قضية الهجرة إلى أوروبا تحتل اليوم وبحسب بعض الخبراء اهتمام عالمي خاص ومتزايد، بسبب حساسية وخصوصية هذه القضية الخطيرة، التي أصبحت موضوع جدل ونقاش واسع في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصا مع ارتفاع أعداد المهاجرين الفارين من ويلات الحرب والفقر، حيث وصلت أعداد اللاجئين والمهاجرين وكما تشير بعض تقارير منظمة الدولية للهجرة الى أرقام قياسية أسهمت بزيادة الخوف القلق لدى العديد من الحكومات والمنظمات الدولية، خصوصا في ظل تكرار حوادث الغرق التي نجم عنها مئات الضحايا وتفاقم المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها المهاجرين، من قبل مافيا التهريب او بسبب القوانين والإجراءات المتشددة التي تتبعها بعض الدول الأوربية لأسباب أمنية او اقتصادية، وهو ما عرضها لانتقادات دولية كبيرة خصوصا وان بعض تلك الدول قد سعت الى التميز في قبول طلبات اللجوء لأهداف سياسية وانتخابية في ظل تنامي الفكر اليميني المتطرف. وكانت منظمة الهجرة الدولية ذكرت أن أكثر من 2700 مهاجر لقوا حتفهم في البحر المتوسط منذ بداية العام من أصل 430 ألفا قاموا بعبوره بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.
850 ألف
وفي هذا الشأن فقد قالت الأمم المتحدة إنه من المتوقع أن يعبر 850 ألف شخص على الأقل البحر المتوسط سعيا إلى اللجوء في أوروبا هذا العام والعام القادم وهي تقديرات تبدو بالفعل متحفظة. ودعت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى انتهاج سياسات أكثر تماسكا بشأن اللجوء لمعالجة مشكلة الأعداد المتزايدة من اللاجئين.
وقالت المفوضية إن الكثيرين لاجئون من سوريا اضطرهم إلى القيام بهذه الرحلة اشتداد القتال هناك وتدهور أوضاع اللاجئين في البلدان المجاورة بسبب مشكلات نقص التمويل لبرامج المساعدات. وقالت المفوضية في وثيقة أولية "في عام 2015 تتوقع المفوضية أن يسعى ما يقدر بنحو 400 ألف وافد جديد للحصول على حماية دولية في أوروبا عن طريق عبور البحر المتوسط. وفي عام 2016 قد يصل هذا العدد إلى 450 ألفا أو أكثر."
وقال المتحدث وليام سبيندلر إن التنبؤ الخاص بالعام الحالي يوشك أن يتحقق إذ قام 366 ألف شخص بالرحلة فعلا. وسيتوقف الرقم النهائي على ما إذا كان المهاجرون سيتوقفون عن القيام بالرحلة مع اشتداد البرد وزيادة مخاطر الظروف البحرية. وحتى الآن لا يبدو أن أعداد المهاجرين تناقصت مع اقتراب أشهر البرد ويبدو أن الكثيرين قد تشجعوا بإعلان المانيا عن عزمها تخفيف القواعد الخاصة بالسوريين طالبي اللجوء الذين يصلون أولا إلى الاتحاد الأوروبي من خلال بلدان أخرى.
وقالت المفوضية إن عددا قياسيا كبيرا ليوم واحد هو سبعة آلاف لاجئ سوري وصلوا إلى جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية سابقا وأن 30 ألفا وصلوا إلى جزر يونانية معظمهم في جزيرة ليسبوس. ويصل الكثيرون إلى اليونان أولا ثم يغادرون الاتحاد الأوروبي للسفر عبر البلقان إلى المجر ومنها إلى المانيا. وقالت ميليسا فليمنج المتحدثة باسم المفوضية في افادة صحفية في جنيف "تأخذ المناقشات الدائرة في أوروبا طبيعة أكثر إلحاحا لأنه من الواضح انه لا يمكن أن تقدم ألمانيا حلا لمشكلة أوروبية."
