة التوقع المشروع وتم استيعابها من قبل المرشحين ومن قبل المسؤولين، فباعتقادي سوف تكون لها انعكاسات إيجابية حتى على السياسي نفسه حينما يضع برامجه وعندما يطلق وعوده يكون على يقين تام بأن هذه الوعود هي قابلة للتطبيق، لأن هنالك مجتمع ينتظر منه أن يكون لديه الأمانة والقدرة على الوفاء بوعوده، وإذا لم يفي بذلك سوف تتم محاسبته ومساءلته.
الضمانات اللازمة لذلك حقيقة، أول هذه الضمانات هو وجود قضاء نزيه ومستقل، فمن دون وجود القضاء النزيه والمستقل، لا توجد ضمانه بأنه قاعدة التوقع المشروع سوف تطبق بعدالة على الجميع وبالنتيجة أنه سوف يكون لها تأثيرات إيجابية في بناء المجتمع، والتأسيس لعقد اجتماعي جديد بين السلطة والشعب.
النقطة الأخرى من الضمانات عدم تسييس القضاء، وليس النزاهة فقط، وإنما نحتاج أيضا إلى قضاء غير قابل للتسييس، لأنه القاعدة الأساسية هي أن الناس جميعا سواسية، أمام القانون، ولكن عندما تطبق قاعدة قانونية على زيد ولا تطبقها على عمر، فعند ذلك تهتز قاعدة المساواة بين المواطنين، وبالنتيجة اهتزت الثقة بالقضاء.
فهذه هي الضمانة الأساسية وهي أمانة ونزاهة وعدم تسييس، بالإضافة إلى الاستقلالية الفعلية للقضاء، والقدرة على الفعل، لأننا نعرف أن الدول التي يختل فيها مبدأ الفصل بين السلطات، القضاء يفقد استقلاليته، وبالنتيجة إذا لم يكن هناك مبدأ الفصل بين السلطات بشكل حقيقي، فإن القضاء لا يأخذ دوره الطبيعي المتوقّع.
السؤال الثاني، كيف سينعكس قرار المحكمة الاتحادية العليا، إذا نُظِر لهذا القرار، على أنه هو قاعدة قانونية وطبق بشكل صحيح، فأعتقد انعكاساته ستكون إيجابية، على النظام الديمقراطي في العراق، على تطوير العملية السياسية في العراق، ولكن إذا نُظِر إلى هذا القرار على أنه حالة استهداف سياسي، يعني اليوم حتى رئيس مجلس النواب اعتبر أن قرار المحكمة الاتحادية هو بتوجيه من خلف الحدود، أو بوصاية من خلف الحدود، وهذا يعني إذا هو رئيس السلطة التشريعية ينظر للقضاء على أنها ناجمة عن استهداف سياسي.
نحن جميعا الموجودين في هذه الندوة نحترم القضاء، ونحترم دوره وندعو إلى أن يكون للقضاء اليد الطولى في تطبيق الدستور، والنصوص القانونية، في البلد، ولكن نحن اليوم من خلال تجربتنا في السنوات التي مضت، نجد أن بعض القرارات تُعطَّل في داخل المحكمة الاتحادية، ولا تظهر إلا في وقت حرج، لكن القرار ينبغي أن يظهر في الوقت المناسب.
مثلا على سبيل المثال، يتم تذكّر قضية النفط والغاز، مع إقليم كردستان، يعني عشر سنوات هذه القضية متروكة في أدراج المحكمة الاتحادية، ولكن بعد خصام معين أو بعد مشكلة معينة بين القوى السياسية مع القوى السياسية في الإقليم، وجدنا أن المحكمة الاتحادية حركت هذا الموضوع، فتأخير اتخاذ القرار ليس بصالح المحكمة الاتحادية.
أيضا قضية هذه الأيام بالنسبة للسيد الحلبوسي، فقبل شهر من موعد الانتخابات المحلية، يُتَّخَذ هذا القرار، طبعا يُنظَر إليه على أنه استهداف سياسي، ويُنظر له أنه هناك مشكلة، بالنتيجة إذا بقيت النظرة إلى قرارات المحكمة الاتحادية، ومنها هذا القرار على أنه هي حالة من حالات الاستهداف السياسي، فسوف تبقى حالة عدم الثقة بالمحكمة الاتحادية، وعدم الثقة بأنها هي الفيصل النهائي في النزاعات بين السياسيين.
