يرى العديد من الخبراء ان تدهور الأوضاع الأمنية في القدس المحتلة بسبب اعمال العنف والاستفزاز والتحريض المستمر، الذي تقوم به قوات الاحتلال والمتطرفين اليهود يمكن ان يسهم بتعقيد الأمور و زعزعة الاستقرار في فلسطين والمنطقة بشكل عام.
حيث أثارت التطورات الأخيرة والانتهاكات والتهديدات المتواصلة التي يتعرض لها المسجد الأقصى، قلق العديد من الحكومات والمنظمات العالمية التي تخشى من تفاقم التوتر والصراع، الذي قد يتسبب بحدوث انتفاضة فلسطينية جديدة يصعب السيطرة عليها في مثل هكذا ظروف، ويرى بعض المراقبين ان السلطات الإسرائيلية قد سعت الى الاستفادة من بعض المشكلات السياسية والأمنية في المنطقة التي تشهد حالة من عدم الاستقرار الذي أسهم بأبعاد القضية الفلسطينية عن الاهتمام العربي والدولي ومكن إسرائيل من تنفيذ العديد من محطاتها التوسعية.
وقد أدى دخول الجماعات اليهودية باحات المسجد الأقصى إلى مواجهات مع الفلسطينيين بالتزامن مع بدء عدة أعياد يهودية متتالية، وهو ما يخشى الفلسطينيون أن يرافقه تكثيفا لدخول اليهود للمسجد الأقصى وزيادة التوتر فيه، والمسجد الأقصى يعد وبحسب بعض المصادر الاعلامية، قلب الصراع الذي يحمل أوجها أخرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ يعده الفلسطينيون المسلمون وقفا إسلاميا خالصا لا حق لأحد آخر فيه ويقع في قلب العاصمة الفلسطينية المنتظرة، ويرى فيه المتشددون اليهود جبل الهيكل الذي يجب أن يبنى ثانية ويقع في قلب العاصمة الإسرائيلية الموحدة.
وخلال 47 عاما على احتلال المسجد، حاولت الحكومة الإسرائيلية الحفاظ على ما يعرف بـ الوضع القائم، أي السماح للمسلمين بالصلاة فيه والسماح للإسرائيليين بزيارته ضمن برنامج السياحة الخارجي، لكن خلال السنوات القليلة الماضية أخذت جماعات يهودية متطرفة ومسؤولون بالمجاهرة بضرورة السماح لليهود كذلك بالصلاة في جبل الهيكل، وراح هؤلاء ينظمون زيارات استفزازية للأقصى ويطرحون على الكنيست الإسرائيلي قوانين لتقسيم المسجد وفرض السيادة الإسرائيلية عليه، وهو ما دق جرس الإنذار عند الفلسطينيين والمسلمين الذي حذروا صراحة من جر المنطقة إلى حرب دينية.
وقد نشرت إسرائيل مئات إضافية من أفراد الشرطة في القدس ومنعت دخول الرجال دون سن 40 عاما إلى المسجد الأقصى. وقررت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست (البرلمان) الإسرائيلي السماح للجيش باستدعاء أفراد من قوات الاحتياط لحرس الحدود إلى الخدمة بشكل فوري لمواجهة تصاعد الأوضاع الأمنية في القدس. وإلى جانب التوتر بشأن المسجد الأقصى يشعر الفلسطينيون بالغضب من اعتزام إسرائيل السماح لأفراد الشرطة وجنود الجيش بإطلاق النار على من يضبط وهو يرشق الحجارة على مركبات إسرائيلية.
تحذيرات وقلق
في هذا الشأن حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط من أن تؤدي الاشتباكات بين قوات الأمن الإسرائيلية وشبان فلسطينيين في باحة المسجد الأقصى في القدس، إلى أعمال عنف في منطقة الشرق الأوسط. وقال منسق الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف أمام مجلس الأمن الدولي "فيما يواجه الشرق الأوسط دوامة مفرغة من الإرهاب والتطرف، إن مثل هذه الاستفزازات الخطيرة يمكن أن تشعل أعمال عنف تتجاوز جدران المدينة القديمة في القدس".
