سنين عجاف مظلمة ثمانية، هي تلك التي مرت على هذه الأسرة الصابرة المجاهدة، في سجون ومعتقلات الطاغية المجرم، دون أي ذنب أو محاكمة او أمر قضائي، نال فيها الكثير من أفرادها (حالهم حال مئات الآلاف من العراقيين) شتى صنوف العذاب والتنكيل والإبادة، لم تميز فيها عصابات الطاغية المجرم...
سنين عجاف مظلمة ثمانية، هي تلك التي مرت على هذه الأسرة الصابرة المجاهدة، في سجون ومعتقلات الطاغية المجرم، دون أي ذنب أو محاكمة او أمر قضائي، نال فيها الكثير من أفرادها (حالهم حال مئات الآلاف من العراقيين) شتى صنوف العذاب والتنكيل والإبادة، لم تميز فيها عصابات الطاغية المجرم ما بين طفل صغير أو كهل كبير، أو امرأة مصونة، فقد كان نظاما يسير بماكنة إجرامية ضخمة، هدفها في كل شيء هو إذلال العراقيين وكسر شوكتهم، وزع الخوف والرعب في قلوبهم من دولتهم الظالمة التي لم تُبق شيئا على الأرض لم تظلمه وتحرقه.
تم اعتقال أفراد الأسرة من كبار علمائها ووجهائها في ليلة الثلاثاء المصادف ليلة السادس والعشرين من شهر رجب في سنة 1403 للهجرة، وتمت طريقة الإعتقال بطريقة عنفية قسرية ظالمة، تم فيها ممارسة أقسى انواع الاعتداءات والتجاوز والقهر لأفراد تلك الأسرة، تم الاعتقال بإشراف مباشر من قبل مدير الأمن العام في وقته المجرم (فاضل البراك) مع أفراد من أمن بغداد بعد أن تم التنسيق مع مديرية أمن النجف الأشرف من أجل الدلالة على بيوت من يراد اعتقالهم، وبتوجيه مباشر من الطاغية الجبان (صدام حسين).
وفي عملية الاعتقال هذه "تم تقسيمها إلى مهمات بعدد من يراد اعتقالهم فمهمة رقم واحد مثلاً كانت اعتقال سماحة آية الله المرحوم السيد يوسف نجل الإمام الحكيم (قدس سره)، وهكذا توالت مهمات بعدها، كما تم اعتقال بعض أفراد الأسرة عشوائيا وبحسب أوامر الضابط المرسل من قبل المديرية ممن لم تكن أسماؤهم مدرجة على لائحة المراد اعتقالهم."
ولم يقتصر الامر على كبار السن او الشباب، بل ظهرت أقسى تجليات الظلم والاستبداد على يد جلاوزة النظام باعتقالهم للأطفال صغار السن دون أي مراعاة لأي قوانين او اعراف دولية او محلية او اخلاقية، فالنظام كما ذكرنا اعلاه، كان يمثل ماكنة مختصة فقط بالظلم والقتل والابادة والتهجير، فلم يكن يعتبر العراقيين عموما، وشيعة العراق وعلمائهم ومراجعهم خصوصا، أنهم من البشر الذين يستحقون الحياة والعيش الكريم، بل كان يجند كل وجوده من أجل كسر هيبة هذا الشعب، وتحطيم قواه الاجتماعية، لذا نجد جلاوزة النظام وقد قاموا باعتقال بعض صغار السن من أبناء هذه الأسرة مع أباءهم بسبب تواجدهم في البيت حين عملية الاعتقال.!