فإذا ترسخت فعلا قاعدة أن قرارات المحكمة الاتحادية هي عبارة عن استهداف سياسي لمصلحة طرف على حساب أطراف أخرى، فهذا سيجعل الإرادة العامة في البلد تواجه مشكلة، والنظام الديمقراطي في العراق يواجه مشكلة، لأنه تفقد الثقة بالقرارات القضائية، هذا يعني قد اختلت قاعدة العدالة لديك.
ولكن إذا تم تجاوز هذا الوضع، ونُظِر إلى القرار على أنه قرار صائب، وإنه بني على أساس دستوري وقانوني جيد، اعتقد هذا سوف يعزز النظام الديمقراطي في العراق، فأنا اليوم من خلال هذه القاعدة القانونية، أجد أن السياسيين في برامجهم الحكومية في الحكومة العراقية أيضا خالفت التوقع المشروع، بالنسبة لي كمواطن.
فعندما أتذكر الآن أنه في عام 2006 أعلنت بعض البرامج الانتخابية أنه لن يكون هناك فقير في العراق، ولا يوجد مواطن عراقي لا يمتلك دار سكن، ولا توجد بنى تحتية مهدّمة، فالحكومات التي فشلت في تحقيق هذه البرامج الحكومية معناها حكومات ينبغي محاسبتها، فاعتقد أن هذا الموضوع شائك ومعقد، لكنه سوف يفتح الباب لجدل قانوني يعزز منظومة الحقوق والحريات في العراق.
- الأستاذ عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
الموضوع شاسع وواسع بشكل كبير كمفهوم دستوري قانوني بحسب فهمي وليس تخصصي، وفي العراق ربما تكون امتدادات هذا الموضوع أكثر، هذا المبدأ كما أشار الدكتور الباحث يكون أحد ركائز الأمن القانوني الذي تعتمد عليه الدولة، لأنه عدم مفاجأة الأفراد بقرارات مباغتة تصدرها السلطات العامة بحيث لم يتوقعها الأفراد.
بالنتيجة لاحظنا المصداق الذي حدث قبل أيام، أنه عندما تكون الدولة بسلطاتها الثلاثة تتخذ قرارات سريعة في حالات غير مستقرة للأوضاع خصوصا في العراق، يمكن أن تكون ارتداداته سلبية، لكن هل هو خطوة نحو الأمام؟، نعم هو خطوة نحو الأمام.
لكن مثل هذه القرارات مشروطة بعدة شروط، وأهم شروطها أن تكون ضمن استقلالية القضاء وخروجه من الفضاء السياسي القضائي والقانوني.
المشكلة كما ذكر الدكتور خالد العرداوي أنه هنالك تجارب لمشاريع كثيرة أخطر من هذا الموضوع، لم تكن للمحكمة الاتحادية لها فيها رأي، بل سكتت عنها لفترة سابقا، وليس بسر أن نعرف بأن القرارات اليوم التي تصدر من القضاء تراعي الجانب السياسي بشكل مهم جدا، لأنها لا تريد أن تربك الوضع، طبعا ليس انسحابا من مسؤولياتها، وإنما بعض الأمور تحتاج إلى التهدئة للأوضاع.
هذا المحور الذي حركته الآن المحكمة الاتحادية، الذي يعتبر سابقة، وهو محاسبة ومعاقبة وإقالة أحد الرئاسات في العراق، هذا من الممكن أن يفتح الباب على الكثير من الملفات، وقد يكون فيها الوضع أكثر تشعبا، وأكثر تشابكا، لكن بالنتيجة ما دام أن المحكمة تركز على أن الهدف هو تحقيق العدالة، لأن الأمر الأساسي في هذا المبدأ هو تحقيق العدالة.