ودعا ملادينوف إلى التهدئة قائلا من "الضروري الحفاظ على الوضع القائم التاريخي" الذي يسمح لليهود بزيارة الموقع دون ممارسة الصلاة. وأصيب 26 فلسطينيا نقل اثنان منهم إلى المستشفى وفق الهلال الأحمر الفلسطيني، بينما أصيب خمسة من رجال الشرطة الإسرائيليين وأعلنت الشرطة اعتقال أربعة أشخاص. من جانبه وصف السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور الوضع بأنه "بالغ الخطورة" متهما "متطرفين في الجانب الإسرائيلي بالسعي إلى فرض وجود يهودي" في الموقع. بحسب فرانس برس.
وحذر منصور من أن مثل هذه الخطوة ستسفر عن مواجهة دينية "تخلف تداعيات على كل أنحاء الشرق الأوسط ومناطق أخرى". وأكد للصحافيين أن "المواجهة الدينية هي ما يتمناه" تنظيم داعش المتطرف الذي يسيطر على مناطق شاسعة في العراق وسوريا. وتعقد الأمم المتحدة اجتماعا للجنة الرباعية حول الشرق الأوسط في 30 أيلول/سبتمبر على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
حرب دينية
من جانب اخر اتهمت منظمة التحرير الفلسطينية اسرائيل بـ"جر العالم الى حرب دينية"، من خلال اقتحامها المتواصل للمسجد الاقصى، في حين دعت وزارة الخارجية الفلسيطينية مجلس الامن الى التدخل. وطالبت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي في بيان "المجتمع الدولي والعالمين العربي والإسلامي، بتحمل مسؤولياتهم والتدخل العاجل للجم العدوان الإسرائيلي المستفز والمتواصل بحق المسجد الأقصى والمقدسات الدينية وأبناء شعبنا الأعزل في القدس".
كما طالبت عشراوي المجتمع الدولي "وقف محاولات إسرائيل لجر العالم الى حرب دينية بهدف خلق مزيد من الفوضى وعدم الإستقرار والعنف والتطرف". واضاف البيان "إن إسرائيل بانتهاكها لحرمة المقدسات الدينية تلعب بالنار وإن اقتحامها للمسجد الأقصى وباحاته وإلزامها للتقسيم الزماني والمكاني بالقوة عبر أجهزتها وأذرعها العسكرية كلها ممارسات تأتي في سياق استكمالها لمخططها التهويدي لضم المسجد الأقصى ومحيطه". واعتبر البيان ان "الإنتهاكات الإسرائيلية تهدف الى تدمير مقومات الدولة الفلسطينية وانهاء حل الدولتين على مرأى ومسمع من العالم".
من جانبها دانت وزارة الخارجية الفلسطينية الاجراءات الاسرائيلية في المسجد الاقصى. وجاء في بيان صادر عن هذه الوزارة انها "تدين بشدة امعان الحكومة الاسرائيلية في اجراءاتها التعسفية وسياساتها القمعية ضد القدس ومواطنيها ومقدساتها". واعتبر البيان "ان هذه الاجراءات باتت مكشوفة بشكل فاضح لا لبس فيه، سواء من ناحية التخطيط أو التوجيه أو الاشراف والتمويل وتوفير الحماية لعمليات الاقتحام المتواصلة للمسجد الاقصى المبارك".