عشوائية النظام، وهمجيته، جعلته يمارس عملية الاعتقال هذه بطريقة تنم عن انتقامية كبيرة ضد هذه الأسرة الكريمة، بعد ان تجلت مواقف هذه الأسرة برفضهم للظلم الصدامي، الذي حاول إشراك علمائها بمؤتمر يدعم حربه العدوانية الظالمة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد أن أشعل حربا معها حصدت ملايين من كلا الطرفين، وتسببت بمآسي ومصائب وأرامل ومعوقين فاق عددهم الملايين، فكان رفض الأسرة لعملية الاعتقال سببا في ان يكون كل افرادها مستهدفون في تلك العملية، فكان حتى وإن لم يتسنى لجلاوزة النظام القاء القبض على من ورد اسمه في قوائم، كانوا يأخذون أي فرد آخر من الأسرة عوضا عنه "ومن تلك الحالات أنهم جاءوا لاعتقال المرحوم الوجيه السيد جواد السيد محمود الحكيم الذي كان كاسباً، لكن لكونه ابن عم الامام الحكيم (قدس سره)، قد ورد اسمه في ضمن المطلوب اعتقالهم، لكن الأمن في المنطقة اشتبه في بيت المرحوم السيد جاسم الحكيم الذي كان مقابل بيت السيد جواد، فلما طرقوا الباب اخبروهم ان هذا ليس بيت السيد جواد الحكيم وأنه في الجهة المقابلة، فقالوا لهم: انتم من بيت الحكيم فقالوا لهم نعم: فاعتقلوا ثلاثة من أولاده، مات أحدهم بالسجن بسبب مرض الروماتزم وهو المرحوم السيد غياث السيد جاسم كما سيمر ذكره واثنان منهم أحدهما اصيب بالعمى التام بسبب نزول الماء الأسود في عينيه والأخر أشبه بالأعمى ولم يتلقيا العلاج حينها بسبب امتناع ادارة السجن عن ذلك، وهم أساساً غير مطلوبين للأمن، ثم ذهبوا الى دار السيد جواد الحكيم، الذي كان اسمه ضمن المطلوبين، وكان معه في الدار أولاده غير المتزوجين فاعتقلوهم جميعاً معه إلا واحداً منهم كان مريضاً، ومن بعد ذلك أعدم الأكبر منهم بدون أن يكون له أي ذنب أو يكون أسمه مطلوباً للأمن وهو الشهيد السيد محمد علي السيد جواد الحكيم." كما وتكررت هذه الحالة في تلك الليالي التي تم فيها اعتقال ابناء الأسرة.
وعند وصولهم إلى معتقلات الإجرام الصدامي تلك التي تسمى مديرية الأمن، بدأت فصول أخرى لهذه المأساة. حيث يروي أحد السادة تفاصيل ما جرى عليهم بطريقة نجح في أن يجعل القارئ يعيش خيالات تلك الفترة العصيبة، فيقول سماحة السيد علي، نجل العلامة المرحوم آية الله السيد محمد حسين الحكيم، والذي كان في تلك الأيام طفل صغير لا يتجاوز عمره 15 عاما، حيث يسرد مأساتهم قائلا "وصلنا إلى بغداد قرب منتصف الليل، وفصلوني عن العم فأخذوه إلى مكان مجهول، وأخذوني إلى ممر في مديرية الأمن فيه غرف التحقيق والتعذيب، فكنت أسمع أصوات المعذبين وآهاتهم وأصوات الضرب والشتم، لكنني كنت معصوب العينين ومربوط من يدي بـ(كلبجات) من الحديد إلى أنبوب بالجدار كان معداً لذلك".
ثم يكمل السيد فصلا آخر من فصول تلك المآسي، فيذكر كيف أن ضباط الإجرام الصدامي كانوا لا يتورعون عن تعذيب صغار السن، حيث يقول "قال لي (أ ضابط الأمن): إذن سأنتزع منك الاعترافات بالطرق التي نستخدمها نحن في ذلك، فأمرهم بنقلي إلى غرفة التعذيب وأمرهم بالبدء بتعذيبي وتعليقي من يدي من الخلف الى السقف مع استعمال جهاز كهربائي يربط بالذَكر والثدي يرسل صعقات كهربائية للجسم، واستعمال عصي تصدر إشارات كهربائية نحو المناطق الحساسة من الجسم، من غير الضرب والشتم وكافة اساليب الرعب والتعذيب لأجل أن اعترف بأي معلومة توصلهم الى ما يطلبونه، فأخذت أبكي وأستنجد بهم بعدم معرفتي بمعلومات أكثر مما أدليت به وليس عندي ما أخفيه عنكم، ووضعوني في مكان قريب من غرفة التحقيق لأسمع أصوات المعذبين من أفراد الأسرة زيادة في الرعب والخوف، طبعاً هذا في أوقات الاستراحة من التعذيب، إذ كان أكثر أوقات التعذيب ليلاً يستدعون المطلوبين واحداً تلو الآخر، فكنت اسمع صوت الشهيد المرحوم السيد عبد الوهاب نجل آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره) متألماً من اساليب التعذيب، حيث كان مربوطاً بالقرب مني لكن لا يرى أحدنا الآخر لأننا معصوبو الأعين لكنني رأيته من تحت العصابة بصعوبة لأنهم كانوا لا يقبلون أن نرفع أعيننا لئلا نرى من تحت العصابة شيئاً، وكذلك صوت الشهيد المرحوم آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم نجل الإمام الحكيم (قدس سره)، وصوت الشهيد السيد علاء الدين نجل الإمام الحكيم (قدس سره) وغيرهم، ومادام المعتقل في الممر المعد لذلك يتعرض للضرب والإهانة والسب من كل مستطرق.