ودعا انتونيو جوتيريس رئيس المفوضية إلى زيادة السبل القانونية التي يمكن بها للاجئين الوصول إلى أوروبا مثل زيادة عدد تأشيرات الدخول وسبل لم شمل اللاجئين مع أسرهم. وقال "إنني مقتنع بأنه لو وجدت الأدوات المناسبة فسيكون تدبر هذا الأمر أيسر كثيرا."
وكانت ألمانيا ابلغت شركاءها الأوروبيين إنه يجب عليهم استقبال المزيد من اللاجئين لأنها تتعامل مع أعداد قياسية كبيرة من طالبي اللجوء. ومن المتوقع أن تكشف المفوضية الأوروبية -وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- عن برنامج سيعيد توزيع 160 ألفا من طالبي اللجوء الذين يصلون إيطاليا والمجر واليونان. ودعا بيتر ساذرلاند الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الهجرة والتنمية إلى استحداث "نظام متناسق" و "توزيع عادل" لطالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي.
وقال إن "قواعد دبلن" التي تقضي بأن يتقدم اللاجئون بطلب اللجوء في أول بلد يصلون إليه في الاتحاد الأوروبي سيتعين تعديلها وإلا فإنها تنذر بإفساد مبادئ حرية السفر دون تأشيرات داخل منطقة شنجن في أوروبا. وأضاف قوله إنه يجب على بلدان أخرى منها الولايات المتحدة ودول الخليج الغنية واليابان ان تضطلع بمسؤولياتها.
وكان قرار ألمانيا بفتح أبوابها لدخول السوريين الذين وصلوا إلى أماكن أخرى في الاتحاد الأوروبي قد سلط الأضواء على الأزمة وحدث الأثر نفسه بعد نشر صور لطفل سوري غريق على شاطئ تركي والتي ظهرت في الصفحات الأولى للصحف في أنحاء القارة. وتتوقع ألمانيا وحدها 800 ألف طلب لجوء هذا العام منهم الذين عبروا البحر المتوسط وآخرون من دول البلقان وبعض الذين وصلوا في سنوات سابقة.
وكررت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل أن أوروبا بحاجة إلى تطبيق نظام مشترك في التعامل مع طالبي اللجوء والاتفاق على حصص ملزمة لتوزيع اللاجئين في أنحاء القارة. وقالت في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء السويد ستيفان لوفين في برلين "لا يمكن أن يكون النظام الأوروبي المشترك بخصوص طالبي اللجوء مجرد حبر على ورق يجب أن يوضع موضع التنفيذ.. أقول هذا لأنه يحدد الحد الأدنى من المعايير لاستيعاب اللاجئين ومهمة تسجيلهم." وقال لوفين "مسؤوليتنا أخلاقية. إنها مسؤولية إنسانية. يجب أن نضطلع بها سويا. توجد 28 دولة في الاتحاد الأوروبي عليها مسؤولية واحدة."
وقال زيجمار جابرييل نائب ميركل إنه إذا واصلت الدول في شرق أوروبا وأماكن أخرى مقاومة قبول حصتها العادلة من اللاجئين فان نظام شنجن في أوروبا سيكون معرضا للخطر. وفي الوقت نفسه قالت النمسا إنها ستقوم بتحسين تدابير المعيشة لطالبي اللجوء مع اقتراب الشتاء وتزيد الطاقة الاستيعابية في مراكز دراسة طلبات اللجوء توقعا لوصول عشرات الآلاف من الوافدين الجدد. ورفضت الدول الصغرى في وسط الاتحاد الأوروبي وشرقه أي حصص إلزامية من المهاجرين مع استعداد المفوضية الأوروبية لتقديم برنامج لهذه الغاية.