وتابع"كما تدين الوزارة اعتداء قوات الاحتلال على الطواقم الصحفية والاعلامية وذلك في محاولة لمنعهم من مواصلة تغطيتهم لعمليات الاقتحام لباحات الحرم القدسي وعمليات التنكيل والاعتقال ضد المرابطين المدافعين عن المسجد الاقصى". وطالبت الوزارة "مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه هذا العدوان الاسرائيلي المستمر الذي يهدد الأمن والسلم ليس في فلسطين فحسب، بل وفي المنطقة والعالم، والذي يمثل دعوة مستمرة للحرب الدينية في المنطقة"
من جهة اخرى وصف الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى ما يجري بأنه "هجوم بربري وحشي من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي." وقال إن الوضع "بمشاركة وزراء من حكومة الاحتلال يزداد خطرا. المسؤولون في مقدمة الجماعات اليهودية المقتحمة للمسجد الأقصى. الأمر لا يتعلق فقط بالأحزاب والجماعات اليهودية وإنما يتعلق بمسؤولين إسرائيليين." وأضاف "هذا يؤكد ما نقوله إن الحكومة الإسرائيلية هي المسؤولة مسؤولية مباشرة ونحملها مسؤولية تدنيس المسجد الأقصى... وما يقوم به المرابطون ما هو إلا ردة فعل لما يجري من بطش ومن اقتحامات وانتهاك لحرمة الأقصى." بحسب فرانس برس.
وبدأت الاشتباكات الأخيرة بعد إعلان جماعات يهودية نيتها اقتحام المسجد الأقصى بشكل جماعي من أجل الصلاة فيه. وسبق ذلك قرار إسرائيلي باعتبار المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى جماعة خارجة عن القانون. وبالفعل اقتحمت مجموعات يهودية المسجد وكان من أبرز المقتحمين وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أرييل.
ويضغط يهود من القوميين المتطرفين على الحكومة الإسرائيلية كي تسمح بصلاة اليهود في الساحة خارج المسجد الأقصى. وكانت آخر مرة اندلعت فيها الاشتباكات بين الشرطة الاسرائيلية وشبان فلسطينيين خارج المسجد الاقصى في أواخر يوليو تموز مع تصاعد غضب المسلمين لوجود مصلين يهود في الموقع في العطلات اليهودية. وفي عام 2000 زار أرييل شارون الذي كان آنذاك زعيما للمعارضة في اسرائيل المجمع. وأغضبت هذه الزيارة الفلسطينيين واشعلت انتفاضة عرفت أيضا باسم انتفاضة الاقصى. واستمرت خمس سنوات وأسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف فلسطيني و1000 اسرائيلي. ويريد الفلسطينيون القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل بعد حرب عام 1967 عاصمة لدولتهم التي يطمحون لاقامتها في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. وتعتبر اسرائيل مدينة القدس كلها عاصمتها الأبدية غير القابلة للتقسيم وهو زعم غير معترف به دوليا. وانهارت محادثات السلام بين الجانبين في عام 2014.
عمل استفزازي
من جانب اخر نددت الولايات المتحدة ب"كل اعمال العنف" في باحة المسجد الاقصى داعية اسرائيل والفلسطينيين الى تجنب اي "عمل استفزازي". واعرب المتحدث باسم الخارجية الاميركية جون كيربي في بيان قراه خلال مؤتمر صحافي عن "القلق الشديد" للولايات المتحدة وناشد الطرفين "الحفاظ على الوضع الراهن" في باحة المسجد الاقصى القائم منذ العام 1967. وقال كيربي "ندين بقوة كل اعمال العنف. ان التزام كل الاطراف المعنيين ضبط النفس وامتناعهم عن اي عمل وخطاب استفزازي هو امر مطلوب بالحاح".
على صعيد متصل قال الملك عبد الله عاهل الأردن إن الأفعال الإسرائيلية مستفزة وقد تؤثر سلبا على العلاقات بين البلدين. ونقلت عنه وكالة الأنباء الأردنية قوله "ينتابنا في الأردن القلق والغضب الكبيرين بسبب التصعيدات الإسرائيلية الأخيرة في القدس وخصوصا في المسجد الأقصى." وأضاف "إن استمرت هذه الأمور وإن استمرت الاستفزازات في القدس... فإن ذلك سيؤثر على العلاقة بين الأردن وإسرائيل." وتابع الملك عبد الله الذي تتولى بلاده الإشراف على المسجد الأقصى بناء على اتفاقية موقعة مع السلطة الفلسطينية "لن يكون أمام الأردن خيار إلا أن يتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة." ولم يذكر تفاصيل. بحسب رويترز.