وكان دائماً يهددني بتصعيد وتيرة أسلوب التعذيب بالنقل لغرف أخرى كانت لها تسميات عندهم، وكما كان يريني صوراً لبعض طرق التعذيب المهولة لبعض المعتقلين، وبعد اليأس من أي معلومة مني بسبب جهلي واقعاً بذلك، هددني بإعدام المرحوم السيد الوالد أمام عيني وفعلاً أمرهم بأخذي إلى غرفة قال أمامي لهم أنها غرفة الإعدام، وقد أروني إياه وكان معلقاً في السقف من يديه من الخلف مشدود العينين يأنُّ من الألم من أجل انتزاع الاعترافات منه أيضاً بنفس القضية، كما ذكر هو رحمه الله في سيرته، وهددوني بأن لا أصدر أي صوت يوجب معرفته بوجودي، وقد خيل لي في ذلك المنظر أنه واقعاً سيعدمونه بهذه الكيفية، لأنني لم أكن أعرف كيف يتم الإعدام، فأخذت في البكاء أمامهم رقة بحاله وطلبت منهم أن يرحموا بحاله وأن يعدموني بمكانه لأنه لا ذنب له لعدم اعترافي بشيء، ولكن لم يكن في قلوبهم أي ذرة للرحمة كما كنت أستشعر منهم ذلك بل كنت أتحسس تلذذهم بتأوه وتألم المعتقل، فتركوني ليوم أو يومين لا أتذكر لعدم معرفتي بالأوقات في ذلك المكان، وكان التحقيق مع الآخرين مستمراً وأنا اسمع الصراخ والضرب والشتائم".
وعلى الرغم من صغر سن الكثير من شباب الأسرة الذين اعتقلوا، إلا أنهم صمدوا بوجه حالات التعذيب والإعدام تلك، يقول السيد علي:
"فقررت أن أتحمل التعذيب والاعدام لو تم وإن كان تحمل ذلك وأنا في ذلك العمر لا يكون إلا بتسديد من الله تعالى، وإلا فيصعب الصمود أمام أساليبهم الوحشية في التعذيب، وبعد يأسهم من الحصول على أي معلومة تخص خروج السيد الحكيم مني تركوا التحقيق معي، وأحمد الله أنهم لم يستخدموا معي وسائل التعذيب الأخرى التي كانوا يستعملونها لنزع الاعترافات التي قد توجب من الإنسان الكذب وتوريط أخرين بلا ذنب من أجل تخليص نفسه من ألم تلك الأساليب وكانوا يضعونها في غرف لا أتذكر تسميتها لكن أتذكر بعض تلك الأساليب كنزع الأظافر وقلع العين وقطع بعض الأعضاء وكوي الجسد بالمكواة الكهربائية وحرق الجسد بالنار والجلوس على قنينة زجاجية مكسورة تدخل في مخرج المعتقل وغير ذلك."
