يقعون ضحية تعنت الدول ورفضها دخول هؤلاء إلى أراضيها وكذا هم يمثلون فريسة لعصابات الإتجار بالبشر، يرافق ما تقدم الوقوع تحت طائلة الإهمال من الدول التي تغلق الحدود بوجوههم وتمنعهم من الحصول على الحد الأدنى من الحقوق، نعم لا يمكن ان نتجاهل التحديات التي تواجهها دول الشمال...
تطالعنا وسائل الإعلام يوميا بصور مؤلمة للعراقيين العالقين على الحدود البلاروسية البولندية وهذه الحالة تروي عشرات القصص المماثلة للمعاناة التي يتكبدها المهاجرون حول العالم، إذ يجد الكثير من الناس لاسيما في العراق والشرق الأوسط وقارة أفريقيا أنفسهم وسط صراع سياسي أو عسكري لأسباب مختلفة فيفتقدون أبسط مستلزمات العيش الكريم ويضطرون إلى الهرب من الواقع المؤلم نحو القارة الأوربية، أو صوب الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، أو أستراليا، ينشدون الخلاص.
بيد انهم يقعون ضحية تعنت الدول ورفضها دخول هؤلاء إلى أراضيها وكذا هم يمثلون فريسة لعصابات الإتجار بالبشر، يرافق ما تقدم الوقوع تحت طائلة الإهمال من الدول التي تغلق الحدود بوجوههم وتمنعهم من الحصول على الحد الأدنى من الحقوق، نعم لا يمكن ان نتجاهل التحديات التي تواجهها دول الشمال بسب الهجرة على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي والقانوني وحتى الاجتماعي، بسبب انتعاش بعض الأفكار المتطرفة والجماعات الأصولية.
في البدء لابد من بيان المقصود بالهجرة فهي "دخول أو محاولة دخول إلى دولة أجنبية بطرق لا تقرها قوانين تلك الدولة"، كما لو تسلل المهاجر عبر الحدود البحرية أو البرية، أو البقاء على إقليم الدولة بعد انتهاء الإقامة المرخصة، فالهجرة حسب بروتوكول الأمم المتحدة بشأن مكافحة تهريب المهاجرين المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية للعام 2000 بأنها " الدخول غير المشروع لشخص ما إلى دولة طرف ليس ذلك الشخص من مواطنيها أو المقيمين الدائمين فيها، للحصول بصورة مباشرة أو غير مباشرة على منفعة مالية أو غيرها" وللهجرة الشرعية أو غير الشرعية أسباب موجبة أو دافعة نبين بعضها في الآتي:
1- ظروف الحرب بين دولتين أو أكثر والصراعات الوطنية المسلحة.
2- الأنظمة السياسية الاستبدادية أو هيمنة الأفكار والجماعات المتطرفة.
3- الفقر والبطالة وانعدام مقومات الأمن الإنساني الأساسية.
4- التغيرات المناخية غير الطبيعية، والتي ينتج عنها التصحر، أو الزلازل والبراكين والفيضانات، وبالخصوص عندما تعجز السلطات المحلية من إعادة بناء ما دمرته الطبيعة وتمكين الأفراد من استئناف حياتهم الطبيعية.
ولعلنا لا نلقي باللائمة على دول الشمال التي ترفض استقبال اللاجئين ان اطلعنا على حجج الرافضين لهذا الموضوع ومنها:
- ضرورات حماية إقليم الدولة التي يقصدها المهاجرين أو التي تكون ممراً أو موطنا مؤقتاً لهم فدخول أفراد بلا تصريح رسمي وبالغالب بلا أوراق ثبوتية وجوازات سفر يمثل تحدي أمني واقتصادي كبير.
- حماية المهاجر نفسه من التعرض لمخاطر الموت إذ يلجأ المهاجرين إلى ركوب البحر بقوارب صغيرة غير مهيأة للتعامل مع الأمواج والرياح العاتية لذا يغرق سنويا الألاف منهم لاسيما في البحر المتوسط.
- مكافحة الجريمة التي تمارسها عصابات تهريب المهاجرين التي أضحت رائجة في وقتنا الحاضر بشكل كبير جدا.
- الحد من الجرائم الواقعة على المهاجرين أنفسهم فهم بالغالب يتم استغلالهم في جرائم جنسية أو الإتجار بالبشر أو بالأعضاء البشرية بل يتم قتلهم أو استرقاقهم بشكل يتنافى مع القوانين والنواميس الإنسانية، كما يقع المهاجرين ضحية المهربين ممن يستغلون حاجتهم للهجرة فيستولوا بشكل غير مشروع على أموالهم ومقتنياتهم.
وحين اشتدت معضلة الهجرة إلى دول أوربا وأمريكا الأعوام 2015 وما بعدها عقد في نيويورك في 19/ أيلول/ 2016 الاجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة حول اللاجئين والمهاجرين بهدف تحسين طرق استجابة المجتمع الدولي للتحركات الكبيرة للمهاجرين فصدر إعلان نيويورك بموافقة (193) دولة والذي أكد إصرار الدول المشاركة على حماية أرواح المهاجرين والمضي إلى تطبيق المادة (6) من البروتوكول الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية لعام 2000، حيث ورد في المادة (6) منه "تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية في حال ارتكابها عمداً من أجل الحصول بصورة مباشرة أو غير مباشرة على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى...أ- تهريب المهاجرين ب- القيام بغرض تسهيل تهريب المهاجرين بما يأتي:
- إعداد وثيقة سفر أو هوية مزورة.
- تدبير الحصول على وثيقة من هذا القبيل أو توفيرها أو حيازتها.
- تمكين شخص ليس مواطننا أو مقيما في الدولة من البقاء فيها دون التقيد بالشروط اللازمة للبقاء..."