إذًا لابد أن تمضي في كل الاتجاهات، لكي يتحقق إطلاق يد القضاء، وهذا باعتقادي هو قرار تتخذه الكتل السياسية والدولة بكامل أفرادها، فالقضاء اليوم لا يريد أن يكون خاضعا لجهة معينة، لكن القرار ليس قراره، وإنما قرار كل المشاركين في بناء الدولة، أن تُطلَق يد القضاء وبالنتيجة يأخذ كل جوانبه في كل الاتجاهات، سواء في داخل البيت الشيعي أو الكردي أو السني وهكذا دواليك.
فهذا قرار يمثل القضاء السياسي العراقي، ومتى ما قررت الكتل السياسية أن تعطي للقضاء دوره في هذا الجانب، فسوف يكون ذا تأثير إيجابي فعلا، أما إذا اكتفينا بأحاديث أحادية الجانب، فسوف تكون ارتداداته سلبية، لأنه سيكون العصى التي يلوّح بها للآخرين.
أما انعكاسات القرار فإنها إيجابية لكن يجب أن يشمل كل الساحة، فاليوم يجب أن يشعر الجميع أنه تحت سلطة القضاء، وتحت القانون وليس فوق القانون، هذه القضية ربما الحياة السياسية العراقية ما زالت مبكرة عليها، وقد نحتاج إلى فترة من الزمن حتى ينمو فيها القضاء بشكل صحيح، ويتخلص من التأثيرات السياسية، وربما حتى الضغوطات.
فاليوم قد يواجه القضاء صعوبة كبيرة حين تأتي أمامه ملفات كبيرة لم يتخذ حيالها القرار، وسكت عنها القاضي، فهذا يمثل حرجا له، ولا أعتقد أن القضاء يكون في وضع مريح، حتى قضية المحاسبة المستقبلية لهم قد تكون ممكنة، فقد يُحاسَب القضاء مستقبلا على ذلك، بالنتيجة هو يشعر بحرج، لكنه التأثير السياسي له سطوته، لذا يحتاج ذلك إلى دعم سياسي وثقافي أكثر، وهكذا سوف تنجح الركيزة الأساسية في هذا الموضوع، وهو الجانب القانوني وتحقيق العدالة.
إذا تحققت اليد المطلقة للقضاء بعيدا عن التأثيرات السياسية، سوف يكون لهذا المشروع ولهذا المبدأ تأثيرا إيجابيا مستقبلا، أما إذا لم يتحقق ذلك، فسوف تكون جزء من أدوات السلطة التي تستخدمها ضد معارضيها وضد غير المؤتلفين معها.
- الشيخ مرتضى معاش:
شكرا لمقدّم الورقة على هذا الموضوع الهام جدا، وعلى الطرح الجيد لهذا الموضوع، بالنتيجة فإن مواضيع كهذه هي التي تؤسس لمسيرة جيدة يكون فيها تغيير جيد، ولأنني لست متخصصا بالقضايا القانونية والدستورية، ولكن حسب فهمي لما جاء في ورقة الباحث وبعض المعلومات السابقة، أنه هناك فرق بين القانون العام والقانون الدستوري.
القانون العام يرتبط بالأشخاص كأشخاص، أما الدستور فيرتبط بالمصلحة العامة، لذلك يختلف من ناحية التجريم، كذلك فإن الشخصية الرسمية للمسؤول في الدولة، تختلف عن الشخصية الخاصة، فلذلك تكون شروطه موظف الدولة والمواصفات المطلوبة هي أكثر بكثير جدا من الشخص العادي.
مثلا على سبيل المثال يوجد عندنا في الشرع الإسلامي شروط خاصة بالقاضي، يجب أن يكون عادلا، فإذا كان قاضيا غير عادل هذا لا يعني بأنه إنسان غير جيد، لكنه إنسان لا يستحق هذا المنصب، أو مثلا إمام الجماعة لابد أن يكون عادلا، فهذا لا يعني أنه إنسان غير جيد، لكنه كشخصية عامة لا يصلح لهذه القضية، أو المجتهد مثلا، من شروطه أن يكون عادلا، وقد يكون المجتهد غير عادل لكن علمه أكثر من المجتهد العادل، لكن لا ينطبق عليه هذا الشرط، لأن العدالة شرط أساسي في المجتهد.
