لم يعد للمهاجرين القادمين إلى اليونان الحق في متابعة رحلتهم نحو أوروبا، إلى حين معالجة طلبات لجوئهم. وبعد سلسلة طويلة من القرارات والإجراءات والتخبط، وافق البرلمان اليوناني على مشروع قانون لجوء أكثر تشدداً، في مسعى منه لتسريع وتيرة توزيع اللاجئين وطرد المهاجرين غير الشرعيين...
لا تزال قضية اللاجئين العالقين في اليونان من القضايا المهمة التي تثير قلق ومخاوف العديد من المنظمات الانسانية، التي تخشى من تفاقم تلك المعاناة بسبب القوانين والاجراءات الصارمة لبعض الدول، فمنذ بدء تنفيذ اتفاقية الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 20/03/2016 وكما نقلت بعض المصادر، لم يعد للمهاجرين القادمين إلى اليونان الحق في متابعة رحلتهم نحو أوروبا، إلى حين معالجة طلبات لجوئهم. وبعد سلسلة طويلة من القرارات والإجراءات والتخبط، وافق البرلمان اليوناني على مشروع قانون لجوء أكثر تشدداً، في مسعى منه لتسريع وتيرة توزيع اللاجئين وطرد المهاجرين غير الشرعيين، وسط انتقادات لهذا القانون من منظمات حقوقية دولية.
ويهدف مشروع القانون اليوناني الجديد إلى تخفيف الضغط على جزر بحر إيجه الشرقية من خلال تسريع الإجراءات اللازمة لإعادة المهاجرين إلى تركيا، وتحديداً الذين لا يستوفون الشروط اللازمة لمنح اللجوء منهم، حيث صوّت البرلمان اليوناني لصالح الموافقة على مشروع القانون بعد نقاش طويل. وفي كلمة له قبيل التصويت، قال رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” بأنه يريد “نظاماً شفافاً وفعالاً يحمي اللاجئين من دون أن يفتح الباب أمام الجميع” على حد قوله، وتابع قائلاً: “هؤلاء الذين يعرفون أنهم لا يستحقون اللجوء ولكن يحاولون الدخول إلى بلادنا والبقاء فيها، لن يتم التسامح معهم بعد الآن”.
وكان ميتسوتاكيس قد تعهد بتغيير نظام قبول اللاجئين عقب توليه مهام منصبه في تموز يوليو الماضي، وقال ان “اليونان لا تستطيع التعامل مع مسألة تقطع السبل بعشرات الآلاف في ظل نظام غير كفء”، كما أكد بأنه يريد تسريع وتيرة النظر في طلبات اللجوء وخاصة فيما يتعلق بإعادة الذين تم رفض طلباتهم، وذلك بالتوافق مع اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتركيا لعام 2016. هذا وقد ارتفع عدد اللاجئين الذين يصلون إلى اليونان لأعلى مستوى منذ عامين، وذلك بالترافق مع تباطؤ عملية النظر في طلبات اللجوء، حيث بلغ عددهم 35 ألفا مقابل 14 ألفا في نيسان أبريل، أي نحو ست أضعاف القدرة الاستيعابية للمخيمات.
وفي ذات السياق، كانت السلطات اليونانية قد قامت في شهر أيلول سبتمبر الماضي بنقل 125 سوريا من اللاجئين القدامى المحتجزين في الجزر اليونانية إلى البر اليوناني، وذلك بعد سنوات من احتجازهم في الجزر اليونانية ببحر إيجة، وذلك بهدف التخفيف عن الضغط في المخيمات بعد وصول المئات ضمن دفعات جديدة من المهاجرين.
وكانت الحكومة اليوناني قد صرحت بأنها قد قامت بنقل 1500 لاجئ من المهاجرين القدامى عبر سفن حربية نحو البر اليوناني، عقب تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين، والذين زاد عددهم عن 11 ألف لاجئ، منهم 12 % سوريين بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤن اللاجئين. وكان مخيم “موريا” قد شهد احتجاجات من قبل 300 قاصر غير مصحوبين بذويهم بسبب الأوضاع المزرية والزحام الكبير، مطالبين السلطات بتسريع عملية الترحيل إلى البر اليوناني، وأدت الاحتجاجات إلى اشتباك مع الشرطة اليونانية، والتي استخدمت الغاز المسيل للدموع من أجل فض الاحتجاجات.