وقالت رئيسة وزراء بولندا إيفا كوباتش إن بلادها قد تستقبل عددا من اللاجئين أكبر من الألفين الذي أعلنت عنه في وقت سابق ولكن بشروط معينة. وقالت كوباتش "إمكانياتنا أكبر من الألفين التي أعلنا عنها لكن الشروط التي حددناها يجب أن تتيح لمن سيأتون أن يشعروا بالأمان وان يقول البولنديون إن السلطات حرصت على ألا يتزعزع استقرارهم." أما بريطانيا المستثناة من سياسات الاتحاد الأوروبي المشتركة والخاصة باللجوء فقد أعلنت أنها ستستقبل آلافا من اللاجئين بشكل مباشر من مخيمات في المنطقة ولكن ليس من بين الذين وصلوا إلى بلدان أخرى في الاتحاد.
واستقبلت بريطانيا أعدادا من السوريين أقل من البلدان الأخرى للاتحاد الأوروبي لكنها قدمت أكبر مساعدات مالية بين بلدان أوروبا للمنطقة مجادلة بأن هذه المساعدة لملايين السوريين المشردين أكثر فعالية من استقبال الآلاف كلاجئين. واربعة ملايين سوري مسجلون كلاجئين في تركيا ولبنان والأردن والعراق. وهناك ثمانية ملايين آخرين مهجرين داخل سوريا نفسها. ورحبت فليمنج بالعروض المنفصلة التي أعلنتها بريطانيا وفرنسا باستضافة لاجئين سوريين لكنها قالت إنه يجب اقامة مراكز للاستقبال في دول من بينها المجر واليونان وايطاليا للتعامل مع طلبات اللجوء.
وقالت فليمنج "هذا لن ينجح إلا بوجود نظام مضمون لإعادة التوطين حيث تعلن الدول الأوروبية موافقتها على استضافة عدد معين من اللاجئين. نعتقد أنه يجب أن يكون 200 ألف هذا هو العدد الذين نعتقد أنه بحاجة إلى إعادة التوطين في دول أوروبا." وأشارت فليمنج إلى أن عدد سكان أوروبا نصف مليار نسمة وقالت "إنها مشكلة يمكن معالجتها لو وجدت الإرادة السياسية." بحسب رويترز.
ودعت أيضا إلى زيادة المساعدات لبرامج الأمم المتحدة من أجل السوريين المشردين داخل الشرق الأوسط قائلة إن مشكلات التمويل تخلق ظروفا تشجع اللاجئين على ترك المخيمات إلى أوروبا. وقالت بتينا لوشر المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن عملية البرنامج لإطعام السوريين تتكلف 26 مليون دولار أسبوعيا لكنها خفضت حصص الغذاء التي تقدم إلى 1.3 مليون لاجئ بسبب نقص التمويل. وقالت "اللاجئون الآن يعيشون على نحو 50 سنتا في اليوم في تلك البلدان حول سوريا."
التمييز بين المهاجرين
الى جانب ذلك دعا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الأوروبيين إلى عدم التمييز بين المهاجرين الذين يودون استقبالهم بناء على ديانتهم أو معتقداتهم، كما حث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى توزيع 160 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا في خطوة أولى عاجلة قبل إيجاد آلية توزيع "دائمة" وإلزامية. وقال يونكر "ثمة 160 ألف (شخص) يترتب على الأوروبيين احتضانهم .. ويجب أن يتم ذلك بصورة إلزامية". وأضاف "ليس هناك ديانة أو معتقد أو فلسفة حين يتعلق الأمر بلاجئين. إننا لا نميز".
ويأتي رقم 160 ألف لاجئ من ضم اقتراح سابق بتوزيع 40 ألف لاجئ وصلوا إلى الأراضي الأوروبية واقتراح جديد عاجل باستقبال 120 ألف مهاجر موجودين حاليا في إيطاليا واليونان والمجر. وأقر يونكر بأن "الأرقام هائلة" مذكرا بأن حوالي 500 ألف لاجئ وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي منذ مطلع السنة "لكن الوقت ليس مناسبا للهلع" وإنما "يجب القيام بأعمال جريئة وحازمة للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ومؤسساته". بحسب فرانس برس.