أتصور أن هذه الشروط لها علاقة بقضية موقع الشخص ومكانه واعتباره، لذلك نلاحظ بسبب أقل قضية سوف يُعزَل، وقد لا يكون مجرَّم جنائيا فقط، فقد يكون ملتزم أخلاقيا ويتصف بالأخلاق، وملتزم بالدستور وبالأعراف العامة.
على سبيل المثال الشخص الذي يرتدي ملابس لا تناسب شخصيته تسقط عنه المروءة، فتسقط عنه العدالة، هذه القضية معناها الالتزام بالجو الاجتماعي العام، فالشخص الذي لاتكون سلوكياته متطابقة مع الأعراف الاجتماعية فهو سيفقد اعتباره الاجتماعي، وفي بعض الدول الغربية تظهر هذه القضية في محاكمة تصرفات المسؤولين، مثلا قبل سنوات قليلة أحد الوزراء، ذهبت إلى أحد المطاعم في كندا، واستفادت مجانا من وجبات (بيتزا)، مع انكشاف الامر في الصحافة اضطرت إلى الاستقالة، لأنها خرقت الالتزام الأخلاقي والدستوري والاجتماعي العام الذي ذكره الباحث.
فهذه الالتزامات الاعتبارية لها دور كبير في عملية بناء الحكومة الصالحة، أو الحكم الرشيد، وهذا الالتزام يجب ان ينبثق من النظام الصالح ومن الشخص الصالح، أي كلاهما مطلوبان، بأن يكون النظام مرتّبا ومنظّما ورشيدا، وكذلك الشخص يجب أن يكون رشيدا وملتزما بالقواعد الأخلاقية العامة.
فالشخص الحكومي حتى لو كان ضابط أو شرطي في الأجهزة الأمنية، فإذا اخترق قانون المرور، فيفترض أن لا يحاسَب لأنه خرق القانون، وإنما يُحاسَب على كونه مسؤولا، فطالما هو مسؤول في الحكومة فيجب أن يُحاسَب محاسبة أخرى أشد غير المحاسبة التي يتعرض لها المواطن العادي لأن مسؤوليته أكبر وأعظم.
بالنسبة للسؤال الأول، فإنه يتضمن نقاط:
النقطة الأولى: ترسيخ المؤسسات الدستورية، وهذا الشرط مهم جدا، لأن هذه المؤسسات هي البنية التحتية للنظام السياسي الهش في المرحلة الحالية، بسبب عدم ترسيخ المؤسسات الدستورية التي تحمي هذا النظام السياسي وتجعله متماسكا وقويا، وهذه الأمر مهم جدا، من خلال تكامل العملية الانتخابية والمؤسسات والحواضن الموجودة، لكي يؤدي ذلك إلى أن يكون العمل الدستوري محكما.
النقطة الثانية: عدم الكيل بمكيالين، فلابد أن تنطبق القوانين على الجميع.
النقطة الثالثة: دعم المؤسسات المستقلة، وعدم التدخل في المؤسسات المستقلة، مثلا المفوضية المستقلة للانتخابات، والنزاهة، والبنك المركزي، فهذه المؤسسات لابد أن تكون مستقلة وبالنتيجة لا يكون هناك تسييس وتدخل سياسي فيها.
النقطة الرابعة: الحاجة إلى الرقابة، حيث نحتاج إلى مزيد من الرقابة على المسؤولين من خلال فاعلية الرقابة الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، وأيضا التأكيد على دور الرأي العام في الحفاظ على هذه الالتزامات، فلابد أن المسؤول الذي يرتكب الجريمة يُفضَح، ويتحرك الرأي العام باتجاه فضح المسؤول حتى يتنبّه ويكون بالنتيجة عبرة لغيره في عدم تجاوز الحدود الأخلاقية والقانونية.