كما أدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أفعال إسرائيل. وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية إن الرئيس الفلسطيني والعاهل الأردني ناقشا الأحداث في اتصال هاتفي. وقال أبو ردينة في بيان إن الحرب الدينية "الاسرائيلية" ستجر المنطقة إلى قتال لا نهاية له. ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بمحاولة تقسيم المسجد الأقصى زمانيا بين المصلين المسلمين واليهود بحيث يتم تخصيص وقت محدد لدخول المصلين اليهود دون السماح بوجود مصلين مسلمين في ذات الوقت.
صلوات اليهود
في السابعة والنصف من كل صباح يضع مراد حمد كرسيا بلاستيكيا مهلهلا في الظل بمدخل باب المغاربة أحد مداخل المسجد الأقصى بالقدس وينتظر وصول السياح. ومهمة حمد هي المساعدة في الحفاظ على السلم في واحد من أقدس الأماكن في العالم إذ يسميه المسلمون الحرم القدسي ويقدسه اليهود ويطلقون عليه جبل الهيكل.
ولا يعبأ حمد كثيرا بالسياح الذين أكسبت أشعة الشمس بشرتهم سمرة. لكنه يهتم اهتماما خاصا بجماعات اليهود المتدينين والقوميين الإسرائيليين الذين يحاولون معظم الأيام دخول الحرم للصلاة. وهذه الجماعات هي محور تحول يزحف ببطء في القدس. فبعد 900 عام بدأ اليهود يعملون على النيل من استئثار المسلمين بالسيطرة على الحرم الذي يعتبره المسلمون ثالث المساجد التي يشد إليها الرحال.
وينذر هذا التحول الذي كان سببا في تفجر أعمال عنف في الماضي بفتح جبهة جديدة خطيرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لتضيف بعدا دينيا للصراع السياسي على المدينة. ومنذ عام 1187 منعت الصلاة لغير المسلمين في المسجد الأقصى. ويرى حمد مثل غيره من المسلمين في مختلف أنحاء المنطقة ونحو 70 حارسا آخر معينين من قبل مؤسسة الاقصى للوقف والتراث التي تشرف على المسجد أن صلاة اليهود في المسجد إساءة خطيرة.
ويظل خطر المواجهة محدودا ما دامت الجماعات التي تنادي بالحق في الصلاة من غير الجماعات الرئيسية في اليهودية. وقبل نحو عشر سنوات يدخل الحرم كل يوم عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من اليهود المتدينين. ومحاولات الصلاة في المسجد نادرة. في عام 2007 أصدرت رئاسة الحاخامين في اسرائيل قرارا أن على اليهود ألا يزوروا الموقع لأنه شديد القدسية. غير أنه في السنوات الأخيرة تحولت القلة المتشددة على نحو متزايد إلى الاتجاه الغالب واجتذبت أنصارا قوميين وعلمانيين بل وتأييدا من ساسة معروفين.
ومن الممكن أن يصل 100 يهودي أو أكثر إلى المسجد في بعض الأيام في مجموعات كبيرة منظمة. وفي العام الماضي قال يوسي فارنتي الذي كان رئيسا للشرطة في القدس آنذاك أمام لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الإسرائيلي إن عدد اليهود الزائرين للمسجد زاد بنسبة 27 في المئة في النصف الأول من 2014. وأضاف "حدث بالفعل تدهور في السنوات القليلة الماضية لما يجري في جبل الهيكل. هذه حقيقة واقعة. ولا أحد يختلف في ذلك. وبوسعكم أن تروا ذلك من خلال الأعداد."