كما تم نقل 116 قاصراً غير مصحوبين بذويهم من تلك الجزر، ولم الشمل مع ذويهم في بلدان الإتحاد الأوروبي، كما صرحت السلطات بأنه سيتم نقل 250 قاصراً غير مصحوبين بذويهم إلى أمكنة داخلية آمنة.
ظروف مروعة
وفي هذا الشأن انتقدت منظمة أوروبية لحقوق الإنسان الظروف المعيشية لآلاف من طالبي اللجوء في مخيمات مزدحمة باليونان ووصفتها بأنها ”مروعة“ مشيرة إلى أنها تشمل الانتظار لساعات عديدة من أجل الحصول على الطعام أو استخدام المراحيض كما تشهد نقصا في الرعاية الطبية. وقالت دونيا مياتوفيتش مفوضة حقوق الإنسان بالمجلس الأوروبي إنها شاهدت أناسا يصطفون للحصول على الطعام أو لدخول دورات المياه لأكثر من ثلاث ساعات بمخيمات لطالبي اللجوء في جزيرتين يونانيتين. وقالت في إفادة صحفية ”الأفراد الذين قابلتهم يعيشون في ظروف مروعة وإهمال لا يطاق“ مضيفة أن المهاجرين يعانون للتكيف مع الازدحام، ونقص المأوى، والظروف الصحية السيئة ونقص الرعاية الطبية“. وتحتجز السلطات اليونانية نحو 34 ألف لاجئ في مخيمات بجزر في بحر إيجة.
من جانبها قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن على اليونان أن تلغي مشروع قانون يهدد بتضييق الخناق وزيادة المصاعب أمام حصول طالبي اللجوء من سوريا والعراق وأفغانستان على الحماية. وتجد أثينا صعوبات في الوقت الراهن في التعامل مع أكبر توافد للاجئين منذ عام 2015، عندما عبر حينها أكثر من مليون شخص إلى أوروبا قادمين من تركيا عبر اليونان. وقالت إيفا كوسيه، باحثة شؤون اليونان في هيومن رايتس ووتش ”مشروع القانون هو محاولة مكشوفة لمنع الحصول على الحماية وزيادة عمليات الترحيل في إطار مواجهة الزيادة الأخيرة في أعداد الوافدين“.
وتقول حكومة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس المحافظة، التي وصلت إلى السلطة في يوليو تموز، إن مشروع القانون يهدف إلى تبسيط ما تعتبره عملية لجوء مطولة وإلى تسهيل ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين. وتتهم الحكومة السابقة، اليسارية، بسوء إدارة القضية بطريقة ترتب عليها اكتظاظ المخيمات بآلاف الأشخاص. وقالت هيومن رايتس ووتش إن القانون، سيجعل احتجاز طالبي اللجوء لفترات أطول أمرا أشد سهولة وسيلغي الحماية، رغم أهميتها، للأشخاص المستضعفين، بما في ذلك الأطفال الذين ليس لهم مرافقون. بحسب رويترز.
وأضافت هيومن رايتس ووتش أنه يشتمل على الكثير من التعديلات الإجرائية التي تعرقل الحصول على عملية لجوء عادلة وتهدد الحق في الاستئناف. وأضافت المنظمة ”ينص القانون أيضا على قواعد أشد صعوبة لاستقبال طالبي اللجوء، ويؤخر الوصول إلى الحق في العمل، ويضيق تعريف الأسرة، ويفرض المزيد من الأعباء على ضحايا التعذيب ليتم الاعتراف بهم (كضحايا للتعذيب)“. ودعت هيومن رايتس ووتش المفوضية الأوروبية، التي تدعم إدارة الهجرة في اليونان ماليا، لأن تضغط دون مواربة على الحكومة اليونانية لضمان أن تشتمل التعديلات على الضمانات التي تتطلبها معايير الاتحاد الأوروبي.
تحذيرات جديدة
على صعيد متصل حذر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن "على أوروبا أن تستعد لموجة جديدة محتملة من المهاجرين واللاجئين"، وصعد ميتسوتاكيس اللهجة تجاه دول الاتحاد الأوروبي التي ترفض استقبال مهاجرين على أراضيها، في وقت باتت اليونان مجددا هذه السنة البوابة الرئيسية لدخول المهاجرين إلى أوروبا. وقال رئيس الوزراء المحافظ "يجب أن يكون هناك عواقب للذين يختارون عدم المشاركة في هذا التضامن الأوروبي".