النقطة الخامسة: الوعي الدستوري والقانوني، فلو لم يكن الوعي القانوني موجودا لما حصل هذا الموضوع، فهذا الوعي القانوني والوعي الدستوري بالنسبة للمواطنين والرأي العام يكون له تأثيره في عملية تأسيس الديمقراطية الصالحة والنظام الديمقراطي الجيد.
النقطة الأخيرة: ايقاف تغوّل الشخصيات النافذة والكتل السياسية، فنحن لا يوجد لدينا قانون لهذا الشيء، أما في الغرب فهو موجود، فإذا الشخص السياسي تغوّل وتجاوز الحدود سوف يوقَف عند حده، حتى الشركات الكبيرة، يوجد لديها قانون يحكمها، ويسمى قانون منع الاحتكار، فإذا تجاوزت نسبة امتلاكه لمجموعة معينة مثلا كالاستيلاء على الشركات الأخرى، أكثر من 30% يعتبرون هذا الشيء طغيانا، فيتم إيقافهِ عند حده.
فلابد من كبح تغوّل الكتل السياسية والشخصيات النافذة، وإيقافها عند حدّها، كما جرى في قضية عزل (رئيس البرلمان العراقي) فهي عملية إيقاف للتغول والطغيان، ونحن عندما نتكلم عن قضية التأسيس الذي لابد أن يكون بهذه الطريقة، لذا المفروض من الرأي العام أن يستفيد من هذه القضية ويطالب بإيقاف العسكرة، والتدخل في شؤون القضاء، ومكافحة الفساد، واستغلال النفوذ السياسي.
بالنسبة للسؤال الثاني، كيف ينعكس على النظام السياسي والديمقراطي، بالنتيجة هو سوف يؤدي إلى المزيد من الإيمان بالديمقراطية، ويمكن المشاركة الفاعلية في انتخابات مجالس المحافظات، وإيمان الناس بالعملية الانتخابية، والدستورية، فهذه مفاصل مهمة في حياة الأمم، فالأمم دائما فيها تحولات خاصة، تحتاجها دائما حتى تنتقل إلى مرحلة أخرى ولو كانت هذه التحولات بسيطة.
كما ان تأييد الرأي العام المطلق لعزل رئيس البرلمان يعبر عن إحباط الشارع وحنق الشارع على السياسيين الموجودين الغارقين في الفساد وفي استغلال نفوذهم السياسي.
وقد يؤدي ذلك إلى تعزيز مكافحة الفساد، وتغيير حسابات الكتل السياسية، فينتبه الحزب أو السياسي إلى ماذا سيفعل في المستقبل؟، وأن لا يعطي برنامجا انتخابيا أكبر من حجمه، ولا يعطي وعودا انتخابية لا يمكنه تحقيقها أو إنجازها، ولا يستغل نفوذه السياسي، وينتبه لهذه القضية وهذه نقطة مهمة أيضا في عملية حماية العملية الانتخابية والدستورية.
وبالنتيجة فإن إيقاف استغلال النفوذ السياسي من قبل الكتل والأحزاب والسياسيين، سيؤدي تدريجيا إلى تكافؤ الفرص، وسوف يكون هناك بالنتيجة شعور إيجابي بالعملية السياسية الفاعلة، وشعور بوجود أمل في المستقبل بالنسبة لما يحتاجه الناس من النظام الديمقراطي.
- الأستاذ أحمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
إن الغرض من تسليط الضوء على هذا الموضوع، هو لتبيان أهمية القضاء في الحياة العامة العراقية، فنحن اليوم عندما نواجه أية مشكلة، نلجأ إلى الجهة التي تنصفنا من هذه المشكلة، أو تخرج بنا إلى الحل، واليوم الشارع العراقي أو الشعب العراقي، فقد ثقته بالسلطة التنفيذية إلى حد ما، وفقد أيضا ثقته بقسم كبير أو بأغلب رجال السلطة التشريعية.
وبقيت الأنظار والعيون تتجه إلى السلطة القضائية لإنصاف الناس وحمايتهم، وحماية مؤسسات الدولة والمال العام من الفاسدين، لأن مشكلة العراق اليوم هي الفساد الذي استغلته تقريبا أغلب الشخصيات المتنفذة، وأكاد أجزم حقيقة بأن الرؤوس الكبيرة التي تحكم الدولة لا تستحي من استغلال مناصبها ونفوذها في هدار المال العام أو حتى سرقته.