وخالف عدد متزايد من الحاخامين رئاستهم وقالوا إن من الأولى تشجيع الزيارات لقدسية الموقع. ويغمغم الزائرون اليهود بصلواتهم همسا وهم يسيرون حفاة الأقدام على الأحجار القديمة إجلالا لقدسية المكان. ويشن عدد من الجماعات التي يتلقى بعضها تمويلا كبيرا من يهود المهجر حملات لتيسير زيارة الحرم الذي يعتقد اليهود أنه كان النقطة التي بدأ الله منها خلق الكون وموقع ثاني هيكل يهودي حتى سنة 70 ميلادية.
وتريد هذه الجماعات منح اليهود حق الصلاة إلى جانب المسلمين. بل إن بعضها يريد بناء هيكل جديد وقد صنع آنية قدسية من الذهب والفضة وأردية كهنوتية خيطت يدويا استعدادا لليوم المنتظر. ويربي آخرون عجولا حمراء على أمل أن يولد واحد دون بقعة بيضاء يمكن التضحية به في الهيكل كما ورد في سفر العدد. ويخشى المسلمون الفلسطينيون وغيرهم في المنطقة أن تتسرب السيطرة على الحرم من بين أيديهم. وقال حمد حارس الوقف "يريدون تغيير القواعد."
وفي متنزه على المشارف الشرقية للحي القديم في القدس حيث جبل الزيتون وبستان جشيماني توجد بضع قطع من الاراضي يعد الصراع عليها أشد من الصراع على الحرم الذي تبلغ مساحته 35 فدانا. وكانت اللحظة الحرجة في العصر الحديث هي استيلاء اسرائيل على المدينة القديمة خلال حرب عام 1967. وبالنسبة ليهود إسرائيل ربطت السيطرة على القدس القديمة السياسة بالدين بفكرة الدولة اليهودية.
وعقب هذا النصر تدفق عشرات الآلاف على الحائط الغربي الذي يعتقد أنه آخر جزء متبق من الهيكل اليهودي الثاني الذي بني قبل 2500 سنة. وكانت تلك أول مرة يزور فيها المتدينون اليهود الموقع بأعداد كبيرة منذ تدمير الهيكل. غير أنه بعد أيام وبموافقة رئيسة الوزراء توجه وزير الدفاع موشي ديان إلى أئمة الوقف الاسلامي وسلمهم مفاتيح المسجد. وكتب ديان في مذكراته يقول "قلت إنه سيتم إبعاد القوات الاسرائيلية عن الموقع وسترابط خارج الحرم. السلطات الاسرائيلية مسؤولة عن الأمن العام لكننا لن نتدخل في الشؤون الخاصة للمسلمين المسؤولين عن مقدساتهم. "لم تكن لدينا النية للسيطرة على الأماكن المقدسة أو التدخل في حياتهم الدينية."
وبمرور الوقت ترسخ أمر واقع سمح فيه لليهود بدخول المنطقة والتجول فيها لكن حرمت عليهم الصلاة. وتسهم الشرطة الاسرائيلية وبعض قوات الجيش في توفير الأمن لكن مؤسسة الوقف هي التي تدير الحرم. وجرت بعض المحاولات المبكرة لتغيير ذلك الوضع. ففي الثمانينات تآمرت جماعة إرهابية يهودية لنسف قبة الصخرة وإقامة هيكل محلها. وأحبطت وكالة المخابرات الداخلية الاسرائيلية (شين بيت) هذه الخطة.
وفي السنوات الأخيرة غيرت الجماعات التي أقسمت على تغيير الأمر الواقع رأسا على عقب استراتيجيتها وأصبحت أكثر تنظيما وكسبت نفوذا ودعما من متبرعين. ورغم أنه ما زالت هناك عناصر متطرفة ومواجهات لفظية وبدنية مع المسلمين في الأقصى فإن هذه الجماعات تحاول تصوير الأمر على أنه حرية دينية وتجادل أن من حق اليهود أداء الصلاة مثل المسلمين. وأبرز المؤيدين للنهج الجديد هو يهودا جليك الحاخام الأمريكي المولد ذو اللحية الحمراء الذي أقام مؤسسة تراث جبل الهيكل عام 2007 وأصبح الآن متحدثا باسم عدة منظمات ينصب اهتمامها على "جبل الهيكل".