وكان ميتسوتاكيس حذر في كلمة ألقاها في البرلمان اليوناني بأنه سيطلب إنزال "عقوبات محددة" بهذه الدول، من غير أن يذكرها بالاسم. ومع تخطي عدد طالبي اللجوء في اليونان 70 ألفا بينهم حوالى 33 ألفا في جزر بحر إيجه القريبة من تركيا، وصف ميتسوتاكيس بـ"غير مقبول نهج عدة دول أعضاء (في الاتحاد الأوروبي) تعتبر أن المسألة لا تعنيها إطلاقا". وقال "لدينا ما بين ثلاثة وأربعة آلاف قاصر غير مصحوبين بذويهم في اليونان، لن يكون صعبا للغاية على الدول الأوروبية أن تأخذ على عاتقها جزءا من العبء".
وكان زعيم حزب "الديموقراطية الجديدة" اليميني الذي خلف رئيس الوزراء اليساري ألكسيس تسيبراس في تموز/يوليو، وعد بأن يطرح خلال أول مجلس أوروبي يحضره "مسألة تقاسم عبء" الهجرة، مؤكدا "لا يمكن تفادي ذلك (...) اليونان غير قادرة على التعامل مع هذه المشكلة وحدها". وتابع ميتسوتاكيس الذي تشكل الهجرة أحد "التحديات" الكبرى بوجهه، "إن نظرتم فقط إلى عدد (المهاجرين) الذين عبروا بحر إيجه هذا الصيف بالمقارنة مع الصيف الماضي، إننا نواجه المشكلة بنسب خطيرة".
وبحسب أرقام المفوضية العليا للمهاجرين، وصل أكثر من 46 ألف مهاجر إلى اليونان عام 2019، ما يزيد عن عدد الوافدين إلى إسبانيا وإيطاليا ومالطا وقبرص معا. وحتى إن كان هذا الرقم لا يقارن بمليون لاجئ وصلوا إلى أراضيها عام 2015، فإن هذه الموجة الجديدة تعيد طرح مسألة استقبال اللاجئين في اليونان، ولا سيما مع اكتظاظ المخيمات التي أقيمت لاستقبالهم في جزر بحر إيجه، ما يجعلها عاجزة عن استقبال موجة جديدة من المهاجرين قد تتأتى عن الهجوم التركي على شمال سوريا.
وندد ميتسوتاكيس بشدة بـ"التوغل" التركي في شمال سوريا معتبرا أنه يثير ""بؤرة جديدة لانعدام الاستقرار يمكن أن تثير موجة هجرة جديدة" في أوروبا، مع ورود مخاوف بأن يصل طالبو اللجوء الجدد عبر اليونان. وسئل ميتسوتاكيس عن تهديد إردوغان بـ"فتح الأبواب" أمام 3,6 مليون لاجئ يقيمون في تركيا ردا على الانتقادات الأوروبية لهجومه في سوريا، فرأى أنه "غير مقبول (...) أن تتعرض أوروبا لمثل هذا الابتزاز".
وقال "نمر بمرحلة من الاضطرابات الشديدة وعلينا أن نوقف العاصفة" معتبرا أن تنفيذ تهديد كهذا سيؤدي إلى تراجع العلاقات أكثر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وتابع "إن سلوك أنقرة يجعل معالجة مشكلة الهجرة أكثر تعقيدا" مضيفا "كان الاتحاد الأوروبي سخيا مع تركيا (في الاتفاق الثنائي في آذار/مارس 2016 حول ضبط حركة الهجرة)، لا أعتقد أن تركيا تدرك ذلك بشكل تام". بحسب فرانس برس.
ومسألة الهجرة هي برأيه "الأصعب اليوم" لأن اليونان غير قادرة على "ضبطها". وقال "إننا دعامة للاستقرار في منطقة مضطربة، لا يمكننا تغيير الجغرافيا (لكننا) بحاجة إلى مزيد من الدعم من أوروبا". وطالب بـ"وسائل تكنولوجية" لرصد سفن المهاجرين قبل انطلاقها من السواحل التركية، أو بتعزيز وكالة فرونتيكس الأوروبية لمراقبة الحدود، والبحث في ما يمكن لهذه الهيئة أن "تفعل أو ألا تفعل" في بحر إيجه. ومن المقرر ان تبعد الحكومة اليونانية حوالى 10 آلاف مهاجر إلى تركيا بحلول 2020، وأوضح ميتسوتاكيس أنه من أجل تحقيق ذلك "تقضي الأولوية الأولى بتسريع إجراءات اللجوء: حين لا يكون الوافد مؤهلا للهجوء، عندها ينبغي إعادته إلى تركيا" عملا بما ينص عليه الاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع أنقرة في آذار/مارس 2016.