ولقد أرست محكمة حقوق الإنسان الأوربية في قضية (M. A.S) مبادئ راسخة في القانون الوطني والدولي ومنها "إن المهاجر المراد أبعاده يمكن له الطعن أمام القضاء الوطني وان القضاء المختص بذلك هو القضاء الإداري، وان على القضاء النظر بالدعوى بشكل مستعجل قبل إتمام إجراءات الإبعاد كما أنها أوجبت على الدولة إخطار الأجنبي بالإبعاد قبل مدة مناسبة ليتمكن من رفع الدعوى وليتمكن القضاء من البت بالأمر".
كما اعتادت الدول على ان تقوم بحجز المهاجرين حجزاً إدارياً كتدبير قبل اتخاذ قرار الطرد ووضعهم في معسكرات يحظر عليهم فيها المغادرة أو الابتعاد أكثر من مسافة محددة كما هو الحال في المعسكرات في اليونان أو دولة بولندا أو بلاروسيا أو غيرها بيد إن هذا الإجراء يخالف المادة (5) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان للعام 1950 والتي نصت على "كل إنسان له حق الحرية والأمن لشخصه ولا يجوز حرمان أي إنسان من حريته إلا في الأحوال الآتية، ووفقاً لإجراءات محددة في القانون:.....إلقاء القبض على شخص أو حجزه لمنع دخوله غير المشروع إلى أرض الدولة، أو شخص تتخذ ضده فعلاً إجراءات إبعاده أو تسليمه، كل من يلقى القبض عليه يخطر فورا ـ وبلغة يفهمها ـ بالأسباب التي قبض عليه من أجلها والتهم الموجهة إليه،.... أي شخص يحرم من حريته بالقبض عليه أو حجزه له حق اتخاذ الإجراءات التي يتقرر بها بسرعة مدى شرعية القبض عليه أو حجزه بمعرفة محكمة، ويفرج عنه إذا لم يكن حجزه مشروعاً، لكل من كان ضحية قبض أو حجز مخالف لأحكام هذه المادة حق وجوبي في التعريض".
يضاف إلى ما تقدم ان البروتوكول رقم (4) الملحق بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان منع الإبعاد الجماعي للمهاجرين واستقرت أحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان على رفض الإبعاد الجماعي حيث أوجبت فحص حالة كل مهاجر على جهة وسماع دفاع كل منهم بشكل مستفيض وانتهت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في قضية (K.E.A) إلى أن الإبعاد الجماعي الأصل أنه محظور وجاء في حيثيات الحكم "ان الإبعاد الجماعي يخالف المادة الثالثة عشر من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لكونه يبعدهم عن إقليم الدولة دون إتاحة الفرصة والوقت المناسب لهم للطعن بقرار الإبعاد قبل أن ينفذ قرار الطرد نحو بلده الذي يخشى على حياته في التواجد فيه".
ويذكر ان العام 2017 قامت المجر بحجز المهاجرين غير الشرعيين بمعسكر على الحدود مع صربيا فأدانت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان هذا العمل بوصفه مخالفاً للاتفاقية الأوربية في قضية (Ilias and Ahmed v. Hungary) إذ قضت المحكمة ان السلوك المتقدم يخالف الاتفاقية الأوربية إضافة إلى ان المجر قامت بحجز المهاجرين وجوبياً ولم تتح لهم الحق بالطعن بقرار رفض اللجوء، إذ رفضت المحكمة حجج الحكومة المجرية حيث اعتبرت المحكمة الحجز يرقى إلى الحبس لقيامه على عنصرين أحدهما شخصي والأخر مادي، فالأخير يتمثل بإجبارهم على البقاء في مكان ما ومنعهم من التجوال، والعنصر الشخصي يتمثل برفض المهاجرين لهذا الحجز وإجبارهم من قبل السلطات عليه.
في الوقت الذي قامت به فرنسا بالاستغناء عن الحجز الإداري بتعديل القانون رقم (89) لسنة 1960 بقانون صدر العام 2005 سمح لمدير مصلحة الجوازات والهجرة بتحديد إقامة في مكان معين ومنح المهاجر مهلة للسفر على ان تكون قابلة للتمديد أو التجديد، وعلى ان يكون القرار مسبباً وقابلاً لطعن أمام مجلس الدولة الفرنسي.
أما أهم القيود الواردة على سلطة الدول في التعامل مع المهاجر فهي:
أولاً: طلب اللجوء: حيث عرفت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن اللاجئين العام 1951
اللاجئ بأنه "الشخص ممن لديه خوف مبرر من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، ويكون خارج بلده الأصلي وهو غير راغب في الاستفادة من حماية البلد أو من العودة هنالك خوفاً من الاضطهاد".
ثانياً: جمع شمل الأسر: لمنع التفكك الأسري وهو بالنتيجة يخالف المادة الثامنة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي أقرت للفرد بالحق في الحياة الخاصة وتكوين الأسرة، وقد أقيمت أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان دعوى (C.E.D.H) ملخصها محاولة الحكومة البريطانية طرد شخص تمسك بلم الشمل الأسري فدفعت الحكومة البريطانية ان المسائل المتعلقة بالهجرة منظمة بالبروتوكولات الملحقة بالاتفاقية الأوربية وليس الاتفاقية نفسها والحق بجمع الأسرة ورد بالاتفاقية إلا ان المحكمة ردت ان الحق بالأسرة مطلق للمواطن أو الأجنبي بدون تمييز.
ثالثاً: احتجاز الأطفال: حيث حددت بعض القوانين الأوربية الأشخاص ممن لا يمكن ترحيلهم ومنهم الأطفال القصر، بيد ان المحكمة الأوربية رفضت ذلك الأمر وأمرت بالحاقهم بأسرهم.
اضف تعليق