وجليك البالغ من العمر 49 عاما أب لثمانية أطفال وقد أصبح شخصية محورية لهذه الحركة وكثيرا ما تنشر صوره مع أنصاره أو وهو يعكف على دراسة صور لهيكل جديد يسعى لبنائه. وفي عام 2013 وكذلك في 2014 ألقت الشرطة القبض عليه بعد مواجهات في الأقصى ومنعته من زيارته. ورفع دعوى قضائية وكسبها إذ سمح له حكم المحكمة بالعودة للزيارة مرة كل شهر تحت رقابة مشددة.
وفي أكتوبر تشرين الأول الماضي تفجر غضب المسلمين من وجود مصلين يهود ونشبت اشتباكات. وأطلق فلسطيني أربع رصاصات على جليك وهو يغادر مؤتمر في وسط القدس. وبعد عشرة أيام قضاها في غيبوبة وعمليات جراحية أجراها جراح مسلم لإنقاذ حياته عاد جليك من جديد. وقال وهو في مرحلة العلاج من إصاباته "أنا أحترم حق المسلمين في الصلاة. لكن لا يوجد سبب في العالم ألا يحق لليهود الصلاة في المكان الوحيد المقدس عند الشعب اليهودي." وأضاف "جبل الهيكل هو أقدس الأماكن في العالم وفقا للكتاب المقدس ويجب أن تتاح حرية الصلاة لكل المؤمنين من اليهود والمسيحيين والمسلمين."
غير أن الشيخ محمد أحمد حسين مفتي القدس ورئيس مؤسسة الوقف لا يرى الأمر على هذا النحو. ويمثل الشيخ محمد الذي يتولى هذا المنصب- المتوارث دون انقطاع منذ القرن الثاني عشر- أعلى سلطة دينية في الأقصى وبحوزته مفاتيح المسجد. وهو يعتقد أن السابقة المتمثلة في استمرار ممارسة الشعائر الدينية أكثر من 800 عام لا جدال فيها. وقال "لا أحد سوى المسلمين يسمح له بأداء أي صلاة في الحرم". وأضاف "صلاة اليهود في الاقصى ليست إهانة بقدر ما هي عدوان. وإذا حاول اليهود الصلاة في الأقصى فلن يؤدي ذلك إلا لمزيد من التوترات في المنطقة."
وهذا ينطوي على مشكلة كبيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقد قال نتنياهو الاسرائيلي مرارا إنه يجب ألا تتغير الترتيبات التي تحكم الأقصى منذ عام 1967. غير أنه بعد إصابة جليك بالرصاص أغلقت السلطات الاسرائيلية مؤقتا كل المنافذ المؤدية للحرم بما في ذلك أمام المسلمين. واحتجاجا على ذلك سحب الأردن سفيره من تل أبيب وكانت تلك هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ توقيع معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994.
وللأردن مسؤولية خاصة تجاه الأقصى منذ حرب 1967. فقد مولت المملكة الهاشمية الوقف وسددت كلفة ترميمات في المسجد وقبة الصخرة. وتردد صدى الغضب الأردني في مصر والسعودية وغيرها ما أثار قلق نتنياهو على الاستقرار الاقليمي. وعزز نتنياهو الأمن الاسرائيلي حول القدس القديمة في خطوة رأى فيها الفلسطينيون دليلا على أن التغيير قادم.
بعد مرور ستة أشهر يبدو الوضع أهدأ رغم أن التوترات باقية. وعلى مدى خمسة أيام كل أسبوع - إذ لا يسمح بدخول المسجد أيام الجمعة والسبت - ينضم يهود متدينون من القوميين إلى السياح الأجانب في السير على الجسر الخشبي المغطى عبر بوابة المغاربة وهي البوابة الوحيدة من بين 11 بوابة قديمة التي يسمح لغير المسلمين باستخدامها للدخول إلى ساحة الحرم.