وأما عن الوضع الإنساني والصحي الذي مر بأفراد تلك الأسرة في سجون الإجرام الصدامي، فقد كانت لوحدها فصلا مرعبا لا نسمع عنه إلا بأفلام الخيال المخابراتي، والتي يتم فيها انتهاك كل المعايير الإنسانية للأفراد المعتقلين، ويسرد سيد علي جزاءا من هذه المأساة المروعة التي لا نستطيع حتى تخيلها: "ثم تم نقلي إلى مبنى مكون من طابقين فيه غرف تسمى المحجر كما ذكرت سابقاً، وكان طول الغرفة ثلاثة أمتار وعرضها متران مع وجود المرافق الصحية فيها، ولم يكن يدخل لنا الهواء إليها الا عبر فراغات في أطراف الباب وكانت الباب من حديد فتكون الفراغات قليلة جداً، وعبر نافذة عرضها شبر وطولها شبر وأربع أصابع في الباب يدخلون لنا الطعام منها حيث تفتح حين وقت تقديم الطعام ثم تغلق، وفتحة لمفرغة هواء تقوم بتفريغ الهواء فوق المرافق، وكان حجم فتحة المفرغة بقدر كف اليد وكانت الغرفة من الإسمنت، ولا يوجد فيها أي مصدر للتهوية أو الضوء غير ما ذكرت، ومصباح واحد في سقف الغرفة وكان ذلك في الشهر السادس والسابع حيث كانت شدة الحر، وعلمنا بعد ذلك أن هذه الغرف قد يضعون بها عشرين معتقلاً ولمدة لا يعلمها إلا الله، وإذا أرادوا عقوبتهم بسبب شكوى بعضهم يجمعون معتقلي غرفتين بغرفة واحدة فيصير العدد أربعين مما يتسبب باختناق البعض وموتهم، وسمعت أن الشهيد السيد علاء الدين نجل الإمام الحكيم (قدس سره) قد قضى في هذا المكان قرابة السنة والنصف لحين إعدامه، لأنه قد اعتقل قبل اعتقال أفراد الأسرة بسنة ونصف تقريباً، لكن الغرفة التي كنا فيها لم نكن بذلك العدد بل كان معي في الغرفة الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم حفظه الله نجل آية الله السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره)، وسماحة حجة الاسلام السيد جعفر حفظه الله نجل الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، وابن عمتي سماحة حجة الاسلام السيد حسين حفظه الله ابن الشهيد السيد علاء الدين الحكيم، والحاج حسن التنكجي، وثلاثة أغراب أتذكر أحدهم كان من كربلاء، وكنا نعتقد بأنهم معنا لمراقبتنا، وإن كنت سمعت بعد ذلك بأنهم قد اعدموا، ما عدا الحاج حسن التنكجي قد أطلق سراحه.
ولم يكن في الغرفة فراش إلا بطانية واحدة ننام عليها ومن قذارتها كان يملؤها القمل، وكان عندنا إناء واحد صغير (دولكة) نشرب بها ونستنجي بها، ونغسل بها، وإناءان كبيران (سطل) لخزن الماء، وكان قد مر علينا فيها شهر رمضان وكان قد صادف في تلك السنة في شهر تموز، وكانوا يقطعون الماء عنا ويفتحونه عند الإفطار والسحور فقط لمدة قليلة يلزم علينا فيها ملئ السطلين والغسل وغير ذلك، والماء يأتي من خزانات من مادة (الجينكو) موجودة في سطح مديرية الأمن ويأتي الماء حاراً جداً بسبب كونها في الشمس، فنضطر إلى خزن الماء في أحد الإناءين من الإفطار إلى السحور لنتمكن من شربه ونستعمل الآخر، وكذلك نخزن الآخر من السحور إلى وقت الإفطار، وكنا نقّسم الغسل بيننا مع كل وجبة يغسل واحد أو أثنان حسب بقاء الماء، وكان الطعام يأتينا عند الصباح وهو شوربة العدس والشاي والمرق نضعها فوق المرافق إلى المساء للإفطار بها وبعد ذلك للسحور في ذلك الجو الحار وفي ذلك الوقت، وكانت غالباً ما يتصاعد عليها الدود وتكون اقرب للتالفة بسبب الحر، ولكن لابد من الإفطار عليها والسحور بما تبقى لعدم وجود غيرها من الطعام، ولقد اعاننا الله تعالى على ذلك وصيام شهر رمضان بحول الله وقوته."