ضغوط اخرى
خرج متظاهرون في بلدتين في شمال اليونان للاحتجاج على نقل مهاجرين من جزر يونانية إلى مواقع في البر الرئيسي. وقال أحد سكان بلدة يانيتسا "يجب أن يغادروا. لقد سئمنا"، فيما حاول عشرات الأشخاص منع وصول 60 طالب لجوء فجراً من جزيرتي ليسبوس وساموس. واضاف انه تم بالفعل نقل نحو 60 مهاجراً آخرين إلى يانيتسا مضيفا "لقد واجهنا العديد من المشكلات". وتمكن المهاجرون في النهاية من مغادرة حافلتهم تحت رقابة الشرطة، وتوجهوا إلى فندق في البلدة.
وإلى الشرق في سيريس، تم تنظيم احتجاج آخر ضد وصول نحو 20 مهاجراً. وتم نقل نحو 900 شخص من الجزر اليونانية إلى مواقع في البر الرئيسي، وقالت الحكومة إنها تريد نقل 20 ألف شخص بحلول نهاية العام. وقبل أيام، منع سكان نيا فراسينا 380 من طالبي اللجوء من الوصول إلى الفنادق بالقاء الحجارة على حافلاتهم التي استدارت وتوجهت إلى موقع آخر في وسط اليونان. وأصبحت البلاد مرة أخرى نقطة دخول رئيسية للمهاجرين إلى أوروبا، ربما بسبب سياسة جديدة من تركيا المجاورة والتي هددت في أيلول/سبتمبر بتخفيف القيود على الحدود إذا لم تحصل على مزيد من المساعدات الدولية. وقال مسؤولون إن نحو 700 مهاجر ولاجئ وصلوا إلى مطار إليفسينا قرب أثينا قادمين من جزيرة ساموس. وفي وقت سابق وصل 120 شخصا من جزيرة ليسبوس إلى ميناء بيريوس الرئيسي.
كما احتج المئات من طالبي اللجوء على الأوضاع في أكبر مخيم للاجئين في اليونان في جزيرة ليسبوس، بعدما لاقت امرأة حتفها في حريق بالمخيم. سار المحتجون نحو عاصمة الجزيرة لكن الشرطة حالت دون تقدمهم. ولقيت المرأة حتفها في ثالث حالة وفاة هناك خلال شهرين. وكان مراهق أفغاني قد قتل في اشتباك في أغسطس آب ودهست شاحنة بالخطأ طفلا أفغانيا عمره خمس سنوات في سبتمبر أيلول. بحسب رويترز.
وحمل المحتجون لافتات كتبت عليها عبارات منها ”موريا جحيم“ و“نريد الأمن والحرية“. ومنعت شرطة مكافحة الشغب المحتجين من التقدم بالمسيرة لأبعد من بضعة مئات من الأمتار من بوابات المخيم. ومخيم موريا، الذي كان قاعدة عسكرية في السابق، فتح عام 2015 كمركز لتسجيل المهاجرين الجدد لكنه يؤوي حاليا أعدادا من المهاجرين واللاجئين تعادل أربعة أمثال سعته.
وأعلنت الحكومة اليونانية أنها تريد إعادة نحو عشرة آلاف مهاجر إلى تركيا بحلول نهاية عام 2020، بعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء إثر حريق وأعمال شغب في مخيم بجزيرة ليسبوس. وأضاف بيان لمجلس الوزراء أنه "من 1806 تمت إعادتهم خلال أربع سنوات ونصف سنة في ظل حكومة سيريزا السابقة" تريد حكومة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس الانتقال إلى "عشرة آلاف عائد بنهاية عام 2020". وتشمل التدابير الأخرى المعلنة تعزيز الدوريات في بحر إيجه، ومواصلة عمليات النقل الإضافية للمهاجرين من الجزر إلى البر الرئيسي، وبناء مراكز مغلقة للمهاجرين غير الشرعيين أو أولئك الذين تم رفض طلب لجوئهم، أو إجراء إصلاحات في نظام اللجوء، وفقا للبيان.
اضف تعليق