وينظم الحراس الاسرائيليون اليهود في مجموعات كل منها من عشرة أفراد ويصادرون ما بحوزتهم من ملابس للصلاة أو متعلقات دينية خلال فترة الزيارة ثم يخصصون لهم مرافقين من الشرطة الاسرائيلية. وعلى رأس الجسر حيث تحتفظ القوات الاسرائيلية بعشرات من دروع مكافحة الشغب وغيرها من العتاد الأمني ينضم حراس الوقف إلى الجماعات اليهودية. وتقود الشرطة الاسرائيلية الزائرين في تجوالهم بينما يسير حراس الوقف على مسافة منهم.
وفي إحدى الزيارات مؤخرا خر أحد الشبان اليهود المتدينين في سن المراهقة على الأرض راكعا في وضع الصلاة وقد وضع غطاء الرأس اليهودي بينما تدلت خصلات طويلة من شعره على جانبي وجهه. وسارعت الشرطة إلى دفعه للنهوض على قدميه وحذرته من أنه سيطرد إذا حاول أن يعاود الصلاة. وبينما كانت المجموعة تمر أمام المسجد الأقصى حثتها الشرطة على عدم الاقتراب منه. وتجاهل عدد من أفرادها التحذيرات وخطوا صوب الرواق حيث يدخل الرجال والنساء من المسلمين من أبواب مختلفة.
وبدأت مجموعة من النساء المحجبات والمنتقبات يهتفن "الله أكبر" بأعلى أصواتهن احتجاجا على وجود المجموعة. ومع ابتعاد المجموعة اليهودية عن المسجد إلى بستان من الأشجار على الجانب الشرقي من الساحة ترك أفرادها وحدهم حيث بدأت الصلاة خلسة. وكتب الحاخام الأمريكي إفريم جولدبرج مقالا روى فيه وقائع زيارة قام بها للحرم العام الماضي وصف فيه شعوره أن المسلمين كانوا يخيفونه هناك. وقال "في لفتة تحد صغيرة ظللنا نصلي سرا وعندما توقفنا أمام قدس الأقداس" حيث يعتقد اليهود أن تابوت العهد كان قائما "منحنا (الحاخام) دانييل كاتز البركة الكهنوتية."
وسار عدد يقدر بنحو 30 ألف يهودي يلوحون باللافتات ويحملون أعلام إسرائيل عبر المدينة القديمة احتفالا بيوم القدس وفقا للتقويم العبري. واشتبك محتجون فلسطينيون مع المتظاهرين اليهود وهم يتزاحمون على الحائط الغربي. وينتقد بعض اليساريين الإسرائيليين هذا الاحتفال ويصفونه بأنه استفزاز. أما بالنسبة للمؤيدين فإن هذه المسيرة تمثل فرصة لتأكيد الوجود اليهودي في البلدة القديمة. وقال نتنياهو في إحدى خطبه إن "حرية العبادة لكل الأديان في القدس لن تتاح إلا في ظل الحكم الاسرائيلي. فالمؤمنون يصلون في مواقعهم المقدسة بفضل حكمنا وليس رغما عن أنفنا." ويعتقد بعض الفلسطينيين أنها مسألة وقت قبل أن يقترح أنصار "جبل الهيكل" في الحكومة الإسرائيلية تقسيم أوقات الصلاة بما يمنح المسلمين ساعات معينة للصلاة ولليهود ساعات غيرها. بحسب رويترز.
وقال جليك إن الزخم ينطلق في اتجاه واحد. وأضاف "الهيكل الثالث - الذي سيكون بيتا للعبادة لكل الأمم - سيبنى قريبا جدا". والحارس حمد مقتنع أن الأزمة قادمة إذ يقول إنه شهد تغيرا مطردا خلال السنوات العشر التي قضاها كحارس من حراس الوقف. ويضيف حمد البالغ من العمر 36 عاما "الوضع سينفجر. هذا مؤكد."
اضف تعليق