وبعد توزيع 160 ألف لاجئ في ما وصفه يونكر بإجراء عاجل، شدد على أن يضع الاتحاد الأوروبي "آلية دائمة" لتوزيع اللاجئين "تسمح لنا بمواجهة (أي أزمة) بشكل أسرع في المستقبل". وفيما تتزايد الانتقادات لاتفاقات شنغن التي تنظم حرية التنقل في أوروبا أكد رئيس المفوضية الأوروبية أنه لن يتم إعادة النظر في هذه الأنظمة خلال ولايتاه. وقال من جهة أخرى "ينبغي تعديل قانوننا الداخلي للسماح للمهاجرين بالعمل فور وصولهم إلى أراضي الاتحاد الأوروبي" داعيا كذلك إلى إيجاد "سبل قانونية" للهجرة بشكل عاجل.
من جانبه اعتبر برنار كازنوف وزير الداخلية الفرنسية ء تصريحات بعض رؤساء البلديات في فرنسا حول استقبال اللاجئين شريطة أن يكونوا من المسيحيين تمييزا "مضرا"، مشيرا إلى أن اضطهاد المسلمين وأقليات أخرى في الشرق الأوسط يتم بالدرجة نفسها من الوحشية. وقال كازنوف إن "هذا التمييز لا أفهمه، بل أدينه ويبدو لي مضرا". وأضاف "هناك وضع في سوريا تضطهد فيه مجموعة كبيرة من الأقليات". وتابع "يجب استقبال مسيحيي الشرق لكن هناك مسلمين مضطهدين وأقليات أخرى كذلك بالدرجة نفسها من الوحشية".
وذكر ببنود إعلان حقوق الإنسان والمواطن التي تقضي "بإيواء أي مضطهد". وقال إنه "على فرنسا أن تتمكن من استقبال المضطهدين في مدنها أيا تكن دياناتهم وتاريخهم". وكان عدد من رؤساء البلديات الفرنسيون اقترحوا استقبال لاجئين في مدنهم شرط أن يكونوا مسيحيين. وتحدث أحدهم عن خطر "الإرهاب" لتبرير هذا الاقتراح. وقال رئيس بلدية روان (وسط) إيف نيكولان النائب عن المعارضة اليمينية إن مدينته "يمكن أن تستقبل حتى عشر أسر شرط أن تكون من اللاجئين المسيحيين المضطهدين من قبل تنظيم "داعش". من جهته، أكد داميا ميسلو رئيس بلدية بيلفور (شرق) والنائب في المعارضة اليمينية أيضا أنه "يفكر في استقبال عائلات مسيحيين سوريين ومن مسيحيي العراق" لأنهم "الأكثر تعرضا للاضطهاد".
قبول اللاجئين انتصار لداعش
في السياق ذاته حذرت فرنسا من أن قبول أوروبا كل اللاجئين المضطهدين من قبل مقاتلي تنظيم داعش في سوريا والعراق سيكون خطأ و دعت إلى وضع خطة عمل لضمان بقاء تنوع الشرق الأوسط رغم الأزمة المتصاعدة. والتقى مسؤولون من نحو 60 دولة من بينهم وزراء من العراق والأردن وتركيا ولبنان في باريس لتعزيز تدابير ترمي إلى تيسير عودة اللاجئين وتشجيع حكومات المنطقة على دمج الأقليات في الحياة السياسية وضمان عدم إفلات أحد من العقاب في الجرائم التي ترتكب ضد الانسانية.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لمحطة (ار.تي.ال) الاذاعية "هذا صعب جدا ولكن لو جاء كل هؤلاء اللاجئين إلى أوروبا أو مناطق أخرى يكون تنظيم داعش قد انتصر." و"هدف (هذاالمؤتمر) هو أن يبقى الشرق الأوسط كما هو منطقة تنوع يتواجد فيها مسيحيون ويزيديون ..الخ." ويقول دبلوماسيون فرنسيون إنه يجب أن يدرس المؤتمر أيضا التعهدات المالية التي يمكن استخدامها لتحسين وضع اللاجئين في الدول المجاورة والتي تتراوح بين إعادة بناء البنية الأساسية وإعادة الخدمات الأساسية أو تدريب الشرطة المحلية. بحسب رويترز.
وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند "هناك حاجة انسانية ملحة." "إذا لم نقدم مزيدا من المساعدات للدول التي تستقبل (اللاجئين) وإذا لم نعط مزيدا من المساعدات للأسر الموجودة في مخيمات اللاجئين أو المشردة في دول مجاورة فحينئذ لن تكون هناك مآس فقط ..ولكن سيحدث هذا النزوح الجماعي." وكان أولوند قد قال إن باريس ستبدأ طلعات جوية استطلاعية فوق سوريا بهدف شن ضربات جوية ضد تنظيم داعش. وتعتزم فرنسا أيضا استقبال نحو 24 ألف لاجيء سوري من مخيمات في الشرق الأوسط خلال العامين المقبلين.
استقبال بارد
على صعيد متصل وعندما يعد مواطنو سلوفاكيا موائدهم لعشاء عيد الميلاد يضعون في العادة طبقا إضافيا على المائدة لأي ضيف غير متوقع ربما يكون في احتياج لهذا العشاء. لكنهم لم يظهروا شيئا من حسن الضيافة هذا تجاه المهاجرين الساعين لطلب اللجوء في وسط أوروبا هربا من الحروب والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا. ويبلغ عدد سكان سلوفاكيا 5.4 مليون نسمة يجمعهم انتماء قوي للكنيسة الكاثوليكية وهي تمثل مجتمعا متجانسا إلى حد كبير لم يكن من قبل وجهة للمهاجرين. وتقول الحكومة اليسارية إنها تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه فيما يمثل تحديا لخطة يبحثها زعماء أوروبا تقبل بموجبها كل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 28 دولة حصة من طالبي اللجوء كوسيلة للتصدي لأسوأ أزمة لاجئين تواجهها أوروبا منذ حروب يوغوسلافيا في التسعينات.
وطبقا للخطة التي وضعتها المفوضية الأوروبية فإن سلوفاكيا مطالبة باستقبال 2287 مهاجرا من المرجح أن يكون كثير منهم من المسلمين. وقد عرضت براتيسلافا قبول 200 مهاجر فقط وأثارت الدهشة عندما قالت إنها تفضل أن يكونوا مسيحيين. وهناك دول أخرى في وسط أوروبا وشرقها تمانع بالقدر نفسه فيما يجدد انشطارا بين دول أوروبا "القديمة" مثل ألمانيا وفرنسا التي اعتادت على الهجرة إليها من قارات أخرى وأوروبا "الجديدة" من أمثال الدول الشيوعية السابقة التي لم تعتد على الهجرة.
وقالت إيلينا كريجليروفا رئيسة مركز أبحاث الأعراق والثقافات في براتيسلافا "الخط الفاصل يفرق بين دول ما بعد الشيوعية مثل سلوفاكيا وجمهورية التشيك وبولندا والمجر وبين دول غرب أوروبا." ويبلغ عدد الأجانب المقيمين في سلوفاكيا 1.4 في المئة من السكان فقط. وهي واحدة من ست دول أعضاء في الاتحاد الاوروبي توجد بها أقل نسبة من الوافدين وكلها من الدول التي حصلت على العضوية حديثا. ومنذ تأسيس سلوفاكيا عام 1993 بلغ عدد من منحتهم حق اللجوء 651 شخصا فقط ولم تتلق سوى 109 طلبات هذا العام.
ودفاعا عن سياسة إغلاق الأبواب قال رئيس الوزراء روبرت فيكو إن المهاجرين قد يشملون بعض من لهم صلة بجماعات إرهابية وإن 95 في المئة منهم ليسوا هاربين من الخطر بل يسعون للحصول على منافع مادية. وقال فيكو "هذه قنبلة موقوتة يمكن أن يكون لها عواقب سيئة جدا جدا على أوروبا. قد نستيقظ ذات يوم ونجد 100 ألف شخص من العالم العربي هنا." ودعا بان جي مون الأمين العام للأمم المتحدة زعماء عدة دول أوروبية من بينها دول في وسط أوروبا للتأكيد على أن أغلبية كبيرة من القادمين إلى القارة الاوروبية لاجئون من الحرب والعنف.
وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن "الأمين العام شدد على المسؤولية الفردية والجماعية للدول الاوروبية للاستجابة على نحو يتسم بالمسؤولية والإنسانية." وأشار إلى أن هؤلاء الناس لهم الحق في طلب اللجوء دون أي شكل من أشكال التمييز. وتشابهت الألفاظ التي استخدمها فيكو بشكل مذهل مع تعبيرات رئيس وزراء المجر اليميني فيكتور أوربان في تبرير إقامة سياج على امتداد حدود المجر لمنع المهاجرين من دخول البلاد.
وقال عالم الاجتماع مارتن سلوسياريك إن فيكو يستغل مخاوف طبيعية في تغذية الخوف قبل الانتخابات البرلمانية. وربما يفلح ذلك رغم ضآلة عدد المهاجرين إذ أن 40 في المئة من الناخبين وصفوا الهجرة بأنها أكبر مشكلة تواجه سلوفاكيا في استطلاع أجري في يوليو تموز. وقال أحد المتقاعدين في براتيسلافا اسمه بافل وعمره 60 عاما "أشعر بالتقزز لأن أوروبا تجبرنا على قبول أكثر مما نريد. يرعبني التحول للإسلام. ماذا سيفعل الساسة عندما يرتكب شخص يرتدي النقاب هجوما انتحاريا هنا؟ ساعتها سيكون الآوان قد فات."
وعندما عرض رهبان استقبال لاجئين سوريين مسيحيين وليسوا مسلمين في دير خال بقرية غرب البلاد أرغمتهم معارضة السكان المحليين على سحب العرض. ويبلغ عدد المسلمين في سلوفاكيا حوالي 5000 ولا يعد الإسلام من الديانات المسجلة لدى السلطات ولا يوجد مسجد رسمي. وطبقا للخطة المقترحة في إطار الاتحاد الأوروبي سيطلب من بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك أن تستقبل عددا أكبر بكثير من الأعداد التي أبدت استعدادها لقبولها.
ومشاعر العداء واضحة وملموسة. فقد شارك عدة آلاف في مسيرة مناهضة للهجرة في براتيسلافا في يونيو حزيران وأشعل بعضهم النار في سيارات في تفجر غير معتاد للعنف في الشوارع. وأدت خطة لايواء 500 شخص يطلبون اللجوء في النمسا المجاورة بصفة مؤقتة إلى احتجاجات في مدينة جابشيكوفو بجنوب غرب سلوفاكيا. ونقلت وسائل إعلام محلية عن بعض السكان قولهم إنهم يخشون أن يفجر المسلمون سدا ضخما على نهر الدانوب القريب.
وقال محمد صفوان حسن رئيس المؤسسة الإسلامية في سلوفاكيا إنه يعي على نحو متزايد بتحديق آخرين فيه أو زجرهم له في الشارع وإنه يشعر بالقلق على زوجته السلوفاكية المولد لأنها ترتدي الحجاب. وأضاف "أخاف من المتطرفين اليمينيين وعندما أقرأ تعليقات عنصرية على الانترنت أشعر بالقلق خشية أن يتمكن كثيرون فعلا من إلحاق الأذى بنا." وأحد المبررات التي يسوقها ساسة المنطقة اعتراضا على فرض حصص أن من المرجح أن ينتقل اللاجئون إلى دول أغنى في شمال أوروبا وغربها حيث الجاليات المسلمة أكبر والمجتمعات أكثر انفتاحا بصفة عامة على الوافدين الجدد.