وأشد تلك الحالات ألما وصعوبة، والتي لا يمكن للحر الشريف أن يتصورها، هي تلك الحالات التي كان الإذلال المتعمد فيها، يبدوا واضحا جليا في سلوكيات ضباط الأمن تجاه تلك الجموع من المظلومين، يسرد السيد علي الفصل الآخر من تلك المأساة فيقول:
"وأشد ما مر علينا فيها، هو أغلاق أبواب الغرف من الساعة العاشرة مساءً وحتى الساعة السابعة أو الثامنة صباحاً، ولم يكن في تلك الغرف مرافق صحية بل يعطوننا (دولكة) لقضاء الحاجة فيها ثم وضعها في (سطل) ويكون ذلك بمرأى من السجناء فيضطر المتخلي إلى لبس بطانية لستر نفسه، وتشتد الحالة إذا أصيب بالإسهال لصعوبة ذلك وشدة الحال، ولذا كان بعضهم قد يضطر لعدم الأكل وشرب الماء من أول الليل لكي يمكنه التحمل إلى الصباح لحين فتح الأبواب والذهاب إلى المرافق الصحية، وإن كان يكون عليها زحام شديد لكنه أهون من التخلي بتلك الحالة خاصة لفضلاء في الحوزة العلمية وكبار السن، مما أصاب البعض بأمراض المثانة والكلى والأمعاء والقولون، وتقسم مهمة تفريغ السطل صباحاً على السجناء كل يوم على واحد."
أما أماكن الاحتجاز، فهي الأخرى كانت تمثل لوحدها فصلا إجراميا متميزا، ميز حقبة ذلك الظالم المستبد، فيذكر السيد علي وصفا للأماكن التي قضوا فيها السنين الثمان العجاف فيقول:
"وكانت الغرف (ويقصد زنزانات الإعتقال) بمساحة (4) متر في (5) متر تقريباً مع وجود المرافق الصحية فيها أيضاً، وكان عددنا في غرفة (24) والباقين في الأخرى، وغالباً ما كانت تنغلق المجاري بسبب تهالكها فنضطر إلى إزالة النجاسة من حوض المرافق بالأسطل إلى ساحة خلف السجن برمي الفضلات من الشباك الذي يأتينا منه الهواء، لحين ما يأتي من يفتح تلك المرافق، وكان الدخول لتلك المرافق يتم بالحجز لأنها كانت لقضاء الحاجة وللغسل وغسل الصحون، وكانت فتحات الشباك لا تتعدى الأصابع فقط ليمر منها الهواء فقط ولا يدخل منها ضوء الشمس إلا قليلاً، وكانت أبواب الغرف لا تفتح أصلاً إلا لنقل مريض أو إخراج معتقل لتعذيبه حيث كانت فترة قاسية على السجناء وأما الطعام كان يدخلونه من تحت الباب.
وكان وضع السجناء في السجن في هذه الأقسام مأساويا من شدة التعذيب وكثرة الامراض كالتدرن، والجرب، والأمراض الجلدية، وفقر الدم، والأمراض الباطنية، والعصبية، والنفسية، وغيرها ونقص الغذاء والدواء وغير ذلك."
ومن عمق فصول هذه المأساة، كان أفراد الأسرة من علمائها وشبابها، يمارسون دورهم التوعوي والإرشادي والوعظي للمعتقلين، ويبينون لهم أحكام الدين، ويزرعون في نفوسهم الأمل والثقة بالله تعالى، والأجمل من كل ذلك، أنهم لم يكن يرون لأنفسهم خصيصة أو تميزا عن الآخرين، فكلما كان شخص من المعتقلين يتألم لما جرى على علماء تلك الأسرة في المعتقل، كان يأتيه الجواب منهم: (حالنا حال بقية العراقيين المظلومين).!
وبعد كل تلك المآسي، أسأل: لو أن أحدا منا مر بذاك الظرف العصيب، وكان معتقلا بهذه الطريقة الظالمة الوحشية، وفي تلك الأثناء وهو يعيش ذاك الظرف، نوجه له سؤال افتراضي، بأنه بعد كل تلك السنين سوف يفرج عنه، وسنقدم له تعويض عن تلك المظالم التي لحقت به، فماذا تتوقعون، كم سيكون المبلغ المناسب والمرضي للتعويض عن كل تلك الأيام والليالي والسنين، من المآسي والفواجع الفادحة؟ أترك الجواب لضمائركم.!
اضف تعليق