وبحكم نفوذهم من الذي يردع هؤلاء غير القضاء، أملنا كبير بالقضاء العراقي، ونتوسم به الخير، ونريد أن نركز على هذه القضية فعلا، فاليوم التوقع المشروع إذا تسأل 90% من طلاب القانون أو الذين درسوا القانون، فتجد أنهم غير سامعين سابقا بهذا المصطلح، وربما أغلب الاخوان الذين يحضرون معنا هذه الجلسة النقاشية ما كانوا قد سمعوا سابقا بوجود مبدأ الثقة والأمان الذي يسمى بـ التوقّع المشروع وما هو معناه؟
فهناك كثير من المصطلحات والمفردات القانونية نعرفها فعلا وسمعنا بها سابقا، سواء كنا قانونيين أو غير قانونيين، مثلا المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وغير ذلك من المبادئ القانونية، لكن التوقع المشروع قد يكون بالنسبة للبعض شيء جديد.
هذه السابقة لم تحصل في القضاء العراقي فقط، وإنما حصلت أيضا في مصر في عهد محمد مرسي، حيث أصدرت المحكمة المصرية بحكم على عدم مشروعية الانتخابات رغم مرور سنة على إجرائها، أيضا في باكستان بعهد برويز مشرف حدثت أيضا في قضية معينة، كذلك القضاء الإسرائيلي يصدر بين فترة وأخرى مثل هذه الأحكام، حول الانتخابات أو سواها ويتدخل في عمل معين ويحد منه.
فاليوم نحن فعلا بحاجة إلى القضاء العادل، الثقة بالقضاء هي الأمل، أو بصيص الأمل الذي من الممكن أن نبني عليه الدولة ونحمي مؤسساتها من الفاسدين، بالنسبة لقضية رئيس مجل النواب الأخيرة، كانت القضية ليست بالجديدة في أروقة المحكمة الاتحادية، فالقضية أخذت شهورا وتم الطعن في القضية الأولى، حول عضوية ليث الدليمي، ثم استرجعها أو استعادها، واستخدموا ورقة ثانية، فالقضية دخلت أيضا في جانب جنائي، إلى جانب الحنث باليمين، إلى جانب استغلال النفوذ.
كل هذه القضايا أدت بالمحكمة الاتحادية العليا إلى أن تصدر حكما باتا بالأغلبية، لإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب العراقي، وهذه إشارة من المفترض أن يتلقّفها بقية السياسيين وبقية المتنفذين، لتصحيح مسار حياتهم السياسية، أو مسار حياتهم في إدارة الدولة.
كيف يمكن التأسيس لفكرة التوقع المشروع في سلوك السياسيين العراقيين؟، في الحقيقة أنا أتمنى على أغلب من 80% من الأشخاص الذين يرشّحون أنفسهم لخوض انتخابات البرلمان، هم من حملة شهادات القانون والسياسة، لأن عملهم وشغلهم تشريعي، وبالتالي يكون لديهم وعي قانوني لكي يعرفوا أين تنتهي حدودهم وإلى أين تتجه مساراتهم التي يرسمها لهم القانون.
فكما نلاحظ عضو البرلمان العراقي اليوم، يتدخل في قضايا بسيطة، قضايا (التبليط) تعبيد الشوارع وسواها، وقضايا تخص مدراء النواحي، لكن النائب يأتي ويزج بنفسه بمثل هذه الأمور، بينما هو قضيته أو عمله أكبر، كون أنه تشريعي ورقابي.
وبالتالي فعلا حتى الأخوة المرشحين إلى مجالس المحافظات يجب أن يدخلوا في دورات قانونية وتوعوية، حتى يكون عندهم معرفة بالجنبة القانونية، وكيف يمكن ان تؤسَّس مؤسسات الدولة أو تعتمد على القوانين.