ويبلغ معدل البطالة في سلوفاكيا 11.5 في المئة مقابل 6.4 في المئة في ألمانيا ويبلغ متوسط الأجور في سلوفاكيا ربع متوسطها في ألمانيا. وقد انضمت بولندا التي تعد قوة اقتصادية على المستوى الإقليمي إلى سلوفاكيا وغيرها في وسط أوروبا وشرقها في الاعراب عن تأييدها لسياسة متشددة اعتراضا على الحصص تبناها رئيس الوزراء المجري. وقال توماس سيمونياك نائب رئيس وزراء بولندا ووزير دفاعها "إذا وافقنا على المجموعة الأولى من اللاجئين ستجيء الثانية والثالثة والرابعة."
وفي جمهورية التشيك حذر الرئيس ميلوس زيمان من تسلل "الخلايا النائمة" التابعة لتنظيم داعش بين تجمعات اللاجئين وتحول أحياء المسلمين إلى مراكز للاضطرابات وقارن طوفان اللاجئين بموجات تسونامي التي وقعت في المحيط الهندي عام 2004 وراح ضحيتها مئات الالاف. وقال زيمان "أخشى أننا مثل سائح على شاطيء تايلاندي يلتقط صورة لموجة صغيرة في الأفق وهو يجهل أنه يلتقط آخر صورة في حياته." بحسب رويترز.
وجمهورية التشيك أكثر تنوعا من أغلب دول شرق أوروبا حيث يمثل الوافدون الأجانب حوالي خمسة في المئة من السكان ومن بينهم أوكرانيون وسلوفاك وفيتناميون. لكن 71 في المئة من التشيك قالوا في استطلاع للرأي في يوليو تموز إنه يجب عدم قبول لاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا. أما الأصوات المطالبة بالرحمة فقليلة ومتباعدة. ومن بينها صوت الرئيس السلوفاكي غير التنفيذي اندريه كيسكا الذي قال لمواطنيه "بالنسبة لكثيرين يهرعون إلى أوروبا يمثل استقبالهم مسألة حياة أو موت. والمسألة بالنسبة لنا تتعلق بقلب سلوفاكيا وطبيعتها - فأي نوع من البلاد نريد أن نكون."
من جانب اخر نشرت حكومة الدنمارك اعلانا في صحف لبنانية يهدف إلى إثناء اللاجئين عن الهجرة. وحذر الاعلان من أن حكومة الدنمارك "شددت القوانين المتعلقة بالمهاجرين"، مشددا على أن الاعانات المخصصة للاجئين القادمين حديثا إلى البلاد خفضت بمقدار 50 بالمئة. ومررت الحكومة قوانين لتخفيض الاعانات من 10.849 كرونة للشخص الواحد قبل الضرائب إلى 5.949 (ما يعادل 582 جنيه استرليني) في يوليو/تموز الماضي.
ووصل حزب فينستر الليبرالي الحاكم إلى السلطة في يونيو/حزيران الماضي ببرنامج انتخابي مناهض للهجرة. واعتمد "فينستر" على دعم حزب الشعب الدنماركي "دي بي بي" المناهض للهجرة الذي احرز نجاحا كبيرا في الانتخابات التي اجريت العام الجاري حيث حصل على 20 بالمئة من الأصوات. وقد تبنت الحكومة عدة سياسات لتشديد قوانين الهجرة كما حدث خلال الأعوام الأخيرة في بعض دول الاتحاد الأوروبي.
وشدد الاعلان على أن هؤلاء الذين سيرفض طلباتهم للجوء سيتم ترحيلهم من الدنمارك. ويسعى حزب "دي بي بي" إلى أن تترك الدنمارك اتفاقية منطقة شينغن التي تسمح بحرية الانتقال بين دول المنطقة، اضافة إلى تشديد اجراءات انتقال مواطني الاتحاد الأوروبي إليها وما يترتب عليه من صرف اعانات لهم. ويستضيف لبنان نحو مليون لاجئ سوري فروا من البلاد التي تمزقها الحرب الأهلية منذ سنوات.
اضف تعليق