كيف سينعكس قرار المحكمة الاتحادية على تكريس مبدأ سيادة القانون وصيانة الأمور العامة، فعلا إذا مضى هذا الحكم، واعتبرته المحكمة حكما باتّا، ومدت المحكمة الاتحادية نفوذها إلى أشخاص آخرين، يثبت عليهم نفس الشيء حول الحنث باليمين، أو استغلال منصبهم الوظيفي، وأصدرت عليهم نفس الأحكام، فهذا الحكم فعلا يعيد الهيبة للقضاء العراقي وللمؤسسة القضائية.
ويُشعر الجميع بأن هناك جهة مرجعية عليا يمكن الاحتكام لها لإعادة الحق، أو لكبح جماح الأشخاص الذين ذكرهم سماحة الشيخ مرتضى معاش حول تغوّلهم في مناصبهم، ويمكن ببساطة أن يأتي أي شخص ويرى أن الزعماء الكبار الذين تولّوا السلطة منذ 2003 إلى حد الآن كيف استغلوا نفوذهم وكيف عبثوا بمقدرات الدولة وبالمال العام، وكيف حتى اعتدوا على الناس، وانتهكوا حرياتهم وكراماتهم بحكم نفوذهم.
فأملنا اليوم كبير أن تكون هناك فعلا جهة تردع هؤلاء ويكون القضاء هو الفيصل، وإن شاء الله نحن سوف نحاول أن نطور هذا الموضوع لصناعة رأي عام، لكي تقف الناس خلف القضاء، لا خلف الأحزاب حتى تكون هناك قوة للقضاء في قراراته.
- الدكتور حسين السرحان؛ أكاديمي وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
هذا المفهوم سمعتُ عنه سابقا، لكن قليل جدا، في أيام دراستي في كلية القانون، لكننا لا نمتلك إحاطة بهذا الحجم حول هذا المفهوم، فجزيل الشكر للباحث الكريم.. لا يوجد عندي الكثير حول هذا الموضوع لأنني غير متخصص فيه، لكن توجد لدي مجموعة بعض الاستفسارات حول هذا المفهوم والموضوع المهم أختصرها كالتالي:
الاستفسار الأول: هل هذا المبدأ من مهام كل مستويات القضاء، الدستورية أو الاتحادية أو الجنائية أو الإدارية.
الاستفسار الثاني: هل من صلاحية المحكمة الاتحادية أن تعيد النظر في صحة أو عدم صحة عضوية أعضاء مجلس النواب؟
السؤال الثالث: البرنامج الحكومي، ألا يدخل ضمن مفهوم التوقع المشروع، هل يمكن أن نرفع دعوة على الحكومة وإنها لم تلتزم بالبرنامج الذي أعلنت عنه؟
- حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
توجد لديّ أسئلة حول هذا الموضوع:
هل أن قرار المحكمة الاتحادية هو قرار مهني، وهل هو جزء من مهام المحكمة الاتحادية؟، وإذا لم يكن من مهامها، فإلى من تعود مسؤولية قضية الانتماء لمجلس النواب؟
هل يتعارض قرار إقالة رئيس مجلس النواب مبدأ الفصل بين السلطات؟
ملخص الاجوبة
في ختام مداخلات الأساتذة الحاضرين، قدم الباحث الدكتور علاء الحسيني ملخّصا عن الأجوبة والاستفسارات التي وردت حول هذا الموضوع الهام فقال:
ما لاحظناه أن بعض الأشخاص من المهتمين طالبوا المحكمة العليا بالعدول عن رأيها، باعتبار أن المحكمة أقرت لنفسها في النظام الداخلي رقم واحد لسنة 2022 في المادة 45 بإمكانية العدول عن المبادئ التي تأتي بها في أحكامها، وقد استخدمته في كثير من الأحيان، لكن تعدل عن رأيها.
والمادة 45 للنظام الداخلي للمحكمة رقم واحد سنة 2022 منح المحكمة لضرورات دستورية أو ضرورات المصلحة العامة أن تعدل عن رأيها أو عن قرارها، لكن بشرط أن لا تمس الحقوق المكتسبة ولا أن تمس بالمصلحة العامة.
لكن هنا أتصوّر أن مسألة عدول المحكمة الاتحادية صعبة جدا، في هذه النقطة بالتحديد صعبة جدا، لأنه ليس هي التي فسرت مبدأ دستوري، حتى تعدل عن هذا المبدأ الدستوري، وإنما هي قامت بتثبيت حالة مخالفة، وبالتالي لو أننا نعود إلى سؤال الأستاذ حامد عبد الحسين بأن المحكمة الاتحادية هي المختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء حينما يُتّهمون بجرائم الخيانة العظمى، الحنث باليمين وانتهاك الدستور.
لكنها لم تُمنَح إمكانية أن تحاكم رئيس مجلس النواب أو أحد أعضاء مجلس النواب، لكن هذا مشروط بأن يحال عليها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء بقرار من البرلمان بالأغلبية المطلقة، هنا أصبح الأمر مختلفا، ليس اسمه مسألة محاكمة وإنما مسألة بتّ بصحة عضوية بالنسبة لليث الدليمي، ومسألة ثانية والتي هي مسألة ارتكاب مخالفة من قبل رئيس مجلس النواب، فأوقعت عليه عقوبة إنهاء العضوية.
فالمحكمة هنا توقفت عند شروط النائب في البرلمان، فعندما نرجع إلى قانون 9 سنة 2020 المعدل والذي هو قانون انتخابات مجلس النواب نجده وضع مجموعة من الشروط في المرشح، وهي أن يكون عراقيا كامل الأهلية أتم الثلاثين سنة من عمره، حائز على الشهادة الإعدادية، وأن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم عليه بجنحة أو جناية، فبمجرد أنه ثبت قيامه بعمل يرجّح بأن يكون تزويرا، فاختل به شرط الثقة والاعتبار.
وهنا تساءل الدكتور خالد العرداوي قائلا: لماذا لم تترك المحكمة الاتحادية مهمة إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب إلى مجلس النواب نفسه من خلال التصويت على إنهاء عضويته؟
فأجاب الدكتور الباحث علاء الحسيني: المشكلة أن المحكمة مختصة بصحة عضوية أعضاء مجلس النواب، وليس من صلاحياتها إنهاء العضوية، لكنها يمكن أن تقرر عدم صحة العضوية، وبهذا يجب على مجلس النواب يستبدِل مباشرة وفق قانون استبدال أعضاء مجلس النواب، إن المحكمة الاتحادية هي التي تصادق على نتائج الانتخابات، ثم بعد ذلك هي التي تفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، أي مرشح يخسر من الممكن له أن يطعن بصحة عضوية النائب الفائز.
هل يمكن لهذا المبدأ أن يتماشى مع جميع المحاكم بمختلف مستوياته:، الجواب نعم وخصوصا المحاكم الإدارية، لأن هذا المبدأ بدأ في المحاكم الإدارية أصلا، وهو التوقّع المشروع، فلما تفوّت الإدارة على المواطن فرصة، فتفويت الفرصة يعتبر مخالفة للتوقع المشروع.
بمعنى أن الإدارة هنا هي التي سوف تتحمل المسؤولية وتعوض ليس على أساس الخطأ، لأن التعويض عندما نريد أن نأخذه من الدولة، لابد أن يكون هناك خطأ، هنا هي سوف تعوّض على أساس المخاطر فقط، وليس على أساس الخطأ؟
هل يتعارض قرار المحكمة مع مبدأ الفصل بين السلطات؟، الجواب كلا لا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات، لأن المحكمة الاتحادية هنا استندت إلى ولايتها في تطبيق القانون وليس التدخل في عمل البرلمان باعتبار أنه يوجد لدينا مبدأ الفصل بين السلطات، وعندنا أيضا مبدأ توزيع الوظائف.
فأهم شيء لدينا هو أن يكون القضاء سلطة ويمارس وظيفة وليس هو مجرد أداء وظيفة، فإذا كان مجرد وظيفة معناها سوف تهيمن عليه السلطات الأخرى، وفي هذه الحالة من الممكن أن تكون المحكمة مسيَّسة ومهيمَن عليها.
اضف تعليق